بواسطة يمامه واكد | ديسمبر 28, 2021 | العربية, مقالات
“حتى الفلافل والفول خذلونا، وارتفاع الأسعار دبحنا، والتجار تبرر بسعر الدولار، تخيل الخس اللي بينحط ع سندويشة الفلافل صار سعرو مرتبط ببورصة الدولار!” يتنهد أبو عادل ( 40 عاماً) وهو يقف أمام محل لبيع الفول والحمص بمدينة جرمانا أكثر مدن ريف دمشق اكتظاظاً بالسكان، يشوح بعينيه بين المارة راثياً حال ما آلت إليه الأكلة الشعبية الأشهر أو اصطلاحاً أكلة الفقراء والتي للأسف لم تعد كذلك، في بلد فاخر وفاخر هو وجاره اللبناني بأنّهم صنّاع هذه الأكلات وأصلها وسببها ومصدرها، يقول ” منين بدنا نجيب مصاري وأكل، كنا نشتهي اللحمة، وهلأ صرنا نشتهي الفول والفلافل، ما بقي في شي ناكله، ال هم شبعنا، قلبنا من الحامض لاوي”.
أبو عادل يعمل موظفاً في مؤسسة حكومية يشرح لـ “صالون سوري” كيف بدأت أسعار المواد الغذائية والفواكه والخضروات بالارتفاع حتى لم يعد بمقدوره وأمثاله من الموظفين الحكوميين القدرة على تحمل تكاليف المعيشة بالنسبة لتأمين الغذاء له وأسرته، وكلمة أمثاله لا تعود فقط –كما اتضح- على الموظفين، بل تعود على شعب بأسره، إلا من رحم ربه وصار أميراً في حرب مزقت البلاد والعباد.
2010-2022
“مافي أمل. بتزيد الرواتب من هون، وبتزيد الأسعار بعدا، والكل عم يركض وما عم يلحق، القصة ما بدها علم، صارت واضحة للجاهل والمتعلم، الزيادة مندفعها من جيوبنا سلفاً”، يعلق الموظف شفيق خير على زيادة الرواتب التي أقرتها الحكومة مؤخرا بمقدار 30 بالمئة، لكن يبدو أنه غير متفائل أبدا بهذه الزيادة التي يتوقع منها حملاً إضافياً بارتفاع تكاليف المعيشة والمواد الغذائية، وبالتالي زيادة البؤس الحياتي لأصحاب الدخل المحدود، بات هؤلاء يتشابهون بكل تفاصيل المعاناة وثقل الأيام وعدم انتظار القادم الموعود مع شريحة الفقراء وهي الأعظم في البلاد، ولعل القادم المشرق الذي تعد به الحكومة بتحسين ظروف المعيشة للمواطنين يدور في مخيلتها فقط دون النظر لأحوال الناس والأرواح المتعبة والمتهالكة، الأمر واضح بالشارع، يضيف شفيق: “انظر نسبة التسول والتشرد في الشوارع، متى كانت سوريا هكذا، هل يصدق عاقل أن نسبة الجهل والأمية وصلت حدود صفر بالمئة عام 2010، كيف سنروي لأطفالنا هذه السيرة، سيفكروننا مجانين، وهم الذين تربوا على الفقر والحاجة والحلم بصحن الفول والحمص والفلافل، ونحن على أبواب عام 2022”.
القصة برمزيتها
“الله يرحم يوم الجمعة، فرقتنا الحرب وما عاد في طعم لأي شي”. تتحسر أم إياد (65 عاماً) على أيامها ما قبل الحرب حينما كانت تجمع هي وزوجها كل يوم جمعة أولادها وأحفادها بطقس شهير لدى كل السوريين. العائلات كانت تلتف حول بعضها البعض على مائدة إفطار واحدة، والطبق الرئيسي فيها أكلة الفول والفلافل والمسبحة”. تكمل لـ “صالون سوري”: ” كنت أتمنى لو أن أكلة الفول التي كنت أجمع أولادي وأحفادي عليها في يوم العطلة ستبقى تجمعني معهم إلى اليوم، راحت أكلة الفول وراحت ذكرياتها معها، متل ما راح كل شي حلو وأخدت هالحرب معها زوجي وولادي التنين”.
أم إياد التي نزحت من داريا قبل ثمانية أعوام جراء الحرب ودمار منزلها، كانت ككل الأمهات همها الوحيد في الدنيا إسعاد عائلتها و الدعاء لأولادها وزوجها بالرزق والصحة والهناء، اليوم بقي لها الدعاء لحسن ختام حياتها. هكذا تقول، تعيش منتظرة مساعدة أهل الخير لها لإعانتها على مرارة العيش وضيق الحال بعدما توفي زوجها وولديها.
الحرب فرقت وشردت الكثير من العائلات، وأكلة الفول لا تزال عالقة في أذهان من بقي حياً في هذه البلاد، لا طعم لها بعد اليوم عندما كان لها النصيب الأكبر في المائدة إما بسبب رحيل الأحبة أو بسبب الغلاء وسوء الحال و الفقر والجوع، تعددت الأسباب والمحنة واحدة!، قد يبدو الأمر بسيطاً قياساً بما عاناه السوريون من ويلات في سنوات خلت، ولكن القصة برمزيتها المغرقة بالذكريات، باختصار، طعام الفقراء ما عاد للفقراء.
بمنتهى التقنين
تقف “رولا خير” (19 عاما) طالبة جامعية أمام محل فلافل القريب من سكنها الجامعي وتسخر من الحال التي وصلت إليه أسعار الأطعمة والمأكولات، تقول: “سعر سندويشة الفلافل ألفين ليرة وإذا بدي أكلها كل يومين بدي 30 ألف بالشهر، وطبعاً هادا أرخص شي بالأكل، كيف بده يكفيني المصروف؟”.
رولا حالها كحال الكثيرين من أبناء المزارعين والفلاحين ومعدومي الدخل في سوريا، فإن كان التعليم الجامعي لازال متاحاً لهم، تبقى مصاريف الجامعة والمعيشة والتنقلات والطبابة تثقل كاهلهم وتزيد على أرواحهم غصة الألم والتحسر على أيام الطفولة التي عاشوها مطلع الحرب والقادم من الأيام حيث البطالة والشح وتفاقم سوء الحال، وخير المطالع صار تسليماً على الماضي الذي لن يعود.
نشرة أسعار
بداية شهر تشرين الأول (اكتوبر) الماضي حددت محافظة دمشق نشرة أسعار جديدة للفول والمسبّحة والفلافل والمعجنات، لتصبح سندويشة الفلافل بـ 1200 ليرة سورية، وكيلو المسبحة بـ 4200 ليرة، وكيلو الحمص المسلوق بـ 2400 ليرة سورية، وكيلو الفول المسلوق بـ 2000 ليرة، وصحن المسبحة بالزيت أو صحن الفول بالزيت أو صحن حمص حب بالزيت مع سرفيس وخبز (200 غرام) بـ 1800 ليرة”، وزبدية فتة بالسمن أو فتة بالزيت مع سرفيس 3 أنواع (500 غرام) بـ 2300 ليرة”، ولكن هل من ملتزم، تقول امرأة للتو اشترت من محل فلافل في المزة بأسعار تقارب ضعف التسعيرة الرسمية.
“نحنا نحاول الالتزام بنشرة الأسعار، لكن لا نستطيع دائماً بحكم كل شيء بيرتفع حولنا من أسعار، وطبعا بزيد عليها في كل طلب سعر السرفيس (مخلل) والخبز”. يشرح سامر الحمصاني صاحب محل للفول والفلافل وسط دمشق لـ” صالون سوريا” سبب زيادة الأسعار من قبل البائعين على نشرة الأسعار الأصلية المحددة من قبل محافظة دمشق فتختلف التسعيرة باختلاف طلب الزبون والمرفقات التي يحتويها كل طبق أو سندويشة وبخبز سياحي أو عادي، وطبعاً تنطبق تلك الزيادة على سعر سندويشة الفلافل التي تباع بزيادة قدرها 600 ليرة، تبعاً للمكونات الموجودة ضمن السندويشة كالمخلل والخضار، ولا تقتصر مضاعفة الأسعار تلك على أطباق الفول وسندويشة الفلافل، وتطال أيضاً سعر قرص الفلافل الذي يتراوح سعره في بعض المناطق من 100 إلى 150 ليرة، علماً أن نشرة الأسعار حددت سعر القرص بـ 90 ليرة.
بينما يحرص بعض البائعين على الالتزام بنشرة الأسعار الواردة من محافظة دمشق، لتذهب تلك الالتزامات أدراج الرياح لدى الكثير من أصحاب مطاعم الفول والحمص الذين يبيعون الفول والحمص بأسعار مضاعفة، ويؤكدون أن السبب في ارتفاع أسعار هذه المأكولات الشعبية هو زيادة سعر زيت القلي وارتفاع أسعار الحمص إلى أكثر من 4000 ليرة للكيلو غرام، و سعر كيلو الفول إلى نحو 5000.
” المواطن السوري لم يعد بإمكانه تناول حتى الفلافل بسبب الارتفاع الجنوني بأسعار الزيوت، وهذا أمر غير منطقي”. يعلق نائب رئيس لجنة التصدير في اتحاد غرف التجارة السورية فايز قسومة على حال ما وصلت إليه أسعار ما كانت تسمى بأكلة الفقراء، حيث أن السبب الرئيسي يعود لارتفاع أسعار الزيوت، كاشفاً وجود خمسة معامل تنتج الزيت النباتي وهي المسيطرة والمتحكمة بالسوق، ولهذا فأسعار الزيوت “عالية”. وبحسب قسومة فإن استيراد الزيت النباتي ممنوع حالياً في لحين إقناع “وزارة الصناعة” بموضوع الاستيراد، و في حال تم ذلك فإن الأسعار ستنخفص بمعدل 60 بالمئة.
انعدام الأمن الغذائي
في ختام زيارته إلى سوريا في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حذر مدير برنامج الأغذية العالمي من التدابير القاسية التي يضطر الأهالي لاتخاذها بسبب الجوع والفقر، ونقلا عن الأمهات اللواتي التقى بهن خلال زيارته، يقول بيزلي إنهن، مع الشتاء القادم، “عالقات بين المطرقة والسندان فإما أن يطعمن أطفالهن، ويتركونهم يتجمدون من البرد، أو يبقونهم دافئين ولكن بلا طعام، إذ لا يمكنهن تحمل تكلفة الوقود والطعام معا”.
وبحسب بيان برنامج الأغذية العالمي، يعاني الآن حوالي 12.4 مليون شخص – ما يقرب من 60 في المائة من السكان في سوريا – من انعدام الأمن الغذائي ولا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية. وهذا أعلى رقم تم تسجيله في تاريخ سوريا بزيادة نسبتها 57 في المائة عن عام 2019.
تحذيرات أممية ربما ليست بجديدة حول خطورة الأمن الغذائي في سوريا تتصاعد عاماً بعد أخر منذ بدء الحرب في البلاد، أجراس الأمعاء الخاوية لدى السوريين باتت تدق ناقوس خطر المجاعة مع الفقر وسوء الأوضاع المعيشية.
الأكلة الشعبية للذكرى
بعد موجة الغلاء الكبيرة في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية لجأ الكثير من السوريين إلى الاستغناء عن العديد من الأكلات والأطعمة المفضلة لديهم والاعتماد على الأكلة الشعبية الفول والمسبحة وسندويشة الفلافل المعروفة بطيب مذاقها ورخص ثمنها، لكن يبدو أنها بدأت تبتعد عن جيوبهم الفارغة يوماً بعد آخر، وباتت حلماً بعيد المنال عنهم أيضاً، بعد أن صار ثمنها، بعيدا عن متناول جيوبهم، بسبب استمرار ارتفاع الأسعار الجنوني. سندويشة الفلافل الأكلة الشعبية التي كانت قبل الحرب في متناول أغلب العائلات السورية، ربما ستدخل أخيراً في إطار “التراث غير المادي” لسوريا لتبقى ذكرى للأجيال القادمة!، مجدداً، تلك الأجيال التي لن تصدق يوماً أنّ بلدهم كانت بلد خير.
بواسطة الحسناء عدرا | ديسمبر 27, 2021 | العربية, مقالات
إذا كنتَ تريد شراء شجرة ميلاد لهذا العام، فعليك التفكير ملياً عزيزي السوري قبل الإقدام على تلك الخطوة المجازفة، لأنك بذلك تعرض عائلتك لخطر الجوع طوال أشهر.
تظهر علامات الدهشة واضحة على ملامح الشابة رنيم لدى سماعها سعر شجرة الميلاد التي وصلت إلى 550 ألف ليرة أي ما يعادل راتب موظف فئة أولى لمدة ثمانية أشهر. ينهال عليها البائع بسيل من عبارات الترغيب وميزاتها النادرة التي يتقنها البائعون عن ظهر قلب، تقول الشابة:” َساومتُ شجرة سرو بطول 210 أمتار بسعر 5500ألف نخب ممتاز ، بينما الأقل جودة بسعر 175 ألف ليرة سورية، فيما تراوحت أسعار كرات الزينة بين 1000 لغاية 3000آلاف للقطعة الواحدة، للأحجام الصغيرة، أما الحجم الكبير تصل إلى 25 ألف ليرة سورية”.
وعن سبب ارتفاع أسعار الزينة وشجرة الميلاد، يفسر أحد بائعي المحلات في باب توما وسط دمشق، لـ “صالون سوريا” :” قفزت أسعار الزينة وأشجار الميلاد خمسة أضعاف عن العام الماضي، فحينها كان الدولار الواحد يعادل 500 ليرة سورية، أما الآن فوصل إلى 3500، فالشجرة كانت تبلغ 90 ألف أما هذا العام تفوق نصف مليون، وكذلك الأمر بالنسبة للزينة وشرائط الإضاءة وسواها”، يعقب الرجل: “أنه يضطر إلى رفع أسعار بضاعته مع كل صعود للأرز والسكر والزيت، فإن لم يفعل ذلك، فكيف سيعيش” وعن نسبة الإقبال على شراء أشجار العيد هذا العام، يجيب البائع”: أجل، هناك إقبال جيد، نتوقف عن البيع بداية العام الجديد، والبضاعة المتبقية نبيعها السنة المقبلة حسب مزاج الدولار وهكذا”.
عروض مغرية
بائع آخر يقدم عروض مغرية على أشجار الميلاد في محاولة لجذب المزيد من الزبائن وسط تدهور الليرة السورية وانخفاض القدرة الشرائية، يردد الشاب على مسامع الزبائن أسعار الخصومات بالقول: “بدل 700 صارت 450 ألف، كل قطعتين زينة بـ 15 ألف، أكسب العرض”، على وقع أصوات الباعة التي تغص بشوارع سوق القصاع، تسأل جويل عن أسعار شجرة الميلاد لإشباع فضولها، تقول :”الحمد لله أنني احتفظت بشجرتي منذ عامين قبل غلاء الأسعار، كنت سأتهور وأتخلص منها لاهترائها قليلاً، لكن هذا أفضل من دفع نصف مليون”، حال ربا ليس بأفضل، فلم تتكبد أي نفقات هذا العيد، فهي ما زالت تدخر أغراض الزينة والشجرة من السنوات السابقة، تقول:” توقعت ارتفاع الأسعار، لذلك لم أفرط بها أبداً، أنزلتها من العلية ونظفتها وعادت جديدة”.
اما ميرنا، فتخلت كليا عن تقليد شراء شجرة الميلاد منذ سنوات عديدة مضت. يرجع ذلك إلى أسباب عديدة، منها، المادية والنفسية، توضح الشابة” لا نملك شجرة، ونسينا هذا الطقس منذ أكثر من أربع سنوات، قد يكون السبب نظرا لعدم وجود أطفال في المنزل، لكن لا شك في الأمر أنها أصبحت مكلفة جدا، لكن تكمن المشكلة بالجو العام المشحون والمتعب الذي ينعكس على نفسيتنا، لا أحد هنا سعيد، فالوضع الاقتصادي الخانق يؤثر على صحتنا النفسية”.
اريد عاما دافئا
فرضت سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية تغيرات عميقة على ممارسة طقوس عيد الميلاد في سوريا. ففي هذا العام بهتت بهجة العيد فاحتفل السوريين في عماء مظلم وبرد قارس، ما تسببت في بث أجواء من كآبة موحشة وفرحة مقننة. توضح ربى: “لم أشعر بجو العيد، الإنارات مطفئة في الشوارع والظلام يكسو البلاد وكأنها شبح، لم أهناً بمنظر الشجرة المزينة لأن الكهرباء مقطوعة على الدوام، ظلت شجرتي قابعة في زاوية منزوية بالمنزل يلفها حبال من الضوء تنتظر رحمة التيار الكهربائي، افتقد لعيد ميلاد قبل اندلاع الحرب في سوريا”.
“تحول العيد إلى زيارة الكنيسة وأداء واجب الصلاة فقط”، هكذا أصبح العيد بالنسبة لعائلة أم فادي، فيما صار إعداد الحلويات وشراء الشجرة وتزيينها ضمن اللائحة السوداء، تقول” هذا العام الثاني على التوالي، لا أقوم بإعداد البيض الخاص بالعيد والحلويات الآخرى، أصبح في عداد النسيان، كيف سأصنع الحلوى والكهرباء تأتي ساعتين في اليوم الواحد”.
تختصر أم فارس أمنياتها في عيد الميلاد لهذا العام بأن ” تتنعم بالكهرباء والدفء، بينما الأحلام الكبيرة وضعتها على الرف جانباً”، تعقب السيدة الخمسينية: “بدي كهرباء لأقدر شوف قدامي، ومازوت لدفي عظامي”، هذه الأمنية يتشاركها معظم السوريين الذين تحولت أحلامهم إلى كيفية تأمين سبل العيش وتحصيل رزقهم، بينما يبقى حلم السفر خيار وحيد للخلاص والنجاة من الحياة في بلادهم، تعبر الشابة فرح عن أمنيتها الملحة بالسفر” هو طوق النجاة لي، بت أفكر في مواعيد وصل الكهرباء بدل مواعيد امتحانات الجامعة، أرتب مواقيت استحمامي ودراستي على إيقاع التيار الكهربائي”.
تنشر سوزان على أحد مجموعات التواصل الاجتماعي على “فيسبوك” منشوراً تبحث فيه عن شجرة ميلاد مستعملة بسعر مقبول لا يتجاوز 100 ألف ليرة سورية، تقول الشابة لـ “صالون سوريا”: ” لا أملك المال لشراء جديدة، وفي الوقت ذاته لا أريد أن أتخلى عن فكرة الشجرة التي هي تجسد فرحة العيد ، لذلك فكرت بنشر إعلان لشراء واحدة مستعملة، أرسل العديد لي صورا مرفقة بالأسعار وسأختار منها ما يناسب ميزانيتي”، يتبادل أعضاء المجموعة أسعار الأشجار المتداولة في السوق التي وصلت إلى المليون ليرة سورية، تعلق إحداهن على ذلك بالقول:” أفضل قطع عدة أغصان من شجرة الصنوبر في قريتي على أن أدفع هكذا مبلغ”.
بواسطة عامر فياض | ديسمبر 22, 2021 | العربية, مقالات
كنت أرمي كيس قمامة في إحدى الحاويات، ففاجئني طفل ظهر منها وكان ينبش في قمامتها. يغوص فيها لدرجة أنني لم أنتبه لوجوده، وكاد الكيس يرتطم برأسه. ذلك الطفل هو واحد من آلاف الفقراء والمعدمين الذين باتت الحاويات مصدر رزقهم الوحيد. فمن النادر اليوم أن ترى حاوية لا يوجد حولها أو في داخلها من ينبش في قمامتها بحثاً عما يمكن بيعه أو استخدامه أو حتى تناوله من بقايا الأطعمة، وقد أصبحت تلك الظاهرة مهنة شائعة غزت الشوارع ومجمعات القمامة بشكل كبير.
الأطفال أكبر ضحايا تلك المهنة
مع ساعات الصباح الأولى تنشط حركة الأطفال عند الحاويات بشكل كبير، وبالقرب من إحداها التقينا بالطفل حسن (15 عاماً) وأخويه الصغيرين وهم يزاولون عملهم اليومي. “نخرج من البيت عند الساعة الخامسة صباحاً لننبش في القمامة وننتقي منها بعض المواد التي يمكن بيعها (بلاستيك، كرتون، زجاج، معدن، نايلون، خشب وغير ذلك)، ثم نقوم بفرز كل نوعٍ منها ونضعه في كيسٍ خاص به”، يقول لنا حسن مضيفاً: “عند الساعة السابعة يعود أخوي إلى البيت ليستعدان للذهاب إلى المدرسة، فيما أتابع عملي حتى يأتي تاجر بسيارته ليشتري ما جمعناه من مواد، بعد أن يزنها “. ولا يقتصر عمل الأخوة الثلاثة على فترة الصباح بل يخرجون في الخامسة مساء، وأحيانا ترافقهم أمهم وأختهم الصغيرة، ليعملوا حتى التاسعة أو العاشرة ليلاً.
في أحد شوارع مدينة جرمانا استوقفني مشهد درامي مؤلم لطفل بعمر السادسة يقف داخل حاوية طافحة ويقوم برمي ما تحمله يداه الصغيرتان إلى الأرض ليفرز أخاه الأكبر ما يصلح منها للبيع. عند الاقتراب منهما يُسمع صراخ الأخ الأكبر الذي يحثُّ الأصغر على العمل بهمة ونشاط أكبر ويوبّخه لأنه يرمي بمواد لا حاجة لها. وعند سؤاله عن سبب اعتماده على الطفل في عمل كهذا يجيب: “هو خفيف الحركة ويستطيع القفز إلى داخل الحاوية بسهولة”. مضيفاً: “ليس هناك من يساعدني سواه فأبي مُقعَد لا يقوى على الحركة وأخويَّ يعملان في أحد المعامل لمدة عشر ساعات وأكثر، فيما تعمل أمي معظم الوقت في تنظيف البيوت”.
وفي مشهد آخر، قرب إحدى تجمعات الحاويات، أربع فتيات صغيرات ينهمكن في عمليات النبش وكأنها لعبة للأطفال، اللعبة الوحيدة التي يملكنها. الفتاتان الأكبر في الثانية عشر من العمر تقريباً ترتديان لثاماً لتخفيان وجهيهما خجلاً من المارة الذين اعتادوا وجودهن شبه الدائم في الشوارع، ورغم ذلك لم يخفِ اللثام تعابير عيونهن الطافحة بالقهر والوجع.
تمر الفتيات على عدة حاويات في أوقات متفرقة من النهار، مُحمَّلات بما جمعنه من أكياس، قد تفوقهن حجماً، يتنقلن بها لمسافات طويلة، حالهن كحال آلاف الأطفال الذين باتوا جزءاً من تفاصيل الشوارع التي تحاصرهم بنظرات الشفقة والدونية، وهم يعبرونها بأكياس بالية محمولة على الظهور أو بواسطة عربة مصنوعة من الخردة، كيفما اتفق وفي أحسن الأحوال، بواسطة دراجة. إلا أن الدراجة قد تُشَكِّل خطراً كبيراً على من يقودها كونها تُحمَّل عادة بأوزان ثقيلة وأحجام ضخمة من أكياس القمامة المعلَّقة على يمينها ويسارها، وهو ما يجعلها عرضة للسقوط بأي لحظة أو عرضة لأن تعرقل المارة أو تصدمها السيارات التي تعبر بجوارها.
مهنة عائلية
وبدل أن تخرج العائلات في سيران أو رحلة أو حتى زيارة ما، كما اعتادت فيما مضى، أصبح بعضها يخرج اليوم ليعبر أمام حاويات القمامة في محاولة بائسة لتأمين لقمة العيش المريرة. عائلة أبو أحمد مثلاً تعمل بشكل شبه يومي في أماكن مختلفة بتناغم كبير. الأولاد الثلاثة يغوصون في قلب الحاوية يُخرجون منها بعض المواد والأكياس الممتلئة مختلفة الأحجام وأبو أحمد ينتقي منها ما يصلح للبيع، يمزِّق الكراتين إلى أحجام صغيرة كي يسهل نقلها، يدوس العلب المعدنية والبلاستيكية بقدمه لكي يضغطها، ويكسِّر القطع الخشبية والبلاستيكية الكبيرة إلى أجزاء، فيما تقوم أم أحمد بلملمة تلك المواد وفرزها في أكياس وصناديق خاصة. وعند امتلائها يحملونها جميعهم إلى سيارة شخص معتمد يتعامل مع عدد من نابشي القمامة.
وعند سؤال أبو أحمد عن حجم الدخل الذي تجنيه العائلة من تلك المهنة يقول: ” نزاول المهنة منذ خمس سنوات، وقد تراجعت في العامين الأخيرين نتيجة فقر الناس، فالحاويات تعكس الواقع المعيشي المتردي الذي يعيشونه”. ويضيف: “نجني يومياً ما بين 15 إلى20 ألف ليرة (5 أو 6 دولارت) حيث نجمع بشكل تقريبي نحو 15 كيلو كرتون (سعر الكيلو 300 ليرة) و15 كيلو بلاستيك (الكيلو 500 ليرة) وحوالي أربعة أو خمسة كيلو من المعدن ( الكيلو بين 700 و1200 ليرة) بالإضافة لبعض المواد الأخرى”.
وتبقى عائلة أبو ضياء أفضل حالاً من عائلة أبو أحمد كونها تملك سيارة صغيرة بثلاث عجلات (طرطيرة)، تُمكّنها هي التي تعمل في الصباح وفي المساء من نقل ما تجمعه من مواد صالحة للبيع إلى بعض معامل البلاستيك والكرتون والزجاج في منطقتي صحنايا وسبينة.
إلى جانب ذلك، ومع قدوم الشتاء وغياب جميع وسائل التدفئة، تجمع العائلة في أكياس خاصة أية مواد يمكن إشعالها لتعود عليهم بالدفء كقطع الخشب والورق وأكياس الخيش والنايلون والأقمشة وغيرها.
بعد انتهاء عمل العائلة نجد السيارة طافحة بالأكياس، وقد عُلّقت على جانبيها أيضاً أكياس أخرى ذات أحجام كبيرة. تجلس أم ضياء إلى جوار زوجها، الذي يقود السيارة، وهي تحتضن طفلها الصغير، فيما يتعلق الأطفال الثلاثة الآخرين على الحواف الخلفية للسيارة بشكل بهلواني قد يعرّضهم للسقوط.
قمامة المطاعم والمقاهي كنز ثمين
بشكل يومي يذهب أبو حسان وولديه في ثلاث جولات إلى عدد من المطاعم لكي يأخذوا قمامتها مما يخفّف عن العمال عناء نقلها إلى الحاويات. يحمل الثلاثة ما يستطيعون حمله من أكياس ليضعونها عند أقرب حاوية ثم يقومون بإفراغها واستخراج ما يمكن بيعه من كرتون وبلاستيك وأكياس نايلون وفوارغ معدنية وزجاجية، بالإضافة لبقايا الخبز والسندويش والمعجنات التي يضعونها في أكياس خاصة لتباع إلى تجار الخبز اليابس. وإلى جانب ذلك يحظون أحياناً بما يمكن أكله من بقايا السندويش والوجبات. إذ لا يقتصر الأمر على ما يمكن بيعه فقمامة المطاعم باتت توفر طعاماً لعدد كبير من الفقراء. وحول هذا الموضوع يحدثنا صاحب مطعم للوجبات السريعة في منطقة الدويلعة: “كثير من الفقراء ينتظرون مواعيد نقل قمامة المطعم ليبدأوا على الفور بنبش محتوياتها وانتقاء ما يمكن تناوله، في مشهد مؤلم يُدمي القلب، ولكي نجنّبهم الإحساس بالغبن صرنا نجمع بقايا الطعام التي يتركها الزبائن داخل أكياس خاصة نقوم بوضعها أمام باب المطعم، وبمجرد أن يلمحونها يتهافتون عليها، وبذلك يحصلون على طعام نظيف قدر الإمكان”.
مهنة لا تخلو من الخلافات والمشاكل
هذه “المهنة” قد تخلق في أحيان كثيرة مشاكل وتوتّرات بين نابشي القمامة وخاصة الأطفال منهم. وقد تتطور إلى تبادل الشتائم والعراك في خلاف على تقاسم أماكن العمل وبشكل خاص في المناطق التي تسكنها الطبقة الثرية أو التي تكثر فيها المطاعم والمقاهي.
قبل أيام، وأثناء مساعدتي لصديقي في إعادة ترتيب منزله ونقل بعض الأشياء التي استغنى عنها إلى الحاوية، صادفنا أربعة أطفال يزاولون عملهم وحين رأوا ما نحمله (كتب تالفة، أوراق، كراتين والكثير من العبوات البلاستيكية والزجاجية وغير ذلك) تهافتوا علينا وكأننا نحمل كنزاً ثميناً فتشاجروا على تقاسمه، ما دفعنا لتوزيع تلك الأشياء بالتساوي عليهم.
الطفلان عمر (16 عاماً) وأخوه الذي يصغره بعامين وجدا حلاً مناسباً لتجنّب المشاكل التي قد تحدث مع مزاولي تلك المهنة فاختارا أن يسهرا حتى الفجر بشكل يومي بجانب إحدى تجمعات حاويات القمامة. يروي لنا عمر: “خلال الليل من النادر أن يمر نابشو القمامة على الحاويات وبالتالي ليس هناك من ينافسنا، لذا نغتنم فرصة النبش طوال الليل قبل أن تنشط حركتهم عند الفجر، وبذلك نجمع كميات جيدة من المواد الصالحة للبيع، حيث تكثر في الليل حركة رمي قمامة المنازل والمطاعم والمقاهي القريبة”.
وخلال جلوسهما الطويل، يلتحف الطفلان ببطانية صوفية بالية ويشعلان الخشب والكرتون ليحصلا على بعض الدفء، فيما يتسولان من المارة وسائقي السيارات ما تيسر من نقود أو طعام أو سجائر.
كثيرة هي الأضرار والمخاطر الصحية التي تسبّبها هذه “المهنة” نتيجة الاحتكاك الدائم مع بيئة غنية بالجراثيم قد تجعل أي جرحٍ يصيب نابش القمامة جرحاً مهدّداً للحياة، هذا إلى جانب الكثير من الأمراض الجلدية والهضمية أو التنفسية الناتجة عن استنشاق الروائح المتخمرة. لكن معظم مزاولي تلك المهنة لا يعيرون أي أهتمام لما ذكر رغم آلاف التحذيرات الطبية، بعد أن انعدمت لديهم كل مقومات الحياة، وبات الخوف من الموت جوعاً يطغى على الخوف من الموت مرضاً.
بواسطة كمال شيخو | ديسمبر 21, 2021 | العربية, مقالات
بعد إعلان نقيب الصيادلة في سوريا، وفاء الكيشي الخميس الماضي رفع أسعار جميع الأدوية بنسبة 30 بالمائة؛ قفزت في مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي البلاد والخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، بنسبة 60 بالمائة، تنقسم على نحوٍ تضم الزيادة الأخيرة وأجور النقل من دمشق والأتاوات التي يفرضها عناصر تابعون للحكومة، على المعابر والمنافذ الحدودية الواصلة مع مناطق الإدارة في معبري الطبقة جنوبي الرقة، والعكيرشي شرقي المحافظة.
وبعد ساعات من اصدار الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً، قضى بزيادة رواتب وأجور العاملين في الدولة المدنيين منهم والعسكريين نسبة 30 بالمائة، قالت وفاء الكيشي نقيب الصيادلة بسوريا في افادة صحفية أن أسعار جميع الأدوية رفعت 30 بالمائة، وهذه المرة الثانية خلال العام الحالي ترفع وزارة الصحة أسعار الادوية حيث كانت الأولى منتصف حزيران (يونيو) الماضي، ونشرت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، نشرة الأسعار الجديدة للأدوية التي تضمنت تعديل أسعار 13 ألف صنف دوائي.
ارهاق المرضى
في شارع الأطباء وسط السوق المركزية لمدينة الحسكة شمال شرقي سوريا، يجهد وائل الرجل الخمسيني البحث عن دواء لمرض أبنه الصغير المصاب بأذنه الوسطى، وقال بأن غلاء أسعار الأدوية في مناطق الإدارة وسط تدهور الأوضاع المعيشية وانخفاض قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية (الدولار الواحد يساوي 3550 ليرة)، يزيد من مشقات حياته وقال لـ “صالون سوريا”: “أسعار الأدوية غالية جداً وأنا موظف راتبي أقل من 100 ألف ووضعي لا يسمح، فمعاينة الطبيب ولائحة أدوية لشراء قطرة أذنيه ومخفض آلام تطلبت دفع مبلغاً كبيراً”.
وتصاعدت حدة أزمة نقص الأدوية في مناطق الإدارة الذاتية شرقي الفرات بعد إغلاق القوات الحكومية جميع المعابر البرية مع مناطقها منذ مارس (آذار) الماضي وتوقف دخول الأدوية إلى مناطق سيطرة قوات (قسد)، الأمر الذي دفع عناصر قوات حكومية لفرض رسوم وإتاوات باهظة وصلت إلى 50 ألف دولار أميركي.
وتقول سيدة تبلع من العمر ثلاثين سنة وتدعى فاطمة تتحدر من بلدة الشدادي جنوبي الحسكة، وكانت تحمل طفلها المريض وتبحث عن الدواء بشارع الأطباء لكنها فشلت في الحصول على خافض للحرارة في جميع الصيدليات، ونقلت بانها لم تجد دواء “تيمبرا” الخاص بخفض الحرارة التي بحثت فيها فاضطرت إلى شراء البديل، لكن بسعر مرتفع وذكرت في حديثها لـ(صالون سوريا) أن: “ابني أصيب بإسهال وارتفعت حرارته بشكل مخيف بسبب برودة الطقس وتقلب الأجواء، بحثت عن الدواء فلم أجده وأجبرت على شراء دواء شبيه لكن بسعر غالٍ جداً”.
فأدوية الأمراض القلبية والصرع إلى جانب قطرات الأذن وأدوية الأمراض الموسمية المعدية، من بين أهم الأصناف المفقودة في مناطق الإدارة الذاتية وأحياناً يظهر المستحضر الدوائي ويصبح رائجاً وموثوقاً ثم يعود ينقص فترات طويلة ليتم طرح مستحضر شبيه، لكن بأسعار مرتفعة ومتذبذبة، وعن أزمة نقص الأدوية وشحها يقول الصيدلاني عبد الحكيم رمضان الذي يمتلك صيدلته في شارع فلسطين التجاري وسط مدينة الحسكة ضمن قطاع الإدارة لدى حديثه الى (صالون سوريا)، الى إن المشكلة ليست بفقدان أدوية أمراض الجلطات والأمراض المزمنة وباقي الأمراض.
ويقول: “نعاني صعوبة في تأمين الدواء بسبب حصار معابر (الفرقة الرابعة) مع مناطق سيطرة الحكومة، وشراء المواد الأولية مربوطة بالدولار الأمريكي، يضاف إليها وجود المعامل والشركات بدمشق وحلب والتي تتحكم بتحديد الأسعار”، منوهاً بأن أغلب أدوية أمراض السكري والضغط وحبوب الغدة وقطرات الأذن والعين تتحكم بأسعارها الشركات والمعامل في المنشأ والصيدليات تضطر إلى شرائها محررة أي بسعر العموم، وأضاف رمضان: “هناك قطرات لمرض العيون سعرها في المنشأ 3500، لكن نشتريها بسعر مرتفع يصل إلى 5 ألاف وأحياناً 6 ألاف، وهذا يضاعف أسعار الأدوية هنا ونحن نبيعها بزيادة 500 ليرة يصبح سعرها مضاعف”.
رشاوي
منذ آذار (مارس) الماضي، تمنع القوات الحكومية عبور الشاحنات والسيارات التجارية الآتية من دمشق من إكمال وجهتها والدخول إلى مناطق “قسد”، وأغلقت معبري العكيرشي شرقي الرقة والطبقة التابعة للمحافظة ويقع جنوبي نهر الفرات، ويفرض عناصر تابعون لقوات الحكومة، إتاوات فردية وتجارية على حركة المرور قد تصل لآلاف الدولارات على شاحنات نقل البضائع والسلع الغذائية وشحنات الأدوية.
وقال معتمد أدوية يتحدر من مدينة الحسكة طالباً عدم الإفصاح عن هويته لأسباب أمنية، أن :عناصر من النظام أصبحوا يفرضون مبالغ مالية طائلة على شحنات الأدوية القادمة من معامل وشركات تصنيع الأدوية بدمشق والمتوجهة نحو مناطق الجزيرة، عبر منفذ الطبقة:، وقال: “يأخذون رشاوي على المتر الواحد مبلغ 500 دولار أميركي، وعادة الشحنة تكلف ما بين 25 ألف دولار إلى 50 ألفاً حسب الوزن والكميات، عدا أجور النقل وتكلفة توزيعها على المستودعات والصيدليات”، الأمر الذي يزيد من أسعار الأدوية في مناطق الإدارة بنسبة تصل إلى 30 في المائة من سعر التكلفة بالعاصمة.
أما نيجرفان الذي يمتلك مستودعاً للأدوية يقع في منطقة تماس تفصل مناطق سيطرة النظام عن مناطق نفوذ “الإدارة” قرب ساحة النجمة وسط الحسكة،قال أن زيادة ارتفاع أسعار الأدوية الأخيرة تزامنت مع فقدان الكثير من الأصناف، ويعزو السبب الى أن الشركات والمعامل رفعت الأسعار بعد القرار الأخير، وأكد أن أدوية الأمراض المزمنة شبه مفقودة وذكر بأن أصناف (كارباتيك 400) مفقود الذي يستخدم لمرضى الصرع، أما مسكنات الألم (دراما دول) و(ديازيبام) و(دورميتا) هي ايضاً مقطوعة، وقال في حديث لـ”صالون سوريا” انه إذا توفرت أصناف مماثلة “تكون أسعارها مرتفعة جداً يضاف لها أجور نقلها وشحنها من نقطة الاستلام”، لافتاً إلى أن السيرومات مصدرها تركيا وهناك أصناف من حليب الأطفال إيرانية الصنع، وبعض أدوية مسكنات الألم والمخفضات يكون مصدرها أجنبياً. وزاد: “الطلب يكون على الدواء السوري حتى ولو سعره مرتفع، فالمريض يثق بالصناعة الوطنية، لكن علبة الديالين كان سعرها بالجملة سابقا 1535 ليرة تباع اليوم 10500 ليرة، وكل أنبولة منها سعرها 2700 ليرة”.
ويشكو كثيرون من المرضى فقدان أدوية أمراض مزمنة مثل أدوية القلب والضغط وأدوية الكوليسترول، فضلاً عن القطرات والصرع، إضافة إلى أن بدائل هذه الأدوية غالية الثمن والمريض لا يأخذها إلا بعدما يرجع للطبيب، ونقل صاحب مستودع ثاني بالحسكة، أنه اتفق مع تاجر وصاحب شركة شحن على نقل دفعة من السيرومات من دمشق إلى مناطق الإدارة، وبعد حصوله على جميع الموافقات الأمنية واصطحابها معه وأثناء وصوله إلى حاجز رسمي عند مدخل بلدة الطبقة، أوقفه عناصر الحاجز وطلبوا منه دفع رشوة بقيمة 10 آلاف دولار أميركي، ليحتج سائق السيارة ورفض دفع المبلغ المطلوب، وقال: “السائق قال لهم إنها سيرومات وحجمها كبير وشحنة الأدوية كاملة لا تساوي 10 ألاف دولار”، غير أن عناصر الحاجز أجبروه بالعودة إدراجه.
بواسطة حمد المحاميد | ديسمبر 16, 2021 | العربية, مقالات
رغم مرور سنوات على استعادة الحكومة السورية سيطرتها على غوطتي دمشق الشرقية والغربية، فأن المشهد في الغوطتين المعروفتين قبل الأحداث بأنهما جنتان من جنان الأرض لاتساع البساتين الخضراء فيهما وجمال أشجارهما المتنوعة ومياههما الوفيرة، لا يزال كالح السواد من دون ظهور ملامح أي تحسن، إذ تحولت المساحات الخضراء إلى قفار، ومشهد الدمار والركام والبيوت المتهالكة والطرقات السيئة يطغى على مدنهما وسط انعدام شبه تام لأبسط مقومات العيش.
وتمتد الغوطة الغربية من ربوة دمشق غربا وجنوبا وتحيط حيي المزة وكفر سوسة في دمشق ببساط اخضر، وتضم العديد من المدن والبلدات والقرى، أبرزها داريا ومعضمية الشام والكسوة وصحنايا والأشرفية وسبينة ووادي العجم والهيجانة ويمر بها نهر الأعوج، وتشتهر بكافة أشجار الفاكهة والبساتين والمروج وزراعة مختلف أنواع الخضار.
مدينة العنب
وتعد مدينة داريا أكبر مدن الغوطة الغربية وعرفت خلال الأحداث بـ«أيقونة الثورة»، وتقع على بعد 8 كلم جنوب العاصمة دمشق، وتبلغ مساحتها 120 كلم مربع، وكان معظم سكانها يعملون بالزراعة، وأطلق عليها كثيرون «مدينة العنب» لشهرتها بزراعة جميع أنواعه، وتعرف أيضا بـ«مدينة المتنزهات»، وقد استعاد الجيش النظامي السيطرة عليها في آب (أغسطس) 2016، بعدما سيطرت فصائل المعارضة المسلحة عليها لنحو أربع سنوات، وذلك اثر حملة عسكرية مسعورة شنها ضدها أسفرت عن تهجير نحو ألفي شخص من مقاتلي المعارضة وعائلاتهم نحو الشمال السوري، ومقتل 2712 شخصاً، بحسب فريق التوثيق في داريا، إضافة إلى دمار نسبة كبيرة من المباني السكنية والبنى التحيتية والمزارع والمنتزهات والمعامل.
وبخلاف ما تقوله الحكومة منذ زمن بعيد بعودة الحياة الطبيعية إلى مناطق المدينة كافة، فإن المشهد على أرض الواقع في داخلها يؤكد عكس ما تروجه الحكومة، إذ لا تزال أكوام الركام موجودة على جانبي طريق مدخلها الشمالي على أوتوستراد المتحلق الجنوبي وأغلب المباني على الجانبين مدمرة ومجرف الكثير منها، وحركة السيارات والمارة ضعيفة.
المشهد في مدخل المدينة الشرقي المتفرع عن أوتوستراد دمشق – عمان الدولية يبدو أفضل قليلا عما هو عليه في المدخل الشمالي، إذ أن هناك حركة أكثر للسيارات والمارة في بداية الطريق المؤدية إلى وسط المدينة ويصل طولها ما بين 3 و4 كيلومترات وتتموضع عليها حواجز عدة للجيش والقوى الأمنية.
وتشاهد في هذه المنطقة الممتدة من بداية الطريق وحتى منتصفها تقريباً عدد من المحال التجارية وقد عاودت نشاطها، مع وجود حركة للمارة وإن كانت خجولة، كما يلاحظ أن معظم الأبنية سليمة ومأهولة وقد طال الدمار عدد قليل منها، على حين لا تزال معظم المنتزهات ومزارع العنب والفواكه الأخرى التي كانت موجودة على جانبي الطريق خلف المحال التجارية والأبنية، غارقة بالدمار، بينما يقتصر مشهد الخَضار على بقع صغيرة للغاية مزروعة ببعض الخضراوات، بعد أن كانت المنطقة يضرب بها المثل كمنطقة للتنزه ويؤمها الآلاف، خصوصاً في أيام العطل الرسمية للترويح عن النفس، بسبب جمال مزارعها ومتنزهاتها.
في وسط المدينة عند “دوار الباسل”، حيث نصبت عناصر الجيش النظامي حاجزاً ضخماً، وتتفرع منه طرقات رئيسية تؤدي إلى أحياء عدة في المدينة، منها النكاشات والشاميات وشريدي، يبدو حجم الدمار أقل من الموجود في طريق المدخل الشمالي، وكثير من الأبنية الطابقية لا تزال قائمة، لكنها أُعيدت إلى ما قبل مرحلة الإكساء (على العظم) من جراء عمليات النهب و«التعفيش»، مع وجود شقق مسكونة في عدد من الأبنية، لكنها قليلة جداً؛ الأمر الذي دل عليه رؤية ملابس منشورة على بعض الشرفات.
وتبدو حركة المارة في شوارع المنطقة التي تم فتحها بشكل جزئي ضعيفة، وتقتصر على عدد قليل من الشباب وكبار السن من الرجال والنساء، ويقول رجل خمسيني لـ”صالون سوريا” بحذر وهو يسير في الطريق بسبب انتشار العناصر الأمنية والمخبرين: «العيشة هون صعبة جدا. لأنو مافي كهربا ولا مي ولا سرافيس ولا تلفونات ولا تغطية موبايل، ويلي بصعّب العيشة أكثر أنو مافي ناس»، ويلفت إلى أن عائلات كثيرة عادت إلى بيوتها عندما سمحت الحكومة بذلك ولكن معظم تلك العائلات «هربت لأنو ما بينعاش هون، وبقيت بعض العائلات وعائلتي منها، لأننا ما بنقدر ندفع ايجارات». ويشير إلى معاناة مريرة للكثير من العائلات عندما تريد الذهاب إلى مدينة دمشق بسبب عدم وجود وسائل نقل عامة، ويضيف «الواحد لما بدوا يروح بيهكل هم من قبل بنهار وبالزور بدبر حالوا مع سيارة طالعة أو سوزوكي أو ميتور (دراجة نارية) ».
وبعدما كانت المنطقة قبل اندلاع الأحداث مركزاً تجارياً كبيراً، تبدو الحركة التجارية فيها شبه معدومة؛ فمعظم المحال التجارية (الأثاث المنزلي، العصرونيات، المأكولات الجاهزة، والعصائر والسوبر ماركات..) دمرت واجهاتها ونهبت محتوياتها، على حين عدد قليل منها لا يزال مغلقا، بينما أقدم بعض أصحاب السوبر ماركات وهم يعدون على أصابع اليد على ترميم محالهم وإعادة افتتاحها.
ويؤكد أحد أصحاب المحال المغلقة لـ«صالون سوريا»، أنه لا يفكر نهائيا بالعودة وإعادة افتتاح محله، ويقول، «طالما ما في ناس بالبلد، لماذا أعود؟، لمن سأبيع البضاعة؟، هل اتركها واتفرج عليها»؟، ويضيف «العودة ستكون كلها خسارة بخسارة، وكل من عادوا وافتتحوا محالهم يؤكدون أنهم ما بيطلعوا باليوم حق غدا العيلة. هذا إذا ما كانوا عم يخسروا لأنو الألبان والأجبان وكثير من المواد بدها تبريد وما في كهربا، وأكيد عم يخرب كتير منها وبيكبوها».
في منطقة أحياء الخليج شمال غرب درايا والتي كانت تشتهر بمزارعها الجميلة، وخصوصاً منها العنب، لا يزال الدمار يطغى عليها وهي خالية من البشر والشجر، وسط معلومات من كثير ممن كانوا يسكنون فيها، بأن السلطات تمنع منعاً باتاً الأهالي من العودة إليها، ولا حتى زيارتها للاطلاع على ما آلت إليه أوضاع منازلهم وأراضيهم الزراعية.
رئة دمشق
لا يختلف المشهد كثيرا في الغوطة الشرقية التي كانت قبل الحرب رئة دمشق و”متنزه” الدمشقيين والسوريين عموما وتقدر مساحتها بنحو 110كم مربع، وتمتد نحو الشرق والجنوب محيطة مدينة دمشق ببساط أخضر وتشتهر بكثافة أشجار الفواكه وتنوعها وزراعة مختلف أنواع الخضروات.
وتضم الغوطة الشرقية التي استعاد الجيش النظامي السيطرة عليها في عام 2018 بعد حملة عسكرية خلفت مئات القتلى ودمار وتهجير معظم سكانها الذين كان عددهم قبل الحرب أكثر من مليوني نسمة، العديد من المدن والبلدات والقرى منها دوما التي تعد مركزها الرئيسي، وعربين وسقبا وزملكا وجرمانا والمليحة وعقربا وحزّة وكفربطنا.
التطبيل والتزمير منذ زمن بعيد من قبل الحكومة بعودة الأهالي إلى مدن وبلدات وقرى الغوطة الشرقية، وأنها تعمل على إعادة الخدمات الأساسية إليها، ينفيه حديث كثيرون من أهالي المنطقة، ويقول احدهم لـ«صالون سوريا»، إن «كل ما تقوله الحكومة غير موجود على الأرض. الدمار والركام مازال موجودا في معظم المناطق، والناس الموجودة، منهم لم يخرجوا من بيوتهم أصلا، وهناك من عاد ليستر نفسه في ظل الغلاء الكبير، ولكن عدد من عادوا ليس كما تزعم الحكومة بأنه كبير». ويضيف «الناس الموجودة في الغوطة تعيش في بيوت متداعية، وما تم فتحه من طرقات في أغلبه جرى بجهود الأهالي على نفقتهم، وشبكات المياه والصرف الصحي لم يجر إصلاحها والكهرباء معدومة فكل يوم نراها ساعة أو نص ساعة وأغلب الأيام نراها ساعة كل يومين أو ثلاثة، والناس عايفة حالا فهي ما بتقدر تشترك بالمولدات الضخمة، ومع انعدام الكهرباء تنعدم المياه وخليها لله».
مواطن أخر من مناطق الغوطة الشرقية، وبعدما يؤكد لـ«صالون سوريا»، أن الناس أُصيبت بعقدة نفسية من جراء الانقطاع المتواصل للكهرباء وعدم توفر الماء والمواصلات، يقول، «بعد المغرب كثيرون لا يجرؤون على الخروج من منازلهم، فقد يقتل المرء ولا أحد يدري به مع تزايد عصابات السرقة والنهب وذلك يحصل رغم الانتشار الكبير لحواجز الجيش والأمن وعناصرهما في معظم المناطق»، بينما تتحسر سيدة من أهالي الغوطة الشرقية في حديثها لـ«صالون سوريا» على «أيام زمان (قبل الحرب) لما كانت الغوطة تعج بالناس من كل سوريا لتروّح عن نفسها بين البساتين وبين الشجر وجنب المي، أما اليوم يا حسرتي تعا شوف لا ظل بساتين ولا ظل شجر ولا ظل مي. كلو راح بالحرب».
وبينما يؤكد كثير من أهالي الغوطة الشرقية الذين يأتون إلى دمشق أنهم يجبرون على دفع إتاوات عند خروجهم وحين عودتهم، يتحدث بعضهم عن استيلاء على منازل كثير من المهجرين .
بواسطة يمامه واكد | ديسمبر 13, 2021 | العربية, مقالات
“إذا ضل الدولار يطلع نحن بالداخل رح نبيع أعضاءنا”، بهذه الجملة علق أحد المتابعين على التقرير الصادم الذي عرضته قناة أميركية عن حالات بيع الأعضاء من لاجئين سوريين في تركيا.
يبدو أن الإرتفاع الكبير لأسعار صرف الدولار في سوريا وسوء الأوضاع الاقتصادية مهدا الطريق لكثير من السوريين لبيع أجزاء من أجسادهم مقابل مبالغ مالية حدّ آلاف الدولارات، علّه يخفف من مرارة الأيام قادمات الأيام، إذ لا شيء ينبئ بأنّ القادم يكون خيراً، فهل يصل السوريّ وقتاً يصير فيه باب الرزق الوحيد له هو بيع كلية أو سواها من جسده الغض الذي زادته هموم العيش نحولاً.
الكلية مقابل العيش
“بعت كليتي لشخص محتاجها، أنا فيني عيش بكلية وحدة وخلي عيلتي كلها تعيش، بحق الكلية التانية”. يقول مازن ف ( 50 عاماً) لـ “صالون سوريا”. مازن يعمل كسائق سيارة أجرة في مدينة دمشق. باع كليته بمبلغ 18 مليون سوري (5.200 دولار أميركي)، عبر وسيط لم يرغب بتسميته، “إذا بحت بتفاصيل عنه قد أضرّه، وبالتالي أضرّ نفسي، لأنني أعلم جيداً أنّ هذه التجارة ممنوعة، ولكن هل ظل أمامي حل آخر؟”.
مازن تعرف على الوسيط عن طريق سائق أجرة آخر باع كليته بذات الطريقة وتم الأمر خلال ليلة وضحاها.
يقول مازن: “اشتريت بالمبلغ الذي حصلت عليه سيارة الأجرة التي أعمل عليها الآن، كان ذلك في صيف العام ما قبل الماضي”، يخبر “صالون سوريا” أنّه تمكن من سداد جميع ديونه، وبالتالي أيضاً تمكن من تحسين مستوى حياة أسرته، “اشتريت السيارة بسبعة ملايين، والباقي وفرته لمصاريف أخرى، اليوم سيارتي يتعدى ثمنها ثلاثين مليون ليرة سورية، الحمدلله”.
ربما يكون حظ مازن أفضل من حظ كثر لا زالوا يبحثون عن مشترٍ ليبيعوا أعضاءً من أجسادهم مقال مبلغ مادي، إن كبر أو صغر، إلا أنّه لا شك سيحل مشاكل كبرى.
“أبو عرب” أحد هؤلاء “الغلابة”، يتنقل من منشور إلى آخر في موقع “فيسبوك” عارضاً كليته للبيع عبر تعليق مختصر “متبرع كلية زمرة الدم A+ مقابل تعويض مادي يلي بيعرف حدا يخبرني، للتواصل خاص”. لا يخشى الرقابة والوقوع في أخطار الملاحقة الأمنية وقرارات منع تجارة الأعضاء، قام بوضع مناشدته تلك على واحد من منشورات مشفى الكلية الجراحي. ويصطلح فعلاً على تسميتها مناشدة، فهو ككثر من السوريين عزيزي النفس، يطلب ما يسميه “تعويضاً”.
لايهم ما ينتج عن العملية الجراحية من مخاطر جسدية، بل الأهم بالنسبة لهؤلاء المبلغ المادي الذي يحصلون عليه والكفيل بأن ينسيهم الكابوس الأسود الذي خيم على أيامهم نتيجة سوء المعيشة والغلاء الفاحش للمواد الغذائية والاستهلاكية. لكن السؤال ماذا يفعل مازن وأبو عرب وغيرهما بعد نفاذ المال والعملة الآخذة بالانهيار يوماً تلو آخر؟.
خصية للبيع
رغم أن بيع الكلية والقرنية هو الشائع بشكل أكبر في سوق بيع الأعضاء بسوريا، فإن لبيع الخصية نصيب من هذه التجارة، يخضع الأمر للعرض والطلب، في محاكاة للسوق الاقتصادي العام، الرجال وحدهم هم المستهدفون هنا، وحتى وإن لم يكن لها “زبائن” في سوريا فالعرض قائم في دول مجاورة.
“أنا جاهز للتبرع بخصيتي مقابل مبلغ مادي وأنا في سوريا”. كتب شخص اسمه أبو ثائر هذا التعليق على منشور في صفحة عراقية تبحث عن رواد لبيع الأعضاء في الدول القريبة، وبالمثل قام عبود عبود بالتعليق على المنشور ذاته معلناً جهوزيته الكاملة لبيع خصيته مرفقاً مكان إقامته ورقم هاتفه، كتب: “بدي اتبرع بالخصية وأموري تمام ومتزوج وعندي عيال وأنا من سوريا دمشق”. هل يبدو الأمر جنوناً؟ مغامرة؟ مجازفة؟ كل هذا يصلح لتسمية ما كتبه عبود على العلن، ولكنّها الحاجة، وهل ثمة ما يقهر الرجال أكثر من الحاجة والعجز أمام أولاده.
لا تقتصر مناشدات بيع الرجال للخصية في الصفحات المخصصة لبيع الأعضاء على “فيسبوك” بل تتعدى ذلك للنشر علانيةً في صفحات مخصصة لبيع الأثاث المنزلي والكهربائيات وحتى بيع وشراء الموبايلات. أمر غريب حقاً، ولكن مجدداً هي الحاجة مشفوعة بجهل القوانين.
الفقر في البلاد يجرد الرجولة من مضمونها الجسدي، الحصول على المال بأية طريقة وحده يجسد مقولة الرجال بأفعالها، أن يخسر الشخص عضواً من الجسد ليبقي على شيء من كرامته بسبب قلة موارد الكسب وفرص العمل واستبداد تجار الأزمة بالشعب وقوتهم، وتغافل الرؤية الاستثمارية عن انتشال المساكين من كابوسهم المظلم.
في الطب
“سهى” اسم مستعار لطبيبة جرّاحة تحدثت إلى “صالون سوريا”. الطبيبة لم ترغب الكشف عن اسمها لئلا تطالها المساءلة القانونية أو الطبية العامة عن هويات أشخاص بعينهم، ترى أنّ الوازع الأخلاقي والأمانة الطبية تقتضي صون تلك الأسرار، تحدثت سهى عن تجربتها في هذا النوع المشبوه من الإتجار بالأعضاء، وكشفت أنها عاينت عدة حالات ممن باعوا أعضاءهم وخضعوا لعمليات جراحية ضمن ظروف غير صحية، لكنهم بعد ذلك أخذوا يعانون من مضاعفات كثيرة لازالوا لحد الآن يتلقون علاجاً لها.
سئلت عن مسؤولية الطبيب في إجراء هذا النوع من العمليات ونقل الأعضاء البشرية، أجابت بأنّ الأهم بالنسبة للطبيب هو الحصول على موافقة اللجنة الطبية لإجراء العملية بدافع إنساني، ولايخفى على أحد أن هذا النوع من العمليات يتضمن صفقة مالية كبيرة بين البائع والمشتري!، وأصبحت تلك العلاقة الوطيدة هي التي تؤمن سبل العيش الكريم للفقير وتاجر البيع بالأعضاء على حد سواء، وكل ذلك في مغافلة للقانونين الإنساني الطبي والجنائي.
في القانون
يعاقب القانون السوري جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية بحسب مرسوم مكافحة جرائم الإتجار بالأشخاص رقم 3 لعام 2010، وتم تحديد العقوبة لمن يقدم على بيع عضو من جسمه ضمن شبكة أو خليه تعمل في هذا الأمر، وفق المادة 10 من المرسوم، بـ “يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وبالغرافمة من مئة ألف إلى مئتي ألف ليرة سورية، كل من انضم إلى جماعة إجرامية هدفها، أو من بين أهدافها، ارتكاب جرائم الإتجار بالأشخاص، مع علمه بأغراضها”.
رئيس قسم الطب الشرعي في جامعة دمشق الدكتور حسين نوفل كشف أن هناك عصابات طبية تتعامل مع عصابات عربية ودولية للمتاجرة بالأعضاء وخاصة بقرنية العين، و هناك آلاف الحالات خاصة في بعض المناطق الحدودية وفي مراكز اللجوء.
مضيفاً أن هذا الكشف لا يعكس إلا قمة جبل الجليد لتلك الجريمة المنظمة وشبكتها العنكبوتية وأعمالها التي لا تقتصر في حدود بلد واحد وتطال سرقة الأطفال الرضع من عائلاتهم ضحايا الحرب.
على اتجاهين
كثيرة هي الطرق التي تهدف لاجتذاب الزبائن – بائعي الأعضاء البشرية – ومن وسائل التواصل الاجتماعي إلى الإعلانات المنتشرة في شوارع دمشق وتلك القريبة من المستشفيات والصيدليات، غالبية الإعلانات تعنون الضرورة الإنسانية لإيجاد متبرعين من زمر دم مختلفة أو كلية أو قرنية مع مكافأة مادية، وهذا يؤخذ باتجاهين، حاجة إنسانية في حالات معينة، وحالة مغافلة للقانون في مكان آخر وحالات أخرى، والأكيد أنها تخفي في طياتها كواليس سلسلة صفقات كبيرة لتجارة الأعضاء، الفقر أم الحاجة، والحاجة لمن يدفع المال ويبقي على حياة شخصين حالفهم الحظ ولم يكونوا ضحايا قذائف الحرب التي أزهقت أرواح الألاف بدون أن يدفع لهم أحد!