تدريباتنا

الواقع الصحي للمناطق المنكوبة جراء الزلزال

by | Mar 19, 2023

لا يقتصر مقياس “ريختر” العددي الذي طوره تشارلز فرانسيس ريختر على قياس شدة الزلازل ومدى خطورتها على تدمير الأبنية السكنية وحصد الأرواح البشرية والتسبب بالإصابات الجسدية، بل أيضاً يشير إلى التهديدات الصحية التي تتفاوت باختلاف حجم الزلزال والتي غالباً ما ينكشف ظهورها خلال 72 ساعة منذ لحظة حصوله.

أشارت منظمة الصحة العالمية في تحذير سابق إلى أن عدد الذين تضرروا من الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا قد يبلغ 23 مليوناً، بينهم نحو 5 ملايين في وضع هش. في الوقت الذي عبرت منظمات إنسانية عن مخاوفها من انتشار وباء الكوليرا الذي ظهر مجدداً في سوريا، ناهيك عن امتداد الآثار الصحية فورية والطويلة الأمد الناجمة عن الزلزال. ما هو الوضع الصحي للمناطق المنكوبة جراء الزلزال الذي ضرب مدن حلب واللاذقية وجبلة وإدلب، كيف يتم احتواء الأزمة الصحية الطارئة ومواجهتها، لاسيما بعد اثنتي عشرة سنة من الحرب.

ترتفع أسهم الأمراض والأوبئة بعد الكوارث الطبيعية مباشرة، نتيجة الاكتظاظ والاختلاط الشديدين غير المشهودين في الظروف العادية، إذ تصدرت الأمراض الجلدية قائمة الأمراض الأكثر انتشاراً عقب وقوع الزلزال. الناشط الإغاثي ومدير الفريق الطبي السوري الدكتور قاسم عواد يشرح لـ”صالون سوريا” أوضاع الواقع الصحي ضمن الاستجابة الطبية الطارئة: “التحول من نقطة تجمع منزلي بعدد أفراد محدد و نمط حياة معين إلى نقطة تجمع جماعي مفاجئ غير مألوف، يعني أرض خصبة لانتشار الأمراض المختلفة بوتيرة عالية، خاصة مع غياب مراكز إيواء خاصة بإدارة الكوارث الطبيعية، لاسيما أن الزلزال الذي حصل هو حدث كارثي جديد على السوريين لم نختبره من قبل.” ويضيف الدكتور عواد: “استخدام المراحيض المشتركة وغياب النظافة الشخصية والاختلاط الشديد أدى إلى ظهور الحكة والالتهابات الجلدية واحمرار الجلد والقمل والجرب والفطريات والحصبة والأكزيما نتيجة قلة المياه ومستلزمات التعقيم والتنظيف”.

مخاوف من تربص الكوليرا في حلب

تشكل عودة وباء “الكوليرا” أحد أبرز المخاوف والتهديدات الصحية الخطيرة في مدينة حلب المنكوبة، في ظل غياب مصادر المياه الآمنة. ويشرح الدكتور عواد خطورة الوضع: “باعتبار أن مدينة حلب تعرضت مؤخراً لوباء كوليرا فهذا يعني ارتفاع فرصة عودة الوباء إليها، وذلك بسبب تعدد مصادر المياه غير صالحة للشرب وغياب الصرف الصحي الفردي، كما أن وجود حالة إصابة واحدة في مركز التجمع يزيد من نسبة العدوى الجماعية وذلك لاستخدام الجميع مراحيض موحدة وزجاجات مياه واحدة.” ويؤكد الدكتور عواد أن “الفرق الطبية الجوالة تتابع الحالات منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال، آخذين على عاتقهم مهمة العلاج والمتابعة الطبية بما يساعد على تخفيف حدة حدوث أوبئة مهددة للحياة والحد من خطورتها”. 

لا ينكر الدكتور عواد تعرض الطاقم الطبي ضمن الاستجابة الطارئة لضغوطات هائلة، وذلك بسبب إصابة أعداد بشرية كبيرة في آن واحد، واصفاً الوضع بأنه: “صعب لكن تحت السيطرة لغاية الآن ريثما عودة المنكوبين إلى وحدات سكنية وممارسة حياتهم الطبيعية والعيش بظروف صحية”.

الأولوية الطبية وبطء وصول الأدوية 

ترتيب الأولويات الطبية كان في أعلى سلم الفرق الطبية ضمن الاستجابة الطارئة، مثل المصابين الذين يندرجون ضمن الحالات الساخنة التي تم نقلها إلى المستشفيات لتقديم العلاج الطبي الطارئ لهم، يليها فوراً مرضى السكري والضغط والقلب.

إلا أن الدكتور عواد يشير إلى وجود بطء في وصول الأدوية والمعدات ناجم عن الخضوع لبروتوكول معين لتقديم الخدمة الطبية يجب أخذه في الحسبان، لافتاً النظر إلى أن الأطفال وكبار السن هما الشريحتان الأكثر تضرراً وهشاشة جراء الكوارث نتيجة عدم قدرتهم على تحمل الظروف غير الصحية، إضافة إلى ذوي الخدمات الطبية الخاصة كأصحاب الإعاقة والأمراض المزمنة كالسرطان.

أخذت الأمراض الهضمية حيزاً كبيراً من ناحية التهديدات الصحية على منكوبي الزلزال، حيث يُشير عواد إلى وقوع حالات تسمم في أحد المطابخ المشتركة التي كانت تستوعب قرابة 6000 متضرر. ويشرح الوضع: “حدوث حالات تسمم أمر محتمل جداً، لكنه مسيطر عليه ولا يشكل خطر الموت ويحتاج إلى خطة علاج معروفة لا تدعو للخوف الشديد”.

الوضع الصحي والإنتانات تنفسية

طبيعة الإصابات هي التي تحدد طريقة الاستجابة الطارئة والتعامل الطبي، وفقاً للدكتور عواد. فالحروق والكسور ومتلازمة هرس الأطراف نتيجة سقوط المباني والبقاء تحت الأنقاض لفترات طويلة هي أبرز مظاهر المشاهدة الأولية لكارثة الزلزال، بينما في الحروب فتكون إصابات ناجمة عن طلق ناري وجروح جراء سقوط القذائف، وكثيراً ما تكون الكوادر الطبية متأهبة على خلاف الزلزال الذي يكون مفاجئاً.

وأشار طبيب مختص بالأمراض الصدرية فضل عدم الكشف عن اسمه إلى أن: “تأثر شريحة من المتضررين بأمراض تنفسية وحالات عديدة بالرشح والزكام وكورونا نتيجة هطول الأمطار الغزيرة والبرد القارس الذي لازم وقت حصول الزلزال، إضافة إلى عدم توفر مستلزمات التدفئة ساهم على نحو كبير بتردي الوضع الصحي للمنكوبين المتواجدين في مراكز الإيواء.” ويضيف طبيب الأمراض الصدرية أن “الأمراض التنفسية تنتشر، خصوصاً في ظل الاكتظاظ في الخيام ومراكز الإيواء، كذلك الدمار الهائل جراء سقوط الأبنية والمنازل وما تسببه من غبار كثيف، فالهواء الملوث يسبب الفطور والحساسية والأمراض التنفسية، لاسيما لمرضى الربو الذين يتفاقم سوء وضعهم الصحي”.

اضطراب ما بعد الصدمة

يترتب على الكوارث الطبيعية آثار نفسية متباينة لا يمكن تجاهلها كفرط التيقظ والعدائية والجمود والعصبية وسهولة الاستفزاز وفقدان الشعور بالطمأنينة والعجز عن العودة لممارسة الحياة الطبيعية، إلى جانب نوبات الهلع واضطرابات النوم التي ترافق المريض لأيام وأسابيع. ويصف الطبيب النفسي جميل ركاب أعراض اضطراب ما بعد الصدمة “بأنها ردود أفعال طبيعية لحدث غير طبيعي” وهو ما يقدم ضمن الإسعاف النفسي الأولي بعد حصول الزلزال، كما يشير إلى اضطراب الشدة ما بعد الصدمة Post-traumatic stress disorder المعروف بـ PTSD والذي يحدث عقب شهر من وقوع كارثة إنسانية وهو اضطراب القلق المرهق الذي يحدث بعد التعرض لحدث صادم أو مشاهدته، حيث يعاني الأشخاص الذين لديهم اضطراب ما بعد الصدمة من إحساس قوي بالخطر، ما يجعلهم يشعرون بالتوتر أو الخوف، حتى في الحالات الآمنة.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا