بواسطة أسامة إسبر | يوليو 15, 2020 | Culture, غير مصنف
–I–
يخطرُ في ذهني أحياناً أننا وُلدْنا من الريح
أو على ظهور الأمواج وهي تَجْمحُ
أننا أتينا مع ضوء الفَجْر إلى لحظاتنا
وتَساقَطْنا مع الأمطار
أو ربما وُلدنا من ضوءٍ هربَ من الشمس
كي يُضيء لحظته ويثملَ بنفسه
من الدوران السريع لجناحيْ الطائر الطنان
أو من ارتعاشِ جناح فراشةٍ
وربما مكثْنا قليلاً في أوراق الأشجار وثمارها
وفي مياه الينابيع.
وعلى الشواطئ التي غادرْناها
وُلدَ أطفالٌ آخرون
ما يزالون هناك،
لا يفكرون بمن خرجوا منهم ورحلوا.
–II–
الشاطئُ الذي غادرْتهُ
أراد أن يحبس صوتيَ في أصدافه
بعد أن منحني أجنحةً وأخذ مني الفضاء.
أقول له الآن:
شاطئي آخرُ حانةٍ خرجتُ منها
أوّل حانة سأدخلها
آخرُ كتاب قرأتهُ
وآخر موسيقا سمعتُها أو سأسمعها.
شاطئي امرأةٌ أعانقها الآن.
–III–
المدينةُ التي درستُ فيها أربع سنوات
على شاطئ المتوسط
لم يسافرْ منها شيءٌ معي.
نزلتُ من سفينتها
وهي تُبحر دون خريطة أو بوصلة
في بحر ماضيها.
–IV–
المدينة التي عشتُ فيها عقدين من عمري
عاصمةٌ تغنّى الشعراءُ بجوامعها وأسواقها ونسوا آلامها.
تخيّلوا الماءَ يجْري في نهرها
ولم يروا الذبول في أوراق أشجارها.
المدينةُ التي يتغنّى الشعراءُ بشموخ جبلها
ولا يريدون أن يروا أنها في الهاوية
آثرتْ ألا تسافر معي
أن تبقى جامعاً أو سوقاً
أن تظلَّ نهراً متخيلاً في قصائد الشعراء
زقاقاً أو مئذنة في صور السائحين
سجادةً على جدار
أو جرّة فخار على الطاولة.
المدينةُ التي عشتُ فيها عقدين من عمري
لم تكن حيةً في داخلي
لم أسمع فيها إلا الموتى
يُلقون مواعظهم على الأحياء.
–V–
المدينة التي رحلتُ إليها
تلبسُ في الشتاء ثوباً أبيض
فتخالها ممرضةً في مستشفى كوني
وحين تلمحُ الأضواء تنزلقُ على صدْرها الثلجي
لا تعرف إن كانت تنير الدروب أم تُعْتمها.
التقيتُ فيها مرة بكاهنٍ نذرَ حياته للمشرّدين
كان يجمع التبرعات ويموّل صالة تقدم الطعام والسرير لهم مجاناً.
سألني: ما رأيك بشيكاغو؟
قلت: مدينة كريمة، لا تُشْعركَ بأنك غريب.
علتْ وجهه ابتسامة غامضة، وقال:
أريدك أن تأتي معي في أحد الأيام كي ترى شيكاغو.
حين ذهبتُ معه رأيتُ مدينةً أخرى
تضع أبناءها في برادات الشتاء وتنساهم.
–VI–
أتمنى لو كان بوسعي
أن أمسكَ الطفل الذي كنتهُ
لحظةَ خروجهِ من الرحم
وأبلّلَ أصابعي بدم ولادته
كي أتأكد أنني ولدْتُ
أنني لستُ نسمةَ هواءٍ.
ربما لم تحدث الولادة
ربما نحن قصصٌ رواها أحدٌ ما
ما يزال يرويها أحدٌ ما
كلماتٌ همستْها شفتا الريح.
–VII–
يحدث أن تختفي بلادكَ عن الخريطة
أن تتكسّر خطوطُ مدنها وقراها
أن تنخفض سماؤها كسقف زنزانةٍ
وتضيق وديانُها وجبالُها وسهولها
ولا تعثر على مهرب إلا في روحك الضالة.
أحياناً لا تعرف أين أنتَ أو من أنتَ
أو إلى ماذا تنتمي.
ترى نفسك تغضّناً في ماء البحر
زبداً أو رملاً على الشاطئ
يلتصقُ به ضوءٌ مبلّل مجنون.
–VIII–
حين أعودُ من اللحظة التي أنا فيها
إلى لحظاتٍ عشتُها
أرى نفسي صياداً
يرمي صنارته في الرمال.
حين أستعيد طفولتي
أشعر بملمس رمادٍ بارد على أصابعي.
ألمح قمراً ضيّع ضوءه
أفكر بالريح
بأشكالٍ تتفتّت في معدتها
الريح
التي تقتاتُ على الأشياء.
–IX–
في شيكاغو
تدفعني الريحُ أمامها في الشارع.
يكتسي وهْجُ بياض الثلج بضوءٍ
يغلّفُ المدينة بكفنِ ضباب أصفر.
ربما أستطيعُ أن أعلنَ ولادتي
في حانةٍ ما
أو في مخدعٍ ما
حين يتوهّج الضوءُ
لا من شَمْسٍ تشرقُ
بل حين ينزاحُ اللحاف قليلاً
عن جسدٍ عارٍ
وأسمعُ جريانَه
في عروقي.
حزيران، 2020
بواسطة عامر فياض | يوليو 8, 2020 | Cost of War, Culture, غير مصنف
من المعروف في الحروب أن الثقافة والفنون هما أول من يتضرر وآخر من يتعافى. وقد دفعت الثقافة في سوريا ثمناً باهظاً من الخسائر الناجمة عن الحرب الطويلة وتبعاتها الاقتصادية، والتي لم تُلحق أذاها بمصادر الثقافة ومنتجيها ومروجيها فقط، بل طال أذاها القارئ أيضاً.
وقد أجهزت المعارك التي اندلعت في البلاد على الكثير من دور النشر والمكتبات والمطابع ومستودعات الكتب وغير ذلك، فعلى سبيل المثال تعرض مقر دار الجندي ومستودعاتها في الغوطة الشرقية لأضرار كبيرة، فيما أُحرق المستودع الرئيسي لدار الحصاد ونهبت وخُرِّبت مطابعها إلى جانب خسارتها لكميات كبيرة من الورق ومعدات الطباعة وغيرها. كما لحق الدمار أيضاً بمستودعات مكتبة النوري العريقة في منطقة حرستا، وهذا مجرد غيضٍ من فيض.
وخلال سنوات الحرب تبدلت هوية عشرات المكتبات فتحولت لمقاهٍ ومحلات تجارية أو لجأت لبيع القرطاسية والألعاب والهدايا لتقاوم الإفلاس، فيما تراجع حجم الإنتاج والتوزيع في دور النشر، التي باتت تواجه عقبات كبيرة تهدد استمرارها، وذلك نتيجة عوامل عديدة منها: ارتفاع أسعار الورق ومواد الطباعة والتجليد بشكل خيالي. وتوقف الكثير من المطابع عن العمل. وصعوبة تسويق الكتاب، نتيجة غياب المعارض وتراجع نسبة المبيعات. إلى جانب ذلك حُرم الكثير من الناشرين من المشاركة في المعارض الخارجية لصعوبة الخروج من سورية ولعجزهم عن تحمل نفقات السفر والشحن، فيما أغلقت بعض الدول أبوابها في وجههم، فحرموا بذلك من تسويق إصداراتهم.
حلول بديلة
نتيجة للظروف والعوامل السابقة لجأت وتلجأ معظم المكتبات إلى بيع النسخ المزورة لبعض الكتب التي تحقق مبيعات جيدة. وعند الاطلاع على الكتب المعروضة في بعض المكتبات أمكنني ملاحظة حجم التزوير بسهولة، بدءاً من الغلاف، المصنوع كيفما اتفق، ونوعية الورق الرديء، مروراً بالطباعة، التي تختلف سماكتها وقتامتها بين صفحةٍ وأخرى وسطرٍ وآخر، وليس انتهاءً بالحجم الضئيل للكتاب مقارنة بالنسخة الأصلية منه. ويحدثنا غسان (45 عام)، صاحب مكتبة عامة في مدينة جرمانا تحفل بعشرات الكتب غير الأصلية، عن هذا الأمر: ” نتيجة عجز معظم المكتبات عن شراء النسخة الأصلية للكتب الرائجة وصعوبة إدخال بعضها إلى سوريا تكتفي باقتناء نسخة واحدة من كل كتاب لتقوم بتصويرها أو إعادة طباعتها”. ويبرر البائع ذلك الأمر بقوله: ” النسخة الأصلية التي قد يصل سعرها إلى أكثر من عشرة آلاف ليرة، تباع النسخة المزورة منها بنحو ثلاثة أو أربعة آلاف، وبذلك نستطيع نشر شيء من الثقافة وتزويد القارئ ببعض الكتب الهامة وتعويض بعض الخسائر”.
وعلى الرغم من أن الكتب المزورة قد ترأف بحال القارىء إلا أنها لا تحقق له الفائدة والثقافة المطلوبتين، فهي إلى جانب كونها رديئة الطباعة وسطور صفحاتها متقاربة وكلماتها صغيرة وشبه متلاصقة، نجد أن حجم الاختصار الكبير فيها، والذي يحذف صفحات بأكملها وأحياناً فصولاً، يجعلها تفقد قيمتها الفكرية والثقافية وتسيء لعقل القارئ.
تراجع نوعية ومضمون الكتاب
خلال السنوات الأخيرة بات واضحاً حجم التراجع والتبدل الكبير في النوعية والمضمون الفكري والثقافي والمعرفي للكتب المطروحة في الأسواق، حيث يطغى على معظم المكتبات والبسطات حضور الكتب الدينية والترفيهية وكتب الأبراج، إلى جانب بعض الروايات الاستهلاكية الرائجة ذات العناوين المطروقة والتي لا تغني ولا تطور عقل القارئ. ويلخص أحمد(50 عاماً) ، صاحب مكتبة عامة في الحلبوني، سبب ذلك بقوله: ” أصبحت سوريا خارج حركة الثقافة العالمية ما أبعد القارئ عن مواكبة أحدث إصدارات الكتب القيمة والمميزة والتي تحظى باهتمام وانتشار عالمي، فهي لا تصل إلينا إلا نادراً وذلك نتيجة ارتفاع سعرها، بعد انخفاض قيمة الليرة السورية، وصعوبة استيرادها وضعف إمكانية الترجمة والطباعة وغياب كثير من المترجمين المميزين عن الساحة السورية”.
وتضطر كثير من دور النشر اليوم لنشر كتب سطحية لا تحظى بأي قيمة فكرية لكتَّابٍ لا يمتلكون أي موهبة أو إبداع وإنما يمتلكون المال فقط، وذلك لتتمكن من الاستمرار. ويقول أحمد الذي يعمل لصالح إحدى دور النشر (فضل عدم ذكر اسمها) : “كنا نُخضِع أي مخطوطٍ لتقييم دقيقٍ ونرفض نشره ما لم يكن قيماً وجديراً بالنشر ولكن اليوم تضطر الدار لنشر أي كتاب. وقد كنا سابقاً ندعم الكثير من التجارب المبدعة والجادة لبعض الكتَّاب بنشرها على نفقتنا الخاصة ومن ثم تحصيل تكاليف النشر بعد بيع المنشورات في حفلات التوقيع والمعارض، أما اليوم فقد باتت معظم دور النشر عاجزة عن دعم أحد”. وبحسب أحمد، ثمة عامل آخر أسهم أيضاً في تراجع مستوى منشورات دور النشر وهو “خسارة البلاد للكثير من كتابها وأدبائها ومفكريها الذين غادروها، فباتت نتاجاتهم تُنشر في الخارج بعيداً عن متناول يد القراء في سوريا”.
من جهته يشتكي أبو نديم (62 عام)، بائع بسطة كتب تحت جسر الرئيس، من غياب مصادر الكتب القيمة والثمينة التي كانت تمدُّ البسطات بالعناوين النوعية، حيث يقول: “لم يعد هناك أي مصدر نرفد به بسطاتنا، فالمكتبات المنزلية القيمة التي كنا نشتريها لم يعد لها أي وجود اليوم. فيما انعدم وجود معارض الكتب التي كانت توفر لنا عروضاً جيدة تمكننا من شراء كميات كبيرة بسعر الجملة. أما دور النشر التي كانت تمدّنا بالكتب القديمة وبعض الإصدارات الرائجة فقد أصبحت اليوم عاجزة حتى عن توفير الكتب لنفسها”. ونتيجة لهذا الواقع “أصبحت بسطات الكتب المستعملة اليوم تقتني أي كتاب بصرف النظر عن مضمونه الفكري والمعرفي وذلك لتتمكن من مواصلة عملها”. بحسب أبو نديم.
قبل الحرب كان معرض دمشق للكتاب يمثل المصدر الغني والرئيسي للقارئ الشغوف باقتناء الكتب والبحث عن العناوين الفريدة بنُسخها الأصلية التي كانت تتدفق من كل حدب وصوب إلى المعرض الذي كان يستضيف آنذاك نحو 300 دار نشر عربية وعالمية. لكن تلك الحقبة الذهبية اختفت تماماً منذ العام 2012، حيث توقف المعرض لمدة أربع سنوات. ورغم إعادة افتتاحه في العام 2016 إلا أنه لم يعد لما كان عليه في الماضي، وعن ذلك يحدثنا أبو نديم الذي زار المعرض في دورتيه الأخيرتين: “غابت عن المعرض عشرات دور النشر العريقة والنوعية فيما فردت معظم أقسامه لدور نشر تجارية ذات صبغات إيديولوجية ودينية كبعض دور النشر اللبنانية والإيرانية وغيرها، فيما بدا واضحاً حجم التراجع، كماً ونوعاً، في مستوى المنشورات داخل أجنحة دور النشر السورية، لذا لم يحظَ المعرض باهتمام يذكر من قبل القراء الذين لم يجدوا فيه ما يرضي ذائقتهم “. يذكر أن معظم الأصدقاء الذين زاروا المعرض يشاطرون أبو نديم وجهة النظر ذاتها.
واقع البلاد يؤثر على عادات القراءة ونوعيتها
الوضع النفسي العام، القلق والتوتر وضغوط الحياة اليومية التي أفرزتها الحرب وتبعاتها، التفكير في الحدث السوري وتحليله والدخول في دهاليزه السياسية، هي عوامل كان لها آثار سلبية كبيرة على عادات القراءة التي تحتاج إلى تركيزٍ كبيرٍ وذهنٍ صافٍ وراحةٍ نفسية، وهو ما لم يعد في متناول القراء. ونتيجة لذلك بات الكثير منهم يبتعد عن قراءة الكتب الفكرية والثقافية والعلمية وغيرها ليتجهوا لقراءة الكتب الخفيفة والسهلة والتي لا ترهق عقولهم ولا تحتاج لتفكير كبير، كبعض الروايات والقصص البسيطة. ويحدثنا غسان عن نوعية الكتب التي يُقبل عليها القراء في مكتبته: “تحظى الروايات السلسة كرويات أحلام مستغانمي وباولو كويلو ودان براون وإليف شفق، بأعلى نسبة مبيعات، فبمعدلٍ وسطي نبيع شهرياً نحو 60 رواية منها، فيما نبيع نحو 20 كتاباً في التراث والدين، ومقابل ذلك لا تحقق كتب الفكر أو النقد أو الفلسفة أو التاريخ سوى مبيعات هامشية لا تكاد تذكر”.
وقد تغيرت اهتمامات بعض القراء الذين توجهوا، في محاولة للهرب من ضغوط الحياة، نحو علوم الطاقة واليوغا والتأمل والاسترخاء فباتوا يقرؤون الكتب المتعلقة بتلك العلوم التي استقطبت الكثير من الناس خلال الحرب. فيما انشغل قراء آخرون بتعلم لغات وثقافة بعض البلدان الأوروبية التي يحلمون أو ينتظرون السفر إليها، فجاء ذلك الانشغال على حساب الوقت المخصص للمطالعة.
من جهة أخرى تخلى البعض عن عادة القراءة ليستبدلها بمشاهدة المسلسلات والأفلام والبرامج الوثائقية التي لا تحتاج لجهد ذهني كبير، من بينهم المدرس فراس (42 عاماً) الذي كان مهووساً بالمطالعة ويمتلك مكتبة ضخمة. وعن سبب ذلك يقول: “لنحو شهرين لم أقرأ سوى 50 صفحة من الكتاب الذي كنت أطالعه، فبمجرد أن أقرأ بضعة أسطرٍ منه أشرد بعيداً، لأغرق بالتفكير في المستقبل الغامض والوضع الاقتصادي المعدم وعجزي عن تأمين ثمن سجائري، لهذا قل شغفي بقراءة الكتب وفقدت شيئاً من المتعة فبت أبحث عن شيء مسلٍ ينسيني واقعي كمشاهدة الأفلام وممارسة بعض الألعاب الترفيهية”.
الكتاب الذي كان في ما مضى يقع في قمة الأولويات تراجعت أهميته ليصبح نوعاً من الكماليات، وبات شراؤه حلما بعيد المنال عند كثير من الناس، ففي ظل تدهور الواقع المعيشي والغرق في مستنقع اليأس والمجهول والعجز عن تأمين أبسط متطلبات الحياة يصبح شراء الكتاب نوعاً من الترف والبذخ، فالثقافة لا يمكنها أن تصبح بديلاً عن الخبز.
بواسطة Dildra Flms | يونيو 30, 2020 | Culture, غير مصنف
–١–
لا أحد يعرف
أن ظلّ ظلالكِ
شجرة العيون
التي تتحرك
في حديقة ظهيرة
كعربة مليئة بفاكهة أشواقي
ومزينة بقلائد الأميرات
وأجزم بأن لا أحد يعرف
أنني أرافق ظلالك المقدسة
كذئب غير مرئي
بعيوني وكل حواسي
أحرس مناماتك
كمذياعٍ متروك
بعناية شديدة
على طرف سريرك
المريض من شدة
شوقي إليه.
-2-
لستُ وحيداً في الصحراء
أبداً لستُ وحيداً
لأنني الصحراء ذاتها
وأنتِ شجرة الغرَب
الوحيدة في هذا الشوق الواسع.
-3-
تسقط غيمةٌ طازجة
على هيئة يمّ
من أسفل عبوركِ
على أحجار نهرٍ مريض
مريض من عدم لفظك
لاسمه في مكالمة هاتفية
تحت شجرة الغرَب
على ضفافه.
-4-
سأخترع شارعاً
نتمشى فيه
شارعاً لم يسبق
لأحدٍ أن تمشى فيه قبلنا.
سأكتشف طرقاً جديدة
في تحريك الغيوم
وتساقط الأمطار والثلوج
فوق الأرض.
سأخترع ليالي
غير التي عرفتها البشرية
من أجل إشعال عظام الهدهد
على شاكلة شموع
أثناء محادثاتنا الهاتفية.
-5-
لو كنتِ موجودة
في المكان ذاته
هذا المساء
لكان عدد ضحايا
الحروب أقل في العالم
هذا المساء.
-6-
لو كنتِ موجودة
لما شعرتْ اليمامة
بالوحشة
على شجرة الغرَب الوحيدة
في حدقة عيني المريضة.
-7-
لو كنتِ موجودةً
لكنتِ فهمت دلالات
الكلمات الشعرية واللا شعرية
في هذه الأمسية البائسة.
-8-
لو كنتِ موجودة
لكنتِ شعرت بتحيات الناس لي
وأدركتِ مكائد نظراتهم أيضاً.
فقط لو كنت موجودة
في المكان ذاته
هذا المساء
لكان صدري مأوى
لجميع الطيور المتشردة
في هذا الليل البارد.
-9-
لو كنت موجودة
أو حتى فكرت بأن تكوني موجودة
لما توقفتُ
عن التدخين لحظة واحدة
بالطريقة التي تحبينها
لما كنتُ شعرت
بالوحشة
والجوع
والبرد
والعطش
والضجر
والتفاهة.
هوامش
الوشل: مجرى مائي هزيل ومتقطع.
الغَرَب: شجر الحور الفراتي.
*الصورة المرافقة هي لجدارية بارتفاع ثلاثة أمتار وعرض أربعة أمتار نفذها الفنان والشاعر دلدارفلمز بتقنية فريسكو في بداية حزيران ٢٠٢٠ على جدار إحدى الغاليريهات في مدينة زيوريخالسويسرية بإشراف الفنان كيتو سينو.
بواسطة طارق علي | يونيو 26, 2020 | Culture, غير مصنف
للمسرح والفن تأثيرٌ مباشرٌ على بناء ثقافة الأمم، فكما يُقال “أعطني مسرحاً أعطك شعباً”. وفي الحالة السورية قد لا يعرف كثيرون أن سوريا أطلقت أول مسارحها على يد رائد المسرح العربي، أبو خليل القباني السوري، في عام 1871، وهو صاحب الفضل الأول في سقاية بذرة الحركة المسرحية انطلاقاً من سوريا، لتصل إلى كل بلدان العرب لاحقاً.
قوبل القباني بالرفض حيناً والتكفير أحياناً أخرى، لكنه في النهاية انتصر وصار رواد مسرحه بالمئات لكل عرض حسب ما تخبرنا به الوثائق المحلية، وليس المجال هنا متاحاً للخوض في تفاصيل مسرح القباني، ولكن الإشارة إليه واجبةً لنقول أين وكيف تأسس المسرح السوري، الذي غاب لسنوات بعد وفاة رائده ومؤسسه، حتى شهدت الشام لاحقاً تأسيس أكثر من 30 فرقة مسرحية وموسيقية، أبرزها المسرح القومي في عام 1959 والذي نقل المسرحيين من الهواية إلى الاحتراف، وصولاً إلى مسرح الشوك الستيني.
مسرح الشوك
في ستينيات القرن الماضي أسس الفنان عمر حجو مسرح الشوك، ليضم لاحقاً خيرة فناني المسرح، في محاولة منهم لتصحيح ما يمكن من التردي الذي وصل إليه حال المجتمع، مؤمنين أن الفن طريق للخلاص، ومن بين أعضاء هذه الفرقة كان: “دريد لحام، رفيق السبيعي، ياسين بقوش، طلحت حمدي، ناجي جبر، مظهر الحكيم، هدى شعراوي وغيرهم كثر”.
جميعهم حاولوا ترميم آفات المجتمع، قد يكون الظرف الزماني وقتها لعب دوراً إيجابياً في مساعدتهم، وقد حالفهم النجاح أحياناً، ولكن العبرة في الاستمرار، وهذا المسرح قُتل لصالح الدراما التلفزيونية وثورة الشاشة الصغيرة، الشاشة التي دخلت بيوتنا عنوةً، وقولبت أفكارنا من حيث ندري ولا ندري، حتى صرنا عبيداً في طور النمو لثورة التكنولوجية التي وصلت ذروتها النسبية/المؤقتة بعيد عملية استمرار لتطوير ملامحها الهجومية والتي لم تتوقف، حتى اليوم.
الدراما السورية – صعوداً
تعتبر الدراما السورية سباقةً عربياً في دخولها على خط الإنتاج شبه المنظم، فالبداية كانت مع عام 1960، ومع انطلاق التلفزيون السوري انتقل إليه رواد المسرح، ولعلّ أول ظهور كان مع الممثل “نهاد قلعي”، يرافقه “دريد لحام، رفيق السبيعي”، إذ كان “قلعي” يقدم برنامجاً كوميدياً باسم “سهرة دمشق”.
أما العمل الدرامي الحقيقي فكان في ذات عام البداية، تحت اسم “تمثيلية الغريب”، يتحدث عن الثورة الجزائرية وأبطالها ومجرياتها، من بطولة “ثراء الدبسي، وياسر أبو الجبين، وبسام لطفي”، ومن إخراج “سليم قطايا”.
وكذا أخذت الدراما طريقها في الصعود بلا توقف، فكانت شخصية “غوار” لصاحبها “دريد لحام”، هي بذرة ما قد جاء بعدها، الشخصية التي شكلت مكوناً للذاكرة العربية في أعمال “كصح النوم” و”حمام الهنا”، وهكذا انهمرت الأعمال السورية بعد السبعينات دون توقف، وأبرزها في تلك الحقبة كان “الحب والشتاء”، “عطر البحر”، “القيد”، “طرائف أبي دلامة”، “الدولاب”، وغيرهم؛ ولعل عراب تلك المرحلة بإجماع معاصريها كان المخرج “غسان جبري”.
المرحلة الثانية – صعوداً
في هذه المرحلة نظمت الدراما نفسها أكثر، وامتلكت مفاتيح تأسيس النجاح المستديم، معتمدة على شخصيات بإمكانها رفع سوية الصنعة، كمثل شخصية غوار ومعه مرايا ياسر العظمة، السلسلة التي استمرت حتى منتصف الحرب السورية تقريباً.
المرحلة الثالثة – بطولة نجدة أنزور
في تسعينيات القرن الماضي، دخل الشاب نجدة اسماعيل أنزور إلى ساحة العمل الفني الحقيقي، المخرج الذي يقول عنه النقاد أنه صنع نقلةً تاريخية في تاريخ المهنة، تجلى ذلك في عمله “نهاية رجل شجاع” عام 1994، حيث قام الرجل المستند على خبرة عملياتية بإدخال سمة جديدة لنوعية الإخراج التقني والبصري والصوري، ومع العمل المذكور وبعده “إخوة التراب” و”الموت القادم إلى الشرق”، اخترق المخرج أبواب المنازل العربية ودخلها بالجمال الفني.
وإلى جانبه كان للمخرجان بسام الملا وهاني الروماني رغبتهما في منافسة الدراما المصرية، والتي أخذت تتفوق عربياً، لأسباب عدة، لا مكان لذكرها هنا، فالملا تخصص بالبيئة الشامية، والروماني أخرج العمل الخالد “حمام القيشاني”، وكلاهما ترك بصمة، لكن الدراما المصرية ظلت متفوقة لناحية الانتشار في زمن ذاك العمل وظروفه.
الكوميديا والدراما السورية – المرحلة الذهبية
في أواسط التسعينات لمع نجم الفنان “أيمن زيدان”، كعراب للكوميديا خاصة ً في عمله “يوميات مدير عام” سنة 1995. وشهدت هذه الفترة نجاحات لم تتوقف كخالدة ياسر العظمة سلسلة “مرايا”. وبعد بداية الألفية الجديدة، تربع الفن السوري على العرش؛ فصارت الصنعة أقرب لحرفة يجيدها السوريون، ويملكون تكتيك تحريك كرتها في الملعب؛ فالموسم الرمضاني في كل عام، أصبح الشغل الشاغل لأقلام النقاد، فما يصنعه أهل الاختصاص صار مدرسة تُدرس وقطعاً نادراً من عملة صعبة اكتشفها المحليون بالاجتهاد.
الغرور الدرامي
“الفن ابن بيئته، ومحيطه، ومعاناته”، هذه المقولة لا تنطبق على النجم السوري الذي انسلخ عن مجتمعه، وصار جليس برجه العاجي؛ فالشهرة إلى جانب الثراء وفيض النجومية، جعل منه آفة فكرية متعالية على مواطنيه، أكثر منه مرشداً وعارفاً وناصحاً.
كيف لا يكون ذلك، وقد صار النجم بحكم التبدلات تاجراً، لم يعد النص يهم الكثيرين، صار الأجر هو المهم، وبالمحصلة فإن أي عمل كان يصنع سيضيف لرصيدهم آلاف المعجبين، الغرور هنا قضى على المعايير؛ فالفنان السوري صار يعتبر نفسه هو المجتمع، لا المجتمع هو، وتالياً هو معصوم وصاحب إنجاز مهما بلغ سوؤه. لذا كان الأمر عاملاً أدى لتراجع السوية الفنية، لقدرات الفنان أولاً، وللنص ثانياً، وللعمل ثالثاً.
الاستثناء قائم هنا، وبشدة، فالبعض حافظ على سويته الأخلاقية والفنية، لكن الجمع يلغي الاستثناء، ولو كان ظلماً.
الانحدار الفني، خسارة المجد
الدراما التي وصلت قمتها، انهارت اليوم، فهاجرت رؤوس الأموال الممولة، وهاجر معها كثير من الفنانين السوريين،؛ فضعف التسويق والمردود عاملان جوهريان في التراجع، ولكن المشكلة هنا أن الدراما التي لطالما تحايلت على الممنوعات سائرة على حد الخطر، باتت اليوم تتمتع بهامش حرية واسع لم تحاول استثماره بمهنية، فسقطت معه إلى هاوية قد يصعب انتشالها منها.
الحرب فعلاً قد فعلت فعلتها، ولكن التحدي القائم هو ألا تعيد هذه الدراما إنتاج المشهد الإخباري السوري، مع العمل على ألا تنفصم عن الواقع المعاش، أكان اقتصادياً أم سياسياً، كأن تحاول مثلاً أن تقدم عملاً اجتماعياً كهدنة منظمة بين العقل الإنتاجي والعقل الاستنتاجي، ففي مؤلف “دراما النار والقلق” وهو بحث أكاديمي أصدره الناقد الصحفي “ماهر منصور”، يرى أن أقل من ربع الإنتاج السوري جاء محاكياً للحرب الحالية، وكذا في سنوات الحرب الأولى، كان هناك سنوياً 4 إلى 5 أعمال بيئة شامية، وهو أمر مطلوب للتسويق العربي.
كما أن الاصطدام السياسي والعسكري مع كثير من الدول العربية، جعل حصارهم للدراما السورية أمراً واقعاً، فتوقفت الكثير من الشركات المنتجة عن العمل، على حساب ولادة شركات أخرى هربت باتجاه أعمال عربية مشتركة، وهي عملياً لا تقدم مادةً فنيةً خالصةً أكثر منها ترفيهيةً مبهرةً بصريةً ببذخٍ إنتاجي مبالغ به.
الدولة السورية عملت ربما على ألا تحارب الصنعة في بعض الزوايا، فسمحت بإنتاج أعمال تُحاكي مواقف حساسةً في جسد الملف السوري، كالتظاهرات مثلاً، ولكنها في زاوية أخرى، جعلت من مؤسسة عريقة كمؤسسة السينما، وقفاً على مخرجين متنفذين، يحق لهم ما لا، ولن، يحق لغيرهم، في سابقةٍ، نسفت معها مدرسة لحام والماغوط، أصحاب المنجز السينمائي الخالد، “الحدود”.
بواسطة Gassan Nasir | مايو 29, 2020 | Culture, غير مصنف
«سورية الدولة والهوية: قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963)»، عنوان كتاب جديد للكاتبة والباحثة الاجتماعية السورية الدكتورة خلود الزغير، صدر مؤخرًا عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في الدوحة، وهو عمل يتميّز عن غيره من المؤلفات التي تناولت الدولة والهوية السورية من خلال قراءة رصينة لثلاثة مفاهيم هي (الأمّة والقوميّة والدولة الوطنيّة)، بكونه يندرج في سياق البحوث والدراسات العلمية الموضوعية، من خلال بحث مؤلّفته في الطروحات والمفاهيم المركزية التي قام عليها النقاش، داخل خطاب الأحزاب السياسية السورية التي تصدرت المشهد السياسي بعد الاستقلال التام لسورية عام 1946 حتى وصول اللجنة العسكرية لحزب البعث إلى السلطة في العام 1963، سواء الأحزاب التي وُجِدت في السلطة أو التي كانت في المعارضة، انطلاقًا من أنّ أيّ قراءة في سؤال الدولة والهوية اليوم تحتاج إلى فهم الإشكاليات والظروف والسياقات التي تشكلت ضمنها الدولة السورية وهويتها في المراحل السابقة، خصوصًا أنّ السؤال حول وجود هوية سياسية – اجتماعية لسورية أو هوية وطنية سورية جامعة أمرٌ لا يزال مطروحًا.
تستهل الباحثة الاجتماعية مقدّمة كتابها، الذي جاء في (272 صفحة بالقطع الوسط)، بالقول: “إنّ تشكل هوية الدولة السورية منذ إعلان أوّل استقلال لها في المؤتمر السوري العام في 8 آذار/مارس 1920 إلى اليوم إحدى القضايا المركزية في السجال السياسي والاجتماعي والفكري؛ فبعد قيام الكيان السوري الحالي، برزت على الساحة السياسية هويات أيديولوجية متعددة ارتبطت من جهة في ظروف الصراع الدولي والإقليمي على مناطق النفوذ في المنطقة، ومن جهة ثانية كانت هذه الهويات امتدادًا لتيارات سياسية – فكرية عالمية شكلت آنذاك نماذج ملهمة للحراك السياسي في سوريا والعديد من دول العالم، كان الأنموذج القومي الاشتراكي أبرزها”. “الزغير” بيّنت في السياق، أنّ أجواء الحريات السياسية والفكرية وطبيعة النظام شبه الديمقراطي القائم منذ بداية الأربعينات وحتى أواخر الخمسينات سمحت بأن “يبلور كل تيار سياسي نظريته حول أهمية الأمّة ومكوَّناتها الأساسيّة، وبأنّ تدخل هذه التيارات في سجال سياسي وعقائدي فيما بينها حول المفاهيم المتعلقة بالهوية”، مع إشارتها أنّه “على الرغم من تنوّع هذه الطروحات والمنظورات الفكرية، التزمت معظم التيارات بتعريف الدولة بالجمهورية السورية. لاحقًا، وخلال فترة الوحدة مع مصر (22 شباط/فبراير 1958 – 28 أيلول/سبتمبر 1961)، أصبحت الجمهورية السورية جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة، حيث تحوَّلت هوية العروبة إلى واقع عملي بعد أن كانت شعارًا ونظرية”. لافتة إلى أنّه “بعد إعلان حلّ الوحدة، لم تتخيلَّ حكومة فترتي الانفصال عن “الهوية العربية”، وحوَّل اسم الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية، في محاولة لنفي تهمة الانفصالية عنها، وإثبات التمسك بالهوية “القومية العربية”..”.
“الزغير” لفتت في مقدّمتها إلى أنّ “الاطلاع على أدبيات النخبة السياسية السورية ووثائقها في المرحلة بين عامي 1946 و1963، يبرز الحضور القوي والمتكرر لمفهوم (الأمّة) ولمفهوم (الهوية)، من دون أن يعني ذلك الاشتراك أو الاتفاق على تعريفهما. بل إنّه وعلى العكس من ذلك، يشير إلى اختلاف جليّ في فهم وتعريف كل حزب أو تيار سياسي لهذه المصطلحات؛ حيث يبدو مفهوم (الأمّة) واحدًا من أبرز المفاهيم الني جسدت إشكالية وعي السوريين بهويتهم، ليس من فجر الاستقلال فحسب، بل منذ عصر النهضة حتى اليوم. وإذا كانت ظاهرة الأمّة قد شكلت، في العموم، قضية موضوعية ومنطلقًا للنقاش حول التحوَّلات التي عاشتها المجتمعات منذ الحرب العالمية الثانية، وحول العولمة والنظام الدولي وصراع الحضارات، فإنّها بقيت في سوريا مسألة مطروحة للنقاش داخل بعض التيارات حين يتم تناول علاقة الأمّة بالدولة، والهوية الوطنية، ونظام الحكم ومستقبل الصراع السياسي.
- التباس المفاهيم مع نشوء الدولة المعاصرة..
تضمن الكتاب تسعة فصول، بحثت ضمن رؤية تحليلية هادئة وقراءة جد عقلانية، جملة من التساؤلات مثل: “هل سورية المعاصرة جزء من كل أكبر، أم دولة – أمّة، أم تجميع لهويات وأجزاء مختلفة؟”، و”هل ساهم عدم إنجاز الدولة الوطنية الحديثة القائمة على العقد الاجتماعي بشكل تام وفعلي والذي يؤسّس لدستور يتوافق عليه الجميع، إضافة إلى حالة الالتباس النظري حول مفاهيم الوطنية والقومية والدولة في الوعي السياسي السوري، بأن يبقى مفهوم الأمّة وهويتها مفهومًا إشكاليًا ومتبدلًا من تيار سياسي إلى آخر؟ وبالتالي، لأن تبقى مسألة الهوية والانتماء الوطني موضوعًا للانقسام والتناحر بين الأحزاب السياسية منذ الاستقلال وحتى اليوم”.
حمل أوّل فصل في الكتاب عنوان: “الهوية السياسية والإشكالية الجغرافية والاجتماعية”؛ وفيه بحثت المؤلّفة التناقض بين الجغرافيا والولاء السياسي، والمسألة الاجتماعية والمجتمع السياسي. كاشفة عن التحدّيات الداخلية التي رافقت نشوء الدولة السورية وأحزابها السياسية، وأبرزها؛ أوّلًا: الإشكالية الجغرافية المتمثلة في مسألة التناقض بين جغرافية الكيان السوري الناشئ في مطلع عشرينيات القرن الماضي والانتماء السياسي إليه.
ثانيًا: الإشكالية الاجتماعية المتعلقة ببنية المجتمع السوري من حيث طبقاته ونخبه السياسية، ودور المسألة الاجتماعية في تشكيل التوجهات السياسية لكل حزب.
أما في الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان: “التحدّيات الخارجية للكيان الوطني السوري”، فتعالج “الزغير” التحدّيات الخارجية للكيان الوطني السوري والإطار الإقليمي والدولي الذي نشأ فيه، مفككة مفهوم الوطنية والانتماء الوطني الذي تشكل في ظل الموقف من الآخر الخارجي وبالتحدي معه.
فيما تقدّم المؤلّفة عرضًا تفصيليًا في الفصل الثالث، المعنون: “المؤسّسة السياسية والمؤسّسات المحلية التقليدية”، لبنية مؤسّسة الدولة، وإلى أيّ درجة شكّل المجتمع السياسي السوري ومؤسّساته دولة وطنية حديثة، وأثر الانتماءات فوق الوطنية أو تحت الوطنية في مؤسّسات سياسية (كالأحزاب والبرلمان مثلًا).
إلى ذلك درست الباحثة السورية في الفصل الرابع، الموسوم بـ “أثر الفكر القومي الغربي في التنظير لمفهوم الأمّة”، ما أحدثه الفكر القومي الغربي، وخصوصًا النظريتين الفرنسية والألمانية، من أثر في الأحزاب القومية التي بدأت تُنظّر لمفهومَي (الأمّة) و(القومية) اللذين طغيا على مفهوم (الوطنية). معتمدة في هذا الشأن حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي؛ بغية الكشف عن الإرث القومي الغربي في خطابهما النظري، وعلاقته بواقع ظهور هذه الأحزاب.
“بين الوطنية السورية والقومية العربية”، هو عنوان الفصل الخامس من الكتاب، وفيه تناقش المؤلّفة الازدواجية أو التأرجح بين مفهومي الوطنية السورية والقومية العربية في خطاب الأحزاب السياسية السورية، وإلى أيّ درجة يعكس هذا التأرجح إشكالية عدم التوافق حول تعريف الكيان السوري كدولة – أمّة، أو كقطر ينتمي إلى أمّة أوسع، إضافةً إلى الدور الذي تؤديه الظروف المحيطة وشبكة المصالح في تبدل استخدام هذين المفهومين.
فيما ناقشت وحلّلت في الفصل السادس، الذي جاء تحت عنوان “الأمّة واللغة”، علاقة الأمّة باللغة؛ ذلك أنّ لغة الضاد أدت دورًا مركزيًا في تشكيل الهوية العربية في العصر الحديث، إذ أنّ التيارات القومية العربية بَنَت تصوّرها للأمّة على أساس اللغة، التي هي المحدّد الأساسي والأوّل لكيان الأمّة؛ بناءً على أنّ وحدة اللغة هي محدّد وحدة الكيان القومي. باحثة في هذا السياق، “التصوّر اللغوي – التاريخي” عند ساطع الحصري، و”التصوّر اللغوي – الميتافيزيقي” عند زكي الأرسوزي، و”التصوّر اللغوي – السياسي” عند حزب البعث. وهي قبل هذا كله أكدت أنّ نضالات السوريين فرضت وحدة سورية في حدوها الحالية، ودعمت الرابطة الوطنية السورية، ما ساعد في إرساء مجال سياسي وفّر الفرص لبزوغ الأحزاب والكتل السياسية بتنوّعاتها المختلفة.
- التاريخ بوصفه مرجعيَّةً للأمّة وعامل وحدتها..
يتناول الكتاب في الفصل السابع، الذي ورد بعنوان “الأمّة والتاريخ”، تساؤلات أساسيّة مثل: “علاقة الأمّة بالتاريخ”، خصوصًا التاريخ الذي شكّل في خطاب الأحزاب السياسية السورية مقومًا أساسيًا من مقومات تكوين الأمّة من جهة، ومرجعيَّة فكرية وإرثًا تُبنى عليه الأمّة المعاصرة من جهة ثانية. دون أن تغفل في سياقٍ تحليلي، إلقاء نظرة على موقع التاريخ في خطاب الأحزاب السياسية بشأن الأمّة، ولا سيما على مستوى الوظيفة، وعلى مستوى الدور الذي أداه. وفي هذا الفصل تعالج المؤلّفة التاريخ بوصفه مرجعيَّةً للأمّة وإرثها، وعامل وحدة لها.
وتُخصّص الباحثة السورية الفصل الثامن، “الأمّة – الاقتصاد – الطبقة”، لتقارب علاقة الأمّة بالاقتصاد من منظور الأحزاب السياسية، خصوصًا أنّ حزبين فقط طرحا دور العامل الاقتصادي في تكوين الأمّة؛ هما الحزب الشيوعي، والحزب السوري القومي الاجتماعي. لتوضّح بالتحليل أنّ الجدل تصاعد بين اتّجاه يرى أنّ الأمّة العربية هي أمّة مُكوَّنة، وقد مثّل هذا الاتّجاه القوميون العرب واليساريون غير الدائرين في فلك السوفيات، واتّجاه يرى أنّ الأمّة ما زالت في طور التكوُّن وأنّها تبقى كذلك حتى تتحقق وحدتها الاقتصادية، ومثّل هذا الاتّجاه الماركسيون الشيوعيون العرب الدائرون في فلك السوفيات، في حين يرى اتّجاه مثّله السوريون القوميون الاجتماعيون أنّ الأمّة متكوَّنة وأنّها تمثّل وحدة تامة، لكنَّ بعثها يحتاج إلى ما سمّوه النهضة القومية الاجتماعية، وبناء المتحد القومي الاجتماعي.
أما في الفصل التاسع والأخير، وعنوانه: “الأمّة والدين”، فتحلّل “الزغير” علاقة الأمّة بالدين الإسلامي، وفي الاختلاف الفكري الواضح بين الأحزاب السياسية السورية حول مسألة وحدة الأمّة على أساس الدين، وحول علاقة الدين بالدولة والسياسة. فإذا كانت عقيدة العروبة قد استطاعت إيجاد نقاط تلاقٍ مع عقيدة الإسلام، فإنّ عقائد أخرى كالشيوعية والقومية السورية كانت أكثر جذرية في استبعادها العامل الديني، على نحو تكون فيه المؤسّسة الدينية في ما يتعلق بالمؤسّسة السياسية مؤسّسة محايدة، على الرغم من أنّ تلك العقائد قدّمت نفسها، أحيانًا، كـ “أديان” جديدة.
إنّ ما يحسب للباحثة السورية خلود الزغير في تجربتها البحثيّة هذه، هو عدم استسهالها للجانب البحثيّ والمعرفيّ في نتاجها، حيث لم تعتمد كغيرها ممن يعملون على جمع ما نشروه من مقالات وبحوث في سنوات خلت في كتاب، إنّما احترمت قدسيَّة العمل البحثي، ومنحت الدراسة ما تستحقه من جهد ووقت، فكانت النتيجة كتاب سيبقى أثرًا للباحثين السوريين والمهتمين بتاريخ سوريا المعاصر.
جديرٌ بالذكر أنّ خلود الزغير كاتبة وشاعرة سورية تقيم حاليًا في باريس، درست علم الاجتماع في جامعة دمشق 2002، ثم انتقلت إلى باريس في عام 2007، فحصلت على ماجستير من قسم اللغات، في جامعة السوربون الجديدة “باريس 3″، في عام 2009؛ ونالت في عام 2017 درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة نفسها في اختصاص علم اجتماع المعرفة. وكان أن عملت معيدة في جامعة دمشق خلال المدّة بين 2005 و2007، ونشرت مجموعة من المقالات والدراسات في مراكز الأبحاث والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية تتعلق بالوضع السوري المعاصر والراهن، وتحديدًا مسألتي الخطاب السياسي والهوية، إضافة إلى مؤسّسة الجيش السوري، وثورة شعبها منذ آذار/مارس 2011 وحتى يومنا هذا. كما ترجمت العديد من الأبحاث والمقالات من اللغة الفرنسية إلى العربية.
ولديها ثلاث مجموعات شعرية طبعت على التوالي في دمشق وبيروت وباريس.
بواسطة أسامة إسبر | مايو 17, 2020 | Culture, Poetry, غير مصنف
فوق المحيط
–١–
سأرشّ حول جسدكِ طحيناً
كما فعلَ أنكيدو حول جسد جلجامش
كي أتوهّج في شمس أحلامكِ
كي تشعري بطعمي
في لقمة الخبز في فمك.
فأنا أعيشُ في النار
التي تُنضجُ الرغيفَ الذي تأكلين منه.
–٢–
ليس الحبّ قصةً أرويها
فأنا لا أعودُ إلى الذكريات
ولا أفتحُ صناديق في زوايا غرفتي
كي أبحث عن رسائل قديمة
بل أترك باب حياتي مفتوحاً
كي تدخلي إلى الغابة
التي أعيش فيها وتبحثي عني
وهنا، إذا ما عثرتِ عليّ
سنزرع شجرة أخرى باسم الحب.
–٣–
بحثنا عن أيام أكثر راحة
عمّ يختصر المسافات بيني وبينك.
سافرنا في أذهاننا قليلاً
إلى أمكنة عشنا فيها
حين كنتِ تصعدين الدرج
وكنت أراقب خطواتك
وأخالهما في أوقات كثيرة
جناحين يرفعانك
وكنت أنظر إليهما يحلقان بك
ويتغلغل فيهما الضوء في الأعالي.
–٤–
كان الحب أحياناً
يصنع الفضاء ويوسّعه
يفتح أبوابه كلها ويزيح الستائر.
وفي أحيان أخرى
كان يوزع غيومه
يرعد ويبرق وتسقط أمطاره
وحينها نكون متعانقين
في صاعقة جسدية
تسقط فوق شجرة الرغبة.
–٥–
حين جاء الموت
لم يكن هناك حياة إلا في وجهكِ.
وحين جاء الظلام
لم يكن هناك وهج إلا في عينيك.
لم نلمح طريقاً آنذاك
كان المحاربون يعبرون على الدراجات النارية
وكنا نلمح التوابيت فوق كتفيْ
المدينة وهي تحني رأسها
في طريقها إلى المقبرة.
–٦–
في فجر أحد الأيام أيقظتْنا انفجاراتٌ
صنعتْ سماء من الدخان
وأصواتٌ خدشتْ لحم السماء بأظافرها الفولاذية.
غادرنا حينها البيت
أغلقنا الباب وراءنا
محونا أشياءنا وراءنا
لم يكن يتوهج في أعيننا
إلا ضوء الرحيل.
–٧–
وفي طائرة في الفضاء
شعرنا أننا ضائعان
أننا لن نصل إلى أي مكان.
كان كل شيء خلفنا يختفي في الدخان
وأيامنا القادمة
ضائعة في صوت المحركات العملاقة
فوق المحيط.
المدينة التي عشتُ فيها
السماءُ فيها سقفٌ لصالات العزاء
والضوء غبارٌ يتساقط، تنثرهُ الريح
على ملامح وجهها الممحوة.
نهرُها الذي يجفّ في جسدٍ متصحّر
حنجرةٌ من الرمل ترتّل الأناشيد لمطرٍ لا يهطلُ.
أما ليلها الذي يعشقهُ الشعراء فمبقّع
بأضواء تنطفىء الواحد بعد الآخر
ليس لأن الفجر قادم بل لأنها
لم تعد قادرة على التوهج.
الأشجار التي بقيت فيها
ضيّع الربيع طريقه إليها.
تعرفُ هذا كلماتٌ تخرج مذعورةً
من الأفواه في المقاهي.
يعرفُ هذا من يرى كلمات كاذبة
تخنقُ عناوين الصحف.
تعرف هذا أحلامٌ لا تتحقّق
وأعينٌ ترى من ثقوب في الحصار.
فوق حاراتها الملوّثة
حيث يتدفّقُ نَهْر الأسلاك
تبدو الشمسُ باهتةً ككرة قدم مغبرّة
شاطها أحدهم وبقيت عالقةً في الأعلى.
المدينةُ التي أمضيتُ فيها نصف حياتي
كانت دوما تفتحُ لي الباب
لا لكي أدخل إليها بل كي أغادرها.
ريح الخوف
–١–
شيءٌ ما يرجّ الكوكبَ
يرميه
في ريح الخوف.
–٢–
كان الكوكبُ دوماً
على حافّة الهاوية.
الغريب أنه لم يسقط.
–٣–
شوارعُ المدن خالية.
الموتُ ينتظرُ في الشوارع
في السيارات المركونة
على شواطئ البحار
على خشبة المسرح
في الأوراق الأولى للصحف
في البارات
والمدارس
في القبل والمصافحات
في عواء الكلاب الضجرة
وتصريحات السياسيين.
–٤–
سجادة الصلاة
تحلّ خيوطها
كي تصنع كمّامة.
الدعاء
لا يعثر على خشب
كي يصنع سلماً للصعود.
–٥–
أنشغلُ الآن
بترتيب المائدة
كي أجلس إليها
أنا والوحدة.
–٦–
الكأس الممتلئ أمامي
يشعر أنه فارغ.
يدي تشعر أنها
ليست يدي.
صرنا جسوراً
يعبر عليها الموت
وها أجسادنا تتدلى منتظرة
على أغصانها الذابلة.
–٧–
كما يعيشُ الموتُ في قبرٍ
يعيش في اللامبالاة.
في أيد لا تعرفُ معنى عناق
لا حاجة إليه.
–٨–
بما أنني خلف الجدران الآن
أحبّ أن أسأل نفسي:
ألم أكن خلفها من قبل؟
–٩–
العالم موحشٌ الآن
شوارعه مهجورة
والبشر يهربون من بعضهم.
واقعٌ أراد
أن يكون أكثر وضوحاً.
–١٠–
لو وُضع للجسد البشري تاريخ،
ماذا هناك غير الموت؟
–١١–
حتى في أوج شعوركَ بأنك نَفَسٌ عابر
حفيفٌ في أوراق أشجار اللحظات،
حتى لو كنت تعرف
أنك لا تستطيع التمسك
بأي شيء
ابْنِ، ابْن حديقة للفرح
وازرعْها بالورود.
–١٢–
لا أحب الدعاء
وإذا ما استمرت الحياة
حتى العكاز يمكن أن يكون
حفيداً، كما قال الهنود الحمر.
–١٣–
يسير البشر واضعين كمامات على وجوههم
نظراتهم قلقة
ثمة شيء ما يتربّص بهم في الخارج.
لكن في الأعين نفسها وهج
لا يمكن أن يطفئه أي شيء.
–١٤–
كان الشاطئ مهجوراً
خُيّل لي أن الأمواج والغيوم خائفة
وهي على حق إن كانت هكذا
تعرف أنه لا معنى لها
دون أعين تنظر إليها.
–١٥–
كان الشاطئ مهجوراً
والطيور قلقة.
كان صوت الريح مختنقاً
وهي تهب فوق دروب خالية.
هذا هو الجسد
١–
رغم أنه يتمنى ذلك أحياناً،
لا يستطيع الجسدُ
أن يصبح حجراً.
–٢–
الجسد موجةٌ
وفي غالب الأحيان
يكون البحر في داخله.
–٣–
تتجمّع الغيوم في السماء
وتلعب الريح بأشكالها وتبدّدها.
هذا هو الجسد.
–٤–
حين ييدأ الطريق ولا ينتهي
حين تبحر السفينة وتضيع البوصلة
هذا هو الجسد.
–٥–
في منقار النورس المحلق فوق الماء
كائنٌ بحري يتدلى.
هذا هو الجسد.
–٦–
اليوم، في مزيجٍٍ
من الأصداف والرمال
رأيتُ آثار أجساد قديمة.
–٧–
في الأعشاب التي تطلع
من شقوقٍ في القبور وحولها
يشير الجسد إلى طرقه.
–٨–
يولد الجسد أكثر من مرة في الحب
وبعد ذلك إذا اختار مسكناً
يكون عادةً الريح.
حين عشقتُ أول مرة
–١–
حين عشقتُ أول مرة
كانت قدماي تتسلقان الجبال وتهبطان السفوح
كالهواء الذي تميل فيه الأعشاب.
–٢–
حين عشقتُ أول مرة
كنتُ أرى نفسي بعينيها
وكنتُ معجباً بنفسي.
–٣–
حين عشقتُ أول مرة
شعرتُ أن الانتظار
ثمرةٌ يتقطّر عصيرها بين شفتيَّ الظامئتين.
–٤–
حين عشقتُ أول مرة
لم أعرف قلبي ولم يعرفْني
كما لو أنه خفقَ في صدرٍ آخر.
–٥–
حين عانقتُ أول مرة
لم أر ما كنت أعانقه ولم أر نفسي
كنا جسدين ضائعين في بعضهما.
–٦–
حين قبّلتُ أول مرة
شعرتُ أنني ضائع ولا يمكن أن يخرجني
من المتاهة إلا قبلةٌ أخرى.
–٧–
حين قبّلْتُ أول مرة
عرفت أن للشفاه وروداً تتفتّح
وأن لها عطراً ينتشر.
–٨–
حين عانقتُ أول مرة
عثرتُ على نفسي بين ذراعيكِ
وحين خرجتُ من بينهما ضعتُ من جديد.
–٩–
حين يعشق المرء
يعشق دوماً لأول مرة
كما لو أن الحب ينجبه كل مرة.
الطائر الطنان
–١–
حين يُحلّقُ الطائر الطنان
تُصْبح أجنحتهُ لامرئية.
هل يريد أن يتحوّل إلى هواء
أم لأنَّ الرحيق يُسْكره؟
–٢–
كما يعيشُ الطائر الطنان على رحيق الأزهار
أعيش على رحيق الكلمات
التي تهمسُ لي شيئاً.
–٣–
كان اللون الأخضر كثيفاً في ذلك اليوم
كانت الأشجار تنوء به
كأنها تتمنى عودة الضباب
كي يخفف من وطأته.
–٤–
العلاقةُ بين نسبة الرطوبة في الهواء
وسقوط الضوء على الطائر الطنان
هي ولادة قوس قزحٍ في ريشه .
–٥–
حين يسقط الضوء
على ريش الطائر الطنان
يهاجر من ذاته ويصبح آخر.
–٦–
ما الذي يجري لي؟
كلما رأيتُ جناحيْ الطائر الطنان
تمنيتُ لو أنهما على جسدي.
–٧–
يا مدينة ولادتي النائمة
فوق الشاطئ الصخري
لستُ طائراً طناناً
كي أحلّق نحو الأعلى والأسفل
كي أطيرَ جانبياً أو بالمقلوب
أو كي أحلّق مثله باتجاه الوراء
حين أحنّ إليكِ.
لا حاجة كي أفعل ذلك يا مدينتي
فأنت تعيشين في داخلي
والعلاقة بيني وبينك
تاريخٌ من الأجنحة
التي بلا فضاء.
على طرقي البحرية
الفجرُ ضبابيٌّ
على طرقي البحرية،
وصدْر المياه ليس رحْباً
كل شيء هاجعٌ
وراء باب عزلته.
الريح تسرعُ كأنها تنوي
العودة من حيث جاءت
والضوء يبهت
كأنه يفكر بالاحتجاب في مصدره.
شعرتُ بثقل وحْدتي
وبثقل الفراغ على جسدي.
ربما لن يغيبَ الضوء طويلاً
لكن هل سيكشفُ حين يأتي
غير ما حجبه الضباب؟
كانت المدينة تتقلب على سرير الأرق
تنتظر خبراً
يدلي حبله في الهاوية.