أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
إلياس مرقص مفكر وفيلسوف سوري معاصر، ويعدُّ من أبرز المفكرين اليساريين العرب. ومع أنه ماركسي شيوعي، إلا أن فلسفته اتسمت بطابع توفيقي جمع فيها بين، المادية والمثالية، إذ جعل من الفلسفة المثالية أو الهيجيلية مدخلاً ضرورياً للمادية أو الماركسية. لم تقف شخصية مرقص التوفيقية بين حدود المادية والمثالية، بل عدا ذلك إلى الجمع بين ثنائيات أخرى كالماركسية والقومية، والفلسفة والدين، وبين الوطنية والقومية، وبين الدولة والديمقراطية، ولا نبالغ إذ نقول بين الاشتراكية والبرجوازية.
إلياس مرقص من مواليد اللاذقية عام 1929، وقد توفي فيها عام 1991. وعاش في بيئة ثقافية، وقد حصل على الثانوية بقسميها العام والفلسفي، ثم درس البيداغوجيا في جامعة بروكسل الحرة، وعمل معظم حياته في تعليم الفلسفة.
تعرَّف مرقص إلى الحزب الشيوعي السوري منذ أن كان طالباً جامعياً ببلجيكا، وانضم إلى صفوفه، واستمر على ذلك حتى بعد عودته لسورية، لكنه طُرِدَ منه عام 1956 وذلك بسبب سلوكه ومواقفه الثورية، وانحيازه جهة الديمقراطية والانتخاب. ولم يدفعه هذا الأمر إلى محاربة التنظيمات السياسية، بل بالعكس كان يؤكد أهمية التجربة الحزبية في الحياة السياسية، وفي تغيير الواقع والدفع به إلى الأمام، ولهذا استمر بالتواصل مع الفعاليات الحزبية المختلفة، وضمن نقاشاته وفي كتاباته المتعددة وفي ترجماته للعديد من الكتب ذات الصلة بالحياة الفكرية والسياسية، حتى لقَّبه خالد بكداش بأنه المثقف الأول بالحزب الشيوعي السوري.
وقد أسهم مرقص في إنشاء مجلة الواقع الفصلية في بيروت، ومجلة الوحدة الشهرية في باريس، ويتم عادة التمييز بين مرحلتين اثنتين مرَّت بهما الكتابات الفكرية لمرقص، الأولى قضاها بالتأليف، وفيها ألَّف معظم أعماله الفكرية، والثانية تفرَّغ فيها للترجمة، ومعظم كتاباته وترجماته كانت تنصب على الفلسفة والفلسفة السياسية تحديداً.
كان لمرقص موقف فلسفي واضح حيال دور المذاهب والاتجاهات الفلسفية، ودورها في بناء المجتمعات والدول، وما يميِّز تجربته الفلسفية أنَّه ورغم كونه ماركسياً لم يفهم ماركس من دون هيجل، ولم يفهم ديموقريطس أو زينون الأيلي من دون أفلاطون، لم يُقِم العالم على قدميه بمعزل عن عقله، ثم نراه ينتقل من ذلك إلى ربط كل العلوم والفنون بالفلسفة، فحسب مرقص ” لا فكر ولا تفكير ولا علم ولا معرفة، ولا بحث ولا تنقيب، ولا خدمة لهذه الأمة بدون أفلاطون إيجابياً، بدون سقراط وأفلاطون وأرسطو وبارميندس وهيروقليط وفيثاغور وبدون هيجل وبدون كانط وهيوم وفشته … وبدون ماركس وإنجلز ولينين إيجابياً.” ( مرقص،1997، نقد العقلانية العربية، ص 489).
فالمثالية ليست في ذاتها عدواً للمادية، حتى بالنسبة للأديان. ومشكلتنا نحن كعرب ” لا تكمن في سيطرة الفكر الديني علينا كما يرى كثيرون، بل في عدم وجود فكر ديني حقيقي، لأن الفكر الديني من أهم ظواهر تاريخ أوربا وتاريخ الثقافة العربية أيضاً. والفلسفة الأوربية الحديثة لها مصدران: أفلاطون والمسيحية…” ( مرقص، 2013 حوارات غير منشورة، ص 16).
ولهذا ينتقد مرقص الماركسية الشوفينية لاستبعادها فكرة الله والدين، في حين أنه لا ماركس ولا إنجلز ولا لينين، قالوا أو طالبوا بهذا الاستبعاد، وقد لعب النبي محمد ومن بعده عمر بن الخطاب دوراً جوهرياً في توحيد العرب أو القبائل العربية، كما أن الإسلام ” لعب دوراً، فعل فعلاً مديداً، في إلغاء العبودية، أي في اضمحلال واختفاء أو انطفاء وانقراض الظاهرة .” (مرقص، نقد العقلانية العربية، ص851).
ولذا ركز مرقص على جدلية الفكري والموضوعي، الصوري والمادي، أو المثالي والواقعي، حتى لدى تحديده لمفهوم الأمة خلافاً لمفهومها عند ساطع الحصري والقوميين المثاليين، فالأمة لديه ” ليست جماعة أصلية نسلية طبيعية ولا أمة دينية، ولا هي الاثنان معاً. هي أمة لغة وإقليم (أرض) وإنتاج وثقافة وتاريخ ومصير ومواطنة. هي مجتمع واحد، دولة واحدة. هكذا مفهوم الشيء فكرته الواقعية، ليس واقعه الموجود، الأمم مختلفة من حيث اتفاقها مع النموذج الذي لا تتطابق معه أمة من الأمم من الناحية العرقية أو السلالية.” ( مرقص، نقد العقلانية العربية، ص 961). لهذا لا وجود مادي واقعي بدون وجود فكري أو نظري.
ومفهوم الأمة لديه مرتبط بمفهوم الوحدة، والوحدة تمثل قضية القضايا في فكر مرقص، فقد كان يرى أن ” لا طريق للتقدم والتحرر العربيين من دون تحقيقها وأن العرب لن يتقدموا ثانية في طريق الوحدة العربية ما لم تتمكن قوى الثورة العربية من إعادة بناء الوعي القومي على أسس إنسانية وعلمانية وديمقراطية وما لم تعِ أن السيرورة الوحدوية هي حركة الأمة وليست مقصورة على طبقة أو فئة أو حزب.” ( إلياس مرقص، حوارات، ص9).
والكلام عن الأمة والوحدة متصل بالحرية، والكلام عن الحرية عند مرقص غير ممكن ” بدون الكلام عن العقل والضرورة والقانون، عن المجتمع والدولة والفرد، عن الفَرق والهوية، عن الشغل والقيمة. لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون مفهوم الدولة، ولا يمكن الكلام عن الدولة الديمقراطية بدون الدولة الحقية (دولة الحق) أولاً وأساساً. لا يمكن الحديث عن الديمقراطية بدون الحديث عن التقدُّم وبدون عيش الناس، بدون خبزهم.” (مرقص، نقد العقلانية العربية، ص 845). وينتقد مرقص الفكر العربي الحديث لأنه ” لم يُعنَ بفكرة التقدم، بل تمسك بفكرة الثورة. (مرقص، حوارات ، ص 15). وشتان بين التقدم الذي يعني الانتقال والحركة نحو الأمام، وبين الثورة التي قد تكون خطوة في طريق التقدم، لكنها لا تنتهي بالضرورة إليه، إذ قد تنحرف أو تغيّر مسارها.
خاض مرقص معارك فكرية ضد الشيوعيين الذين لم يفهموا ماركس؛ لأنهم لم يقرأوه فشوهوا أفكاره، وخاض سجالاته ضد الماركسية الستالينية، وضد الدوغمائية وضد قطرية الماركسية وضد القومية المثالية المعادية للاشتراكية، وكتب كتاباً في نقد ساطع الحصري، وكان يرنو من وراء ذلك إلى صياغة ماركسية لينينية عربية، تجمع بين الاشتراكية والقومية معاً. واختلف مع المقاومة الفلسطينية، ليس بسبب أنه ضد تحرير فلسطين، بل لأنه كان يرى أن تحرير فلسطين يمر عبر الوحدة العربية والإرادة القومية العربية . لم يكن مرقص يعد نفسه قومياً عربياً، بل كان يرى أنه ماركسي ناصري، حيث يوافق جمال عبد الناصر بقوله: إن العرب أمة واحدة مؤلفة من شعوب عدة، ولا يوافق الأفكار القومية [ الحصرية] التي ترى أن الدول العربية مجرَّد كيانات مصطنعة لا بد أن تزول لقيام الوحدة العربية. (مرقص، حوارات، ص18).
ربط مرقص بين الوحدة والتعدد أو الاختلاف، وهذا الموقف يعدُّ من مآثر الفيلسوف السوري، فبينما تنكر الفلسفة والأيديولوجيا الماركسية التعدد، وتؤمن بما هو مشترك، نرى مرقص الماركسي السوري يخلق التعدد والكثير، وينثره في الواحد الفرد الصمد. والماركسية كما يرى مرقص لا تُنكر التعدد من حيث الأصل، لكن ” الماركسيون فيما بعد ذهبوا نحو الأقنمة [ من أقنوم ]، استغرقوا الاختلاف في الطبقات … فـ الحزب فـ القائد والرمز ودولة الأجهزة. الدولة انتصرت على المجتمع، السياسة على الاقتصاد، الفكر على الوجود وفي الحاصل كان المنتصر أكبر المهزومين.” ( مرقص، نقد العقلانية العربية، ص59).
من هنا نرى حضور فلسفة الاختلاف والفردية لدى مرقص، ولعل الفضل يعود إليه باستخدامه لأول مرة في مجتمعاتنا مصطلح المجتمع المدني بمفهومه الكلاسيكي الهيغلي، وهو ما يعني المجتمع البرجوازي، أو إن شئت فقل المجتمع الحر الديمقراطي. وهذا مما أضافه مرقص للوعي الماركسي الشيوعي، لأنه لم تكن لديه تلك الحساسية التاريخية حيال البرجوازية، ومع كونه اشتراكياً فإن اشتراكيته لم تتحول كما تحولت اشتراكية الأحزاب العربية الستالينية، إلى اشتراكية كليَّانية، بل كان مرقص يربط مفهومي الوطن والأمة بالديمقراطية حسب الفهم البرجوازي، فلا وطنية من دون حرية، ولا حرية من دون حقوق إنسانية أولاً، واقتصادية وسياسية وأضف ما شئت من الحقوق ثانياً. يقول مرقص بهذا الصدد: ” ولأن لا أمة بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية بدون مجتمع مدني حر، من دون حقوق الإنسان أولاً، قبل وفوق حقوق المواطن، المواطن إنسان أولاً، المواطن مواطن المدينة أو المجتمع أولا ثم وبالتالي مواطن الدولة والسياسة.” (مرقص، نقد العقلانية العربية، ص862).
من هنا نلاحظ أن مرقص كان يقيم فلسفته في الدولة على أساس مادي من جهة؛ لأنه أعطى للحقوق الإنسانية التي هي طبيعية ومادية أولوية على الحقوق السياسية، وعلى أساس مثالي من جهة أخرى؛ لأنه كان يطمح لإقامة دولة الحق الواجبة لا الموجودة على أرض الواقع، فكان فيلسوف المثال والواقع السوري بلا منازع.
*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ“
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...