تدريباتنا

الانتحار في سورية: أزمة حرب أم ظاهرة طبيعية

by | Mar 20, 2021

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

أثار انتحار شاب وفتاة سوريين خلال أسبوع واحد، جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، في البلاد التي تعاني منذ عشر سنوات من حرب طاحنة، ترافقت مع أزمة اقتصادية خانقة، دفعت الأمم المتحدة للتحذير من أن 10 ملايين سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وباتوا غير قادرين على إطعام أسرهم.

وانقسم السوريون بين من يرى أن هذه الحالات طبيعية وتحدث في كل الدول، وبين من يرى أنها من مفرزات الحرب التي قلصت مساحة الأمل لدى الشباب، ولم تترك لهم سبيلاً للخلاص إلا الانتحار. سجلت العاصمة دمشق أول حالة انتحار في 3/3/2021، وتعود للشاب حسين شماس (18 عاماً) وهو طالب في المرحلة الثانوية، إذ أقدم على شنق نفسه في منزله، تاركاً رسالة مؤثرة لأصدقائه وأقاربه، طالبهم فيها بألا يشعروا بتأنيب الضمير لعدم قدرتهم على تقديم المساعدة له، لأنه هو ذاته غير قادر على تقديم المساعدة لنفسه.

وكتب الشماس على صفحته قبل أيام من انتحاره: “لم أستطع أن أفهم اللعبة لذلك قررت تسجيل الخروج”. كما شارك منشوراً جاء فيه أن: “الاغتراب ليس الابتعاد عن مسقط رأسك، بل الاغتراب الحقيقي هو شعورك بأن المكان الذي توجد فيه غير مناسب لنموك وتحقيق أحلامك”.

وغصّت صفحة الشماس على “فيسبوك” بآلاف التعليقات على منشوراته أظهرت حقيقة الانقسام السياسي والثقافي الحاد في سوريا، كما وصلت الأمور إلى حد السخرية منه، كقيام البعض باستخدام جملته الأخيرة حول عدم فهم اللعبة دون أي داع ومبرر كنوع من الاستهزاء والاستخفاف به.

لا تقتصر حالات الانتحارعلى العاصمة دمشق، ففي محافظة القامشلي مثلاً قررت الشابة مهى النزال (17 عاماً) إنهاء حياتها، بإطلاق النار على نفسها مِن مسدس حربي داخل منزلها في المدينة. وقعت هذه الحادثة بعد ثلاثة أيام من تاريخ الواقعة الأولى، فيما أكد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أن حادثة انتحار الفتاة حصلت في الأسبوع الأخير من شهر شباط.

وكتبت الفتاة وصيّةً لعائلتها بخط يدها، أوضحت فيها أسباب انتحارها، وهي أن الحياة ليس جميلة ولا تحبها، وتشعر دائماً أنها على خطأ في هذا العالم، داعية من يحبها إلى مسامحتها.

حالات الانتحار هذه تركت الباب موارباً حول صحة بعض الأخبار المتداولة عن قصص مشابهة، فقد تداول السوريون المقيمون خارج البلاد صورة لشاب على أنه انتحر وترك رسالة للشعب السوري، يقول فيها إنه قرر قتل نفسه لكي تذهب حصته من الطعام إلى أخوته، ليتبين فيما بعد أن الخبر كاذب، وأن الصورة المتداولة هي لشاب مصري يدعى محمد المنشاوي، وهو يعيش في النمسا حيث ظهر على صفحته لينفي ما تم تداوله عنه.

بدوره، نفى مدير هيئة الطب الشرعي السورية الدكتور زاهر حجو في وقت سابق في تصريح رسمي له على القنوات الرسمية السورية وجود أي ازدياد في حالات الانتحار كما يشاع، مشيراً إلى وجود انخفاض في عدد الحالات المسجلة مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.

وأوضح حجو أن “سورية سجلت حتى الآن 31 حالة انتحار في العام 2021، بينما سجلت في الفترة ذاتها من العام الماضي 35 حالة انتحار”، مؤكداً أن “سورية تعد من الدول ذات معدلات الانتحار المنخفضة، فالنسبة لا تتجاوز 1 من كل 100 ألف رغم الحرب التي تعاني منها وتبعاتها، في حين حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فإن النسبة العالمية تتراوح ما بين 5 إلى 10 من كل 100 ألف”.

وأوضح حجو أن عدد المنتحرين من الذكور أكثر من الإناث، فبلغ عدد الذكور 24 في حين تم تسجيل انتحار 7 إناث، مشيراً إلى أن ” 21 منهم انتحروا شنقاً و5 بطلق ناري و2 سقوط من مرتفع شاهق ومثلهما انتحرا بالسم” مشيراً إلى أن ” أكثر المحافظات التي تم تسجيل فيها حالات انتحار هي ريف دمشق 7 حالات بعدها دمشق 6 حالات وحماة 4 وذات العدد في طرطوس.”

وأعربت العديد من الهيئات الصحية عن قلقها من تعمد العديد من الأشخاص والمواقع الإخبارية، نشر أخبار كاذبة عن ضحايا وهميين أو حوادث ملفقة، بهدف استقطاب القراء والمعجبين على وسائل التواصل الاجتماعي، محذرة من قيام البعض بتغليف أخبار الانتحار الحقيقية بقالب من التعاطف الوهمي، الذي قد يشجع المراهقين الذين يعانون من مشاكل نفسية، إلى التفكير بالانتحار والإقدام عليه، بعدما يتم تسويق هذا الفعل على أنه الحل الوحيد والبطولي.

من جهته، كتب أستاذ الطب النفسي أسعد الخليل على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي منشورا منبهاً إلى “أن حالات الانتحار ناجمة عن اضطرابات نفسية، ومن الخطير اليوم أن نرى هذا الكم من التبريرات غير الواقعية لفعل الانتحار”. وأضاف الخليل “لا شك أن الحرب وما رافقها من أزمات تركت آلاماً وكوارث كبيرة يجب معالجتها، ولكن التركيز يجب أن يكون على السبب الرئيسي وهو الاضطراب النفسي ومن ثم تقديم الدعم النفسي لكل محتاج”.

بدوره قال الطالب الجامعي جورج حنا في حديث معنا: “كم هو مؤلم أن نرى كل هذا الثناء على شاب أقدم على الانتحار بسبب مرض نفسي، ما فعله حسين ليس بطولة أو شجاعة، أو موقفاً يستحق عليه الثناء، ما فعله مأساة حقيقية”.

وقال المعارض المقيم في ألمانيا أحمد قزموز: “إن كل مواطن داخل سوريا بات قنبلة موقوتة ستفجر نفسها أو ستنفجر بوجه غيرها، وهذا كله بسبب تمسك النظام السوري بالسلطة” حسب تعبيره.

من جهتها، قالت الطالبة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق سارة بوظو “إن السبب الوحيد لتمسكنا بحياتنا المقرفة كسوريين هو أن الانتحار حرام، أيامنا مليئة بالذل والهوان، ولا مستقبل مشجع ينتظرنا”. وختمت بوظو بالقول: “بمعنى آخر لو كان الانتحار محللاً دينياً لما بقي سوري على قيد الحياة”.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

"أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدّقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير" بهذا التوصيف العاصف يلخص الكاتب السوري زكريا تامر (1931) تجربته...

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

يصدمنا الإعلام الاجتماعيّ كل يوم بمقاطع فيديو وأخبار حول امتهان كرامة الإنسان في سورية عن طريق استفزازات لفظية وعنفٍ جسديّ يُمارَس ضد أشخاص تصنّفهم الآلة الإعلامية للمرحلة الانتقالية على أنهم من "فلول النظام“ السابق. ولقد سمعنا عن أشخاص تُقتحم بيوتهم...

تدريباتنا