تدريباتنا

أطفال ادلب يحلمون بالبسكويت…في أيديهم

by | Jan 28, 2022

بيدين ترتجفان من البرد القارس وكنزة بالية وحذاء مهترئ، يتجول الفتى عامر (11عاما) في شوارع مدينة الدانا المزدحمة، ليبيع أكياس المحارم للمارة، سعياً منه للحصول على ثمن لقمة العيش له وأسرته، بسبب الظروف المعيشية المتردية التي دفعته ومئات الأطفال للنزول إلى الشوارع والأسواق والأماكن التي تشهد إزدحاماً، بحثاً منهم عن فرصة عمل في هذا المجال، لسد رمقهم وتأمين لقمة عيشهم وذويهم.
بعد مقتل والده منذ خمسة أعوام، بقصف جوي على مدينة حلب، يعيش عامر مع أمه وأخواه الصغيران في قرية الحنان النموذجية للاجئين بريف مدينة الدانا شمال إدلب، ظروفاً إنسانية صعبة، لايجدون في كثير من الأوقات ما يسد رمقهم ولقمة عيشهم، ما دفعه مؤخراً للنزول إلى الشارع والعمل في بيع المحارم والبسكويت للمارة و وسط الأماكن المزدحمة في مدينة الدانا، وعرضها على المارة ويطرق نوافذ السيارات بهدوء مطالباً أصحابها بطريقة الإستعطاف شراء علبة محارم، كل ذلك مقابل كسب المال، وسد جزءً من متطلبات أسرته اليومية.

ديسك
يقول عامر، إن “والدته ذات الـ 31 عاماً، لم تعد قادرة على العمل، بعد إصابتها بمرض الديسك في الظهر نتيجة العمل المجهد في تنظيف البيوت تارة، وتارة أخرى في تخريط أوراق الملوخية والنعناع بالأجرة لأحد الباعة في فصل الصيف وجلوسها الطويل أثناء العمل، ليجد نفسه في النهاية، وصياً على العائلة، وتتطلب منه توفير المال لسد حاجة عائلته من غذاء ودواء ومستلزمات حياتية أخرى”.
ويضيف، أنه إستطاع “كثب ثقة أحد أصحاب محلات بيع الجملة”، ويحصل منه يومياً في الصباح على طرد من أكياس المحارم وكرتونة بسكويت، ويمضي بعد ذلك متجولاً في الأسواق والطرق المزدحمة لبيعها للمارة وأصحاب المحال التجارية وسائقي السيارات في مدينة الدانا. وفي نهاية اليوم يذهب إلى صاحب محل الجملة بعد بيع ما أخذه من أشياء صباحاً، لسداد ثمنها، محتفظاً بالأرباح وتصل تقريباً إلى 20 ليرة تركية يومياً، ويعود بعد ذلك إلى المنزل وتقديم ما كسبه من نقود لأمه لإعانتها على سد حاجة أسرتها اليومية من طعام وشراب”.
وأضاف، أنه “أثناء تجواله لبيع المحارم والبسكويت في الشوارع والأسواق يشاهد الأطفال من عمره وهم في طريقهم إلى المدارس، وفي نفسه رغبة بمتابعة التعليم، إلا أن ظروف عائلته الصعبة وفقرها، لا تسمح له بذلك”. ولفت، أنه “فضل العمل في البرد والصقيع، على أن يتسول المارة من أجل كسب النقود، وأنه يتعرض في كثير من الأحيان للتهكم والطرد من قبل البعض والصراخ عليه، إلا أن ذلك لا يثنيه عن متابعة البيع”.

تسول بغطاء البيع
يخرج من المخيمات العشوائية المحيطة بمدينة سرمدا كل صباح، عشرات الأطفال، بقصد التسول، وكل منهم يحمل كرتونة صغيرة من البسكويت ذو الجودة الرديئة، ويجوبون الشوارع ويحاولون إستعطاف المارة بإلحاح شديد، لشراء البسكويت. فالبعض يعطيهم النقود دون أن يأخذ البسكوتة، وأخرون يحاولون إبعادهم أو الصراخ عليهم، حتى أصبحت ظاهرة إجتماعية تنتشر في كل مدينة أو منطقة تشهد إزدحاماً سكانياً أو تجارياً أو صناعياً في شمال غربي سوريا، تسبب بها الفقر والغلاء وتراجع حجم المساعدات الإنسانية، وعدم توفر جهات إنسانية ترعى شؤون الأطفال، وتحافظ عليهم من الإنزلاق نحو مشاكل أخطر من التسول، بينما عدد من الأطفال يخرجون للتسول بدفع من الأهل لكسب المزيد من المال.
وقال أحمد (10 أعوام)، وهو نازح من ريف أدلب الشرقي في مخيم قريب من مدينة سرمدا، أنه “أبن عائلة مهجرة منذ 3 أعوام، في مخيم يفتقر لأبسط مقومات الحياة، بينما المساعدات الإنسانية التي تقدمها إحدى المنظمات الإنسانية شهرياً، وما يحصل الأب عليه من أجور عمله في معمل لتسوية الحديد، لا يكفيهم سوى بضعة أيام من الشهر، نظراً لعدد أفراد الأسرة (9) أشخاص وحاجتهم للغذاء الكثير يومياً، ما دفعه للنزول إلى الشارع والتسول تحت غطاء بيع البسكويت للمارة، وإن “ما يجنيه من التسول من نقود بحجة بيع البسكويت للناس يومياً، ساهم بتحسين الوضع المعيشي لعائلته”.
اما حسين (13عاما)، وهو نازح من ريف حماة الشرقي، فيقول: “بداخلي شعور بعدم الرضى بأن أكون متسولاً في الشوارع، ولكن هذه رغبة أبي وأمي، من أجل الحصول على المال يومياً من خلال تسول الناس، والعودة إلى المخيم بمبلغ يُمكن والدي من سد حاجة العائلة، وغالباً ما أعود بمبلغ يتراوح ما بين 20 إلى 30 ليرة تركية يومياً، بينما علبة البسكويت تبقى كاملة في كثير من الأيام”. ويضيف، “بالرغم من أنه صدمتني سيارة مجهولة قبل نحو 6 أشهر وكسرت قدمي ويدي، إلا أنه بعدها شفيت ودفعني والدي مجدداً للعودة إلى التسول”.

تزاحم الأطفال
عند دوار سرمدا والطرق المؤدية له، يترقب عشرات الأطفال السيارات المارة، وما أن تتوقف سيارة أو تبطء سيرها يتهافت عليها عدد من الأطفال، سعياً منهم إقناع السائق لشراء بسكوتة، وغالباً ما يكون سعرها أقل من نصف ليرة تركية، فالبعض يعطي ثمنها للطفل ليرة تركية، وأحياناً 5 ليرات، وهنا تصيب الطفل فرحة كبيرة لا توصف، وتشجعه على الإستمرار بالتسول تحت غطاء البيع، بينما بعض السائقين ما أن يتجمع الأطفال حول سياراتهم، يمضون مسرعين، وغالباً ما يتعرض بعض الأطفال لحوادث سير خطيرة.
ويرى الناشط سائر السيد علي في إدلب، أن “ظاهرة التسول من أخطر الظواهر التي تصيب الشعوب والمجتمعات، وغالباً ما تكون دوافعها الفقر والحاجة في تأمين أبسط المستلزمات المعيشية، وأيضاً دوافع اخرى لكسب المال بشكل وفير دون عناء أو جهد بالعمل، وهذا ما تشهده محافظة إدلب خلال الأونة الأخيرة، وإنتشار ظاهرة التسول بشكل كبير في الشوارع، ونسبتها الأكبر بين الفئات العمرية هم الأطفال ما دون العاشرة من العمر”.
ويضيف، “تكمن خطورة ظاهرة التسول للأطفال، في التخلي عن كرامتهم الإنسانية، منذ الصغر، فضلاً عن فقدانهم بشعور القيمة والأهمية كطفل من حقه التعلم والعيش بأمان من الفقر والعوز” ويأتي ذلك من خلال إتباع الأطفال أساليب في التسول غالباً ما تكون ملتوية وغير أخلاقية، من أشخاص لايحسنون التعامل مع هذه الظاهرة، فغالباً ما يكون الرد بالزجر أو الضرب والإبعاد بالقوة، مما يهدد ذلك حياة الأطفال المتسولين ومستقبلهم للخطر وانحرافهم أخلاقياً.
وقال الحقوقي أكرم جنيد، إن “الحرب خلفت أعداداً كبيرة من الأيتام، وشردت آلاف الأطفال، فضلاً عن إرتفاع نسبة الفقر، في ظل النزوح والتشرد، ما دفع بالأطفال للنزول إلى الشوارع والتسول”.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا