أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
“توقف الزمن، ما زلت عاجزة عن الكلام والتعبير، أشعر أنني لم أعد على قيد الحياة، أنا محض جثة نجت بأعجوبة، وليتها لم تنج”، تقول علا علي (19 عاماً) وتنهار بالبكاء خلال حديثها مع “صالون سوريا”.
كانت علا تدرس على طاولة الدراسة الجامعية الصغيرة في زاوية غرفتها في الطابق الثاني فجر الكارثة. بعد أن اطمأنت أنّ أهلها نائمون بأمان وسلام، ابتسمت في وجه المرآة ووعدت نفسها بمستقبل أفضل حالما تنهي سنواتها الجامعية، أعدت كوباً من القهوة الساخنة وبدأت تتصفح إحدى محاضراتها، شغلت أغنية لنجاة على هاتفها الصغير، كانت تحب نجاة كثيراً قبل الكارثة.
“لا أدري ماذا حصل، كان كل شيء جيداً، لا أذكر، لا أريد أن أتذكر، فجأة ارتج المنزل، هزة، هزتين، لحظات، ساعات، عمر بأكمله، صراخ شديد، صرت أسمع صراخاً من منزلنا، من الجوار، صرت أشعر بأصوات صرخات تحطم رأسي، لا أدري كم استغرق الأمر، ولكنني الآن أدرك أكثر ما حصل، أتعلم ما الذي حصل؟، أهلي توفوا، ومنزلي صار ركاماً ؟”.
شيء ما يبدو غريباً في علا، هل كلمة غريب مناسبة بعد ما عاشته؟، هي الآن عند أقاربها، يقولون إنّها ليست بخير، لا تنام ليلاً، تبكي طوال الليل، وإذا ما غفت فإنّها تستيقظ صارخةً.
في حديثي معها، بدا لدى علا طاقة كبيرة للكلام، أرادت أن تقول شيئاً لم تستطع التعبير عنه بأسلوب واضح، أفكارها مبعثرة للغاية، ذكرياتها مشتتة، لا يبدو أنّها قد استوعبت ما حصل بتمامه حتى الآن، وريثما تستوعب ما حصل، قد يكون فات الأوان على شابة كانت تتوسم خيراً رغم كل ما في بلادها من محن.
بسطاء يتقاسمون القهر
الأمر في سوريا مركب قليلاً، فالناس تجاوزت عقداً من الحرب، وحملت فيه ما حملت من هموم ومشاكل وآلام وخسارات نفسية ومعنوية ومادية زادها سوء الحال الاقتصادي تعقيداً واستنزافاً، فجاء الزلزال مكملاً على أحلام بسطاء يتقاسمون القهر من شمال إدلب إلى حلب والساحل وحماه وكل منطقة تضررت من الزلزال.
في جولة على حالات كثيرة نجت من الزلزال يبدو واضحاً اتحاد المشاعر التي تنحو نحو العدمية ويبدو من غير المنطقي “الطبطبة” على جراحهم، فجراحهم عميقة للغاية، عميقة إلى ذلك الحدّ الذي تحتاج فيها مرمماً طبياً من النوع الوجداني – المادي غير المتوفر حتى الآن لهؤلاء الضحايا.
إذا اعتبر أحدٌ ما أنّ الفقد يمكن تجاوزه مع مرور الوقت، معللاً ذلك بالسنن الكونية الناظمة لحياة البشر، فكيف سيمكن تعليل شكل الحياة لأناس كانوا يستظلون تحت سقف وصاروا في المأوى، والسقف في سوريا ليس اصطلاحاً من الترف، بل هو المعنى الحقيقي لـ “جنى العمر”، فهل تؤمن الحكومة لضحايا البلاد دفئاً من النوع الذي يحيطهم من خلال أربعة جدران؟، يبدو ذلك مستحيلاً في المدى المنظور، فلا الإمكانيات متوفرة ولا القدرة المادية والاقتصادية واللوجستية كفيلة بحل تلك الإشكالية التي كتبت على السوريين نزوحاً تلو نزوح في حياة واحدة.
لا تتوقف الأرض عن الاهتزاز
لم تتوقف الحياة عند علا فقط فجر السادس من شباط، كثر مثلها، وفاء حمدان (38 عاماً) من ناجي اللاذقية لا زالت تعيش آثاراً وتبعات لما بعد الزلزال، تقول: “شيء غريب يحصل في بدني حين تصير الساعة الرابعة وقليل فجراً منذ يوم الزلزال، أشعر ببدني كلّه يرتعد، دقات قلبي تتصاعد كثيراً، أشعر بدوار شديد، أشعر بالأرض تهتز من تحتي، أهرع لأوقظ أفراد أسرتي، أصيح بهم جميعهم، فيقفون من نومهم مرتعبين، أخبرهم بوجود زلزال، ولكن يبدو أنّ لا أحد يشعر به غيري”.
يؤكد منصور شقيق وفاء روايتها وبأنّهم في الأيام الأولى التي تلت الزلزال كانوا يستجيبون لصرخات أختهم وينزلون للشارع على الفور، لكنهم تبينوا مع الأيام اللاحقة أنّها حالة نفسية عصيبة، وعليهم أن يتعاملوا معها بهدوء وحذر كما أشار عليهم أحد الأطباء النفسيين الذين استشاروه دون وجود وفاء التي رفضت الذهاب إليه مؤكدةً أنّ أحاسيسها بالهزات الأرضية اليومية هي أحاسيس حقيقية.
يقول منصور: “لا أريد أن أقول هذا، ولكن الزلزال أثر على عقل وفاء، وأثر علينا جميعنا، نحن خائفون، نجونا من الزلزال بأقل الأضرار ولكن شدته وسقوط الأبنية من حولنا وصرخات الجوار كلها عالقة في أذهاننا حتى الآن مذكرةً إياناً بأقسى يوم مرّ على بلادنا”.
متلازمة ما بعد الزلزال
مئات الحالات وربما أكثر بدأت تشتكي من مخاوف وهلوسات وما فسره الأطباء النفسيون بمتلازمة ما بعد الزلزال، فالبعض بات لا شعورياً يشعر بهزات كل لحظة وهي غير موجودة حقيقة، وآخرون باتوا يخافون النوم، وغيرهم توقفت الحياة لديهم عند لحظة بعينها، لحظة وقوع الزلزال، لحظة سماع خبر وفاة أحد من الأهل تحت الأنقاض، لحظة استعصاء إنقاذ أحد، لحظة فقدان أيّاً كان نوعها.
يقول الأكاديمي بعلم النفس أحمد سميح لـ “صالون سوريا” إنّ متلازمة ما بعد الزلزال هي متلازمة مشخصة أساساً من قبل باحثين يابانيين في عام 2011، وتنضوي على اضطراب ما بعد الصدمة مركباً مع القلق والخوف والتوتر.
وبين سميح أنّ المتلازمة تتمثل بدوار واهتزاز وتأرجح يشعر به الشخص لمدة تتراوح ما بين ثوانٍ عدة ودقيقة ونصف في عموم الحالات المسجلة، إضافة لشعور بالحاجة للتقيؤ أحياناً وآلام في المعدة وتشوش في الرؤية، والسيء بالأمر بحسب سميح هو قابلية استمرار الظاهرة حتى ستة أشهر ما بعد التعرض للصدمة الأولى (الزلزال).
ويتابع المختص بعلم النفس أنّ المتلازمة تلك قابلة للعلاج عبر زيارة الطبيب النفسي الذي يكون مؤهلاً لوصف أدوية تخفف من وطأة المشكلة وتنظر في موضوع الاكتئاب والقلق والخوف المرافقين.
ويحذر سميح أنّه في بعض الحالات الشديدة التي لا يجري علاجها ومتابعتها أو لا تزول أعراضها من تلقاء نفسها فمن الممكن أن تتطور المشكلة للدخول في أطوار اكتئابيه ومشاكل نفسية أخرى تتطلب علاجاً أكثر تركيزاً: “الكثير من الحالات التي تصلنا ونتعامل معها، بعضها بسيط، والبعض الآخر لا ينذر بالخير ما لم يتم التعامل الطبي معه بشكل سريع، فثمة أناس يرزحون تحت تأثير الصدمة التي من الممكن أن تغير شكل كل حياتهم القادمة.”
الأمراض العضوية
لا يمكن القول إنّ عدد الضحايا هو نهائي رغم مرور قرابة شهر على الزلزال، فبحسب الرأي الطبي لا زال عدد الوفيات قابلاً للارتفاع ولو كان بنسبة بسيطة، الطبيب مهدي أحمد شرح لـ “صالون سوريا” الموضوع مبيناً أنّ الوفيات الأولى حصلت خلال الزلزال مباشرة، أما الموجة الثانية فكانت من خلال تسجيل وفيات بين المصابين الذين نجوا وأودعوا المستشفيات، أما الاحتمال القائم مستقبلياً فهو تسجيل وفيات بعد أشهر من الآن، والتي قد تكون ناتجة عن التهابات كامنة وفشل في أداء بعض وظائف الجسم.
وبين الطبيب أحمد أنّ الأثر الذي تمكن ملاحظته خلال الفترة القادمة قد يكون ناجماً عن التلوث الذي خلفه الزلزال الذي دمر جزءاً من منظومة الصرف الصحي ما سيشكل بيئة ملائمة لانتشار الأمراض المعدية وعلى رأسها تلك المعوية والتنفسية، وكذلك الكوليرا والملاريا وغيرهم من الأمراض المنقولة عبر القوارض أو الحشرات.
هل ظلّ ما يقال
ما بين أثر نفسي وآخر عضوي، يدفع السوريون ثمناً باهظاً، ولكن هذه المرة ثمن جاءهم من الطبيعة التي ما ظنوا يوماً أنّها ستخذلهم وهم المنتشون بابتعاد الحرب عن مراكز مدنهم وأرواحهم وأرزاقهم، ليأتيهم غضب من الطبيعة يحيل معه القهر لتسميات أخرى، تسميات أبعد وأشمل، كمثل الحلم بميتة طبيعية في بلد ما من شيء طبيعي فيه.
كان المنكوبون عشية الزلزال يفكرون كيف سيتدبرون غدهم بما يكفيهم خبز يومهم، الآن صاروا يفكرون كيف سيتدبرون غدهم وهم مرميون في مراكز الإيواء في أدنى شروط الخصوصية التي عرفوها يوماً، مرميون منتظرون تلك الجمعيات التي تأتيهم بالـ “ساندويش”، ثم يسأل سوريٌّ: “هل ظلّ ما يقال!”
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...