تدريباتنا

سوريا…ثلاثة في واحد

by | Jan 27, 2022

عام 2009، نظمت مجموعة من الشباب السوريين حملة لمقاطعة شركتي الخليوي «سيريتل» و«ام تي ان» الوحيدتين في البلد، لإجبارهما على تخفيض الأسعار والرسوم الشهرية العالية رغم خدماتهما السيئة.
انطلقت الحملة آنذاك عبر البريد الإلكتروني بسبب حظر «فايسبوك» و«تويتر» في سوريا، وكان الهدف منها الضغط لرفع الاحتكار عن هذا القطاع، وإدخال «مشغل ثالث» والسماح بالتنافس الحر، ووقف احتساب الدقيقة من الثانية الأولى.
كما طالبت الحملة بوقف التنسيق بين الشركتين على صعيد الأسعار والعروض والخدمات، حيث باتت الشركتان «نسخة طبق الأصل» عن بعضهما البعض، ولا اختلاف بينهما إلا في الأسماء.

المشغل الثالث
فجأة ضجت وسائل الإعلام عام 2010 بخبر إمكانية دخول «المشغل الثالث» إلى سوريا، لإنهاء الاحتكار في سوق الخلوي. تلقت وزارة الاتصالات آنذاك سبع عروض من شركات اتصالات عربية وأجنبية للحصول على رخصة للعمل على الأراضي السورية وهي:
شركة «اتصالات» الإماراتية، والاتصالات السعودية «أس تي سي»، و«كيو تل» القطرية، وشركة «زين» الكويتية، و«تركسل» التركية، و«فرانس تيليكوم» الفرنسية، و«تي إي أم كو» الإيرانية.
كانت الشركات الخليجية خصوصاً تتطلع للدخول إلى سوريا في تلك الفترة للحفاظ على استقرارها وحجم إيراداتها في ظل التباطؤ الاقتصادي بعد الأزمة المالية وتراجع عدد السكان، وخاصة أن سورية تعد من الدول الأخيرة في المنطقة التي ما زالت قادرة على استيعاب مشغلين جدد. لكن رغم نجاحها في الدول التي تعمل بها، لم تنجح أي من هذه الشركات في اختراق السوق السورية، وبقي المشغل الثالث حبراً على ورق.

«خمسة بالمئة»
لأكثر من عشرين عاماً استحوذت شركتا «سيريتل» و«MTN» على السوق السورية بعقود طويلة الأجل قابلة للتمديد، بالشراكة مع المؤسسة العامة للاتصالات وفق نظام الـ «B.O.T». وطالما وجهت انتقادات لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف الذي اتهم باحتكار الخليوي وكل قطاع الأعمال في سوريا، ومنع دخول أي شركة منافسة لشركاته إلا إذا حصل على نسبة معينة، ومن هذه الشركات «سيريتل» التي تهيمن على قطاع الاتصالات النقالة في سوريا.
هذا في الماضي، أما اليوم فإن الرجل «خمسة بالمئة» كما كان يلقب انتهى في سوريا عملياً وتحوّل إلى داعية إسلامي محاصر وممنوع من السفر، بعد سيطرة الدولة على شركاته وجمعياته، بحجة تخلفه عن دفع مئات المليارات لخزينة الدولة.
أما شركة «ام تي ان» فهي تسير على الطريق ذاته، بعد انسحاب الشركة الأم جنوب الأفريقية، وكلام رئيسها بأن «العمل في سوريا أصبح غير محتمل».
وفا
في هذه الأجواء عاد الحديث عن المشغل الثالث، الذي سيدخل قريباً تحت اسم شركة «وفا» حسب المتداول، وكما صرح وزير الإتصالات والتقانة إياد الخطيب فإن دخول الشركة الجديدة على الشبكة السورية بات قريباً
يدخل المشغل الثالث بعد عشر سنوات من حرب طاحنة أتت على الأخضر واليابس، في ظل رداءة الخدمة وانقطاعها في مناطق كثيرة وتأثرها بـ تقنين الكهرباء ودمار الكثير من أبراج التغطية والمحطات.
وهنا يقول وزير الاتصالات “أملنا كبير بمشغل وفا “الوطني” لتحسين الخدمات وواقع التغطية الخليوية في جميع أنحاء البلد”. وأطلق وزير الاتصالات تصريحاً عجيباً حد السخرية يقول فيه إن “شركات الاتصالات السورية في منافسة شديدة وليست جهة واحدة كما يظن الكثيرون”.

ما الفائدة؟
بغض النظر عمن يملك الشركة الجديدة ومن يقف وراءها من أشخاص أو دول، والأسئلة الكثيرة التي تدور حول طبقة الأثرياء التي تشكلت خلال الحرب وطبيعة الصراع بين أمراء الحرب والسلام. لكن ما الذي يمكن أن تضيفه هذه الشركة للمواطن السوري من خدمات جديدة، وما هي الفائدة المباشرة لوجود مشغل ثالث، ولم يلمسها المواطن خلال 20 عاماً من تعامله مع شركتين لا ثالث لهما؟.
ربما ترفد هذه الشركة سوق العمل بمئات الوظائف، وهي ميزة كان رامي مخلوف يحققها ويتباهي بتوفير آلاف الوظائف للسوريين برواتب عالية، فما هي الميزة الجديدة للشركة؟.
رفعت شركتا الخليوي الأسعار بنحو 40 إلى 50 بالمئة خلال الأشهر الماضية، مبررة ذلك بالظروف والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها سوريا، من حصار و”قانون قيصر”، وصعوبة الحصول على المعدات اللازمة لصيانة الشبكة، وكلفة ترميم المحطات التي تعرضت للتدمير.
ولكن خلافاً لهذه المبررات حققت شركتا الخليوي أرباحاً كبيرة تصل إلى 400 مليار ليرة خلال السنوات الخمس الماضية فقط، وهو ما يدحض فكرة أن الشركتين تعانيان من الخسارة.
من يصدق أن هذا القطاع يخسر في بلد تكلف فيه جمركة الهواتف الخلوية 30% من قيمة الجهاز، وبلد تدخل إليه آخر إصدارات الآيفون قبل دخولها إلى دول الخليج؟.

“تلاتة بواحد”
لعل السؤال الذي يدور في ذهن المواطن السوري اليوم، هل يمكن أن يقدم المشغل الثالث أسعاراً أقل وخدمات أفضل من الحالية؟، مع أن الشركة حسب المتداول سوف تستخدم أبراج الشركتين القديمتين.
تتنافس الشركات العالمية في تقديم الخدمات المختلفة للمشتركين بأسعار منافسة، ولكن في سوريا الأمر مختلف، رغم صدور قانون المنافسة ومنع الاحتكار عام 2008، والذي يفترض أن يطبق على كل الأنشطة التجارية والانتاجية والخدمات ضمن أراضي الجمهورية العربية السورية، لكن هذا القانون لم يطبق في الكثير من القطاعات ومنها قطاع الخليوي خلال أكثر من عشرين عاماً، فهل يطبق اليوم بعد دخول شركة وفا على الخط؟.
ربما نكون أمام ثلاث شركات مشغلة للخليوي في سوريا، تشبه الصحف الحكومية، تلاتة بواحد!.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا