تدريباتنا

الرقص الشعبي في إدلب… الفرح رغماً عن الحرب

by | Nov 11, 2022

غطاء رأس يُعرف محليا بالـ”الحطة”، وهو غالباً مصنوع من الحرير البلدي، تحته القميص القطني المزيّن بتطريز الأكمام مع الياقة، و فوقه الصدرية، يليها من الأسفل الشروال الفضفاض، والشال العجمي الذي يشد على الوسط، وفوق كل هذا اللباس هناك المعطف “الملتان”، والجوارب البيضاء والحذاء أو ما يعرف ب”الكسرية”، والمحارم باليد، بهذا يكتمل أحد أزياء الرقص الشعبي الإدلبي، والذي اختاره مصطفى أبو محمود، وهو شاب ثلاثيني من أبناء بلدة سرمين بريف إدلب، لأعضاء فرقته المتخصصة بالرقص الشعبي العربي.
يقول أبو محمود لـ”صالون سوريا” إن فكرة تأسيس فرقته والتي تحمل اسم “شباب سرمين لإحياء التراث”، هو حلم يراوده منذ صغره، عندما كان يرافق جده لتدريبات وحفلات الرقص، وجده كان مؤسس فرقة أصيلة للرقص العربي أيضاً.

ويضيف أبو محمود “بدأ مشروع الفرقة بجمع أعضائها، والذين بلغ عددهم اليوم تسعة، وهم شباب يجمعهم حبهم وشغفهم للرقص، وكل من انضم للفرقة كان لأبوه أو جده باع طويل في أداء الرقصات العربية، فهي تراث الأجداد يتوارثه الأبناء”.

وترفض فرقة أبو محمود تقاضي أية أتعاب أو تعويضات من الحفلات أو الأعراس التي تحيها، لأنها “تعمل من أجل المحافظة على الإرث” بحسب قوله.

و تلبي الفرقة دعوات والحفلات والأعراس التي تقام بحضور فرق غنائية دينية أو طربية، وبعد انطلاقها بأشهر عدة حققت الفرقة انتشاراً ملحوظاً في المنطقة، لا سيما مع فترة هدوء نسبي تعيشه إدلب؛ ما أسهم في انتعاش الحفلات والأعراس.

وتتنوع الرقصات بحسب الإيقاع والألحان، فمنها “الشيخاني والقوصرة والقبا” وغيرها، وكلها رقصات قديمة يحافظ عليها، بالتدريب المتواصل مع أعضاء فرقته.
وتعد الشيخانية أبرز الرقصات الشعبية في محافظة إدلب، وهي تؤدى في الأفراح والأعراس والمناسبات العامة والخاصة على إيقاع الطبل والزمر، ويرافقها المبارزة بالسيف والترس، كما يقال أن لفظة الشيخاني جاءت من أن من كان يرقصها هم الشيوخ والزعماء وكبار الحارة.
أما رقصة “القبا” وتعني الرزانة والجلال، ويسميها الأهالي السلطنة على نغمات القبا السبعة التي يفتحها الزمر أو المجوز، ويكون السيف في هذه الرقصة حاضراً، ثم يرقص المؤدي به مع الإيقاع التي يحددها الطبال، يمنة ويسرة، وببطء شديد، وهو يتمايل على البلاطة التي هو عليها في مكانه، ثم يأخذه أمام وجهه، وتحت ذقنه ثم إلى اليسار، ثم يهوي به ببطء شديد إلى الأرض وهكذا، وقالوا عنها: “القبا في ملعبا ريحة عطر… جمعت طرب دنيا العرب نغمة وشعر… أو لا لكا بالمعركة طل النصر… ترقص قبا بالمركبا وبعد النصر”.
ولكل عضو بفرقة الرقص دور محدد فمنهم من لديه مهارة بالرقص بالسيف، أو بالأداء المنفرد أمام الفرقة، أما القائد فهو كما يقال باللغة الدراجة فإنه “يمسك ع الأول”، أي يقف في بداية الصف ممسكاً منديلاً بيده ملوحاً فيه، وموجهاً لباقي الفرقة، وهو من يشير بحركة من قدمه لباقي الأعضاء لتغير الرقصة والانتقال مع اللحن بحركات رشيقة متناسقة.
على مدار الأسبوع يجري أبو محمود مع فرقته التدريبات، والتي تزيد في مواسم انقطاع الأفراح للمحافظة على اللياقة والانسيابية في أداء الرقصات.
وفي أغلب الأحيان يرافق فرقة الرقص قارع الطبل، لمجاراة اللحن والكلمات التي يرددها المغني، كما تحرص الفرقة على ابتكار رقصات جديدة من اختلاف النغمات لتواكب الألحان الجديدة، ويتميز الرقص العربي بالرقصة العربية الثقيلة، والخفيفة، والغزاوية، والولدة، بحسب الحاج أبو نجيب الذي كان عضواً في فرقة للرقص في شبابه.
لم يدخل أبو نجيب مدرسة لتعليم الرقص، وإنما تلقاه عن أبيه عن جده، فكما يقول “الممارس غلب الفارس” في إشارة لتدريبه المستمر وحرصه على حضور الحفلات ومراقبة الراقصين.

ويقول أبو نجيب لـ”صالون سوريا”: “إن الثقيلة هي رقصة رباعية ذات حركة بطيئة، وتبدأ بالرجل اليمنى مع اليد اليسرى، وتنتهي بالرجل اليسرى مع اليد اليمنى، والرقصة العربية الخفيفة، وتبدأ بعد الموال مباشرة، ولكن بحركة أسرع قليلًا من الثقيلة”.

ويتابع أبو نجيب وهو يمسك بعصاه الخشبي، ويمسد شاربه الأبيض “أما الغزاوية، فهي رقصة سريعة الحركة تحتاج إلى نشاط الشباب لتأديتها، نحنا راحت علينا”.
من جهته يؤكد أبو حسن، وهو رجل أربعيني من سكان مدينة إدلب، أن العرس لا يحلو إلا بالرقص، ويشرح بأن المكان الذي يجرى فيه الفرح يجب أن يقسم لحلقات بحيث يجلس كل عشرة أشخاص تقريباً مقابلين لبعضهم، وعندما تبدأ الألحان تعزف يقوم الناس للتمايل على أنغامها برقصات متقنة أحياناً ومرتجلة حيناً آخر.
“ويمشي العريس برفقة أقربائه وهم يتمايلون مع أنغام الموسيقا بين الحضور طالبين منهم مشاركتهم الرقص والفرح” بحسب قوله.
إلا أن الفرق المتخصصة بالرقص، تتميز بزيها الموحد ودعوتها الخاصة لمكان الرقص الأول الذي يكون أمام فرقة الإنشاء والغناء، والتي بدورها تطلب فرقة الرقص للحضور بالقرع المتواصل على الدف والطبل مع مقولة “جماعة العربي عالساحة”، أو على ألحان وكلمات أغنية “قوموا نرقص عربية ونورجي هل العالم فنّا، نحن شباب زكرتية.. خلقت هل الرقصة إلنا”.


 

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا