تدريباتنا

سوريات يودعن فساتين الزفاف بالدموع

by | Nov 17, 2021

تتسع رقعة الفقر باتساع غياب الموارد المالية الأساسية ومحدودية الدخل، والتي يقابلها غلاء غير منطقي للمعيشة، بما يعكس عجزا ملموسا في القدرة على تلبية متطلبات الحياة بحدودها الدنيا، ينجم عنها اللجوء إلى ابتكار أساليب دفاعية عن لقمة العيش للخروج من دائرة البؤس، وتطوير مهارات تحصيل المال لمحاربة العوز.
وتلجأ العديد من النساء السوريات إلى منصات التواصل الاجتماعي لعرض فساتين زفافهن للبيع أشبه بظاهرة انتشرت كثيراً في الآونة الأخيرة، وذلك كأحد وسائل النجاة من طوق الفقر والوقوع في هُوّة الحاجة، كحالة تاليا (23 عاما) التي دفعتها ظروفها الاقتصادية المتدهورة إلى الاستعانة بالمجموعات الخاصة ذائعة الصيت على “فيسبوك” لبيع فستان زفافها. وتقول لـ “صالون سوريا”:” كنت أعمل في تغليف وتنسيق هدايا المغتربين، لكني تركت العمل بسبب وضعي الصحي المتردي، أعاني من الديسك، فقد أجريت مؤخراً عملية في العامود القطني، إذ وصف لي الطبيب العديد من الأدوية ضمن الخطة العلاجية”.
تتابع تاليا، وهي أم لطفلين أن “زوجها سافر خارج البلاد منذ برهة قصيرة، ولا يستطيع تكبد مصاريف علاجها، لذلك قررت عرض فستان الزفاف بقيمة 80 ألف من أجل تكاليف الأدوية”. تضيف:” زوجي يا دوب يأمن مصاريف عيشتو لان طالع جديد عاسطنبول، عم يبلش من الصفر”.
تعيش الشابة من أجار منزل والديها المتوفيين الذي ورثته عنهما، وتقول:” مستورة ولله الحمد، أعيش حالياً من أجار منزل أهلي، أحصل على حصتي منه كل ثلاثة أشهر مع أخوتي، المهم أن لا أمد يدي للآخرين وأعيش بكرامة”.
أما نور، فعرضت فستان زفافها على مجموعة “فستانك بيعيه” التي استدلت عليها بالصدفة خلال تصفحها الموقع الأزرق، تقول: “أريد أن أسدد أجرة البيت بثمن الفستان. عرضته بسعر 350 ألف، بينما يباع في المحلات بأكثر من 850 ألف، بدي بيعها أحسن ما ضل بوجهي “.
من وجهة نظر نور، لا فائدة مرجوة من “تصميد فستان في الخزانة لسنوات طويلة دون استثماره مالياً”، وتضيف: بحس حرام بدلة مدفوع ليها مبلغ كبير تنحط بالخزانة، لا يعنيني كثيراً أن ترتديه فتاة غيري، لست من المهووسات بالملابس والقطع النادرة، كما ليس لدي مانع من إعارته لإحدى الشابات إذا كانت لا تملك المال لدفع أجرته”.

سوق الحمدية الشهير
بحثت زينة مراراً عن محلات تقبل بعرض فستان زفافها، إلى أن وافق أحدهم أخيراً شريطة أخذ نسبة معقولة على مرات التأجير، تقول :” ظللت أبحث عن بائع يقبل بتأجير فستاني دون أن يحتال علي ويبخس بثمنه. لجأت إلى أحدهم في سوق الحمدية بدمشق، لكنه طلب مني شراء الفستان بخمسين ألف ليرة سورية، بينما كلفني حوالي مليونين منذ أربع سنوات”، تتابع: “بعد بحث استمر شهرا كاملا، التقيت ببائع وافق على الحصول على مبلغ 100 ألف لقاء أجار الفستان في كل مرة بقيمة 500ألف، وافقت على الفور”.
تريد زينة تسديد نفقة مدرسة طفلها الخاصة التي وصلت تكاليفها قرابة ثلاثة ملايين، تقول: “لا قيمة لوجود فستان زفافي في الخزانة، سوى أنه يعيد لي شريط الذاكرة إلى الخلف ويذكرني بيوم الزفاف وتفاصيل ذلك اليوم المميز، أحاول الاستفادة منه قليلاً، كأن أسدد أقساط مدرسة ابني ولوازمه المدرسية التي باتت مكلفة جداً”.

الرداء ذاته
أما لانا، فلديها وجهة نظر مغايرة، اذ عرضت فستان سهرة مرصعا بحبات اللؤلؤ على أحد مجموعات بيع الملابس، أرفقته بمنشور مختصر: “فستان ملبوس مرة واحدة فقط، للجادات أرجو التواصل على الخاص”. تقول:” أنا ارتدي الفستان مرة واحدة فقط، ولا أعيد الكرة ثم اعرضه للبيع، اشتري بثمنه فستان آخر، أما في حال لم أوُفق في بيعه، أضعه في الخزانة”، وعن عدم ارتدائها الثوب مرتين، توضح الشابة:” طبع عندي، ما بحب الناس تشوفني لابسة الفستان مرتين بشي مناسبة، كتير بهتم ببرستيجي قدام الناس”.
,قررت هلا عرض فستان خطوبتها بنصف ثمنه هرباً من تكبد مشقة حمله إلى بريطانيا، تقول:” سأسافر الأسبوع المقبل إلى بريطانيا، ولست بحاجة إلى الفستان، اشتريته بمبلغ 600 ألف وأود بيعه بنصف القيمة، انتظر الرد”.
اما ضحى، فتتمتع بحالة مادية ميسورة جداً، لكن بالرغم من عدم حاجتها إلى المال، غير أنها نشطة على مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة ببيع الملابس المستعملة، وعن ذلك توضح الشابة: ” زوجي يعمل في بيع السيارات، وضعي الاقتصادي ممتاز، لكنني أحب بيع ملابسي التي لا أحتاجها، أصرف بثمنها على المكياج أو شراء أشياء غير ضرورية”.
وتتحدث راما، وهي مسؤولة صفحة الترويج لأحد المجموعات على “فيسبوك” عن انتشار ظاهرة بيع فساتين الزفاف والخطوبة والملابس الآخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، مبررة أن السبب هو الفقر والعوز المادي. وتقول لـ “صالون سوريا”: “استلم يومياً عشرات المنشورات حول بيع فساتين الزفاف والخطوبة، معظمهن بدافع الحاجة وزيادة الدخل المادي، أشفق عليهن وأرفأ لحالهن، يحز بقلبي أن تبيع إحداهن فستان زفافها التي تعبت لانتقائه، لكن الحاجة أقوى من كل شيء”. وتضيف الشابة: “اتقاضى أجرة بسيطة جدا لتسديد نفقات الإنترنت كما أنني أحرص على الحصول على الإعجابات وانتشار المنشور، لكن في المقابل هناك مجموعات تتقاضى مبالغ تصل إلى 40 ألف لتستغل حاجة الناس”.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا