تدريباتنا

”الأمير الأبيض“ يهجر موائد الجزيرة السورية

by | Aug 16, 2022

لعقود خلت، لم تخلو وجبات فطور أهل الجزيرة السورية من القيمر (الگيمر) باللهجة المحلية، كما يعرف أيضاً بـ“الأمير الأبيض“، فهو طبق رئيسي وتقليدي على مائدة الفطور.

 والقيمر هو قشدة حليب الثيران الدسمة ويعد وجبة غذائية دسمة ولذيذة، وغالباً ماكان يقدم مع العسل، قبل أن ترتفع أسعاره لينضم إلى قائمة الأطعمة المحرمة على أغلب السوريين، أذ أصبحت هذه الوجبة التقليدية حلمًا لمحبيها، وأصبح بعضهم يأكلها في المناسبات السعيدة فقط.

يقول الحاج عمران وهو أحد باعة القيمر في مدينة “الحسكة” لـ”صالون سوريا“ أنه ورث المهنة عن والده منذ طفولته، وهو لازال يعمل بها لكنه يتخوف من اندثارها ”بسبب ارتفاع أسعارها، إذ وصل ثمن الكيلو الواحد منه إلى الثلاثين ألف ليرة سورية” بحسب قوله.

والقيمر هو طبق ترحيب أهالي الجزيرة السورية بضيوفهم القادمين من المحافظات الأخرى، وبه تتزين مائدة العرسان صباحاً، كما اعتاد الأهالي تقدميه مع بعض الحلويات مثل “الكنافة” و”البقلاوة”.

التكلفة تفوق المكسب

الجدة “أم لؤي” تبلغ من العمر٦٦ عاماً وهي تعمل في صناعة القيمر وبيعه للمحلات في سوق الحسكة منذ سنوات، تشارك الحاج عمران تخوفه من اندثار مهنة الأجداد، بعد رفع مالكي الجواميس أسعار الحليب الذي يصنع منه المادة.

تقول أم لؤي إن العديد من النساء تركن لقمة عيشهن من صناعة وبيع القيمر، لأن التكلفة صارت أكثر من المكسب مضيفةً ”;كل شهر يرفع باعة حليب الجواميس أسعارهم، ونحن الصانعات نضطر لرفع أسعارنا لتجار السوق الذين يشتكون من قلة الطلب، وفوق هذا، يضطر الكثير من أصحاب الجواميس لبيع مواشيهم لعجزهم عن تحمل نفقة تربيتهم بسبب ارتفاع أسعار العلف“.

كانت أم لؤي تحضر للمحلات التي تتعامل معها، أكثر من عشرين كيلو من القيمر يومياً قبل عدّة سنوات، أما الآن فيعتبر بيعها لأربع كيلو من القيمر ”إنجازا عظيماً“ كما تقول. ويبلغ سعر هذه الكمية من القيمر بسعر الجملة خمسة وعشرين ألف ليرة، ” ولو خصمنا ثمن الحليب مع تكلفة الغاز المنزلي، وأجرة المواصلات فإني أكسب من كيلو (القيمر) خمسة آلاف ليرة سورية، أي بمعدل عشرين ألف ليرة وهي لا توفر لي ولأحفادي ثمن كيلو لحمة” تختم أم لؤي.

ومن جانبه يشير لطفي سعيد، وهو تاجر قيمر قديم في سوق الحسكة لـ”صالون سوريا، إلى أنه كان يبيع في اليوم أكثر من 200 كيلو قيمر لمحلات صناعة الحلويات والعائلات، مضيفاً “أحيانا كنا نطلب كميات إضافية لنسد حاجة السوق بسبب زيادة الطلب، لكن الحالة الاقتصادية المزرية وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية أمام الليرة السورية ساهم في خفض الطلب على المادة اليوم“.

ويبلغ سعر كيلو القيمر اليوم حوالي ثلاثين ألف ليرة سورية، وعزا إبراهيم السعدي، وهو تاجر مواد غذائية في السوق الشعبية بمدينة القامشلي، تراجع بيع القيمر وغيابه عن موائد يوم الجمعة والمناسبات السعيدة إلى غلاء أسعاره، معللاً أسباب تراجع المهنة إلى تأثرها بالأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والأعلاف والتسويق، وندرة المياه التي تحتاجها تربية الجواميس بسبب موجات الجفاف وقطع مياه الأنهار من قبل الحكومة التركية.

ذكريات الماضي 

تستذكر الجدة عنود طقوس تصنيع القيمر وتجهيزه مع جاراتها في حي الطي بمدينة القامشلي قبل انطلاقهن للسوق وبيعها لتجار المادة.

وتقول الجدة السبعينية أنها كانت تحلب جواميسها قبيل غروب الشمس، لتبدأ بعدها صناعة القمير، وعن طريقة صناعته تشرح ”تغلي الحليب الدسم في أواني كبيرة وعريضة ترفع على نار هادئة، ويحرك بمعلقة خشبية تحريكًا مستمراً، ثم تغطى أواني الحليب المغلية بقطعة قماش نظيفة مخصصة للعملية ، ويغطى جيداً بغطاء سميك ويترك حتى صباح اليوم التالي“.

وتتابع: “بعد رفع الغطاء نجد أن الطبقة الدسمة الدهنية قد ارتفعت على سطح الحليب وتحولت إلى القيمر، فنقطعها بالسكين بخطوط متساوية ونجمعها بانتظام، أما الحليب الذي بقي في أسفل الأواني، فنصنع منه اللبن والجبنة بعد إعادة غليه من جديد”.

بعد الإنتهاء من صناعة القيمر منزليا، اعتادت عنود على الانطلاق مع ساعات الصباح الأولى باتجاه السوق مشياً على الأقدام، مصطحبة كميات كبيرة مما صنعته يديها من ”فطور الملوك“ على حد وصفها.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا