تدريباتنا

شهادات أطباء متضاربة حول أداء المستشفيات خلال جائحة كوفيد-١٩

by | Mar 7, 2021

* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا

في منتصف شهر آذار/2020 أعلنت وزارة الصحة السورية عن  أول حالة إصابة بفيروس كوفيد 19، تعود لشخص قادم من خارج البلاد، وسط إجراءات صارمة للوقاية من انتشار الفيروس المستجد. هذه الإجراءات هي ذاتها أصبحت موضع شك وقلة ثقة تحكمان الشارع السوري، خاصة في ظل بلاد خرجت للتو من حرب امتدت لـ 9 سنوات، خلفت وراءها رضوضاً في الجسم الطبي واستنزفت طاقته، بدءاً من هجرة العديد من الكفاءات الطبية وصولاً إلى تدمير الكثير من المشافي والمستوصفات والبنى التحتية، لتأتي بعدها العقوبات الأمريكية لتشد الخناق على عنق الاقتصاد السوري مما حال دون استيراد جملة من الأدوية والمواد الخام الداخلة في الصناعات الدوائية.

هناك شبه إجماع لدى السوريين على عدم كفاءة وجاهزية المستشفيات العامة للتعاطي مع فيروس كورونا. وفي هذا الإطار قمتُ باجراء لقاءات مع عدة أطباء تحدثوا بشكل متضارب حول إجراءات التعقيم ونقص الأدوية والأطباء ومستوى الجاهزية وفق مشاهداتهم اليومية خلال فترة الجائحة. وتقول سهيل (طبيبة ـ 28 عاما ) التي فضلت عدم الكشف عن اسم المشفى الحكومي الذي تعمل فيه: “في بداية الجائحة كان الاهتمام ملحوظاً ومكثفاً، إذ كانت المستشفى تخضع للتعقيم اليومي والمستمر كل أربع ساعات، وجميع الأطباء والممرضين كانوا متحمسين ويلتزمون بالكمامات والقفازات مع تبديلها باستمرار، كما كان يمنع على المرضى الدخول بدون وضع الكمامة”. غير أن هذا الاهتمام خف تدريجياً نتيجة إصابة الأطباء والمرضى معاً بالملل وفقدان الحماس وسلموا أمرهم للعناية الإلهية، بالإضافة الى ترديدهم الجملة المعتادة: “لقد أصبنا بالفيروس ونجونا منه، لدينا مناعة لأشهر عديدة”، وفقاً لكلام الطبيبة.

 تشير الطبيبة إلى مرور المستشفى بفترة من الفترات بمرحلة نقص في أعداد الكمامات، ما دفع الأطباء إلى شرائها على نفقتهم الخاصة، إذ تقول: “واجهت المستشفى نقصاً حاداً بكمامات نوع N95 كما كان يتم احتكارها من قبل الإداريين الذين هم أقل احتكاكاً مع المرضى، فيما وزعت الكمامات نوع 95 الأقل حماية على الأطباء ويسمح لنا بواحدة فقط مع أنه يتوجب علينا تبديلها كل 4 ساعات، وعندما اعترضنا على ذلك، كانوا يجيبون أن السبب هو وجود طلب كبير على الكمامات يقابلها عراقيل باستلام الكمامات جراء العقوبات الاقتصادية على البلاد”. أضافت أنها مرة  سمعت إدارة المستشفى تقدم النصح بالمواظبة على الكمامات العادية والاكتفاء بها حالياً، لتستخدم الكمامات الأعلى حماية عند ذروة الجائحة والحالات الطارئة، وذلك حسب كلامها.

ولا تنكر سهيل وجود تعقيم على الدوام في المستشفى التي تعمل فيها، حيث يتم تغيير ملاءات السرير وتنظيف أعمدته وذلك عقب تخريج  كل مريض(كورونا)، إلى جانب رمي كل الأدوات التي استعملها في القمامة. أما متابعة حالة المريض من قبل الأطباء فهذا أمر “نسبي”، إذ تقول: “هناك أطباء أنانيون كانوا يخشون على أنفسهم التقاط العدوى متجنبين الاحتكاك الكثير بالمصاب، فيكتفون بالاطمئنان عليه مرة واحدة يومياً، إلا إذا ساءت حالته، بالمقابل، يوجد أطباء يطمئنون على المريض كل ساعتين ومتأهبين طوال 24 ساعة”.

عانت معظم المستشفيات الحكومية لبرهة من الزمن من نقص في أدوية الالتهاب وفيتامين سي ودال الضروريين لرفع مناعة الجسم والكمامات والشاس المعقم وسيرومات (مَصل) طبية، إلى جانب أسطوانات أكسجين بمأخذين للهواء.

تتحدث نهاد عن تجربتها كطبيبة في مواجهة فيروس “كورونا” في مستشفى عام رفضتأيضاً الكشف عن اسمها، حيث تبدأ الشابة بالكوادر الطبية والضغط الشديد عليها، لاسيما في فترات الذروة التي شهدتها سوريا، وتقول: “في شهر 12 عام 2020، كانت الموجة الثالثةقد بدأت، فكنتُ وثلاثة أطباء في قسم العزل نواجه مشقات كبيرة من ناحية ارتفاع عدد المرضى مقابل عدد الأطباء، حيث كان لكل طبيب 5 مرضى وأكثر يتولى الإشراف عليهم، وهذا ضغط كبير علينا”، لافتة إلى قيام المستشفى في كثير من الأحيان باستدعاء أطباء من أقسام أخرى لتفادي حصول نقص في قسم عزل مرضى كورونا.

تحدي آخر واجه المستشفى عموماً، والطبيبة خاصة، هو التدهور المفاجئ لحالة المريض، ما يتطلب مهارة عالية في “التنبيب” وهو إجراء يتطلب مهارة عالية يتم من خلاله تأمين مجرى هوائي عبر إدخال أنبوب من الحنجرة إلى رئة المريض قبل وضعه واختيار إعدادات جهاز التنفس الاصطناعي المناسبة له، وتتابع حديثها: “أمر مرعب بالنسبة لنا كأطباء مواجهةمرض جديد ومجهول ومتحول، لا نعرف عنه شيئاً، خاصة في بلد كسورية ينتمي للبلدان النامية والتي خرجت  منهكة من حرب طويلة، فاختيار الإعدادات المناسبة وفقاً لحالة كل مريض ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى خبرة ودقة عاليتين”.

“لقد أصبنا بالفيروس ولا داعي للتعقيم الشديد”، هذا هو المبدأ السائد لدى العديد من الأطباء في غالبية المستشفيات الحكومية وربما الخاصة أيضاً، وتقول الطبيبة جورجيت التي تعمل في إحداها متحفظة عن ذكر الاسم: “انطلاقاً من أن الجسم البشري أصيب بالعدوى، ويحتوي على أجسام مضادة تحميه لأشهر قادمة، فلا ضرورة للمغالاة في إجراءات التعقيم بالرغم من توفرها، هذا هو ما يفكر به العديد من الأطباء هنا”. وعن وضع التعقيم في المستشفى، تجيب الطبيبة بأنه: “سابقاً كانت الاجراءات صارمة وتتسم بالالتزام، لكنها الآن أصبحت عادية، لا تليق بوضع وبائي، كأننا في أيام طبيعية، وأصبح يُسمح بزيارة المصابين في قسم العزل والاختلاط معهم في الآونة الأخيرة”.

هذا الواقع  الخدمي الطبي ليس معمماً بالضرورة، بل مازال شديد الصرامة لغاية الآن بالرغم من مرور عام على انتشار فيروس “كورونا”، إذ ينفي الطبيب باسل حصول إهمال وتقصير في المستشفى الذي يعمل فيه يومياً ويقول عن تجربته: “مازالت إدارة المستشفى تعاقب الكادر الطبي من غير الملتزمين بأساليب الوقاية، ويمنع منعا باتاً على الأطباء ممن يدخلون قسم العزل الاحتكاك مع زملائهم وعليهم التقيد بكافة وسائل التعقيم وعدم السماح للمصابين بمخالطة ذويهم وأقربائهم قبل شفائهم كلياً”.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا