بواسطة Katty Alhayek | يوليو 19, 2017 | Featured Audio, Roundtables, غير مصنف
مقدمة ملف الاعتقال في سوريا
معكم كاتي الحايك، بملف جديد للوضع حول الاعتقال في سوريا. في هذه الفقرة سنشاركم بتفاصيل تجارب نشطاء من سوريا كانوا عرضة للاعتقال لأسباب مختلفة متعلقة بحرية الرأي والتعبير والنشاط من أجل التغيير السياسي والاجتماعي. تتناول الفقرة ملف الاعتقال انطلاقاً من التجارب والقصص الشخصية لثلاثة نشطاء: حسين غرير، كفاح علي ديب، وميلاد شهابي. تركز الفقرة أيضاً على اقتراحات وتوصيات النشطاء فيما يتعلق بطرق لتسليط الضوء أكثر على قضايا الاعتقال من قبل الجهات المختلفة في سوريا والوسائل الممكنة لمساعدة ودعم المعتقلين والمعتقلات وأسرهم.
الضيف الأول حسين غرير. حسين مدون سوري وناشط بمجال حرية الإعلام والتعبير. حسين يتحدث من غازي عنتاب في تركيا ويُشاركنا بتفاصيل قصته وتجربته في الاعتقال والنشاط من أجل التغيير في سوريا. حسين اعتقل لأكثر من ثلاث سنوات ونصف في سجون النظام السوري وأطلق سراحه هذا الصيف بالتحديد في تموز\ يوليو ٢٠١٥.
الضيفة الثانية هي كفاح علي ديب فنانة تشكيلية، كاتبة، وناشطة سياسية من سوريا. كفاح تتحدث من برلين، ألمانيا. كفاح تُشاركنا بتفاصيل عن تجربتها بالنشاط السياسي السلمي والاعتقال لأربع مرات في سجون النظام السوري، ومن ثم اللجوء لألمانيا واستمرار النشاط من أجل السلام وإطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في الداخل السوري. بالإضافة لنشاطها حول قضايا مشاركة النساء السوريات في العملية السياسية وعملية التفاوض.
الضيف الثالث ميلاد شهابي ناشط إعلامي وصحفي سوري. ميلاد يتحدث من حلب، سوريا ويشاركنا بتفاصيل عن تجربته بالنشاط الإعلامي في الانتفاضة السورية، والاعتقال من قبل داعش أواخر سنة ٢٠١٣، ومن ثم الحرية ومتابعة العمل الإعلامي في مدينته حلب. ميلاد يُساعدنا على فهم السياق الأكبر لعمليات الاعتقال والخطف والتهديد في سوريا اليوم.
المقدمة لثلاثة مقابلات
البقاء على قيد الحياة في المعتقلات السورية
حوار إذاعي مع حسين غرير
مدون سوري وناشط بمجال حرية الإعلام والتعبير.
أجرت اللقاء: كاتي الحايك
صاغت اللقاء باللغة العربية الفصحى كاتي الحايك
١٨ أيلول ٢٠١٥ | بالعربية
حسين غرير يناقش تجربته الحديثة في سجون النظام السوري كمعتقل سياسي لأكثر من ثلاث سنوات ونصف.
كاتي: مرحبا مستمعينا معكم اليوم كاتي الحايك. اليوم ببرنامج الوضع سوف نتحدث مع حسين غرير. حسين مدون سوري وناشط بمجال حرية الإعلام والتعبير. اعتقل في شباط ٢٠١٢ مع زملاءه في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير من قبل النظام السوري في دمشق. أُطلق سراحه يوم الجمعة ١٧ تموز\ يوليو ٢٠١٥ بعد حوالي ثلاث سنوات ونصف من الاعتقال. سوف يُشاركنا اليوم حسين تفاصيل قصته وتجربته في الاعتقال والنشاط من أجل التغيير في سوريا.
أهلا وسهلا فيك حسين.
حسين: أهلا وسهلا فيك أنا سعيد جداً بالمشاركة معكم.
كاتي: ونحن كمان سعيدين جداً أنك قد وافقت على إجراء لقاء معنا وعلى مشاركتنا بتفاصيل عن حالك وعن تجربتك بالاعتقال في سوريا.
حسين: أكيد مستعد احكي معكم عن هذه التجربة لأنه من المهم جداً أن يعلم الناس ماذا يجري للمعتقلين في المعتقلات السورية.
كاتي: تُخبرنا أولاً عن حالك ما قبل الاعتقال. من هو حسين غرير؟ ماذا كانت نشاطاتك بشكل عام؟
حسين: في البداية كنت أُدون باسم مستعار منذ بداية سنة ٢٠٠٧، بسبب الوضع الأمني في سوريا استمريت حتى نهاية ال٢٠٠٨ باسم مستعار ثم بدأت أُدون باسمي الحقيقي. كنت أكتب عن الفساد، عن السياسة، واكتب أيضاً في مجال حقوق المرأة وذوي الإعاقة. في سنة ٢٠١١ بعد بداية الثورة حاولت الانخراط بالعمل السياسي في الثورة. اعتقلت أول مرة بشهر ١٠ سنة ٢٠١١، اعتقلت حوالي شهر ونصف على خلفية مشاركتي بحركة سياسية بالثورة وأيضاُ على خلفية عملي كمدرب بإعلام المواطن مع BBC World Service Trust.
المرة الثانية اعتقلت بينما كنت أعمل مع المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، مثل ما ذكرتي، مع زملائي. كنا ١٥ شخصاً بتاريخ ١٦ شباط ٢٠١٢.
كاتي: أصوات المعتقلين والمعتقلات السياسين\ات بسوريا من أكثر الأصوات المهمشة ومن القليل حتى نعلم عما يحدث في سجون الداخل السوري. ماذا تخبرنا أكثر عن تجربة اعتقالك وعن معاناة المعتقلين والمعتقلات في سوريا؟
حسين: الحقيقة هناك تضييق كبير على المعتقلين من قبل النظام. خلال فترة وجودي في سجن دمشق المركزي أو ما نطلق عليه عادة اسم “سجن عدرا”، الصليب الأحمر قام بزيارتنا مرتين. في المرتين أنا كمعتقل، كسجين، كنت على علم بهذه الزيارات قبل موعد الزيارة بثلاثة أيام. فما بالك إدارة السجن! أكيد هم يعلمون بالزيارة قبل الموعد بأسبوع وقد قاموا بالتحضير لهكذا زيارة.
هناك مشكلة في التعاطي، حتى الدولي، حتى الأمم المتحدة، مع فكرة المعتقلين وكيف يتم التحضير مع النظام على زيارة سجن مدني وليس في الفروع الأمنية. أيضاً النظام كان دائماً يلعب هذه الألعاب. على سبيل المثال: في نهاية سنة ٢٠١١ وبداية سنة ٢٠١٢ كان هناك بعثة الجامعة العربية. كانت البعثة على أساس ستقوم بزيارة سجون المخابرات. قام النظام بجمع جميع المعتلقين. وقام بافراغ السجون ونقل المساجين بباصات وهم مكبلي اليدين ومعصوبي العينين ومن ثم أرسلهم لمناطق نائية. عندما تأتي البعثة لتقوم بالزيارة–التي هي بالأصل منسقة بشكل مسبق–لا تجد أحد.
كاتي: هذا في السجون المدنية أم في سجون المخابرات؟
حسين: في سجون المخابرات، أما في السجون المدنية، كما قلت لك، خلال وجودي بسجون عدرا لسنتين ونصف بعد قضاء سنة بأفرع المخابرات، قام الصليب الأحمر بزيارتين والاثنتين كانتا منسقتين مسبقاً. ولم يستطيعوا رؤية شيء. حتى لو كان المعتقل يُريد التحدث أمام اللجنة هناك خطر كبير على حياته. ممكن اذا حكى أي شي عن معاناته فممكن أن يقتل. هناك أيضاً تضييق على المحامين، وعلى أي شخص من الممكن أن يقوم بأي تواصل مع المعتقلين. ليس بالإمكان أن نُرسل رسائل للخارج، ولا أن نستقبل رسائل من الخارج، حتى بالسجن المدني. أما بفروع المخابرات لا يوجد أي اتصال مع الخارج نهائياً. فعلاً النظام قادر على أن يُعتم ويخفي صوت المعتقلين بحيث لا يستطيع أي أحد أن يعلم عنهم أي شيء. ولا أحد يقدر من السوريين أن يقترب من قضية المعتقلين بشكل مباشر وأن يتكلم عن معاناتهم. إلا في حالات مثلي الآن بعد أن خرجت من المعتقل واستطيع التكلم بشكل واضح أكثر عن معاناة المعتلقلين. لكن يجب على المجتمع الدولي والأمم المتحدة أن تتصرف بشكل عاجل، خاصة فيما يتعلق بالقيام بزيارات مفاجئة للمعتقلات. وإلا فأنه لا يمكن فعلاً حل معضلة المعتقلين والتخفيف من معاناتهم.
كاتي: طيب من خلال تجربتك بالاعتقال وخاصة في سجون المخابرات هل صدف أن كنت مع معتقلين من الفئات الأكثر تهميشاً في سوريا ممن لا نعرف عنهم الكثير، مالذي تشعر أنه كان أكثر القضايا الملحة التي عانى منها المعتقلين بقلب الداخل السوري؟
حسين: أكثر ما كان يعاني منه المعتقل هو الوضع الصحي الذي كان سيء جداً بالإضافة إلى التعذيب وازدحام غرف المعتقلات. من الممكن مثلاً في غرفة مساحتها ٢٢٠ سنتيمتر أن يكون هناك ١٦ إلى ٢٠ شخص في هكذا مساحة صغيرة جداً. حتى النوم يكون مستحيلاً في الكثير من الأحيان لدرجة أن الكثير من الوفيات حدثت بسبب انعدام النوم. المعاناة لا يمكن الحديث عنها فعلاً بكلمتين فقط، ابتداءاً من الطعام وانتهاءً بالتعذيب.المعتقل يعتبر نفسه أنه انتهت حياته. وأنه دخل بنفق مظلم. إذا كان محظوظ من الممكن أن يخرج منه. سوف احكي لك قصة صارت معنا في فرع المخابرات. سمعنا مرة قصف. كنا قريبين على منطقة جوبر في نهاية سنة ٢٠١٢ عند حدوث قصف على جوبر. لم نعرف حينها القصف من أين لأين، ولكن سمعنا صوت القصف وكنا نتمنى أن يقع الصاروخ القادم فوقنا. ليس بسبب يأسنا، أبداً، ولكن كنا نريد اختفاء فرع المخابرات حتى لو كان الثمن أرواحنا. لهذه الدرجة كانت معاناتنا. هذه الأمكنة لا يجب أن تبقى، حتى لو كنا تحتها. هذه الأمكنة جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس وبكل المعايير. إضافة لهذا الشيء أنا كمعتقل محسوب على الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، كان هناك نوع من تسليط الضوء الإعلامي على قضيتنا وفي بعض الحالات المشابهة. ولكن ماذا بالنسبة لباقي المعتقلين؟ هناك لا أريد أن أقول مئات الآلاف لنقل عشرات الآلاف لا أحد يحكي أو يسأل عنهم، هذا ضغط إضافي على المعتقل. المعتقل يشعر أنه دون ظهر ودون سند ودون أمل. لا أحد يسأل عن قضيته. هذا يُضاعف من المعاناة. طبعاً غير عن معاناته بالنسبة لأهله. بالنسبة للمعتقل وضع أهله جداً أساسي. إذا المعتقل لا يعرف شيء عن أهله أو وضع أهله سيء مادياً أو اجتماعياً، هو حكماً ستتضاعف معاناته. هذا ما أستطيع أن أحكيه باختصار عن معاناة المعتقل وهي معاناة لا تختصر فعلاً.
كاتي: أكيد لا تختصر ومن أكثر القضايا المهمشة حالياً بالحديث عن كل ما عم يجري من مظالم بسوريا وبالسوريين. (دقيقة: ١٠:٠٦) أحب أيضاُ أن أسلط الضوء على جانب من تجربتك و على جانب آخر من قضية الاعتقال بسوريا. ببداية اعتقالك أضربت عن الطعام وأنا أعتبر الإضراب عن الطعام هو أحد أساليب المعتقلين للمقاومة والاحتجاج على الظلم يلي يتعرضون له في السجون السورية. ماذا تخبرنا أكثر عن تجربتك وكم استمرت؟ هل لاحظت أن سجناء آخرين اتبعوا هذا الأسلوب أو أساليب أخرى للاحتجاج على كل ما يحدث لهم في السجن واخبار العالم أنهم موجودون بطريقة أو بأخرى؟
حسين: الحقيقة لما أضربت عن الطعام لم أكن وحيداً، كان معي زملائي من الشباب يلي ظلوا معي وكنا سبعة أشخاص من المركز السوري للإعلام وحرية التعبير. أضربنا عن الطعام لمدة ستة أيام. حاولوا أن يضغطوا علينا من أجل أن نفك إضرابنا عن الطعام، ولكن كان هناك حدث مميز خلال فترة إضرابنا عن الطعام. أحد السجانين كان وقح جداً لدرجة أنه كان يقول: “أنا وقح ولا أكذب” وهو فعلاً لا يكذب بذلك ويحكي أي شيء مهما كان سيء. هذا السجان قال: “فكوا الإضراب عن الطعام لأنه بفرع المخابرات الجوية لن يفيدكم الإضراب عن الطعام، هنا ستموتون ولن يسأل عنكم أحد لأنه لن يعرف أحد عنكم بالأساس أنكم قد أضربتم عن الطعام.” قال لنا: “ممكن الناس أن تقوم بالإضراب عن الطعام في سجن مدني بحيث أن يعرف الإعلام ويحدث ضغط أاما هنا فلن يعرف أحد، فلا تعذبوا حالكم.” هذه كانت فكرة جداً صحيحة. فعلاً نحن خبر إضرابنا عن الطعام، بالمناسبة، لم يصل إلا بعد شهرين وعن طريق الصدفة وصل.
كاتي: هذه الفترة أنت كنت في سجون المخابرات الجوية قبل أن تنتقل للسجون المدنية؟
حسين: تماماً، هذه الفترة كانت عندما أضربنا عن الطعام في المخابرات الجوية لمدة ٢٨ يوم فقط في بداية اعتقالنا بعد أربعة أسابيع فقط. كان سبب إضرابنا عن الطعام أنه [للسجانين] بما انكم انتهيتم من التحقيق معنا، إما وجهوا لنا التهم وفق الدستور السوري الذي يقول أنه لا يجب أن نبقى أكثر من ٦٠ يوم أو أطلقوا سراحنا إلى البيت. خيار من الخيارين. طبعاً لم يستجيبوا لشيء وعلى العكس تماماً تمت معاقبتنا وتعرضنا للتعذيب. الحقيقة أنا لم أتعرض للتعذيب في حين تعرض باقي زملائي للتعذيب، أنا يمكن بسبب مرضي بالقلب تم استثنائي وتم تفرقتنا عن بعض. منذ تلك اللحظة تمت تفرقتنا عن بعض. في الحقيقة لا يوجد أي وسيلة للاحتجاج ضمن فرع المخابرات الجوية نهائياً.
تعلمنا بعد ذلك درس أنه أفضل خيار أن يقوم به المعتقل في فروع المخابرات الجوية هو أن يبقى على قيد الحياة. هذا أكبر جهد ممكن أن يبذله الشخص أن يبقى على قيد الحياة وبقواه العقلية لأن هناك الكثير من الناس فقدت قواها العقلية بشكل كامل. كنا نسمي هكذا شخص: “فَصَل” فعلاً ينفصل عن الواقع وفي كتير حالات مات فيها الأشخاص بعد حالة الانفصال عن الواقع. تعلمنا هذا الدرس أنه لا يوجد أي وسيلة لمقاومة السجان ولكن في وسائل شخصية ونفسية واجتماعية بين بعضنا بحيث نحاول أن نبقى على قيد الحياة ونتماسك لأن لا نفقد قوانا العقلية. أكثر من هذا لا يوجد أي فرصة ولا يوجد أي مجال أن نحتج أمام السجان وإلا قد يكون الموت هو النتيجة.
كاتي: بالتأكيد. من تجربتك حسين ماهي الأساليب أو بالأحرى ما هي التوصيات–التي نستطيع بها كمجتمع خارج المعتقل السوري وخارج سوريا–مساعدة ودعم المعتقلين\ات السياسيين بالداخل السوري؟
حسين: هناك ثلاث نقاط، برأيي، يجب أن نركز عليهم: النقطة الأولى أنه هناك الكثير من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان التي تُركز فقط على معتقلي حرية الرأي والتعبير ومدافعي حقوق الإنسان أما باقي المعتقلين لا يتم الدفاع عن قضاياهم بشكل مباشر. هناك سبب بسيط وراء هذا الوضع وهو أن النظام أحدث محكمة قضايا الإرهاب وأحال جميع المعتقلين لهذه المحكمة لدرجة أن المنظمات الدولية صارت تخاف أنه إذا اقتربت من ملفات هؤلاء المعتقلين سوف توسم بالتعاطف مع إرهابيين أو بالدفاع عن إرهابيين. لذلك المنظمات خضعت للعبة النظام. رغم أن المفترض كان أن يتم الضغط من قبل المنظمات بشكل جماعي بحيث يتم بشكل رسمي اعتبار جميع المعتقلين الآن معتقلين سياسين. فعلاً هم في القانون الدولي هم معتقلين سياسيين حتى يلي حمل سلاح هو حمله من أجل قضية سياسية وبالتالي هو معتقل سياسي وليس إرهابي. عملياً مما رأيت خلال ثلاث سنوات ونصف، نادراً جداً أن رأيت شخص واحد فقط من القاعدة خلال فترة اعتقالي كلها. أما ما تبقى هم كلهم يصنفوا معتقلين سياسيين. من داعش لم أرى أي أحد نهائياً. وبالتالي مافي أي شخص غير الذي رأيته من الممكن أن يُصنف دولياً كإرهاب. أما ما تبقى كلهم معتقلين سياسيين. وجزء كبير منهم معتقلين بشكل عشوائي من الطرقات دون أن يكونوا قد ارتكبوا شيئاً. فقط لأن الشخص ينتمي لمنطقة معينة أو طائفة معينة. لازم فعلاً أن يتم العمل على قضايا المعتقلين إما بشكل عشوائي أو المعتقلين السياسيين، ولا يجب أن نكتفي فقط بمعتقلي حرية الرأي والتعبير والمعتقلين المدافعين عن حقوق الإنسان. لأنه على سبيل المثال في سجن عدرا المركزي هناك ٨ آلاف معتقل. لا يتجاوز العشرة منهم من يحقق شروط المنظمات لمن يدافعون عنهم [أي معتقلي حرية الرأي والتعبير والمعتقلين المدافعين عن حقوق الإنسان] وماذا عن ال٨ آلاف الباقية إلا عشرة، ماذا هو مصيرهم! هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية: مثل ما ذكرت قبل قليل أن إحدى أهم معاناة المعتقلين هي أسرهم، يجب دعم أسر المعتقلين بشتى الوسائل. يجب أن نبذل جهد أكبر بكثير. الحقيقة هناك ضعف في التضامن مع أسر المعتقلين. هناك الكثير من الحوادث التي شهدناها ولكن من الحوادث التي كانت قريبة لي أن أحد المعتقلين ببساطة لم يرى ابنته التي ولدت بعد اعتقاله. لم يراها لمدة سنة ونصف بسبب أن أسرته لا تملك أجرة مواصلات الطريق لتأتي إلى السجن وتزوره. الأسرة في حلب، والمعتقل في دمشق. بهذه البساطة الموضوع. إحدى الحالات الثانية، أحد الأشخاص أثناء الزيارة انهار أمامي ثم علمت أن سبب انهياره أنه تم إخباره أن زوجته تعمل في الدعارة لتكسب مال يُمكنها من إطعام أطفالها. حالات إنسانية من هذا النوع كثيرة. معظم المعتقلين يُعانوا من ناحية سوء أوضاع أسرهم. هذا المعتقل الذي ضحى من أجل قضية أو الذي اعتقل عشوائياً بدون سبب من قبل النظام، هذا المعتقل يجب أن يتم دعم أسرته. على الأقل هكذا دعم سيساعد المعتقل أن يكون وضعه النفسي أحسن بقليل. لا نريد هكذا وضع، حيث المعاملة سيئة من طرف النظام ومن الطرف الثاني. لا يوجد تضامن من المجتمع السوري مع أسرة المعتقل.
النقطة الثالثة: فعلا يجب حدوث ضغط كبير جداً على مجلس الأمن وعلى الدول المؤثرة بالوضع السوري، حتى على الأقل (إذا لم يتم اطلاق سراح جميع المعتقلين لأننا نعلم أن المعتقلين ورقة سياسية بيد النظام) ممكن الضغط من أجل إجبار النظام على فتح الأبواب لزيارات مفاجئة لمراقبين دوليين من أجل تحسين الأوضاع الإنسانية للمعتقلين. لأنه فعلاً الدخول في حالة الاعتقال هو دخول في نفق مظلم والخروج منه أمل بعيد.
هذه هي النقاط الثلاث المفروض التركيز عليها بالنسبة للمعتقلين.
كاتي: شكراً كتير لمشاركتك لهذه النقاط الثلاث وانشالله قريبا نراهم قيد التحقيق.
حسين عندما اعتقلت كانت الانتفاضة السورية والمظاهرات في أوجها. ما يطلق عليه الكثير من الباحثين والناس تسمية “المرحلة السلمية.” حالياً هناك أزمة لاجئين كبيرة. هناك أعلام سياسية مختلفة: علم النظام وعلم المعارضة وعلم داعش وأعلام أخرى. وهناك قتال مسلح بين أطراف متعددة مع تمدد العنصر المتطرف مثل داعش والنصرة على حساب النشاط المدني الذي كنت من المشاركين فيه في ٢٠١١. كيف عشت هذا الانتقال؟ هل تابعت هذه التطورات السياسية عندما كنت في المعتقل؟ هل وصلتك هكذا أخبار؟
حسين: الحقيقة أول مرحلة من الاعتقال عندما كنت في سجون المخابرات، كانت المتابعة ضعيفة جداً جداً. ممكن كل شهرين أو ثلاثة حتى يدخل معتقل جديد لحتى نسمع منه بعض الأخبار التي لا تكون موثوقة عادةً، لأنه لا يمكن أن نتوثق منها. أما لما خرجنا لسجن عدرا المركزي وبدأنا نتلقى الزيارات ونرى الناس أكثر ونتابع أخبار أكثر. عندها بدأنا نتابع أكثر عملية الانتقال هذه. طبعاً حدثت لنا مفاجأة لما خرجنا لسجن عدرا المركزي، تفاجأنا بالأوضاع الجديدة. كان هناك انقلاب كبير بحالة الثورة السورية. استطعنا لاحقاً أن نتابع تحولات الثورة السورية. شاهدنا ظهور جبهة النصرة ومن ثم داعش وكيف فصائل المعارضة تشكلت وانقسمت واندمجت وكيف جزء من المقاتلين اتجهوا باتجاه جبهة النصرة أو حتى باتجاه داعش. لكن أريد أن أركز على نقطة: مازال هناك كحالة رئيسية في سوريا القتال مابين النظام والشعب السوري. هذه النقطة في الإعلام الغربي حالياً غير مرئية، في معظم الإعلام نقرأ ونرى كلمة الحرب الأهلية، يجب أن نكون حذرين من هذا التوصيف. نحن لدينا ثورة التي شهدت تحولات. صحيح أن الحالة التي وصلت لها لا تُعجبنا بالتأكيد. ولكن ما زال هناك حالة رئيسية عبارة عن قتال ما بين نظام مجرم وما بين شعب سوري. فداحة الجرائم وفقدان الأمل من قبل السوريين والتحكم بالدعم من قبل الدول المؤثرة أدى لاتجاه الثورة نحو السلاح ومن ثم أدى إلى نشوء قتال ما بين المقاتلين الذين في الأساس كانوا يقاتلون النظام. بالنسبة للتطرف، صحيح أننا نرى داعش والنصرة وحالة إسلامية واسعة. لكن أريد التنبيه إلى نقطة مهمة جداً: المجتمع السوري بطبيعته معتدل. ولكن أي مجتمع في العالم يُضغط بهذا الشكل، حُكماً سوف يتجه للتطرف. هذا الوضع ليس بسبب أن الناس تريد أن تتطرف. لا. لكن الناس فقدت الأمل وشعرت أنها وحيدة، فلم تجد أمامها إلا أن تلتجئ لتراثها ولشيء ممكن أن يحقق لها الأمل حتى لو كان أمل بالآخرة بما يُمكن الناس من الاستمرار بالحياة وقتال النظام.
قسم كبير من المقاتلين اتجهوا لجبهة النصرة وداعش لأن دعم السلاح (وهذه إشارة استفهام كبيرة جداً تتوجه للولايات المتحدة الأمريكية بشكل رئيسي ولباقي الدول التي تتدعي أنها صديقة الشعب السوري) كان موجه بشكل مكثف جداً لجبهة النصرة وللعناصر المتطرفة. هذا أدى إلى استطاعة هذه الفصائل المتطرفة أن تحقق نتائج أكبر من الفصائل التي كانت منضوية تحت لواء الجيش الحر الذي لم يبق منه إلا علم ومكتب إعلامي فقط لا غير وبعض الكتائب أكيد. مع احترام كل التضحيات التي حدثت من قبل هؤلاء المقاتلين ولكن اتجه قسم كبير منهم بسبب النتائج التي حققتها هذه الفصائل. لماذا المجتمع الدولي سمح بهذا الوضع؟ ممكن لأن المجتمع الدولي هذه استراتيجيته. أنا لدي عدة شكوك بهذا الخصوص. أيضاً مسألة العمل المدني. طالما النظام يقصف بالطيران وبالكيماوي وبالبراميل، فلن تقوم قائمة للعمل المدني. إذا هدأ الآن القصف، ويُعطى فرصة للناس لتعيش، بالتأكيد سنرى حركة مدنية قوية في المناطق التي أصبحت خارج سيطرة النظام. كيف سنرى الآن مشاريع مدنية أو مشاريع استراتيجية أو اقتصادية إذا كان هنالك قصف. كيف سنرى حركة نشاط مدني إذا كان هناك قصف. حتى تحت القصف (ممكن الذي لا نسمع عنه الآن) وإلى الآن هناك نشاط مدني وهناك مسرحيات تُقام في الشوارع وهناك عناية بمدراس الأطفال بجهود جبارة وبإمكانيات صغيرة. كل المشكلة أن هناك قصف فوق الناس. طالما القصف موجود لا يمكن للحياة المدنية أن تنوجد وسوف يستمر القتال والاقتتال بين الفصائل وستبقى الحالة العسكرية في أوجها. أعتقد أن هذا الشيء واضح بالنسبة للدول المؤثرة التي أعتقد أنها لا تريد أن تقوم بأي فعل في هذا الاتجاه لأنه إذا كان هناك نشاط مدني في المناطق المحررة سيكون هذا نموذج لما ستؤول إليه سوريا. أتصور أن كل الدول الحليفة وغير الحليفة للنظام هي في حاجة أن لا يكون هناك نموذج لسوريا المستقبل لأجل أن يستمر الاقتتال.
كاتي: مرة تانية شكرا كتير حسين غرير الناشط والمدون السوري على مشاركتنا بتفاصيل تجربة اعتقالك في السجون السورية
لمدة ٣ سنوات ونصف ومجدداً الحمدالله على السلامة بمناسبة خروجك من المعتقل. وانشالله قصتك ونشاطك تكون بوابة لتجديد الأمل بخروج جميع المعتقلين من السجون السورية. شكراً كتير.
حسين: الله يسلمك يارب وشكراً كتير على هذا اللقاء الجميل.
كاتي: شكراً الك من الوضع.
حسين: شكراً لكامل فريق العمل.
واحدة من ثلاثة مقابلات
قضية الاعتقال مفتاح أساسي لحل سياسي في سوريا
حوار إذاعي مع كفاح علي ديب
فنانة وكاتبة وناشطة سياسية من سوريا.
أجرت اللقاء: كاتي الحايك
صاغت اللقاء باللغة العربية الفصحى كاتي الحايك
٢٧ أيلول ٢٠١٥ | بالعربية
كفاح علي ديب تناقش تجربتها في النشاط السياسي في سوريا، وتشارك قصتها مع الاعتقال لأربع مرات في سجون النظام السوري.
كاتي: أهلا وسهلا بلقاء جديد خاص بالوضع Status حول ملف الاعتقال بسوريا. معكم كاتي الحايك.
اليوم ضيفتنا: كفاح علي ديب فنانة تشكيلية، كاتبة، وناشطة سياسية من سوريا. منذ بداية الانتفاضات العربية في مصر وتونس وليبيا، كانت كفاح من أوائل المنخرطات في التظاهرات المتضامنة مع تلك الثورات أمام سفارات هذه البلدان في دمشق. عند انطلاق الانتفاضة السورية، كفاح كانت من أوائل المشاركات في كل التظاهرات التي كانت تتمكن من التوصل إليها، من منتصف دمشق العاصمة، حتى أقاصي الريف والمدن الكبرى. في سنة (٢٠١٢ ) مجموعتها القصصية “نزهة السلحفاة”، فازت بالمركز الأول بجائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال أدب الطفل.
ضمن نشاطها السلمي اعتقلت كفاح أكثر من مرة. رابع وأخر اعتقال كان ٨ آب/اغسطس سنة ٢٠١٣.
كفاح رح تشاركنا بتفاصيل عن تجربتها بالنشاط السلمي والاعتقال في الداخل السوري، ومن ثم اللجوء لألمانيا واستمرار النشاط من أجل السلام واطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات في سوريا.
أهلا وسهلا كفاح علي ديب بالوضع Status
كفاح: أهلا وسهلا فيكي كاتي.
كاتي: بتخبرينا شوية عن حالك؟ نشاطاتك الفنية والكتابية..
كفاح: لقد ذكرتي الكثير من المعلومات بصراحة ولم يبق شيء جديد أذكره. أنا خريجة الفنون الجميلة من جامعة دمشق. اكتب قصة قصيرة للأطفال. عملت مع مجلة أسامة في سوريا. حالياً أعمل مع مجلة تصدر في الداخل السوري في المناطق خارج سيطرة النظام، واكتب فيها قصة قصيرة وبعض المقالات الثقافية الموجهة للطفل بهدف تعريف الأطفال بالآثار السورية والشخصيات السورية التي من الممكن أن تكون قدوة حقيقية للأطفال. في نفس الوقت لدي مجموعة قصصية جديدة قيد النشر في الإمارات العربية. شاركت منذ شهر تقريبا في معرض فينيس بينالي في ايطاليا بعمل ضمن معرض كبير اسمه “سوريا خارج الإطار” وقد شارك فيه عدد كبير من الفنانين السوريين. كان لي شرف المشاركة مع هذا العدد الكبير من الفنانين بإحدى أعمالي الفنية في هذا المعرض. حالياً أقيم في ألمانيا واستمر بالكتابة والرسم.
كاتي: منذ بداية احتجاجات الربيع العربي ومن ثم الانتفاضة السورية شاركتي بالكثير من المظاهرات؟ بتخبرينا أكتر عن تلك المرحلة؟
كفاح: هذا سؤال أو نقاش يثير لدي الشجون لأنه في تلك المرحلة باعتقادي كنا نعيش ثورة في سوريا. بعد انتهاء مرحلة المظاهرات السلمية ذات المطالب السياسية والاجتماعية، أعتقد أنه لم يبقَ ثورة في سوريا واصبح هناك شيء أقرب للحرب. الحرب الأهلية من جهة والحرب العالمية\الإقليمية\الدولية من جهة أخرى. هذه الفترة هي الفترة التي كان مازال فيها الشعب السوري يستطيع أن يتظاهر سلمياً وأن يقول مطالب لها علاقة بالحرية والديمقراطية والمجتمع والقانون والتغيرات التي يطمح كل مواطن لها بما يتعلق بالمواطنة.
تلك الفترة بالنسبة لي كانت بالفعل ثورة وانتفاضة شعبية تحمل مطالب محقة في وجه سلطة استبدادية ونظام ديكتاتوري. بعد ذلك تحولت إلى شيء آخر للأسف. الأمل هو أن يرجع الإنسان السوري ونرجع نحن كمواطنين سوريين لهذه المطالب التي ترددت بالمظاهرات السلمية والتي لها علاقة بوحدة الشعب السوري وبالمطالب الديموقراطية والدولة المدنية والتعددية التي تمنح حقوق وحريات لكل المواطنين السوريين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الإثنية أو القومية. لا أعرف ماذا اخبرك عن تلك المرحلة أكثر، لقد كانت الفترة الذهبية بالنسبة لي خلال الانتفاضة السورية.
كاتي: “كرز” لقب أطلقه سوريون/ات على مجموعة من ثلاثة نشطاء أنت و”رامي هناوي” و “زيدون الزعبي”، ماذا كانت “كرز”؟ وكم استمرت؟
كفاح: كرز تشير لأول ثلاثة أحرف من أسمائنا: كفاح ورامي وزيدون. في الحقيقة الناس الذين كنا نحاول أن نساعدهم بما نستطيع من المساعدات الإنسانية التي لها علاقة بالأدوية والمواد الغذائية والذين كنا نخرج لنتظاهر معهم، هؤلاء الناس هم من صدف أن أطلق علينا هذا اللقب. وأصبح هذا اسمنا، لدرجة عندما كنا نذهب لحمص كان الناس يعلموا أن “كرز” أتوا، وعندما كنا نذهب لدرعا، كان الناس أيضاً يعرفوا أن “كرز” أتوا، ولما كنا نتجول في دمشق وريف دمشق أيضاً الناس كانت تعرفنا كمجموعة “كرز.”
كان نشاطنا سلمي طبعاً. حاولنا أن نكون قريبين قدر الإمكان من الناس التي كانت تخرج في مظاهرات والتي كانت منتفضة في وجه الدكتاتورية. حاولنا أن يكون لنا دور إيجابي فكان دائماً خطابنا يقول للناس أن يجب عدم حمل السلاح لأن حمل السلاح سوف يؤدي لعسكرة الثورة وعسكرة الثورة سوف تؤدي إلى كوارث فيما بعد. وللأسف أثبت الزمن أن وجهة نظرنا نحن والناس التي كانت تتحدث بمثل رسالتنا بأن عسكرة الثورة أدت الآن إلى الويلات التي تمر فيها سوريا اليوم من دمار وتهجير وتفكيك بنية اجتماعية وتفكيك بنية وطنية. اليوم المجتمع السوري يكاد يكون غير موجود كمجتمع وككتلكة ذات قواعد وضوابط.
نحن كمجموعة حاولنا أيضاً بما نستطيع أن نُحذر العالم وأن نُساهم بشكل أو بآخر بتأخير حمل السلاح من قبل الناس وأن يكونوا أكثر صبراً على الجلد الذي كان يقع عليهم من قبل النظام الاستبدادي. للأسف نحن والكثير غيرنا فشلنا بأن نمنع الناس من التسلح. لكن يبقى لنا شرف المحاولة، وأنه حاولنا ما نستطيع. للأسف اليوم نحن الثلاثة “كرز”، أنا في ألمانيا، كذلك زيدون الزعبي في ألمانيا، ونحن الاثنان غادرنا سوريا مُجبرين بعد اعتقال أكثر من مرة وتهديدات بالقتل. للأسف زميلنا رامي لايزال في السجن منذ ثلاث سنوات وشهر تقريباً. هو معتقل منذ ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٢. في ذلك التاريخ اعتقلت أنا ورامي الهناوي، أنا أطلق سراحي بعد ١٨ يوم وللأسف هو لايزال في المعتقل حتى هذه اللحظة.
كاتي: انشالله سوف نرى رامي خارج سجون النظام السوري بالمستقبل القريب جداً.
كفاح مثل ماذكرتي اعتقلت أكثر من مرة، تقريباً أربع مرات. كيف كانت هذه التجربة؟ هل كان هناك معاملة خاصة كونك ناشطة /امرأة بالمقارنة مع النشطاء الرجال؟ وماذا تعرفي عن تجارب اعتقال لنساء أخريات؟
كفاح: بصراحة شديدة أنا أعتقد أن ما تعرضتُ له برغم قسوته يُعتبر لا شيء بالمقارنة مع ما يتعرض له المعتقلين الذكور أو حتى معتقلات نساء أخريات. لا استطيع أن اجزم بأن السبب في أن كمية العنف الذي تعرضت له كانت قليلة يعود لكوني أنثى. لا استطيع أن اجزم اطلاقاً بالسبب. هذا السؤال له علاقة برجل الأمن الذي اعتقلني: كيف يفكر، وبالناس الذين كانوا مسؤولين عني ضمن السجن: كيف كانوا يُفكروا؟ ليس لدي أي إجابة مثلاً على مسألة لماذا أنا خرجت من السجن بعد ١٨ يوم من الاعتقال ورامي مازال بالمعتقل منذ ثلاث سنوات وشهر، رغم أننا اعتقلنا بنفس اليوم وتقريباً التهم الموجهة لنا متماثلة. أنا أطلقوا سراحي بعد ١٨ يوم ورامي لم يطلق سراحه حتى الآن، رغم أني لم أترك وسيلة من الممكن أن أساهم فيها بالمطالبة بحريته عن طريق الأمم المتحدة أو عن طريق بعثة الأمم المتحدة في سوريا في فترة مختار لاماني والأخضر الإبراهيمي الذين كانوا مسؤولين عن البعثة. رغم ذلك لم أستطع أن أحصل على أي إجابة منطقية لسبب بقاء رامي أو سبب خروجي أنا من السجن. ثانياً، أنا خلال ثلاث مرات اعتقلت لا أذكر التواريخ بالظبط، ولكن حتى عندما اعتقلت [للمرة الرابعة] بتاريخ ٥ آب (اغسطس) ٢٠١٢، لم أتعرض لتعذيب جسدي كالضرب. كنت في غرفة منفردة لوحدي لمدة ١٨ يوم، لكن كنت قريبة جداً من غرفة التعذيب. غرفة التعذيب كانت أمام باب الغرفة التي كنت فيها تماماً وكان يجري فيها عمليات تعذيب بالنسبة لي هذا كان تعذيب نفسي لي لأني كنتُ ببساطة قادرة على شم رائحة الدم كل الليل وكنت قادرة على سماع صراخ الناس والشباب تحت التعذيب كل الليل. كنت أشعر أني أراهم وهم يتعذبون لأن رائحة الدم كانت تصل لعندي على الغرفة وكذلك أصواتهم وهم يئنوا تحت التعذيب وهم يصرخوا تحت التعذيب. لا أعلم كيف أستطيع أن أصف الحالة أكثر، ولكن حقيقةً ما يحدث في السجون السورية هو ليس جريمة ضد الإنسانية فقط هو جريمة بحق الإنسانية وهو جريمة أن الناس مازلت لا تعتبر قضية المعتقلين قضية أساسية وأنه يجب الدفاع عنها.
في الاعتقال الأخير وسوف أحاول أن أختصر، وهو الاعتقال قبل أن أخرج من سوريا مباشرةً، هذا الاعتقال كان هو السبب في اتخاذي القرار بمغادرة سوريا. كان هناك عنف شديد بطريقة الاعتقال. أنا كنت في زيارة لمكتب الأمم المتحدة في دمشق وكنت في زيارة بهدف المطالبة بالمعتقلين. كنت أُخبر مختار لاماني بأسماء بعض المعتقلين وبمشكلة المحاكم الميدانية. هذه المحاكم ليست فقط غير قانونية ولا تخضع لأي قانون وكل الناس يلي تُعرض على هذه المحاكم غالباً يتم تصفيتها من قبل النظام. أنا كنت ذاهبة لمحاولة تسليط الضوء على قضية المعتقلين وعندما خرجت من موعدي مع مختار لاماني نائب السيد الأخضر الإبراهيمي كانت هناك دورية للأمن قامت باعتقالي.
كاتي: أولاً أحب أن أشكرك على مشاركتنا بتفاصيل هذه القضية الشخصية والتي من الصعب أن تحكي عنها، لكن الهدف هو أن نلقي الضوء على قضية الاعتقال في سوريا لأنها من أكثر القضايا المهمشة حالياً حين التطرق للملف السوري.
هل تستطعي أن تخبرني أكثر ماذا تعني المحاكم الميدانية؟
كفاح: المحاكم الميدانية في سوريا تشكلت بعد انطلاق الانتفاضة السورية وفيها يتم تحويل المتهمين الموجودين بأفرع الأمن. فرضاً المحقق المسؤول عن هذا المتهم يقوم بتحويل قضيته إلى محكمة ميدانية. هذه المحكمة الميدانية ليس فيها قُضاة بمعنى ناس درسوا قانون، فيها ضباط مسؤولين عن الحكم، لايحق للمتهم وجود أي محامي أو أي دفاع عن النفس. هم ينظرون في ملفه فقط ويقررون الحكم عليه. كما نسمع، لأنه لا يمكن الحصول على وثائق حتى الآن، وكما حاولت الاستقصاء من بعض المعتقلين الذين خرجوا من أفرع الأمن وكانوا يعرفون أشخاص تم تحويلهم إلى هذه المحاكم. هناك الكثير من الأشخاص الذين تحولوا إلى المحكمة الميدانية ومن ثم تم الحكم عليهم بالإعدام. لا يتم تنفيذ الحكم مباشرةً، أحياناً يتم تحويلهم إلى سجن صيدنايا وفي سجن صيدنايا يتم تركهم هناك حتى اتخاذ قرار تنفيذ الحكم بحقهم. المحكمة الميدانية لا تخضع لأي قانون لا سوري ولا دولي ولا أي شكل قانوني.
كاتي: نحن عم نسمع عن محاكم الإرهاب أو محاكم بتهمة الإرهاب، هل المحاكم الميدانية هي نفسها محاكم الارهاب أو لأ؟
كفاح: لأ. محاكم الإرهاب هي أيضاً محاكم أُستحدثت بعد الانتفاضة السورية لكن من يتحولون لمحكمة الإرهاب قسم كبير منهم يستطيع الخروج بدفع كفالات مالية. طبعاً المعتقل يكون موكل محامي، لكن هذا المحامي لا يحق له أن يحضر مع المعتقل جلسة الحكم ولا يحق له أن يقوم بالدفاع عن المعتقل أو أن يساهم بأي شيء. أنا أتمنى أن تسألوا شخص مختص أكثر بالقانون لكي يشرح بالتفصيل هذا الموضوع. لكن لأني أيضاً أعرف من أصدقاء كانوا محولين لمحكمة الإرهاب أنهم يدخلون إلى المحكمة والقاضي الذي هو قاضي مدني غالباً يقوم بالنظر بملف المعتقل ثم يقرر هل سيخلى سبيله مقابل كفالة مالية أو أحياناً يخلي سبيله تحت محكمة ولكن أيضاً بكفالة مالية أو أحياناً يتم تأجيل محاكمته كما حدث مع المعتقل مازن درويش الذي تم تأجيل محاكمته اعتقد ١٠ مرات أو حتى أكثر لستُ متأكدة تماماً.
هؤلاء المعتقلين غالباً يتم تحويلهم إلى سجن عدرا حيث يُمكن للأهل زيارتهم والاطمئنان عليهم، إلى آخره. لكن الأشخاص الذين يُحولون إلى محاكم ميدانية وضعهم أسوأ بكثير. هؤلاء أشخاص لا أحد يستطيع أن يعلم عنهم شيء. هم يتحولوا إلى سجن صيدنايا أو يببقوا بالأفرع الأمنية نفسها التي كانوا معتقلين فيها.
كاتي: هل استطعتي أن تعرفي كيف يتم تحديد اذا شخص سيتحول إلى محكمة إرهاب أو محكمة عادية أو محكمة ميدانية أو أن الأمور عشوائية؟
كفاح: الأمور عشوائية بحتة. بالتأكيد لا أستطيع لا أنا ولا أي أحد آخر أن يعرف ذلك بالمعنى الدقيق أو بمعنى أن هناك وثائق قانونية أو طرق قانونية لتحديد ذلك. لا أعتقد بوجود أي شيء من هذا القبيل. فقط الأمور متعلقة بالشخص المُستلم لملف هذا المتهم، بمعنى الضابط أو الشخص المسؤول عن ملفه أو المحقق أو رئيس الفرع. للأسف هؤلاء هم اليوم من يتحكم بمصير أو مصائر المعتقلين والمعتقلات.
كاتي: عندما اعتقلي هل تم وضعك بسجن مختلط أو في سجون خاصة بالمعتقلات النساء؟
كفاح: عندما اعتقلت لم يتم تحويلي إلى أي سجن بمعنى سجن عدرا أو سجون أخرى. دائماً كنتُ اعتقل وابقى في زنازين الفرع أو الأفرع الأمنية. مثلاً بسنة ٢٠١٢ عندما اعتقلت من قبل فرع ٢٤٨ لا أدري إن كان فرع أمن الدولة. لكن هو موجود في منطقة كفرسوسة في دمشق. حينها تم وضعي في زنزانة تابعة للفرع نفسه. زنزانة موجودة في قبو الفرع ولم يتم تحويلي إلى سجن. لذلك وضعوني في غرفة بشكل منفرد. وكنت أسمع في الغرفة المجاورة لي أصواتاً جعلت من الواضح أن في الغرفة المجاورة كان هناك عدد كبير من السجناء ولكن كلهم من الذكور.
كاتي: أنت الآن في ألمانيا ومازلتي مستمرة في النضال من أجل ملف المعتقلين. شاركتي منذ فترة بوقفة تضامنية مع المعتقلين، في برلين. ماذا تُخبرينا عن أهمية هكذا فعاليات؟ على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد السياسي؟ وكيف نستطيع أن نُساهم بالتذكير بأهمية ملف المعتقلين وإيصال أصواتهم ومعاناتهم للمجتمع الدولي؟
كفاح: بصراحة بالمعنى الشخصي جداً، إحدى أهم القضايا التي لا اعتبرها فقط قضيتي، أنا كل يوم أحكي فيها، بأي موقف أو جلسة أو نقاش. دائماً أخذ النقاش إلى شيء يتعلق بملف المعتقلين. اليوم المجتمع الدولي كله دون استثناء، وليس الدولي فقط لكن الإقليمي أيضاً وكذلك النظام السوري. للأسف نحن كمواطنين سوريين كثير منا انزلقوا في نفس الطريق الذي اعتبره مشكلة، وهو أنه قد تحولت كل القضية السورية إلى قضية لاجئين. كأن كل ما حدث في سوريا خلال ٤ سنوات وأكثر حوالي ٥ سنوات، كأن كل القضية هي موضوع اللاجئين. أنا دائماً أحاول أن أُذكر أنه في سوريا قضايا أخرى أنا أعتقد حتى أنها أهم من ملف اللاجئين.
أولاً: هناك القضية السياسية بمعنى ما هو الشيء الذي سبب لجوء الناس. لماذا الناس خرجت من سوريا. بالتالي إذا وجدنا حلاً للسبب، المشكلة التي بسببها خرجت من سوريا، فأنا أكون أشارك بحل مشكلة اللاجئين.
ثانياً: هناك قضية أخرى لا تقل أهمية وضرورة إنسانية ملحة عن قضية اللاجئين وهي قضية المعتقلين والمخطوفين والمُغيبين قسراً. هؤلاء الناس الذين لا يحكي المجتمع الدولي عنهم وحتى نحن كمواطنين سوريين، رغم أنه غالباً لا يوجد أحد ليس لديه معتقل في سوريا خصوصاً إذا كان من طرف المعارضة وحتى من طرف الموالاة هناك مخطوفين لهم عند بعض الأطراف المحسوبة على المعارضة.
هي قضية شديدة الحساسية وشديدة الأهمية ومن واجب كل واحد فينا أن يعملها قضيته اليومية. بمعنى اذا كل يوم يتذكر أن يشرب كأس ماء، فكل يوم يجب أن يتذكر أنه يجب أن يحكي عن المعتقلين. أنا بالنسبة لي هذه القضية تعمل بهذا الشكل. الوقفة التضامنية قمنا بتنظميها كمجموعة أصدقاء ننتمي لكتلة سياسية هي هيئة التنسيق بالإضافة لبعض الأصدقاء المستقلين. تساعدنا سويةً لتنظيم الوقفة. حاولنا أن ندعو عدد كبير، لكن للأسف العدد الذي أتى لم يكن كبيراً. رغم أن عدد السوريين صار في برلين عدد لا يحصى ونحن قمنا بالإعلان عنها. حاولت أنا وأصدقائي أن نُرسل دعوات متعددة حتى لجهات سياسية ألمانية كانت متعاطفة مع موقفنا وكذلك بعض الإعلاميين المستقلين بمعنى الصحفيين. وقد أتوا وحضروا وحاولوا أن يقوموا بالتغطية للوقفة. في النهاية لا أعرف ماذا أقول ولكن هذا ما نستطيع أن نقوم به. للأسف لا نستطيع أن نقوم باطلاق سراح المعتقلين بكلمة لكن على الأقل نحن قادرين على أن نُبقي هذه القضية حية حتى لا ينساها الناس. لأنه بالتقادم حتى القضايا الكبيرة يبدأ الناس بتصغيرها ويُنظر لها من زوايا لم تعد مهمة. مهمتنا نحن أن لا نسمح للناس أو للمجتمع الدولي ولا الإقليمي ولا أي أحد أن يُحول القضية السورية إلى قضية لاجئين فقط. القضية السورية هي قضية سياسية بالدرجة الأولى وهناك قضية أخرى موازية لقضية اللاجئين وأكثر خطورة. مثلما يموت لاجئين في البحر وعلى الحدود، هناك معتقلين يموتون تحت التعذيب كل يوم وهناك مخطوفين يموتون عند الجهات الخاطفة كل يوم. هناك ناس لا نعلم عنهم أي خبر، وناس معروفين بالمعنى السياسي وناس لهم دور وأهمية سياسية كبيرة مثل الدكتور عبد العزيز الخير، إياس عياش، وماهر طحان، و الأستاذ رجاء الناصر، هؤلاء قيادات سياسية في سوريا. اليوم مثلاً الدكتور عبد العزيز الخير له ثلاث سنوات مع إياس عياش وماهر طحان بعد أن اعتقلهم النظام ولا يعترف بوجودهم. الأستاذ رجاء الناصر له سنتين بعد أن اعتقل من البرامكة في قلب دمشق ومع ذلك النظام يرفض الاعتراف بوجود هؤلاء الأشخاص في المعتقل لديه. هذه القضايا تخدم قضية المعتقلين. عندما ندافع عن قضية المعتقلين خصوصاً المعتقلين السياسيين رغم أنه يجب أن نُدافع عن كل المعتقلين. لكن هؤلاء المعتقلين السياسين يُساهموا بإيجاد حل حقيقي سياسي في سوريا. أنا أقترح أن قضية المعتقلين اذا كنتم تقومون بشكل أسبوعي بلقاءات أن تُحاولوا أن تقوموا على الأقل بشكل دوري بلقاء مع شخص له علاقة بقضية المعتقلين. وأن تحاولوا أن تسألوا الناس بأي لقاء هل تعرفوا شيء عن المعتقلين السوريين. أنا أتبع هذه الطريقة في أي لقاء وفي أي جلسة أسأل هل تعرفوا أي شيء عن المعتقلين السوريين. هل تعرفوا كم معتقل يوجد. هل تعرفوا أن هناك آلاف المعتقلات من النساء. وأن هناك مئات الأطفال معتقلين في السجون السورية. هذه هي قضية المعتقلين. أنا أسفة أحكي كثيراً في هذا الموضوع لأني أشعر مهما تكلمت مازال الكلام قليلاً.
كاتي: نحن نريدك أن تحكي من أجل أن نتعلم منكِ أكثر عن هذا الملف.
كفاح أنت على الصعيد السياسي شاركتي بعدة أنشطة خاصة، بعد وصولك لألمانيا ومنذ كنت في سوريا، حول ضرورة مشاركة المرأة في العملية السياسية وعملية التفاوض، بتشاركينا أكثر بتفاصيل هذه التجربة؟ وماهي النقاط والأولويات التي حاولتي إيصالها للمجتمع الدولي خاصةً أيام مفاوضات جنيف؟
كفاح: بصراحة أنا أنسى التواريخ دائماً، لكن منذ بداية الثورة حاولتُ أن أشارك بكل اللقاءات السياسية التي دُعيت إليها والتي تُشبه توجهي السياسي بما له علاقة بالتغيير الديموقراطي والوطني والذي يُساهم حقيقةً بالقضاء على الاستبداد وبأن نقضي على هذا النظام المجرم بكل المعايير وننتقل لدولة لها علاقة بدولة المواطنة والمساواة الخ. منذ البداية انتسبت لهيئة التنسيق الوطنية والتي هي مجموعة قوى سياسية ديموقراطية تحالفت مع بعضها من مجموعة أحزاب ومجموعة شخصيات مستقلة. كنت في الهيئة بصفتي مستقلة. شاركتُ بمؤتمرات داخل سوريا تم عقدها وكذلك خارج سوريا. بالنسبة للمبادرة التي انطلقت من جنيف وهي مبادرة نساء سوريات من أجل السلام والديموقراطية، كانت المبادرة قبل انعقاد مؤتمر جنيف التفاوضي. نحن حاولنا كنساء سوريات أن يكون لدينا مجموعة نقاط أساسية لها علاقة برؤيتنا للحل وبرؤيتنا لسوريا المستقبلية وبرؤيتنا حول النقاط التي يجب أن تُطرح على طاولة التفاوض. وصدر بيان ختامي بهذه النقاط. وكان هناك لجنة متابعة بعد هذا المؤتمر. هذه اللجنة كانت في جنيف أثناء انعقاد التفاوض بين وفد النظام ووفد المعارضة وحاولنا أن يكون قدر الإمكان صوتنا مسموع. للأسف حتى الآن ليس فقط صوتنا غير مسموع بما يكفي، لكن اليوم أيضاً هناك الكثير من التعقيد بالمشهد السوري. تحدث لقاءات كثيرة وتصدر بيانات كثيرة وأوراق، لكن هذه الأوراق للأسف تبقى في كثير من الحالات حبر على ورق أو حكي يُتداول. حتى الآن لا يوجد أي ملامح حقيقية لخطة حل في سوريا على الرغم من الوثائق الكثيرة. مثلاً حضرتُ مؤتمر القاهرة منذ حوالي الشهرين لا أذكر التاريخ بالضبط، في مؤتمر القاهرة كان هناك عدد كبير من المعارضة الديموقراطية وقسم من معارضة الداخل وشخصيات مستقلة وقسم من الائتلاف الوطني المعارض. وقد خرجنا بخارطة طريق للحل في سوريا. كذلك دي ميستورا منذ بضعة أيام قدم خارطة للحل. لكن حتى الآن حقيقةً لا توجد ملامح واضحة للحل في سوريا أو لبداية الحل في سوريا. سيد دي ميستورا طرح فكرة تشكيل لجان لأجل وضع حل قريب. كرؤية شخصية أعتقد حتى الآن لم يتم توافق دولي على ضرورة وجود حل في سوريا. حتى الآن لا يزال المجتمع الدولي مختلف بين بعضه إذا كان يجب أن يُوجد الحل الآن أم يجب أن نؤخر الحل. أنا أعتقد حتى الآن لا يوجد توافق دولي على ضرورة وجود حل في سوريا، لذلك نحن مثل الذي يُرواح في المكان نفسه وللأسف على حساب دم السوريين. الوقت في سوريا، مثلما كثير من الناس صارت تُكرر، من دم. لكن ليس بيدنا أن نعمل أي شيء قبل أن يكون هناك توافق دولي على ضرورة وجود حل.
كاتي: كفاح هل لديك أي شيء آخر تحبي أن تضيفه؟
كفاح: شكراً أولاً على هذه الاستضافة، ثانياً الشيء الذي أختم فيه عادةً أي حديث أو حوار على راديو أو في جريدة، أنا دائماً أختم بقضية المعتقلين.
كاتي: نحن نحب أن تختُمي بقضية المعتقلين.
كفاح: صحيح أننا تحدثنا عن القضية خلال اللقاء، لكن أنا سأختم في هذا الموضوع لأنه يجب ألا ننسى المعتقلين. المعتقلين هم قضية إنسانية لا تسمحوا للنظام وللمعارضة أن يحولوها لقضية سياسية. اليوم كلنا يجب أن نقف أمام ضميرنا وأخلاقنا ونقول أن المعتقلين هم قضية لا بد أن نبقى نتكلم عنها ولا بد أن تكون فعلاً قضيتنا الأساسية وأن تصير حديثنا اليومي مثلما كل يوم نفطر ونشرب ماء ونذهب للعمل ونخرج من المنزل للتنفس، كل يوم يجب أن نتحدث عن المعتقلين. عندما يُفكر الناس بهذه الطريقة عندها لن نسمح للناس بأن تدفن هذه القضية ولن نسمح للمجتمع الدولي ولساسة النظام وساسة المعارضة بأن يدفنوا هذه القضية. من حق المعتقلين علينا أن لا ننساهم ولا يوم. كل يوم يجب أن يكون عنا حديث له علاقة بالمعتقلين. وشكراً إلك كاتي.
كاتي: شكراً كتير إلك وشكراً أنك وصلتِ صوتك وهو صوت مهم جداً لإلقاء الضوء على قضية الاعتقال في سوريا. أنا مرة ثانية باسم فريق عمل الوضع Status اقول لك شكراً كتير كفاح علي ديب الفنانة التشكيلية، الكاتبة، والناشطة السياسية من سوريا على مشاركتنا بتفاصيل اعتقالك ونشاطك من أجل السلام وإطلاق سراح جميع المعتقلين والمعتقلات في سوريا.
اثنان من ثلاثة مقابلات
داعش واعتقال الصحفيين في سوريا
حوار إذاعي مع ميلاد شهابي ر
ميلاد شهابي ناشط إعلامي من حلب، سوريا.
أجرت اللقاء: كاتي الحايك
صاغت اللقاء باللغة العربية الفصحى كاتي الحايك
١٨ أيلول ٢٠١٥ | بالعربية
ميلاد شهابي يناقش تجربته كمواطن صحفي في حلب، واعتقاله في سجون داعش.
كاتي: مرحبا بلقاء جديد خاص بالوضع. معكم كاتي الحايك. اليوم ضيفنا ميلاد شهابي. ميلاد ناشط إعلامي من حلب، سوريا وكان من أوائل الإعلاميين الشباب الذين وثقوا مجريات الانتفاضة السورية. اعتقل من قبل داعش أواخر سنة ٢٠١٣. حالياً يقيم في حلب، حيث يعمل مع وكالة بصمة سورية على إنتاج أفلام وثائقية وأنشطة إعلامية مختلفة.
ميلاد رح يشاركنا بتفاصيل عن تجربته بالنشاط الإعلامي في الانتفاضة السورية، والاعتقال من قبل داعش، ومن ثم الحرية ومتابعة العمل الإعلامي من حلب.
أهلا وسهلا ميلاد شهابي بالوضع. كتير مبسوطين بمشاركتك معنا.
ميلاد: أهلا فيكي كاتي.
كاتي: بتخبرنا شوية عن حالك؟ وكيف بدأت نشاطاتك بالإعلام البديل في سوريا؟
ميلاد: في البداية أنا مواطن سوري من مدينة حلب. عند اندلاع الثورة كنت قبل المشاركة في الثورة مصمم حقائب نسائية. في بداية الحراك الثوري، ضمن نظام الأسد كان هناك عدة وسائل إعلام تابعة للحكومة كانت تتغاضى عن المشاكل التي كانت تحدث والمظاهرات التي كانت تحدث. كانت تتبع ما يُطلب منها من الأفرع الأمنية وكان هناك غياب حقيقي وملحوظ لوسائل إعلام النظام وتحريف للحقائق الموجودة على الأرض. اضطررنا نحن مجموعة من الناشطين في مدينة حلب لتصوير المظاهرات السلمية من خلال الموبايل ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وللفضائيات التي كانت تهتم بأمور الثورات العربية. بعد العمل العسكري في مدينة حلب، كان هناك معارك بين الثوار وقوات النظام. بدأت بتصوير المعارك ومن ثم انتهاكات النظام التي يقوم بها بقصف المدن المأهولة بالسكان، وانتقلت من تصوير المقاطع العادية إلى التقارير التلفزيونية عن الوضع الراهن في مدينة حلب. ثم وصلت لمرحلة شبه احترافية مع وكالة بصمة من خلال تصوير الأفلام الوثائقية. كان لنا عدة أفلام صورناهم في سوريا، منهم فيلم “في خدمة الشعب” الذي يتحدث عن دور الشرطة الحرة في مدينة حلب المحررة كجهاز بديل عن النظام. وهناك فيلم “جليلة” الذي يتحدث عن تضحيات المرأة السورية في ظل الثورة وكيف كان لها الدور الأكبر في ظل الحراك السلمي. وحالياً هناك فيلم “البطل” الذي سيبث خلال الأيام القادمة على قناة الجزيرة. فيلم “البطل” يتحدث عن الرياضيين السوريين والانتهاكات التي حدثت بحق الرياضيين السوريين، وكيف استطاعت مجموعة من الرياضيين أن ينشئوا الهيئة العامة للرياضة والشباب في سوريا وحالياً نُحضر لأربعة أفلام للسنة القادمة عن مدينة حلب حتى يكونوا موجودين على كافة وسائل الإعلام.
كاتي: نحن في انتظار أن نرى هذا الكم من الأفلام الوثائقية.
تعرضت للاعتقال من قبل داعش؟ متى كان ذلك؟ ماذا تخبرنا عن تجربتك وظروف الاعتقال داخل سجون التنظيم؟ وكيف خرجت من المعتقل؟
ميلاد: نعم اعتقلت في أواخر سنة ٢٠١٣ من قبل تنظيم داعش. قبل اعتقالي تلقيتُ عدة تهديدات واضطررت إلى مغادرة سوريا لمدة شهر كامل. ولكن كان الوضع في سوريا سيء جداً وكانت قد بدأت حملة البراميل على مدينة حلب والقصف العشوائي. عندها فكرتُ أن البلد بحاجة إلى أن يكون الناشطين موجودين في الداخل لأنه في ذلك الوقت غادر أكثر من ١٥٢ ناشط من مدينة حلب بسبب التهديدات من قبل داعش. كان قصف النظام كله يستهدف المدن المؤهولة بالسكان وتدمير البنية التحتية بشكل كامل. عندها اقتنعت أنه يجب أن أنزل إلى سوريا وأن أعود لنقل ما يحدث للشعوب العربية والشعوب الغربية ليعرفوا ماذا يحدث في سوريا. كان هناك عدة محاولات خطف لي بعد عودتي إلى سوريا. حدثت محاولتين خطف أثناء قيامي بتصوير مجازر، إحدى المجازر كانت على دوار الحيدرية كان هناك في حدود ١٥٥ شهيد. كان تنظيم داعش متواجد هناك وقد قام بفرض طوق أمني من أجل خطف الإعلاميين المتواجدين هناك. مرتين حاولوا خطفي ولم يستطيعوا. المرة الثالثة استطاعوا خطفي من مكتبي. فترة اعتقالي عند داعش استمرت لمدة ١٧ يوم. المعاملة كانت من أسوأ ما يكون. الفترة التي بقيت فيها عند تنظيم داعش ١٧ يوم كانت من أسوأ أيام عمري. للأسف الشديد أغلب من كان موجود هناك داخل السجن هم من الثوار الذين يعملون في عدة مجالات كالمجال الطبي والمجال الإعلامي والمجال العسكري والمجال التعليمي. كانت أسباب اعتقالاتهم متعلقة لمجرد وجودهم في المناطق المحررة وعملهم مع المجلس المحلي أو مجرد علمهم بأن شخص ثوري هو معروف. أسباب الاعتقالات كانت تافهة جداً. أبشع طرق التعذيب بحق السجناء موجودة في سجون داعش والتي لا تفرق في شيء عن سجون النظام تماماً. النظام كان يعتقل باسم المقاومة ولكن للأسف الشديد تنظيم داعش يعتقل باسم الإسلام وهو بعيد كل البعد عن الإسلام. الإسلام هو دين التسامح ودين السلام. كل الأعمال التي يقوم بها تنظيم داعش هي لا تصب إلا في مصلحة نظام الأسد وحلفاؤه.
كاتي: ماذا تعرف عن تجارب المعتقلين الآخرين عند التنظيم؟ وهل يمكن أن تخبرنا في ما إذا كان التنظيم يعامل المعتقلات من النساء بصورة مختلفة عن المعتقلين الرجال؟
ميلاد: في الحقيقة أنا عندما كنت متواجد في السجن لم يكن متواجد معنا نساء. كان أغلب السجناء هم من الثور الذين يعملون في عدة مجالات. كنت موجود في منفردة لمدة ١٣ يوم، وكانت هذه المنفردة قريبة إلى غرفة التحقيق، وكنت أسمع بعض التحقيقات. في الحقيقة معظم التحقيقات تافهة مثلاً كان هناك تحقيق مع مدرسين، كانوا معتقلين ثلاثة مدرسين، وكان سبب اعتقالهم أنهم كانوا يُدرسوا في مدراس تابعة للمجلس المحلي والتنظيم يعتبر المجلس المحلي باعتبار أنه يُنسق مع الحكومة المؤقتة والائتلاف السوري، يعتبره التنظيم جهة كافرة. أغلب الإعلاميين انخطفوا بدون أي سب، انخطف كثير من القيادات العسكرية بسبب انتمائهم للجيش الحر. أغلب الناس التي كانت موجودة، كانت موجودة نتيجة ظلم التنظيم. عندما خرجت من السجن، خرج معي ما يُقارب ٣٠٠ شخص، ٩٠٪ من هؤلاء الأشخاص هم من الثوار، وال١٠٪ الباقية هم مدنيين بسطاء كانوا موجودين في السجن.
كاتي: في حياتك الشخصية والمهنية، عانيت من ألم تجربة الاعتقال من جهات مختلفة، فبالإضافة لتجربة اعتقالك من قبل داعش، لديك أخيين في معتقلات النظام. ماذا تخبرنا عن تجربة اعتقال أخوتك وعن معاناة الأسر السورية التي تخوض تجارب مشابهة؟
ميلاد: في الحقيقة كان هناك معاناة كبيرة لما اعتقلت في السجن لأنه كان قد تشكل خوف كبير عند العائلة بسبب وجود اثنان من أخوتي معتقلين في سجون النظام ولا نعلم عنهم أي شيء منذ مدة أربع سنوات حتى الآن. عندما انخطفت تشكل خوف كبير لدى العائلة. مصيري كان مجهول ولم يعملوا شيء عني تماماً. اضطريت خلال سجني لأن لا أعرف أين أنا موجود، لم أعرف أني موجود عند تنظيم داعش حتى مضى ٥ أيام. بعد خروجي من السجن كانت الفرحة كبيرة جداً لأهلي بأن عاد لهم أحد أبنائهم لأن العائلة فاقدة اثنين من أولادها في سجون النظام ولايعلموا عنهما أي شيء.
بعد خروجي من السجن كان هناك تهديدات لعائلتي بشكل كامل وليس لي بشكل شخصي فقط. صار هناك تخوف كبير على عائلتي وكان هناك عدة عمليات تفجير في الأماكن الموجودين فيها وكل هذه العمليات تبناها تنظيم داعش. اضطريت أن ادع أهلي يُغادرون سوريا في بداية سنة ٢٠١٤ وحتى الآن. هناك تخوف كبير عليّ بسبب أني أنزل من تركيا إلى حلب بشكل دائم. أقوم بزيارة أهلي في تركيا ومن ثم أعود إلى حلب بشكل دائم. حين أنزل إلى حلب هناك تخوف كبير لدى أهلي من حدوث مكروه لي بسبب أنه وصلتني تهديدات كثيرة بعد خروجي من السجن. لكن أنا برأيي يجب أن أكمل العمل الذي بدأت به ولن يُوقفني تنظيم داعش أو أي تنظيم متطرف موجود في سوريا عن الشيء الذي طالبنا به في بداية الثورة وهو الحرية والكرامة للشعب السوري.
كاتي: هل تخبرنا أكثر من خلال تجربتك ماهي توصياتك لتسليط الضوء أكثر على قضايا الاعتقال والاختطاف من قبل الجهات المختلفة في سوريا وماهي الطرق لمساعدة ودعم المعتقلين والمعتقلات وحتى أسرهم؟
ميلاد: لن نخفي الحقيقة، المجرم الأكبر في سوريا هو بشار الأسد وأنا أتمنى من المجتمع الدولي أن يكون هناك ضغط دولي على نظام الأسد من أجل إطلاق سراح عشرات الآلاف من السوريين المعتقلين داخل السجون بسبب رأيهم المناهض لبشار الأسد. وأغلب سجون بشار الأسد مليئة بالسوريين. أتمنى أن يكون هناك ضغط دولي على الحكومة السورية أو على حكومة الأسد لإطلاق سراح هؤلاء المعتقلين. وأتمنى من كل مواطن سوري أو ثائر أن يكون لديه إجراءات الأمان لحماية نفسه من الخطف من قبل تنظيمات متطرفة مثل داعش.
ميلاد: أنت تعرضت للتهديد بالخطف عدة مرات وحالياً أنت تحكي معنا من حلب. كيف تجابه المخاطر اليومية للعمل الصحفي في حلب؟ وماهو مشهد الحياة اليومي في المدينة حالياً؟
ميلاد: التهديدات التي تلقيتها أتوقع أنها لن تمنعني من نقل الصورة أو نقل الحقيقة التي تحدث في حلب من انتهاكات في حق المدنيين إن كان من الفصائل المتطرفة أو كان من النظام. الفصائل المتطرفة مثل داعش أو PPK الذين حالياً يقومون بما يُشبه الحصار لمدينة حلب.
أنا برأيي يجب أن أكون متواجد في مدينة حلب حتى أنقل ما يحدث على أرض الواقع. أتوقع أنه مهما كان هناك تهديدات لي يجب أن نوصل الحقيقة ورسالة الشعب السوري. أنا كمصور في حلب عملي لن ينتهي حتى يحصل الشعب السوري على حريته بشكل كامل.
أما بالنسبة للوضع الإنساني في مدينة حلب فهو وضع مأساوي جداً جداً. تقريباً هناك في حلب أكثر من ٦٠٠ ألف عائلة يعانون من موضوع تأمين المستلزمات اليومية أو حالات القصف التي تحدث بعد الضغط الدولي الذي حدث مؤخراً والتدخل الروسي. حدثت عدة حالات قصف في ريف حلب. هذا أضاف خطر جديد على السوريين بالإضافة للخطر السابق من النظام والآن خطر من قبل روسيا. ما يحدث هنا هو مأساوي جداً. العائلات في حلب وضعها مأساوي جداً ويجب أن يكون هناك قرار دولي من أجل وضع مدينة حلب.
كاتي: إذا أريد أن أعرف أكثر عن الوضع الاقتصادي للأسر السورية. كيف يتم تأمين المواد المعيشية والأكل والشرب في المدينة؟ من أين الناس تستطيع أن تأمن الوصول لهذه المواد الأساسية؟
ميلاد: أغلب الناس المتواجدة في مدينة حلب عايشين على السلل الإغاثية التي ترد لهم من المنظمات أو الهيئات الإغاثية. أغلب الناس هكذا يعيشون. الناس البُسطاء يعملون في عدة مجالات مثل محلات خضار أو بسطات خبز أو باصات بنزين. المستلزمات اليومية بصعوبة شديدة حتى يستطيعوا أن يؤمنوها من خلال العمل الذين يقومون به. للأسف الأماكن التي يتواجدون فيها معرضة للقصف الشديد. مثلاً فترة ما قبل العيد كان النظام قد قام باستهداف أكثر من ٦ أسواق وكان الضحايا كلهم مدنيين ممن خرجوا لتأمين قوت يومهم لهم ولأولادهم.
كاتي: هل لديك أي شيء أخر تحب أن تضيفه؟ مثلاً لم نتحدث عن النقطة بما يتعلق كيف استطعت أن تخرج من المعتقل؟
ميلاد: عندما خرجت من المعتقل بعد ١٧ يوم، في الحقيقة اللحظات الأخيرة لما خرجنا من المعتقل، مثلما يقولوا، اعتبرنا حالنا مولودين من جديد. خرجنا من السجن ٣٠٠ شخص. استطعنا أن نهرب من السجن. هربنا من السجن وخرجنا لأماكن متواجد فيها الجيش الحر. بصراحة لما خرجنا في هذه اللحظات أغلب الناس كانت تبكي من الفرح لأتها خرجت من السجن، بعض الناس كانت مُغيبة لفترة ٦ شهور و٧ شهور ولا أحد يعلم عنهم أي شيء. عندما كنت متواجد في داخل السجن كنت أعلم أنه قبلي كان هناك ٢٣ ناشط مخطوفين من مدينة حلب. التقيتُ بهم عند خروجي من السجن. مثل الناشط أحمد بريمو التقيتُ به بعد خروجي من السجن. أيضاً الناشط خالد صفحة الذي يعمل في المجال العسكري والمجال الإنساني أيضاً التقيتُ به. كان هناك الكثير من الناشطين الذين كنا نعلم بتواجدهم عند داعش ولكن لم يكن هناك قوة تنفذية تستطيع أن تواجه داعش وتفك سراح المعتقلين. لكن في الفترة الأخيرة هناك تحرك كبير للجيش الحر من أجل إطلاق سراح المعتقلين بسبب الانتهاكات التي كان يقوم بها تنظيم داعش.
اللحظات الأخيرة حتى الآن لا أنساها نهائياً، عندما خرجتُ من السجن لم اذهب لمنزل أسرتي حتى مرور يومين. لأن المكان الذي كان يتواجد فيه أهلي كان ما يزال تنظيم داعش متواجد فيه وكانوا قد نصبوا لي كمين تحت منزل أهلي بغاية أن يعتقلوني فور زيارتي لأهلي. لذلك لم أزر منزلي لمدة يومين، وكان أهلي يزوروني في منطقة أخرى لمدة يومين. لاحقاً عندما لم يبقى شيء اسمه تنظيم داعش داخل مدينة حلب، التهديدات وصلت لي ولأسرتي واضطريت لأن أجعل أسرتي تُغادر سوريا.
كاتي: انشالله بالسلامة دائماً.
بالختام باسم فريق عمل الوضع Status بحب اشكرك كتير ميلاد شهابي على مشاركتك معنا اليوم من حلب، وعلى مساعدتنا على فهم ظروف الاعتقال لدى تنظيم داعش والسياق الأكبر لعمليات الاعتقال والخطف والتهديد بسوريا اليوم. نتمنى لك كل التوفيق والسلامة في نشاطك الإعلامي وفي حياتك في حلب. شكراً كتير
ميلاد: شكراً كتير لكِ ولكل فريق العمل.
ثلاثة من ثلاثة مقابلات
[This article is published jointly in partnership with STATUS.]
بواسطة Katty Alhayek | أكتوبر 13, 2016 | Featured Audio
في سلسلة من ثلاث مقابلات لبرنامج الوضع باستضافة من كاتي الحايك, يتحدث كتاب وناشطون سوريون عن منظوراتهم حول واقع التعليم في سوريا، وكذلك للسوريين في بلدان مجاورة. يركز كل ضيف على التعليم في مواقع مختلفة: في مناطق تحت سيطرة المعارضة، مناطق تحت سيطرة النظام وأخرى تحت حكم داعش.
صبر درويش
كاتب وصحفي سوري٬ له العديد من التحقيقات الصحفية نشرت في وسائل اعلام عربية مختلفة٬ له عدة أفلام وثائقية٬ ومنها فيلم “حكايات من شرق العاصمة” وعرض على قناة العربية في عام ٬2014 كما نشر كتابين حول سوريا٬ الكتاب الأول بعنوان: سوريا: تجربة المدن المحررة“٬ الصادر عن دار الريس٬ بيرو٬ 2015 والكتاب الثاني بالاشتراك مع الكاتب اللبناني محمد أبي سمرا٬ بعنوان: “مآسي حلب الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين”٬ الصادر عن دار المتوسط٬ بيروت2016٬. بالإضافة إلى العديد من الأبحاث الميدانية المتعلقة بالشأن السوري .
مقيم حاليا في فرنسا.
علياء أحمد
كاتبة وباحثة سورية ومدربة في الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان خاصة قضايا المرأة والطفل. علياء حاصلة على شهادة جامعية في علم الاجتماع من جامعة حلب ودبلوم في إعادة التأهيل التربوي من جامعة البعث. نشرت العديد من الدراسات والمقالات الاجتماعية والثقافية في درويات ومواقع الالكترونية سورية وعربية.
سامي عبد الكريم
سامي عبد الكريم ناشط سوري من أوائل المشاركين في الحراك السلمي وتنسيق المظاهرات وتوثيق أسماء المعتقلين وعضو لجان التنسيق المحلية في سوريا كان طالبا جامعا في كلية العلوم السياسية بدمشق قبل أن يتم فصله سنة ٢٠١٢ من الكلية على خلفية اعتقاله في الفرع ٢١٥ بعد تنظيم اعتصام سلمي أمام السفارة الأيرانية في دمشق. عمل سامي في دير الزور في مجال التعليم وتنمية المجتمع الدني وتوثيق الانتهاكات. غادر سوريا عند دخول تنظيم داعش إلى دير الزور سنة ٢٠١٤.
مقيم حاليا في السطنبول.
مقدمة، التعليم في سوريا
الجزء ١، التعليم في سوريا في ظل حكم المعارضة – صبر درويش
الجزء ٢، التعليم في سوريا في ظل حكم النظام – علياء أحمد
الجزء ٣، النشاط التعليمي في ظل حكم داعش – سامي عبد الكريم
سامي عبد الكريم ناشط سوري من أوائل المشاركين في الحراك السلمي وتنسيق المظاهرات وتوثيق أسماء المعتقلين وعضو لجان التنسيق المحلية في سوريا. كان طالباً جامعياً في كلية العلوم السياسية بدمشق قبل أن يتم فصله في سنة ٢٠١٢ من الكلية على خلفية اعتقاله في الفرع 215 بعد تنظيم اعتصام سلمي أمام السفارة الإيرانية في دمشق. عمل سامي في دير الزور في مجال التعليم وتنمية المجتمع المدني وتوثيق الانتهاكات. غادر سوريا عند دخول تنظيم داعش الى دير الزور سنة ٢٠١٤. مقيم حالياً في اسطنبول.
التعليم في سوريا تحت حكم داعش
نص اللقاء
كاتي: للوضع معكم كاتي الحايك، مرحبا مستمعينا بلقاء جديد ضمن ملف التعليم في سوريا أثناء الحرب. اليوم رح استقبل سامي عبد الكريم ناشط سوري عمل في دير الزور في مجال التعليم وتنمية المجتمع المدني وتوثيق الانتهاكات. غادر سامي سوريا عند دخول تنظيم داعش إلى دير الزور شهر تموز\يوليو سنة ٢٠١٤. مقيم حالياً في اسطنبول. حواري مع سامي رح يركز على تجربته في مجال التعليم في دير الزور. أهلا وسهلا فيك سامي معنا بالوضع!
سامي: أهلا وسهلا فيكي كاتي ويسعد مساكي وشكراً على استضافتي!
كاتي: بتخبرنا شوية عن حالك وماهي الظروف التي أدت إلى اهتمامك بمجال التعليم؟
سامي: اسمي سامي عبد الكريم من محافظة دير الزور وعمري ٢٥ سنة. كنت طالب بكلية العلوم السياسية، عند حدوث الثورة شاركت بالحراك السلمي مثل بقية الشباب السوري. انضممتُ في ذلك الحين للجان التنسيق المحلية وبدأت العمل في مجال توثيق الطلاب المعتقلين وتوزيع المنشورات، يعني نشاطات سلمية في مدينة التل بريف دمشق. انفصلت من الكلية بعد ٤ شهور من الاعتقال من فرع ٢١٥. عدتُ بعدها إلى دير الزور وتفاجأت في الواقع التعليمي الذي من الأساس لم يكن هناك اهتمام كبير به. حزنتُ جداً أن قسم كبير من المدارس كان مُدمر وقسم كبير لم يكن به طلاب يُداوموا. هذا الأمر دفعني أن أركز على موضوع التعليم لأني كنت أرى جيل كامل عم يضيع في حرب هم في الأخير لا ذنب لهم فيها. أيضاً أنا أعتبر أن العلم هو الأساس لبناء جيل قادر أن يحقق شيء للبلد. هذا أكثر شيء شجعني على الاهتمام بموضوع التعليم والعمل على موضوع المدارس في دير الزور.
كاتي: خلال إقامتك في دير الزور اشتغلت مع عدة منظمات مهتمة بمجال التعليم كمنظمة إسهام ومنظمة جذور، شو بتخبرنا أكثر عن هذه التجربة والتحديات التي واجهت هكذا مشاريع تعليمية؟
سامي: أولاً التجربة في البداية كانت صعبة شوية لعدة أسباب. أولها، كان منطق السلاح مسيطر على البيئة المحيطة. في البداية كان النظام عامل المدارس مقرات وناشر قناصين فوق أسطح المدارس. خرج النظام من المنطقة، أصبح لدينا مشكلة جديدة هي مشكلة النازحين من المدينة، وامتلأت كل المدارس نازحين. كانت هذه هي أولى الصعوبات التي واجهتنا وهي تأمين مكان بديل لهؤلاء النازحين. استطعنا بطريقة ما أن نقوم بتوزيعهم على بيوت ومؤسسات ثانية. بدأنا حملة تبرعات صغيرة، ترميم مدرسة صغيرة. لكن كمية التبرعات لم تكفي حينها بسبب الدمار الكبير وبسبب أن المقاعد قد استخدمها النازحين للتدفئة في الشتاء لأنه لم يكن هناك مازوت. بدأنا بمدرسة صغيرة واستطعنا إعادة حوالي ١٥٠ أو ١٦٠ طالب. بعدها استطعت عن طريق بعض الأصدقاء أن أتواصل مع منظمات تعمل في هذا المجال. مررنا في ظروف صعبة جداً مثل تأمين كادر تدريسي وأساتذة مختصين وايضاً كان عنا مشكلة إقناع الأهالي أن يُرسلوا أولادهم إلى المدرسة لأن الأهالي كانوا يخافون من إرسال أطفالهم. الحمد لله في فترة قصيرة استطعنا كسب ثقة الأهالي وكان عنا صعوبة في تأمين مستلزمات المدرسة. كما تعرفي في دير الزور لم يكن لدينا الكثير من المواد، لذلك كنا نضطر أحياناً أن نوصي عليها من دمشق وأن نقوم بدفع رشوة لحواجز الجيش من أجل تمرير هذه الأغراض التي تلزمنا في عملنا. كنا نعاني من موضوع المضايقات من قبل جبهة النصرة مثلاً. أكثر من مرة تم استدعائي من قبل الهيئة الشرعية وتم استجوابي عن مصدر الدعم ومن أين نحن نشتغل. كنت دائماً أضطر أن أخفي وأن لا أقول لهم أننا نأخذ من منظمة. كنت أخاف على نفسي وأخاف على الشباب والصبايا الذين كانوا يعملوا معنا. مع دخول داعش اضطررتُ للمغادرة إلى خارج سوريا وتركت ورائي حلم أن يتعلم أولاد بلدي مثل بقية أطفال العالم وأن يعيشوا بسلام.
كاتي: هذه المشاريع التي كنت تعمل عليها، هل كنت تشتغل مع إسهام وجسور بنفس الوقت؟
سامي: في نفس الوقت على فترات. في البداية أنا اشتغلت مع جسور من أجل ترميم مدرسة صغيرة في منطقة اسمها الطابية وحالياً المدراس مستهدفة جداً في هذه المنطقة. لمرة واحدة فقط أخذت تمويل لترميم مدرسة. اشتغلت معهم في مجالات أخرى كمعارض رسم ونشاطات ترفيهية للأطفال من أجل إيواء نازحين وهكذا مواضيع. بعد فترة قليلة وقعت عقد مع إسهام لترميم مدرستين: مدرسة إسهام ١ ومدرسة إسهام ٢. أنا كنت المشرف على المدرستين بنفس الوقت. كنت أقوم بتأمين الكادر التدريسي وكل مستلزمات الطلاب ومستلزمات المدرسة.
كاتي: هذا أثناء عملكم في ريف دير الزور؟
سامي: هذا الكلام في ريف دير الزور. المدينة أصلا لم يكن الكثير يسكن فيها لأن الناس الذي من طرف النظام لا نستطيع الذهاب لعندهم والطرف الثاني كله نزح لعندنا على الريف.
كاتي: حالياً بعد دخول تنظيم داعش ماذا تعرف عن واقع التعليم في دير للزور حالياً ؟
سامي: حالياً الواقع سيء جداً فوق ما تتخيلي. داعش لا تهتم بشيء اسمه تعليم. حالياً تقوم داعش بتنظيم معسكرات تدريب وإذا داعش أراد تقديم تعليم فذلك من خلال الجوامع. داعش لا يقوم بتدريس المواد المطلوبة. من فترة قليلة سمعت أن داعش سمح بقانون المدارس الخاصة، يسمحوا أن يتم فتح مدرسة خاصة لكن بشرط أن يكون المنهاج مُراقب وأن يكون خالي من الموسيقى والرسم والقومية.
كاتي: عندما كنت تعمل في مجال التعليم، في المبادرات التي كنت تُشارك فيها، هل كنتم تعتمدون على مناهج نفس المناهج التي تُدرس بمدارس النظام؟
سامي: كنا نتبع منهاج النظام لأنه لم يكن لدينا بديل ثاني.
كاتي: هل قمتم بإجراء أي تعديل أو حذفتم أي مواد؟
سامي: لم نحذف لكن مثلاً في بعض الأحيان أيام جبهة النصرة تم مصادرة سيارة فيها دفاتر رسم وتلوين وأشياء مشابهة. لذا كنا في السر ندرس موسيقى ورسم. بالنسبة للقومية فقد قمنا بحذف هذه المادة.
كاتي: لم تكونوا تُدرسوا قومية؟
سامي: كنا نُدرس رياضيات، لغة عربية، لغة إنجليزية، حتى لغة فرنسية، كل المواد باستثناء الرسم والموسيقى التي قليلاً ما درسناها بالاسبوع حصة أو حصتين.
كاتي: إنت بشكل أساسي تشتغل بمدرستين بريف دير الزور؟
سامي: إي مدرستين.
كاتي: كم عدد الأطفال الذين قمتم باستقبالهم؟
سامي: وصل العدد في المدرسة الأولى والمدرسة الثانية إلى ٢,٥٠٠ طالب. بدأنا بعدد صغير حوالي ١٥٠ أو ١٦٠ طالب لحد ما وصلنا إلى ٢,٥٠٠ لكن للأسف لم نستطع أن نُكمل بسبب أن العقد مع منظمة إسهام لم نستطع أن نكمله والسبب الثاني هو أن أي جهة تطلب منها تمويل هكذا مشروع يُجاوب أنك ضمن منطقة داعش. ولا يقوم أحد بدعمك بسبب هذا الأمر.
كاتي: هذا يؤدي أنك أمام التحدي أنه من جهة داعش لا يوافق على منهاج التعليم الذي تتبعونه ومن جهة مشكلة التمويل وخوف المنظمات من استمرار دعم مشاريع هي تحت حكم داعش.
سامي: هذه هي أعظم مشكلة.
كاتي: هل لديك تصور ضمن كل التحديات والصعوبات الحالية أنه من الممكن أن تحسين واقع التعليم في دير الزور في المستقبل بعد إقامة اتفاقية سلم مثلاً؟
سامي: وفقاً لتجربتي التي مررت بها في ظروف الحرب، في ظروف الحرب يكون العمل صعب قليلاً. أولاً أتمنى أن تنتهي الحرب وأتمنى أن نجد جهة تدعم هكذا مشاريع تعليمية تخص التعليم وأن يخصصوا برامج لتدريب بعض الشباب المختصين بموضوع التعليم على طريقة التعامل مع الأطفال في ظل الحرب وبعد الحرب وتنظيم حملات إعلامية تُشجع الأطفال على العودة إلى التعليم. هذه أهم الأمور.
كاتي: بتحب تضيف اي شي بالختام؟
سامي: أحب أن أضيف القليل عن موضوع التعليم في سوريا وبدير الزور بشكل خاص. لا يخفى عليكِ أن وضع التعليم في سوريا سيء جداً. وفقاً لتقارير اليونسف هناك ٣ ونصف طفل بلا تعليم. والأخطر من انقطاع الأطفال عن التعليم هو الحالة النفسية التي يعيشها الأطفال حالياً في ظل الحرب وهذا الشيء خطير تأثيره على الأطفال. أما بالنسبة لأطفال دير الزور، هناك تقاعس من الجهات والمنظمات الدولية. نحن من الشهر السابع سنة ٢٠١٤ لم يقم أي أحد بدعم أي مشروع تعليمي بسبب وجودنا ضمن منطقة داعش. أنا شخصياً طلبت وتواصلت مع أكثر من منظمة وللأسف لم يقدم أي أحد دعم وكله قام بالتطنيش. أطفال دير الزور بخطر لأنهم يذهبون إلى معسكرات ويذهبون إلى أمكان يتعلموا منها أفكار تطرف. أتمنى أن يصل صوتنا وأن يتم إيجاد حل لأطفال دير الزور.
كاتي: ونحن كمان نتمنى أن يصل صوتك.كتير بحب اشكرك سامي على مشاركتك معنا في الختام باسم فريق عمل الوضع!
سامي: أشكرك كتير على المقابلة اللطيفة.
كاتي: كان معكم كاتي الحايك في لقاء مع سامي عبد الكريم ناشط سوري من دير الزور في مجال التعليم وتنمية المجتمع المدني وتوثيق الانتهاكات. حوارنا مع سامي اليوم ركز على تجربته في التدريس وادارة مشاريع للتعليم في ريف دير الزور. شكرا للاستماع!
[This article is published jointly in partnership with STATUS]