تدريباتنا

العنف الأسري وآثار الحرب في محافظة إدلب

by | Nov 3, 2018

لم تعد ليلى (٣١عاماً) من ريف إدلب تطيق العيش مع زوجها الذي يعنفها باستمرار، لذا قررت أخيراً مغادرة المنزل والتوجه للعيش مع أهلها، واتخذت ليلى هذا القرار بعد الكثير من التردد والتحمل والصبر على أذية زوجها لها.

تروي ليلى ما حصل لها فتقول: “تعرضت إلى كل أنواع العنف من قبل زوجي، فهو يصفعني وينهرني باستمرار أمام أولادي، وكثيراً ما بقيت حبيسة المنزل لأيام، حتى لا يلاحظ أحدهم آثار الضرب على وجهي”، وحاولت ليلى مراراً إخفاء مأساتها و عدم الكشف عما تتعرض له من عنف منزلي من أجل أبنائها، ولئلا تخسرهم.

وفي قصة مشابهة، تحملت آلاء (٢٦عاماً) من مدينة ادلب هيمنة الثقافة الذكورية، وخشيت من التبليغ عن العنف الممارس ضدها بسبب الضغوطات المجتمعية، حيث تحملت جنون زوجها ومزاجه الصعب حتى لا يقال عنها كلمة “مطلقة” وعن ذلك تتحدث قائلة: “كان زوجي يعنفني بشدة من ضرب وإهانات وكلما تحدثت إلى أهلي عن وضعي المأساوي طلبوا أن أكبح مشاعري وأقبل مصيري المرير، لأن المجتمع لا يرحم المطلقة، ولا تتوقف ألسنة الناس عن الخوض في الحديث عنها. “تبين آلاء بأن زوجها استغل سكوتها المتكرر عن كل ما يفعله بها ليصل به الأمر أخيراً إلى طعنها بسكين في بطنها، قبل أن يقوم بإسعافها إلى أحد المشافي والفرار هارباً، واضطر الأطباء لاستئصال الطحال وجزء من الأمعاء من جسدها، لتعيش بقية حياتها طريحة المرض بعد أن كادت تفقد حياتها.

ولا تقتصر معاناة السوريات على عنف الزوج فحسب، فبين أب صارم ومجتمع مجحف وقوانين تحرم المرأة الكثير من الحقوق، عانت خديجة (١٥ عاماً) من إحدى قرى ريف إدلب من العنف الأسري بسبب والدها الذي أجبرها على ترك المدرسة والزواج في سن مبكرة وعن ذلك تقول: “اضطررت لتوديع عالمي الطفولي وترك تعليمي لأجبر على الزواج من رجل يكبرني بعشر سنوات، لأن أبي يردد دوماً أنه ليس للمرأة في الحياة سوى منزل زوجها.”

ألقت الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها الأسرة السورية خلال سنوات الحرب بظلالها على علاقة أفراد الأسرة مع بعضهم، وأدت لتنامي ظاهرة العنف الأسري وتنوعت أشكاله من الإهمال والتوبيخ إلى الضرب والتعذيب. وقد ازدادت في الآونة الأخيرة ظاهرة تعنيف المرأة والطفل في المجتمع السوري بسبب عوامل نفسية وموروثات اجتماعية إضافة إلى الضغوط المعيشية المرتبطة بالحرب والتبدلات الثقافية والاجتماعية. ويتم العنف الأسري عبر ممارسات عديدة كالاعتداء الجسدي مثل الصفع والضرب والتهديدات بواسطة السلاح والاعتداء الجنسي، كما يشتمل على الإساءة النفسية كالتخويف والاضطهاد والإيذاء الاقتصادي كالحرمان من الأموال والغذاء والاحتياجات الأساسية والرعاية الصحية والعمل.

تقول الناشطة في مجال حقوق المرأة ريم الكرزي (٤١عاماً) من معرة النعمان “يعد العنف الأسري من أخطر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة، وخصوصاً أنه يحصل عادة في المنزل وهو المكان الذي يفترض أنه الحيز الأكثر أماناً بالنسبة لها، وهو يؤثر سلباً على حياتها وصحتها الجسدية والنفسية، ولكن في ظل الثقافة المجتمعية السائدة يظل العنف ضد المرأة أمراً عائلياً بحتاً، ولا يتم التبليغ عن معظم حالاته، وفي حال تم ذلك غالباً ما يفلت الجاني من العقاب.”

الأطفال أيضاً لا يسلمون من التعنيف الأسري، الذي ازدادت شدته وقسوته مع ظروف الحرب الضاغطة التي خلفت آثار سلبية إضافية على نفسية الأطفال وشخصياتهم وتأخرهم الدراسي.

فمثلاً يتحدث الطفل وليد (١٠ سنوات) من ريف إدلب بحزن عميق عن معاملة والده السيئة له وخاصة بعد انفصاله عن أمه وزواجه من أخرى تكره وليد وتعامله بقسوة فيقول: “انفصل أبي عن أمي منذ سنتين وتزوج كل منهما، وكنت من نصيب والدي الذي يضربني ويسيء معاملتي، وليست معاملة زوجته لي بأفضل حال منه.”

أما الطفل كامل (١٢ عاماً) من ريف إدلب فيعيش في كنف عمه بعد وفاة والديه في الحرب، ويشكو من سوء المعاملة قائلاً: “عمي لا يحبني ويعاملني معاملة سيئة تختلف عن معاملته لأولاده، كما أجبرني على ترك المدرسة لأتوجه نحو العمل لمساعدته في إعالة الأسرة، فأصبحت أعمل في ورشة لتصليح الدراجات النارية، لكنني أعمل لساعات طويلة بأجر زهيد، كما أتعرض باستمرار للضرب والتوبيخ من قبل صاحب الورشة، فهو يستغل كوني صغيراً ويتيماً وغير قادر على المطالبة بحقوقي.”

ويتعرض الأطفال للعنف الأسري في ظروف النزوح بشكل خاص، حيث يُسبب الخوف وانعدام الأمان للكثير من الآباء والأمهات اضطرابات نفسية ينقلونها إلى أطفالهم بالتعنيف الجسدي أو اللفظي. وينقل الأطفال أيضاً فيما بينهم هذه المشاعر السلبية فتغلب العدوانية على صفاتهم، وهي التي تشكل أحد أسوأ انعكاسات العنف الذي يمارس ضدهم.

يتحدث عبيدة أبو زيد (٣٩عاماً) وهو أخصائي صحة مجتمعية وأحد المسؤولين عن مركز للتأهيل النفسي بريف إدلب عن خطر العنف ضد الأطفال قائلاً: “لا بد أن يحصل الطفل خلال مرحلة الطفولة على كافة حقوقه، ويجب الابتعاد عن العنف في معاملته، فالعنف ضد الطفل سواء بشكل معلن أو غير معلن يهدد أمنه وسلامته، وسوف يبقى راسخاً في ذهنه مدى الحياة، ويتسبب له بمشاكل عديدة وأزمات نفسية كالعدوانية والاكتئاب والانطواء على الذات.” ويشير أبو زيد إلى ضرورة القيام بحملات توعية للأهل لتعريفهم بالعنف الأسري وخطورته على أطفالهم، إضافة إلى إخضاع الأطفال لدورات علاج نفسي للتخفيف من معاناتهم.

وعن أساليب علاج الأطفال الذين وقعوا ضحية العنف الأسري، فيبين أبو زيد أن العمل مع الأطفال يتم وفق نوعين من الجلسات: جلسات جماعية تتضمن ألعاباً تفاعلية وإرشادات عامة حول السلوكيات الصحيحة، إضافة إلى جلسات فردية، تقوم على تقديم الإرشادات والتوجيهات الضرورية لتعديل أي سلوك خاطئ لدى الطفل، وتزرع فيه الطمأنينة والأمل، وخاصة أن أعوام العنف وإراقة الدماء في سوريا أدت إلى أزمة في الصحة العقلية بين أطفال سوريا سيستمر تأثيرها لعشرات السنين. إذ يعاني الأطفال على نحو متزايد من الخوف أو الغضب وخاصة من فقدوا أقرباءهم أو تعرضت منازلهم للقصف أو تعرضوا للإصابة، حيث تظهر عليهم أعراض اضطراب شديد في المشاعر ويفتقرون إلى الدعم النفسي.

وأطلق العديد من الناشطين والحقوقيين صرخاتهم للحد من ظاهرة العنف الأسري، والمطالبة بالعدالة والمساواة التي كانت من أولى مطالب المحتجين منذ انطلاقة الثورة السورية. فقد حاربت الشابة آلاء الخضر (١٨ عاماً) العنف الأسري بطريقتها الخاصة، حيث خصصت معرضها الذي أقيم في مدينة الباب بريف حلب الشمالي في شهر يوليو/حزيران من العام الحالي لموضوع العنف الأسري وعن ذلك تتحدث قائلة: “ضم المعرض ١٢ لوحة رسمتها بأسلوب تعبيري، لتظهر أشكالاً مختلفة من العنف الأسري، وبخاصة الممارس ضد الأطفال والنساء.”
وعن سبب اختيارها لهذا الموضوع تضيف الخضر: “رأيت العديد من الحالات المتعلقة بالعنف الأسري سواء الجسدي أو اللفظي، لذلك أردت تناول هذا الموضوع الذي يؤثر بشكل سلبي على المجتمع من خلال لوحات بسيطة فنياً وتقنياً، ولكنها في الوقت نفسه تحمل الكثير من الدلالات والأفكار.”

وأصبحت حقوق المرأة والطفل في ظل الحرب السورية عبئاً ثقيلاً على آذان الكثيرين، لكن ظروف الحرب القاسية وآثارها السلبية على الصحة النفسية والجسدية لأفراد الأسرة تستوجب الانتباه لقضية العنف الأسري وتشكيل آليات لمحاولة التخفيف من هذه الظاهرة ومساعدة ضحايا هذا النوع من العنف على الشفاء والاندماج بالمجتمع، فمحاربة العنف الأسري يساهم بتعافي كافة المجتمع.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا