تدريباتنا

أمهات يربين أطفالهن وحيدات

by | Mar 21, 2022

تنشأ العديد من المجتمعات العربية على زرع فكرة التضحية في عقول وقلوب الفتيات منذ نعومة أظافرهن. يتم تلقينهن أدوار الأمومة وحمل الدمية بوصفها طفل لها كنوع من تمارين التدريب البريئة على تنمية حس الأمومة والإنجاب.
كما تطالب العديد من البيئات الفقيرة والنائية نساءها بإلغاء حياتهن وحاجاتهن الشخصية والتخلي عن أنفسهن مقابل تربية أبنائهن، إذا ما غاب العنصر الذكوري في حياتهن، قد تصل لدرجة وصم المرأة بصفات قبيحة إذا تزوجت برجل ثان بعد وفاته أو الطلاق منه.
فكرة الغرس هذه كثيراً ما وجدت مفعولها لدى العديد من النساء اللواتي يقررن مواجهة معترك الحياة بمفردهن والتفرغ لتنشئة أولادهم لوحدهن سواء إذعاناً لغريزة الأمومة أو انتصارا لفعل التنشئة معاً، كحال أم جود(41 عاماً) التي اتخذت قرار تربية طفلها لوحدها بعيداً عن كنف رجل. تقول لـ “صالون سوريا”:” أنجبت طفلي الوحيد جود بعد سبع سنوات من المحاولات الحثيثة والمتعبة، إلى أن أنجبته بشق الأنفس بعد أن كُدت أفقد الأمل بتحقيق حلم الأمومة”، تتابع: ” لكن توفي زوجي منذ خمس سنوات. قررت تربية طفلي بعد أن تخلى عنه عائلة والده، لا يقدمون لنا أي مساعدة مالية، لقد لفظوا حفيدهم وقطعوا صلة الدم والرحم بنا إلى الأبد”.
ترفض السيدة عروض الزواج التي تتلاقها منذ وفاة زوجها، تعقب بالقول :”أخشى الزواج برجل قاسي القلب يعذب طفلي، لم أرى الخير والطيبة من جده وجدته، فكيف برجل غريب يحنو عليه؟ لقد اكتفيت بابني وسأغدق عليه الحنان والعطف ما حييت، فهو الرجل الوحيد في حياتي بعد اليوم، سعادته هي الأهم، أما سعادتي فلا تعني لي شيء أبداً”. تعيش أم جود ظروف مادية صعبة للغاية، فراتبها التي تتقاضه من وزارة الاتصالات بالكاد يكفي لسداد أجرة الغرفة التي تقطن فيها في عشوائيات المزة، توضح “اعتاش على الإعانات الخيرية، كما تقدم لي أسرتي بعض المساعدة المالية حسب إمكانياتهم وبعض المؤونة، إلى جانب راتب زوجي التقاعدي”.

زوج على الرف
ريم (35 عاما) ليست أرملة ولا مطلقة ولا زوجة مفقود، بل هي زوجة لظل رجل كسول ونصف مريض يقضي وقته بالتذمر ومطالبتها بإحضار المال وملء معدته بالطعام والدواء، أجبرت السيدة على الزواج من رجل يكبرها بأكثر من خمس وعشرين عاما، أثمر عن طفلين وتولي مهمة الأم والأب معاَ، تقول لـ “صالون سوريا”:” زوجي رجل غير مسؤول ولا يبالي بشؤون أسرته ومتنصل من واجباته كزوج وأب، يتكل علي بكل شيء، بدءا من رعاية الطفلين وتدبر أمور المنزل، وصولا إلى تأمين المصروف والطعام والشراب، هو مجرد هيكل في البيت لا عازة له، زوج على الرف”، تقوم ريم بعدة أعمال دفعة واحدة في سبيل تأمين لقمة عيش طفليها التوأم، إذ تعمل لأكثر من 15 ساعات يوميا، تستطرد قائلة:” في الصباح أعمل موظفة في مؤسسة البريد، لم أترك عملاً إلا وخضت فيه، فقد عملت في التنظيف وحلاقة الشعر وبيع الملابس وبيع الأدوية الأجنبية ومعقبة معاملات وكوي الثياب وسواها، ثم أقضي فترة المساء والليل بالطبخ وتعليم طفلاي وساعات قصيرة للنوم”.

تخلي عن أطفالك أولاً
ليس بإمكان ريم الطلاق والخلاص من إهمال زوجها، لأن ذلك سيعرضها لخسارة طفليها، ليس بسبب تمسك الزوج بهما، بل لرفض والديها احتضان حفيدهما، تقول :” بالرغم من أن زوجي غير متمسك بالطفلين ولا يمانع حضانتهما، لكني لا أستطيع الطلاق وذلك بسبب أهلي الذين يرفضون إحضار طفلاي معي”، تتابع “في أحد المرات كنت أشكو لوالدي أمري وقلت له أنني أفكر بالطلاق، فأجابني تطلقي لكن أتركي ولديك هناك، هذا هو شرطي لتعيشي معنا، فأنا لست مجبر على أن أنفق المال عليهما”، لكن ريم رفضت الأمر بتاتا، تعقب على ذلك :”أفضل الموت على أن أترك أولادي بعيدون عني، هم قطعتا مني ولا أستطيع الفكاك منهما، سأتحمل كل شيء كرمى لعينيهما”.

قرار مفصلي
استقبلت لينا (38 عاماً) خبر وفاة زوجها على وقع سماعها بخبر حملها لمولودها الثاني ليمار، حيث كان يتعين عليها اتخاذ قرار مفصلي بحياتها وهو إما الإبقاء على الحمل أو الإجهاض. تقول لـ “صالون سوريا”: “كنت في حالة يرثى لها وموقف لا يحسد عليه ،مشوشة وضعيفة، حيث كان جرحي مازال طازجا، فلم يمض على وفاة زوجي سوى أيام قليلة”، تتابع حديثها “كان قرارا حاسما في حياتي وسأظل أتحمل مسؤوليته ما حييت، قررت الاحتفاظ بطفلتي لأن شعور الأمومة غلبني وأقسمت على تربيتها لوحدي وتأمين الحياة الكريمة لطفلاي”. لم تلق السيدة بالاً لآراء الناس بخصوص احتفاظها بالطفلة، توضح :” الكثير من الناس ألقوا باللائمة علي لاحتفاظي بالطفلة بحجة أنها مسؤولية مضاعفة وعبء كبير، خاصة أنها فتاة وبحاجة لوالد يحميها، وكيف أستطيع تربية طفلين لوحدي بدون رجل، لكني لم أبالي بكلامهم”.

أسئلة صعبة
لا تنفي لينا مكابدات العيش ومشقة تأمين الحياة الكريمة لولديها، خاصة بارتفاع المعيشة وغلاء الأسعار، لكنها تواجه صعوبات أخرى وهي التورط في متاهة الأسئلة الصعبة التي يطرحها طفلاها على الدوام، تقول:” لا أنكر مشقة تأمين نفقات طفلاي وحمل هم تربيتهما وسعادتهما ومستقبلهما، لكني أواجه أمراً أكثر صعوبة وهو أسئلتهما الوجودية الملحة التي تتعلق بموت والدهما والقدر والسعادة ، ولماذا لا يحظيان بوالد كبقية الأطفال، تطلب مني طفلتي وصف ملامح والدها، بينما طفلي يشتاق له كثيرا”.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا