تدريباتنا

هل أصبحت فصائل “الحر” مرتزقة بيد تركيا؟

by | Apr 21, 2018

منذ بداية الحراك السوري في ربيع 2011 كانت مطالب الشعب واضحة وراسخة في الأذهان، هذا التحرك العفوي حمل معه من العشوائيّة (التي لا بدّ منها) الكثير على أنّ أسوأ أشكال هذه العشوائيّة تمثلت في رفع السلاح الذي كان بريئاً في مكان ما وخبيثاً في أماكنَ أخرى، فممّا لا شكّ فيه أن مجموعة من الدول التي عدّت نفسها داعمة للحراك الثوري ساهمت في دعم وتشكيل ما يُسمّى بالجيش الحر كالسعودية وقطر اللتين تعيشان حالة ملكية سلطوية مطلقة وتركيا التي تطمع ببعض الأراضي السوريّة، والولايات المتحدة الأمريكية المهووسة بابتلاع العالم والحفاظ على المصالح الإسرائيليّة، في هذا الجو من التكالب وتحت ضغط القبضة الأمنية التي كانت الشرارة الأولى لهذا الانفلات الذي حصل تمّ تكوين كيان عسكري مشوّه، لا قدرة له على مواكبة مطالب الشعب، بل كل ما يستطيعه هو السعي لتنفيذ طلبات الداعم الذي يوجهه بسبابته، وقد تجسّد هذا بوضوح شديد بعد بداية عمليّة غصن الزيتون في عفرين، حيث أنّ الجيش الحر قام بالحشد شمالاً لاقتحام مدينة سوريّة لم تبادره الهجوم لا لشيءٍ إلّا تحقيقاً لمصالح داعميه غير السوريين، فبغضّ النظر عن التجاوزات التي قامت بها قوات حماية الشعب الكردي وارتهانها الواضح للمشروع الأمريكي الذي يسعى لتمزيق الكيان السوري، إلّا أنّ التوقيت كان غريباً ولا يمتّ للمصلحة السوريّة بصلة، فقد تزامن هجوم هذه الفصائل على عفرين مع اقتحام قوات النظام لجنوب إدلب وضغطها عسكريّاً على مناطق سيطرة المعارضة، وهنا يتبادر لنا السؤال التالي:

لماذا ينشغل هؤلاء بفتح جبهة جديدة بينما جبهتهم مشتعلة وممزقة لا بل ومهزومة؟

الإجابة بسيطة جدّاً: لأنّهم أساساً موجودون بمعيّة داعمهم لتنفيذ أوامره التي تفضي لتحقيق غاياته ومآربه على الأرض السوريّة، وهذا ما يفسّر توقفهم عن القتال حين يكون النصر حليفهم بشكل مفاجئ، وفتحهم لجبهات غريبة في أوقات عصيبة، هذا كلّه يتضح حينما نقوم بمراقبة ظروف الداعم ومواقفه السياسيّة، كما أنّ المشكلة الكبرى في هذه التشكيلات العسكريّة أنّها غير مندمجة عضويّاً بالنسيج السوري، فالنسيج السوري بالرغم من توجهه الديني المحافظ إلّا أنّه معتدل وهذه الفصائل بمعظمها تميل للفكر السلفي التكفيري الجهادي فمع استبعادنا لجبهة فتح الشام (جفش) أو فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام لتكون الصورة أوضح والتي لا تخفي فصائل الجيش الحر تحالفها معها وارتباطها العضوي معها إلّا أنّ باقي الفصائل هي وجه آخر لها بأسماء أخرى كجيش الإسلام وفيلق الرحمن وأحرار الشام وأنصار الإسلام ولواء التوحيد وغيرهم ممن لا يتبنّون فكرة الدولة المدنية الديموقراطية بل يحلمون بإقامة حكم إسلامي تتحكم فيه الأحكام الشرعية وترسمه حدود التفسير الضيّق للدين، والمشكلة الأشد خطورة التي تحكم هذه الفصائل عدم امتلاكها للمرجعيّة ففي معظم الثورات التي نجحت ثمّة بنيان سياسي يوجّه الأوامر لعناصر مقاتلة تحقق غايات وطنية، أمّا في حالة الجيش الحر فلا يوجد توجه ولا مرجعيّة ولا يوجد جيش بمعنى الجيش أساساً فهم فصائل يربو عددها على ال150 فصيل تحارب الجيش السوري وتحارب بعضها، هذه الفصائل في عز هجوم النظام العنيف عليها كانت تقوم بمعارك تصل إلى مستوى حمام الدم فيما بينها فمن ينسى معارك جند الأقصى مع أحرار الشام يوم كان الجيش السوري يدخل حلب، ثم معارك هيئة تحرير الشام مع أحرار الشام إبّان تحرك النظام باتجاه إدلب، ومعارك فيلق الرحمن مع جيش الإسلام بالرغم من التقدم الواضح لقوات النظام على جبهات الغوطة، هذا بغض النظر عن بعض التصرفات التي وصلت إلى أن تقوم كتيبة عائلة ما بالهجوم على كتيبة عائلة أخرى لإحياء ثأر قديم، فتعالوا نتخيل معاً سقوط النظام الذي كان إلى حدّ ما يوحد توجه السلاح، ماذا سيحصل في سوريا وهل سيعرف العالم من يتقاتل مع من ولماذا؟

وهل ستسمح هذه الفصائل بإقامة أي شكل من أشكال الدولة بينما يحكم كل فصيل منطقته التي يمنع الفصائل الأخرى من دخولها؟

والمشكلة الأكبر أنّ الجيش الحر لم يقم بإجماع آراء السوريين إلّا أنّه بعد فرضه لوجوده بدأ يعمل على إقصاء وتخوين وإيذاء كل من يرفض وجوده وكأن مسألة القتال واحدة من الثوابت الوطنية التي لا يمكن النقاش فيها.

وبالعودة على بدء حين نتحدث عما يحدث في عملية غصن الزيتون، نجد أنّ الجيش الحر تحول لقوات مرتزقة تقاتل بالوكالة المعلنة عن دولة تريد احتلال أرض سوريّة، وهذه الدولة ذاتها (تركيا) تقوم بتحالف معلن مع الروس الذين يشبعون الجيش الحر قصفاً في الغوطة والإيرانيين الذين يقتحمون مناطقه، وكأنّ أحدهم يقول لك: قاتل معي هنا من لا مصلحة لك في قتالهم وأنا سأصافح قاتليك هناك، ولا تناقش ولا تسأل لماذا ولو سألك أحدهم اتهمه بخيانة الثوابت الثورية وتخلص منه، وهنا يسأل السائلون حين نسمي هذه الفصائل العشوائيّة التي لا مرجعيّة لها جيشاً حرّاً، أين وجه الحريّة عندها؟

هل لديها الحرية في اتخاذ قرارها؟
هل تدعو للحريّة والعدالة أم المزيد من تقييد الحريّات؟
هل لديها تمويل ذاتي؟
هل هي قادرة على فرض مشروعها؟
هل لديها مشروع واحد؟

دعونا نتنازل أكثر؟ هل لديها داعم واحد نفهم وجهة نظره لنفهم وجهة نظر تحركاتها أم أنّها ببساطة مليشيات من هنا و هناك تسعى خلف داعمين من هنا و هنا و هناك، والسؤال الذي يراود أيّ سوري أنّ أي فصيل من هذه الفصائل حين يتولّى قيادته رجل غير سوري (بغض النظر عن الداعمين) هل يبقى فصيلاً سوريّاً أم أنّه يتحول لما هو غير ذلك؟

وحين تقوم هذه الفصائل باستهداف المدنيين في المناطق التي لا تسيطر عليها كاستهداف دمشق بالصواريخ والقذائف فهل يبقى على سكان دمشق حجة لو صبوا دعمهم لكلّ قوة تخلصهم من نار القذائف والموت المجّاني وحين يتم استهداف المناطق على اعتبارات طائفيّة ويكون مقاتلو هذه الفصائل من لون واحد هل يبقى على أبناء الطوائف الأخرى عتب فيما لو انفضّوا عن هذه التشكيلات ودعموا كل ما يمكن له إيقافها وإبعادها عنهم، وهنا أستطيع أن أقول إنّ الجيش الحر لم يخسر عسكريّا فقط حربه في سوريا، بل خسر أخلاقيّا مما أدّى لخوف الشعب السوري من إعادة إنتاج أي حراك قد يحسن حال البلاد خوفاً من إنتاج هذا الحراك لمكونات غير حرّة (كالجيش الحر) مثلاً.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا