تدريباتنا

طب الأعشاب بديلاً عن ضعف الكوادر الطبية ونقص الأدوية

by | Jan 25, 2019

تعاني الثلاثينية هدى من بكاء طفلها الرضيع المتواصل، والذي لم تستطع معرفة سببه حتى اللحظة، رغم عرضه على معظم أطباء المنطقة. فكل منهم أرجع سبب بكاء الطفل لمرض معين يختلف عن الآخر وصف له دواءً لم يشفه من علتّه الحقيقة التي ماتزال مجهولة للآن.

تصف هدى ما تعاني منه مع رضيعها قائلة “في البداية قصدت طبيباً مختصاً بأمراض الأطفال، فعلل بكاء الطفل لوجود التهاب في أذنيه، إلا أن مضاد الالتهاب الذي وصفه لي لم يشف صغيري، فقصدت طبياً مختصاً بأمراض الأذن والأنف والحنجرة، والذي أكد بدوره بأن ابني لا يعاني من أي التهاب بأذنيه”، طبيب آخر عزا البكاء المستمر لنمو أسنان الطفل، الذي راح ينقص وزنه ويفقد شهيته.

ويشكو العديد من المرضى المصابين بأمراض في مناطق سيطرة المعارضة السورية من قلة الأطباء والأخصائيين، لاسيما الاختصاصات النادرة كالأوعية والقلبية والصدرية، وذلك بسبب وفاة بعض الأطباء بعد استهداف المشافي من قبل طيران نظام الأسد وحلفائه، وهجرة الآخرين أو نزوحهم مما تسبب بنقص كبير في الكفاءات الطبية.

كذلك يعاني أهالي إدلب من ضعف الكوادر الطبية بشكل عام، كالتمريض. تروي لمياء العمر (٣٧ عاماً) ما واجهها من قلة خبرة الممرضات في مشفى الأطفال وتقول “اضطررت لإدخال طفلي البالغ من العمر خمسة أشهر إلى المشفى بسبب مرض التهاب أمعاء مزمن أصابه، وأصبح ابني على على إثره عرضة للجفاف، ولذا توجب إعطاء الطفل سيروم وريدي، إلا أن الممرضات لم يستطعن إيجاد وريد الطفل”، وتتابع بحزن “خرجت الممرضات من غرفة الإسعاف معلنات عجزهن، بعد أن غرزوا الإبر في كل قطعة من جسد طفلي، فساءت حالته واختفى صوته من البكاء الشديد، الناجم عن ألم الإبر من جهة ومرضه الأساسي من جهة أخرى”.

وأدى غياب الخريجين والدارسين إضافة للواسطات والمحسوبيات لتوظيف كوادر غير مؤهلة في المشافي لا يملكون أية خبرات، مما أدى في كثير من الأحيان إلى بطء العمل الإسعافي، والارتباك في الأزمات وضياع الوقت والجهد. كذلك يشكو العديد من مراجعي المشافي والمراكز الطبية، من الطريقة الفوقية التي تتعامل فيها الكوادر الطبية مع المرضى والمراجعين، وهو “ما أفقد عدداً من المشافي صبغتها الإنسانية” بحسب وصفهم.

الطبيب حسام طعمة (٤٨عاماً) بدوره يعتبر أن الوضع الصحي في إدلب وريفها ضعف جداً بسبب النقص في الاختصاصات وضعف التنسيق بين المراكز الطبية،  بالإضافة لنقص بعض الأدوية،  مبيناً أن المشاكل التي تواجه القطاع الطبي هي قلة الخبرات بالدرجة الأولى، إذ أن أغلب المشافي مجهزة لاستقبال حالات معينة كالجراحة العامة والعظمية ، و٩٠ بالمائة من المشافي تحوي على هذين الاختصاصين فقط،  في حين تندر فيها بقية الاختصاصات كالهضمية والوعائية والعصبية.

ونظراً لقلة الاختصاصات والخبرات، وتحكيم المحسوبيات، ونقص الأدوية الهامة مثل الألبومين والبروتين والأنسولين، فقد اتجه معظم الأهالي للاعتماد على طب الأعشاب البديل الأكثر انتشارا والأقل تكلفة. علي شردوب (٣٥ عاما) من معرة النعمان وهو أب لستة أبناء يقول “في فصل الشتاء يقل العمل وتكثر الأمراض، وأسعار الأدوية في الصيدليات مرتفعة  لا تتناسب مع دخلنا المحدود، لذلك لجأت لطب الأعشاب لأداوي أولادي من الأنفلونزا والسعال والالتهابات وغيرها من الأمراض”. من جهتها الأربعينية أمية علوان تثق جداً بما أسمته الطب الشعبي لأنه “إن لم ينفع المريض فلن يضره ” بحسب وصفها، ورغم أنها لم تصب بمرض خطير، إلا أنها ترى أن وصفات الأعشاب “دائما تنجح وهي مفيدة للزكام والروماتيزم وآلام الأذن والعين و الرأس”.

لكن الطبيب حاتم عطا يعارض ما تقوله أمية، ويقول إن اعتبار الأعشاب “لا تضر إن لم تنفع” هو خطأ شائع، ويقول “يمكن أن يفوق ضرر بعض الأعشاب الأدوية الكيميائية، ولهذا فلا يجب التقليل من خطورة الاستعمالات الخاطئة للأعشاب وغيرها، لأنها قد تؤدي إلى مضاعفات لا يمكن تداركها، والمسؤولية في ذلك تقع على المريض أحيانا لأنه لا يتابع وصايا الطبيب كما ينبغي من حيث اتباع المقادير المحددة في أوقاتها المحددة، أو على عاتق الطبيب الذي لايعرف شيئا عن خصائص بعض النباتات ورغم ذلك فهو يصفها للمرضى الذين وثقوا به”. وهذا ما حدث مع الحاجة صبحية التي ازدادت حالتها الصحية سوءاً بعد تناولها لنبتة الدفلة، التي وصفت لها كعلاج مخفض لمستوى السكر في الدم، فكان أن عادت لاستخدام الأدوية الكيميائية والتي لم تكن متوفرة مما استدعى جلبها من تركيا وبمبلغ كبير .

بينما تؤيد سعاد الحسن طب الأعشاب وبحماس كبير كونها استفادت منه في علاج مرضها الجلدي، والذي عجزت عن علاجه كافة الوصفات والأدوية الكيميائية، تقول الحسن” بعد يأسي من الشفاء لجأت وكحل أخير لأحد العطارين، والذي وصف لي خلطة أعشاب شفيت على إثرها تماما، رغم أن مدة العلاج طالت قليلا، ولكنني تخلصت من آثار المرض، وعدت بفضل طب الأعشاب لحياتي الطبيعية بعد أن كنت منزوية ومحرجة من مرضي، ولذا فطب الأعشاب برأيي هو الأجدى”.

ويرى الطبيب العطا أن من واجب كل من يدخل ميدان طب الأعشاب أن يكون دقيقا في حفظ النباتات ومعرفتها بأسمائها العلمية، وكيفية تناولها ودواعي استعمالها، و”إلا فإنه سوف يقع في أخطاء قد تؤدي إلى موت المريض وفي ذلك مسؤولية عظيمة” بحسب تعبيره.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا