قبرص: لا مزيد من اللاجئين السوريين!

“قبرص لم تعد مجرد وجهة عبور، بل تحوّلت إلى نقطة ضغط رئيسية على خط النار بين القانون والواقع.”

تدريباتنا

الإعلام الاجتماعي والتحريض على القتل الطائفي

by | Apr 27, 2025

لا يختلف اثنان حول دور الإعلام سواء في السلم أو في الحرب، ومدى استخدامه في تأجيج الصراعات والنزاعات وتغطية الحروب والأحداث المصيرية للشعوب. تتراوح شدة تأثيره من مكان لآخر وتعتمد على قدرة العاملين فيه والتزامهم بالمهنية ويتأثر ذلك بعوامل كثيرة كطبيعة الصراع القائم من جهة ودعم الأطراف المتصارعة من قوى عالمية قد تكون متحكمة بوسائل التأثير الالكترونية من جهة أخرى. ولهذا تم دوماً استهداف الصحافيين في الحروب وكلنا يتذكر الصحافيين الفلسطينيين الذين قضوا بالقصف مرة تلو أخرى في حرب غزة حيث قتل أكثر من 183 صحفياً في عام واحد بعضهم أثناء عمله وبعضهم مع عائلاتهم.

  كما تم تعديل خوارزميات الإنستغرام بعد حرب غزة لتشديد الرقابة على المنشورات التي تتحدث عن إبادة الفلسطينيين/ات، وهذا ما فعلته شركة “ميتا” في الفيس بوك إذ قامت بمحاصرة وصول الصوت الفلسطيني وتقديم الحرب للعالم على أنها حرب عادلة لتحرير المختطفين اليهود.

غياب الإعلام في سوريا

منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول تم إغلاق القنوات التلفزيونية والإذاعات الرسمية والخاصة مما ترك فراغاً واضحاً وجعل الناس تسعى للوصول إلى الخبر عبر مصادر  تنوعت بين الوكالات الخارجية، مع قلة مراسليها في الأنحاء السورية، أو شبكة  العلاقات الاجتماعية الخاصة أو وسائل التواصل الاجتماعي، أي تحت تأثير ما يسمى بالإعلام المجتمعي والتي تظهر في حالات مماثلة عبر جماعات مؤثرة (صفحات عامة) مع الانتباه أنها من أطراف مختلفة المواقف ومتنوعة الاتجاهات ولهذا قد تكون مضللة وليست مهنية سواء من حيث التحيز أو لأن بعضها خارج البلاد يفتقر إلى الدقة في نقل المعلومة، أو عبر أشخاص مهتمين ومعروفين يحظون بمتابعين كثر سواء كانوا موثوقين أو لا، كصفحات بعض الاعلاميين السابقين أو الجدد، دون الانتباه إلى المهنية التي كانت تتأرجح على الدوام بكل ما تحمل من مخاطر. ظهر ذلك واضحاً بالنظر إلى مواقف وردود أفعال الناس التي وقعت تحت ضغط التجييش والضخ الطائفي الضمني أو العلني في وقت تم تداول الدعاية للمظلومية بالتبادل مرة تلو أخرى بين مكونات المجتمع السوري وطوائفه. وتم التحريض عبر رجال الدين على المنابر غير مرة للتعبئة الطائفية.

 لا نستطيع إنكار دور هذه الوسائل في التلاعب بالرأي العام والخاص والتأثير على شرائح المجتمع عبر البث المتواصل للمعلومة دون أي تدقيق أو إثبات، وكحالات انفعالية بعيدة عن المهنية والمسؤولية تستجر ردود أفعال متوالية.

لم يدرك أي من هؤلاء الذين يمارسون الصحافة المجتمعية خطورة الكلمة في الواقع السوري المنقسم منذ عشرات السنين على يد نظام الأسد الذي زرع الطائفية وسقاها ليحفظ استمراره على مبدأ فرق تسد ومنذ 2011 عمد على زرع الخوف من الآخر محولاً الحراك من سياسي إلى طائفي.

فكانت مقاطع الفيديو الكثيرة تنتشر على السوشال ميديا دون توقف حاملة خطاب العنف ومثيرة زوابع الرعب والحقن الطائفي خاصة بعد مواجهات الساحل وما اعقبها من مجازر انتقامية.  كانت عدة فيديوهات مليئة بالدم والعنف والحقد الطائفي إذ لم يتورع مرتكبو المجازر عن التصوير باستخفاف بالمشاعر الإنسانية.

تجارب مماثلة  

بالعودة إلى تجارب شعوب مماثلة للواقع السوري تحضر فوراً تجربة رواندا إلى الذهن إذ كان لوسائل الإعلام أثر مهم وكبير في التحريض على الإبادة الجماعية حسب قول الصحافي آلان ميلي الذي عاصر ذلك في حديثه عن أثر الإعلام فيما حدث هناك. ويقول أحد مرتكبي الإبادة معترفاً: “تحولتُ إلى إنسان متوحش من الدعاية التي كنا نسمعها في الإذاعة. كنا نقتل بحماسة وجنون كأننا نقتل الصراصير أو الثعابين”. نسب لهذه الإذاعة الدور الكبير في التحريض على أعمال العنف والقتل إذ ذكر انها كانت تسوق للإبادة بأقوال مثل: (هؤلاء القوم قذرون، أو علينا أن نبيدهم–يجب التخلص منهم–هؤلاء الصراصير متى سيرحلون؟ وشاعت في الإذاعة أغنية كلماتها: علينا ان نبيد الصراصير، لو أبدناهم سنكون المنتصرين). لقد حول الإعلام الكلمة إلى سكين أو منجل وهي الأدوات التي كانت تقتل الناس بوحشية ودون رحمة. 

وحين بدأت المفاوضات لم يتم تغطيتها وإيصال أخبار تقدمها للناس، بل تم التعتيم عليها مما ترك أعمال العنف والكراهية مستمرة أثناء ذلك. بعض الصحف كانت تنشر صور لأحد أطراف الصراع على هيئة ثعابين. إن نزع الصفة الإنسانية عن الطرف الآخر يسهل تقبل فكرة القيام بقتله إذ يستبعد الإثم جراء القتل في اللاشعور لدى الفرد، بل يبرر عملية القتل على أنها فعل مقدس. 

قامت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار حكم على أربعة وثلاثين شخصاً لتورطهم في الإبادة الجماعية والمثير في ذلك أن بينهم صحفيين هما حسن نجيزي من جريدة كانجورا وهو أول من وصف التوتسي بالصراصير. والثاني فرديناند ناهيمانا، مذيع في راديو وتلفزيون التلال الألف الحرة (RTLM) والذي قام بالتحريض علناً على القتل.

وأمام الدور السلبي لهذا الإعلام قامت منظمة مراسلون بلا حدود وبمساعدة الأمم المتحدة وحكومة سويسرا بإنشاء راديو أجاتاشيا بهدف مساعدة الروانديين لتلقي المعلومات الصحيحة ومواجهة الدعاية التي تبثها إذاعة RTLM   لتعميق الصراع وبث الكراهية، وهي المحاولة الدولية الأولى لتحييد وسائل الإعلام الذي بدأ بعد ذلك بأخذ دوره النبيل لنشر ثقافة السلام والحوار وقبول الآخر بتعزيز النقاط المشتركة بين السكان على اختلافهم وبث قصص التعايش الإيجابية والتأكيد على التنوع والحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة.

الحاجة الملحة للإعلام الرسمي والمستقل الحر

لا يعاني السوريون\ات فقط من فقدان الثقة في نقل الخبر ومزاجية الأشخاص الذين ينقلونه حسب خلفيتهم السياسية والطائفية وغيرها من الانتماءات التي فرضت وجودها بعد سنوات الأزمة السورية وعمل السلطة البائدة بضخ الأحقاد والخوف من الآخر، بل أيضاً من كثرة الإشاعات حتى فقدان التمييز بين الحقيقة والوهم ومن لغة الخطاب التي تعمق الشرخ الاجتماعي بين الناس دون أن تمتلك مشروعاً داعماً للمرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد كالمطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية عبر السلطات. فهي لا تتورع عن العنف اللفظي بوسم طائفة أو مجموعة بألفاظ مهينة، بينما تحفل صفحات المثقفين على الإنترنت بالشجار وتبادل التهم، والغرق في الخلافات والانجرار لسلطة اللحظة سواء الفرح بسقوط النظام أو الانتقام الشخصي لمعاناة طويلة جراء ما كرسه النظام من قمع واضطهاد، إذ راجت الحالة الانتقامية خلال الفترة الماضية وراجت عبارة (وين كنتو من 14 سنة؟). واللافت للانتباه هو عدم دقة هذه الادعاءات فمثلاُ هناك من قال هذه العبارة لرغيد الططري الذي قضى 42 عاما في سجون الأسد. يسود عدم التبصر بتحديد العدو وهذا كان واضحاً حين استهدف الانتقام في الساحل بسبب الانتماء الطائفي عدداً من معارضي الأسد الأب والابن والذين قضوا زهرة أعمارهم في السجون الأسدية. 

ساهم الإعلام المجتمعي عدم المسؤولية في حمل الأمانة المهنية بتشكيل الدافع لدى الكثيرين وظهور حالة الاندفاع والهياج. وعلى سبيل المثال استخدم هكذا إعلام العنف اللفظي الذي تجلى بإطلاق الأحكام على فئة كاملة ووصفها بالحيوانات (الخنازير) وذلك لتسهيل الإساءة لها وإسقاط صفة الإنسانية عنها، وبالتالي الحط من قدرها وتسهيل القتل والعنف بحقها، كما حدث حين أطلق النظام الساقط صفة الإرهابيين على كل من عارض الأسد.

هل سننتظر يوماً محاكمة هؤلاء الإعلاميين الذين يفتقرون للمسؤولية، وهل ننتظر إطلاق القنوات الرسمية للإعلام والسماح للمحطات الخاصة البدء بالنشاط خاصة تلك التي لها تاريخ في الذاكرة الشعبية السورية ويمكن أن تكون جامعا للشعب ومهدئاً فهي على الأقل كانت دوماً قادرة على أن تجمع السوريين على روتين الحياة اليومية كفيروز الصباح.

لا يقل عن أهمية إطلاق الإعلام الرسمي أهمية الإعلام المستقل الحر والذي ينتظر منه العمل على تكوين الوعي المجتمعي القادر على تحرير الفرد من تأثير الدعاية والضخ المستمر للضغينة والتحريض، وذلك بتكوين وعي ذاتي مسؤول يضع المصلحة الوطنية أولاً ويؤسس لثقافة الحوار واللاعنف حتى لا نكون تلاميذَ للنظام الساقط في إدارة الراهن.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

الحرية، التحرير، وثقافة الاستبداد في سوريا

الحرية، التحرير، وثقافة الاستبداد في سوريا

حين نتأمّل المشهد السوري بعد عدّة شهورٍ من التحرير، ألا يبدو واضِحاً أنّ الاستبدادَ مُنتَجٌ محلّي الصنع، و ليسَ بحاجةٍ إلى داعمينَ عرب أو أجانب؟ لقد كبّرناهُ كلّ شبرٍ بندرٍ، إلى أن تعملَقَ و التهمَنا، هل تراه صنيعة نصف قرنٍ من الديكتاتورية التي جثمت على الصدور...

أربع مقدّماتٍ لأربع حكايات

أربع مقدّماتٍ لأربع حكايات

عن  Ayrout's Listوالهويّة الجامعة نسمع من النّاجين في بانياس حكاياتٍ عن شيخٍ يشبه ليام نيسون، حلّ لغز عبور النّهر، مع ضبعٍ وذئبٍ وعلويّ. وعن نصف جيرةٍ أنقذت نصف طفلٍ وأعادته إلى أمّه، تُناغيه نصف مناغاةٍ، وتُرضعه...

قبرص: لا مزيد من اللاجئين السوريين!

“قبرص لم تعد مجرد وجهة عبور، بل تحوّلت إلى نقطة ضغط رئيسية على خط النار بين القانون والواقع.”

تدريباتنا