أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
لطالما تغنَّت سوريا قبل الحرب بمجتمعها الفتي، إذ كان الشباب يُشكلون النسبة الأكبر من إجمالي عدد السكان. لكن تلك النسبة بدأت تتراجع منذ عام 2011 وحتى اليوم، على حساب تزايد نسبة كبار السن، وذلك نتيجة عوامل كثيرة أوجدتها ظروف الحرب الطويلة وتَبعاتها، وهو ما سيترك آثاره السلبية على مستقبل البلاد التي بدأت تعاني خللاً ديموغرافياً يتفاقم يوماً بعد يوم.
حتى عام 2010 كانت معدلات الوفيات في سوريا لا تتجاوز 4،4 من كل ألف نسمة، وخلال سنوات الحرب ازدادت تلك المعدلات لتصل إلى 10،9. وقد شكلت فئات الشباب، خاصة من قتلوا في المعارك الحربية، النسبة الأكبر من حجم الوفيات. كما أدت الحرب وما خَلَّفته من نزوحٍ ودمارٍ إلى إحداث موجة هجرة كبيرة أفقدت البلاد ملايين الشباب، حيث ازدادت معدلات الهجرة بين عامي 2013 و 2017 لتصبح 70،5 من كل ألف نسمة، فيما كانت عام 2010 لا تشكل سوى 4 من كل ألف. وبحسب تقارير الأمم المتحدة لجأ، خلال سنوات الحرب، أكثر من خمسة ملايين سوري إلى دول الجوار، ثلثهم من الأطفال، فيما لجأ نحو مليون إلى بلدان أوروبا، هذا إلى جانب هجرة مئات الآلاف إلى أماكن مختلفة من العالم، حيث صُنفت سورية ضمن الدول الأكثر تصديراً للاجئين في العالم. ومن المعروف أن النسبة الأكبر من المهاجرين كانت من فئة الشباب، ومن الأُسر التي كان أبناؤها في عمر الطفولة أو المراهقة.
ورغم توقف العمليات الحربية في معظم المحافظات السورية إلا أن هجرة الشباب عادت خلال العامين الماضيين لتنشط بشكلٍ كبيرٍ، وذلك نتيجة تردي الواقع الاقتصادي والمعيشي – الذي جعل 90% من السوريين يعيشون تحت الفقر- وغياب أبسط متطلبات الحياة، وانعدام فرص العمل، وتراجع مستوى الدخل – في ظل التضخم الكبير الذي أدى لانهيار قيمة الليرة- وغياب أي مستقبلٍ واضح. وقد لوحظ خلال العام الماضي حجم الاقبال الكبير على فروع الهجرة والجوازات في مختلف المحافظات لاستخراج جوازات السفر، حيث شهدت تلك الفترة سفر آلاف الشباب إلى بعض الدول، كالإمارات ومصر والعراق/ أربيل، لمجرد منحها بعض تسهيلات السفر للسوريين. وتتوقع الكثير من الدراسات هجرة مئات آلاف الشباب في السنوات القادمة إذا ما بقي الواقع على حاله، حيث أصبح خيار السفر الحديث الشاغل بين الشباب والحلم الأول عند الكثير منهم، وقد باتت كثير من الأسر تُجهِّز أبناءها للسفر، فور انتهائهم من الدراسة، أو حتى لإكمال دراستهم في الخارج.
تراجع معدلات الزواج
سنوات الحرب الطويلة وانخراط نسبة كبيرة من الشبان في العمليات العسكرية، التي أبعدتهم عن الحياة المدنية وأشغلتهم عن التفكير في الزواج، ومن ثم تدهور الواقع الاقتصادي الذي أدى لارتفاع تكاليف الزواج وصعوبة تأمين المسكن والشروط المعيشية التي يحتاجها بناء الأسرة. كل ذلك، إلى جانب الخلل الديموغرافي الذي أحدثته هجرة الشباب، أدى لانخفاض معدلات الزواج بشكلٍ غير مسبوق، فبينما تم تسجيل نحو 228 ألف عقد زواج في عام 2010، لم يُسَجل في عام 2017 سوى 100 ألف عقد. وبحسب ما نشرته صحيفة البعث الحكومية، قبل ثلاثة أعوام، فإن نسبة العنوسة وصلت إلى نحو70% ، وهو رقم يزداد يوماً بعد يوم، فيما تحدثت بعض الاحصائيات عن وجود ثلاثة ملايين امرأة تجاوزن الثلاثين عاماً دون أن يتزوجن. وقد شَكل تراجع أعداد الذكور في البلاد عبئاً ثقيلاً على الإناث اللواتي ازدادت نسبتهن خلال الحرب وباتت فرص زواجهن تتراجع يوماً بعد يوم، وهو ما دفع القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود معراوي لكي يُشجع – عبر تصريحٍ له عام 2017- على خيار تعدد الزوجات، كحلٍ وحيد للحد من تفشي ظاهرة العنوسة.
وبما أن الزواج يُعتبر العامل الأساسي في زيادة نسبة الشباب مستقبلاً، كونه الطريقة الوحيدة للإنجاب في بلدٍ كسوريا، فإن تراجع معدلاته سيؤدي لتراجع معدلات إنجاب الأطفال/ شباب المستقبل.
وعن سبب عزوفه عن الزواج يحدثنا الشاب أسعد (38 عاماً) الموظف في شركةٍ للشحن والحوالات: “بات الأمر مستحيلاً، ويحتاج لملايين الليرات، بين تجهيزات منزل الزوجية وتكاليف العرس والمصاغ الذهبي. وإذا ما تم الزواج فسأعجز عن بناء أسرة في ظل هذا الظروف الاقتصادية المتردية، إذ كيف سأنجب طفلاً ودخلي المتدني لن يكفيه ثمن الحليب والحفاضات؟”. ويضيف”: إذا ما فكرت يوماً في الزواج فلن يكون في هذه البلاد التي سيتحول فيها إلى عبءٍ ثقيلٍ، في ظل فقدان الشعور بالاستقرار والراحة النفسية، وغياب أي مستقبلٍ واضح أو أملٍ بأي فرج قريب”.
يعيش أسعد مع الفتاة التي يحبها في شقةٍ صغيرة، يتقاسمان دفع إيجارها إلى جانب متطلبات المعيشة، حالهما كحال كثير من الشباب الذين لجؤوا لخيار المُساكنة كحلٍ بديلٍ عن الزواج الذي لا يستطيعون إليه سبيلاً.
وإلى جانب العزوف عن الزواج ازدادت معدلات ارتفاع سن الزواج بشكل كبير، حتى ضمن المجتمعات التقليدية التي كان شبابها يتزوجون في أعمارٍ مبكرة، وهو ما سيقلل فرص المتزوجين في الإنجاب، خاصة النساء اللواتي ستتراجع معدلات خصوبتهن مع التقدم في العمر.
“كنت أحلم بإنجاب ثلاثة أطفال، لكن حلمي بات يقتصر على إنجاب طفلٍ واحدٍ، بعد أن تجاوزت سن الأربعين. في عام 2013 كنت في علاقةٍ عاطفيةٍ مع شابٍ سافر إلى أوروبا على أمل أن ألحق به لنتزوج هناك ونُشكل عائلة. انتظرته ثلاث سنوات، لكن الظروف حالت دون أن نلتقي مرة أخرى فافترقنا”. هذا ما تقوله المُدرسة رحاب (41 عاماً) التي تزوجت قبل نحو عام برجلٍ لا تربطها به أية علاقة عاطفية، لكنه كان خيارها الوحيد لكي تنجب طفلاً قبل أن يفوتها قطار الأمومة. رحاب التي ستضع جنينها بعد أربعة أشهر، تعاني ظروف حملٍ صعبة ومتعبة، وإن ولِدَ جنينها بخيرٍ فلن تفكر بالحمل مرة أخرى لأنه سيشكل مخاطر كبيرة على صحتها وسلامة الجنين.
تراجع معدرلات الإنجاب
رغم مرور ثماني سنواتٍ على زواج الفنان التشكيلي حازم (37 عاماً) لم يفكر وزوجته حتى اليوم في إنجاب طفل. ويوضح سبب ذلك بقوله:” تزوجنا خلال الحرب، فكان الخطر والخوف من الموت يتربصان بنا في كل مكانٍ وزمان، ويجعلان خيار مغادرة البلاد يراودنا كل يوم، وهو ما منعنا من إنجاب طفلٍ قد تكون حياته مهددة في أي لحظة، وتنعدم فيها أبسط مقومات الرفاهية والصحة النفسية والشعور بالأمان”. ويضيف حازم:” اليوم، ورغم زوال خطر الحرب، يبقى خيار الإنجاب مستبعداً في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تجعلنا عاجزين عن تأمين حياةٍ مناسبة ومستقبل جيدٍ لطفلنا. وإذا ما فكرنا في الإنجاب فيما بعد فسنكتفي بطفلٍ واحدٍ فقط”.
أسباب مشابهة تجعل الموظفة نورا (34 عاماً ) تعزف عن إنجاب الأطفال. تحدثنا عن بعضها: “رؤية الأطفال المتسولين والمشردين في الشوارع تؤلمني فأشعر بالذنب إذا ما فكرت في إنجاب طفلٍ إلى هذه الحياة، ليعيش منذ أيامه الأولى في ظل الفقر والحرمان والأذى النفسي، ولتقتصر أحلامه على الحصول على أبسط حقوقه الطبيعية التي يحتاجها أي إنسان”. وتضيف نورا المتزوجة منذ نحو أربع سنوات: “الضغوطات النفسية والمعاناة التي نعيشها يومياً تجعلني غير مهيئة جسدياً ونفسياً لكي أكون أماً. أعمل أنا وزوجي لنحو تسع ساعات يومياً لنتمكن من توفير قوت يومنا، وإذا ما أنجبنا طفلاً فلن يكون باستطاعتي حتى أن أحصل على إجازة أمومة”. ونتيجة لذلك يؤجل الزوجان فكرة الإنجاب إلى ما بعد سفرهما المنتظر إلى خارج البلاد.
ربما يلخص كلام حازم ونورا واقع حال آلاف الأزواج الذين عدلوا عن فكرة إنجاب الأطفال نتيجة ظروف الحرب التي غيَّرت عادات الإنجاب لدى مختلف طبقات المجتمع، إذ تشير بعض الاحصائيات إلى تراجع معدلات الولادات من 38،8 بالألف، في عام 2010، إلى 25،4 بالألف عام 2019، فيما تراجعت معدلات الخصوبة عند النساء المقيمات داخل سوريا إلى 60% ، فبحسب دراسة نشرتها صحيفة قاسيون السورية المحلية منتصف عام 2019، فإن نسبة إنجاب الأطفال عام 2010 كانت بمعدل 17 طفل لكل 100 امرأة في عمر الخصوبة، خلال العام الواحد، فيما تراجعت تلك النسبة لتصل إلى 6،6 طفل لكل 100 امرأة، وبالتالي فقد خسرت كل 100 امرأة أكثر من عشرة أطفال، كان من الممكن إنجابهم فيما لو بقي معدل الإنجاب كما كان قبل الحرب.
وإلى جانب ما سبق أسهم ارتفاع معدلات الطلاق خلال الحرب في تراجع معدلات الولادة، فبحسب صحيفة الوطن السورية المحلية، وصلت نسبة الطلاق عام 2017 إلى 31%، فيما سجلت المحكمة الشرعية في دمشق عام 2015 نحو 7028 حالة طلاق، مقابل تسجيل 5318 حالة في عام 2010. وتعود أسباب الطلاق لغياب كثيرٍ من الأزواج عن بيوتهم خلال الحرب لفترات طويلة – نتيجة انخراطهم في المعارك القتالية، أو فقدانهم وعدم معرفة مصيرهم- وتشتت كثير من العائلات والأسر السورية خلال ظروف النزوح، بالإضافة لتدهور الواقع المعيشي الذي جعل بعض الأزواج غير قادرين على إعالة أُسرهم أو تأمين المسكن المستقل، الذي يعتبر من أهم أركان الاستقرار الزوجي، هذا إلى جانب هجرة العديد من الأزواج دون زوجاتهم، وعدول بعضهم عن فكرة لم الشمل بعد مرور سنوات على سفرهم.
ما ذُكر أعلاه قد يجعل سوريا مستقبلاً بلداً للعجائز، ويُضعف إمكانية تعويض النقص الحاصل في نسبة الشباب والفئات العمرية الصغيرة، ليصبح عدد من يحتاجون للإعالة يفوق عدد المعيلين المنتجين، كما سيؤدي إلى تراجع معدلات النمو السكاني في البلاد التي ستحتاج مستقبلاً لطاقات شبابها وأفكارهم ومشاريعهم أكثر من أي وقت مضى.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...