تدريباتنا

الحرير الطبيعي في دير ماما مهنة تسير باتجاه الاندثار

by | Feb 12, 2021

وصلت نيران الحرب في سوريا إلى كل شيء يتعلق بحياة السوريين، حتى الأمور التي تتعلق بالذاكرة الثقافية والتي كانت تحت مرمى الصراع الممتد من عام 2011.

تقع قرية ديرماما على السفوح الشرقية لسلسلة الجبال الساحلية السورية، وتتبع لمدينة مصياف في محافظة حماه، وتعتبر مركزاً أساسياً لتربية دودة القز وصناعة الحرير الطبيعي في سوريا.

خلال التسعينات وصل إنتاج ديرماما إلى 11 طناً من الشرانق التي تستخدم بصناعة الحرير وبقي الوضع على حاله حتى 2011، أما إنتاج الحرير في سوريا فقد وصل إلى  3.1 طن عام 2010. لكن هذه المهنة التي كانت تعود بمردود اقتصادي على فئة من السوريين، أصبحت ضحية الأوضاع في البلاد، حيث تراجع الاهتمام فيها وعانت الكثير من الصعوبات.

“أولادي يقولون لي ما فائدة هذا المتحف؟ لو وضعنا فيه ماعزاً وشربنا من حليبها، أليس أفضل من ذلك”، هذا ما يقوله صاحب متحف الحرير الطبيعي في ديرماما، محمد سعود، وأحد مربي دودة القز فيها. يؤكد سعود أن مهنة تربية دودة القز الموجودة في القرية منذ مئات السنين باتت مهددة بالانقراض، إذ لا يعمل فيها سوى ثلاث أو أربع عائلات.

وتبدأ عملية تربية دودة القز بـ “البذرة”، ثم تفقس البيوض وتعطي الدود الذي يتغذى على ورق التوت، وعندما يكتمل نموها تتوقف الدودة عن الأكل وتبدأ بنسج غلاف خارجي وتعرف بهذه المرحلة باسم “الشرنقة” ثم تتحول إلى فراشة، لتبدأ مرحلة إنتاج الخيوط التي تستخدم في الحصول على منتجات الحرير (شالات وثياب بأنواعها المختلفة).

ويوضح سعود الذي حول جزءاً من منزله إلى متحف للحرير، أن المهنة تواجه صعوبات عديدة بدءاً من قلة العائد المادي ورداءة البذور التي تنتج منها البيوض.

قبل الحرب كانت تصل بذور دودة القز إلى سوريا من فرنسا وإيطاليا واليابان والصين، ثم انقطعت البذور ما أدى إلى توقف العمل بهذه المهنة لخمس سنوات. بعد ذلك عاد العمل بتربية دودة القز، حيث اعتمد الأهالي على بذور محلية مصنعة بمنطقة وادي قنديل في اللاذقية، لكن الأهالي يصفونها بالرديئة. وتنتج البذار المستوردة خمسة وخمسين كيلو من الشرانق، بينما تعطي المحلية خمسة عشر كيلو فقط، كما أن الخيوط الناتجة عنها غير سليمة أو جيدة.

ويشير سعود الحاصل على شهادة شيخ كار حرفة الحرير (من اتحاد الحرفييّن السورييّن)، إلى أن صعوبات المهنة تشمل أيضاً تراجع عدد أشجار التوت في القرية التي تتغذى عليها الدودة، وعدم وجود نشاطات لتسويق منتجات الحرير وغياب أي دعم.

ولكن لماذا هذه الإصرار على الاستمرار في هذه المهنة؟، يقول محمد سعود: “لو لم أكن أحب هذه المهنة وأعمل فيها من خمسين سنة لما حافظت عليها”.

في آخر نسختين من معرض دمشق الدولي حمل الأهالي منتجاتهم من الحرير الطبيعي، لعلهم يجدون سوقاً لتصريفها وبيعها، لكن ذلك لم يتحقق بسبب ضعف الإقبال. وكان مربو دودة القز يعتمدون سابقاً على السياح القادمين إلى سوريا من مختلف دول العالم، قبل أن يتوقف النشاط السياحي في البلاد قبل سنوات عديدة.

يناشد الأهالي منذ سنوات الحكومة السورية والمنظمات الدولية المعنية بالتراث الثقافي، بضرورة الاهتمام بمهنة دودة القز والحرير الطبيعي. ويطالب الأهالي بالعمل على توفير بذار بجودة عالية وإقامة أنشطة لتسويق منتجاتهم، لكي لا تصل مهنة الحرير الطبيعي إلى مرحلة الاندثار ويترحموا عليها، لكن هذه المطالبات لم تجد أي آذانٍ صاغية حتى يومنا هذا.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا