تدريباتنا

!تناقضات فكرية في الحرب تضيق وتتسع في آن معاً

by | Jan 10, 2018

دقّت الساعة الأولى للحرب، ولم تُكسر عقاربها بعد سبع سنوات، فمنذ أن قرعت أجراسها وحتى الآن، لازال الشارع السوري يتراشق اتهامات الخراب التي تحيط بنا من كل حدب وصوب، متناسين التطّرفالذي ولّد شرارة الدمار، ولم تخمدها حتى اللحظة أرواح الشهداء“.

وأثناء هذه الأعوام النّارية، عاود  العمل الثقافي بحلّة جديدة وبانتشار غير مسبوق تضاعفت خلاله نسبة المطالعة بين الشباب السوري، بنسبة كبيرة جداً على المستوى الفردي وعلى الصعيد المجتمعي عن طريق أندية القراءة التي استقطبت الفئات المهتمة بالأدب والشعر والروايات الملامسة للواقع العبثي المفروض على أحلامهم و تطلعاتهم المستقبلية بواقع أفضل، وعلّ رائحة الورق المُستعار و الروابط الإلكترونية للكتب الحمراء منها والزرقاء عززت شعور الطمأنينة في خوالجهم الملتهبة لما تحمله من إجابات منطقية لأسباب التطرّف الذي يلبس سوريانامن حلب إلى درعا،  والذي حلّ في البلاد وانفجر بميعاد لم يتوقع حدوثه أبداً أقله في القرن الحالي!

فالهدف الأساسي من إقامة الصالونات الفكرية والندوات الثقافية في سوريا، حمل القارئ إلى طريق الانتماء الوطنيوزيادة شريحة الفئة القارئة لما تبثّه من قيم تنويرية مضافة تتشربها النفس البشرية، مع كل غلاف يُغلق وبهذا النشاط يتلاقى ابن الساحل مع شباب السويداء بأمسية في دمشق بعد أن وثب كل منهم عتبة التطرّف المذهبيوتجاوز الحواجز العشائرية الأخطر من نقيضتها العسكرية ثلاثة أضعاف، أقله لساعات معدودات، وما أن تبدأ مناقشة الكتاب المقترح تتعرى الوجوه من كل الملامح الدالة على الهوية السورية، ليتطبع مكانها بصمة  مغبرّة عمرها آلاف السنين على هيئة إيمان ومعتقد، فالبعض يدخله بمجرى الحديث بطريقة أو بأخرى ليدافع عنه الدفاع المستميت بغض النظر عن علاقته بالكتاب من عدمه إما بإشارة حاجب ببسمة ساخرة أو هزة رأسٍ ليست بمؤيدة، خصيصاً إذ ما عرّج النقاش إلى الحرب في سوريا هنا تتهافت الجمل المنمّقةوالتي تشير بأصابع الاتهام إلى إثنية ما وتخوينها بالمطلق، والتشجيع على إجرام تكتل معين، دفاعاً عن قضية لا زالت في رحم الظلمة لا تحرّك ساكناً، بل تستخدم هذه المعتقدات شمّاعة لتبرير كل جرم، ولتفض الجلسة أخيراً ليعاود أغلب الحضور صومعته المتطرفة ومن أخذته خطوات اللانتماء فذنبه ذنبان.

و من أحد المعالم الثقافية التي جمعت ألوان الطيف السوري تحت سقف المعرفة، دورات التنمية البشرية، لتحقيق الغاية المنشودة منها في نشر المهارات السلوكية بالطريقة السليمة، و التي تعزز من عمليات التواصل بين الفرد وذاته من جهة وبين الفرد وبقية شرائح المجتمع على الصعيد الاجتماعي والمهني. ومن هذا المنطلق لاقت إقبالا للنهل منها عن طريق الورشات المجانية أو المأجورة، وخلال ذلك فقدت الكثير من المراكز التدريبية المصداقية إما في قيمة المادة المطروحة أو منافاة عنوان الدورة لفحواها الحقيقي! إضافة لإطلاق لقب مدربعلى كل شخص أتمّ دورة إعداد مدربين دون رقابة فعالة لاستحقاقهم هذا اللقب حتى الأمس القريب. أعدادهم صارت بالآلاف بعضهم زاول المهنة وتوقف نظراً لتخمة المدربين في الساحة والنسبة الأكبر منهم وأدت المنحى الخلقي والأخلاقي للمهنة بابتذال تجاري منفّر، على الرغم من نُبل قيمها وفعالياتها في تغيير مصائر شعوب بأكملها إذ ما طبّقت ونشرت بالطرق الصحيحة.

و على الرغم من الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد، والذي يستدعي حقيقة مواربة الشاب السوري إلى بوابة متطلبات الحياة اليومية، إلا أنه لم ينكفئ عن إحياء الروح الإبداعيةلديه تحت أي ظرف كان، ففي الآونة الأخيرة تفجرت مواهب السوريين مع كل قنبلة ورصاصة، بشكل منظم على مواقع التواصل الاجتماعي  جمعت المبتدئ بذي الخبرة، إضافة إلى إنشاء منصات إعلامية من قنوات يوتيوب وغيرها لتغطية الفعاليات الشبابية من اختراعات وأبحاث اقتصادية وغيرها إلى جانب الحس الفكاهي التي يميز بعضها وذلك منظور الشباب أنفسهم، وبأسلوبهم المغيب جزئياً عن السياسات الإعلامية التي تعمل وفقها القنوات السوريةوالتي لاقت تحسناً لا بأس به في العام السابع (للحرب في سوريا، الحرب السورية، الحرب على سوريا !!)

وحتى هذه اللحظة لم يدرك هذا الشعب الطيبأن بمساومته على مفهوم الشهادةنسبة لقرية ومذهب سيتجرد من جلد الإنسانية قبل أي شيء فأعداء الوطن هم التعصب و الطائفية السوداء، وإن المنظمات المجتمعية والجمعيات الثقافية التي تعنى ببناء الإنسان لم تأتِ بالنفع المرجو على أرض الواقع، و إلا لتصدى السوريين جميعاً لأي تجييشأيّاً كان نوعه، ولكانت الحرب محض كابوس بادئ ذي بدء، وإنه لمن المجحف حقاً صب اللوم على مبادري هذه المنظمات لما يحمله مفهوم المواطنة من هشاشة، إذ ما نُظر للأمر إلى ما قبل الحرب حتى استنزاف المواطن بتأدية واجباته المستحقة و يزيد، في وطن لم يمنحه سوى قلة قليلة من حقوقه.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث "وفا تيليكوم" المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود. من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل...

تدريباتنا