تدريباتنا

الحزن يكوي قلوب امهات ادلب

by | Mar 22, 2022

“عيدي الحقيقي حين يعود ولدي من ظلام سجنه سالماً، وتراه عيناي قبل أن أموت”. بهذه الكلمات عبرت عائشة القصاص (46 عاماً) من مدينة معرة مصرين عن حزنها في عيد الأم بسبب بعد ولدها عنها، والمجهول الذي يكتنف مصيره، وتضيف: “كان ولدي في طريقه إلى جامعة حلب العام 2018 حين تم اعتقاله من قبل أحد الحواجز الأمنية، ومنذ ذلك الوقت لا أعرف مكانه أو مصيره أو الحال التي آل إليها، إن كان حياً أو ميتاً، فكيف للفرح أن يعرف طريقاً إلى قلبي!”
وتشير الأم أنها وقعت فريسة للهموم والأمراض بعد اعتقاله، فهو لا يغيب عن ذهنها لحظة واحدة، وتضيف: “كان حنوناً وطيباً، يحتفي بي في هذه المناسبة، ويقدم لي الهدايا، ولكن ليته يعلم أن رؤيته هي أعظم هدية بالنسبة لي على الإطلاق .”
ويكتسب عيد الأم رمزية كبيرة لدى السوريين من خلال اجتماع العائلة حول الأم للاحتفاء بها، لكن الحزن يخيم على الكثير من الأمهات في إدلب شمال غربي سوريا بسبب بعدهن عن أبنائهن الذين غيبهم الموت أو الاعتقال أو اللجوء، فلا تكاد تخلو أسرة من أم ثكلى، ليصبح العيد بالنسبة للأمهات يوماً لتذكر الأبناء المبعدين والبكاء على فراقهم، والحنين والشوق لرؤيتهم .
سوسن حاج قدور(51 عاماً) من مدينة إدلب، تفتقد في عيد الأم أبناءها الذين أبعدهم عنها اللجوء. وعن معاناتها تقول: “بالرغم من أنني أم لأربعة أبناء، أعيش مع زوجي لوحدنا بعد أن تفرق أبناؤنا، فاثنان منهم يعملان في تركيا، وابنتي مع زوجها وأولادها في لبنان، وولدي الأصغر في ألمانيا، ولا يمكنني الاجتماع بهم ورؤيتهم إلا عبر الهاتف .”
وتشير حاج قدور أنها تنتظر هاتفاً من أولادها في عيد الأم، وتراه يحمل لها بعض الفرح والمواساة، لكنه بالتأكيد ليس كافياً مقارنة بلمة العائلة وفرحها في مثل هذا اليوم كما اعتادوا سابقاً .
جميع الأعياد من المنسيات لدى منى الدياب (49 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم قريب من الحدود السورية – التركية، بعد أن فقدت ولدها الأكبر في الحرب السورية، وتقضي عيد الأم بالبكاء والذكريات، ولا يسعها إلا الدعاء له بالرحمة، ولقلبها بالصبر والتحمل، وعن معاناتها تقول لصالون سوريا وهي تحتضن طفله الوحيد وتقبله باعتباره الذكرى التي تبعث في نفسها الصبر على فقدانه: ” كان ولدي في السوق الشعبي لمدينة معرة النعمان حين تعرض للقصف بالطيران الحربي عام 2019، فأصابت إحدى الشظايا ولدي وأودت بحياته”. وتؤكد أنها محرومة حتى من زيارة قبره، وتردف: “كنت أقضي عيد الأم بزيارة قبره، لكن النزوح يمنعني من ذلك اليوم”.
كذلك أفرزت الحرب جيلاً من الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم في الحرب، وحرموا من الحنان باكراً، يشتاقون إلى حضن الأم ودفئها، وفلا يجدون ملاذاً سوى الاحتفاظ بصورة لها، أو زيارة المقابر، ليستعيدوا الذكريات الجميلة وآهات القلوب.
رؤى العبسي (15 عاماً) من مدينة سرمين، تقضي يوم الأم مع أختها التي تصغرها بثلاثة أعوام بزيارة قبر أمهما، وتزيين قبرها بالورود والأزهار، وعن ذلك تقول: “لم يعد لعيد الأم مكاناً في هذا البلد الذي أنهكته الحرب .” وتضيف، وهي تغالب أوجاعها التي بدأت تظهر دموعاً على وجنتيها، ومستعيدة لحظات ستبقى في ذاكرتها: “فقدنا أمنا مع أخينا الصغير منذ ثلاث سنوات بإصابة حربية، وفقدنا معهما الحنان والسعادة في هذه الحياة .”
وتقبع الكثير من الأمهات في مخيمات النزوح، ليكون التحدي الأكبر لهن هو جمع شمل العائلة، بعد استبدال البيت بخيام متهالكة، يقاسين فيها كدر العيش والحرمان من أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة.
الطفلة نور البلاني (12سنوات) نازحة من مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي تقول بمناسبة عيد الأم: “كنت قبل النزوح أقوم مع أخوتي الخمسة بتزيين المنزل وإعداد الحلوى احتفالاً بعيد الأم، لذا نشتاق لتلك الذكريات الجميلة ونحن نعيش في هذه الخيمة الباردة”. وتضيف: “رغم النزوح والظروف المعيشية القاسية التي نعيشها، سأقدّم لأمي في عيد الأم وروداً، لا أملك المال لأشتريها ولكني سأقطفها من الحقل المجاور، وأقول لها كل عام وأنت بخير في عيدك .”
المرشدة الاجتماعية نور الكيالي(36 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث لـ “صالون سوريا” عن معاناة الأمهات السوريات بقولها: “يوم الأم الذي يحتفل به السوريون في 21 من شهر آذار من كل عام، هو مناسبة اجتماعية تجمع العائلة في أجواء حميمية، لكنه في ظل الحرب لم يعد مناسبة للفرح، لما عانته الأمهات وتعانيه من مصاعب وويلات وفقدان، حيث أصبح مجرد ذكرى وتمنيات بملاقاة الأبناء بعد فراق .وتبين الكيالي أن الكثير من الأمهات السوريات يعانين من الأحزان بسبب البعد عن أبنائهن المعتقلين أو المهجرين فلا تداوي جراحهن احتفالات ولا تخفف من آلامهن هدايا. وتلفت أن وسائل التواصل الاجتماعي غدت تؤدي دوراً في اختصار كثير من المناسبات الاجتماعية والدينية، وتقتصر على إرسال المعايدات والتهاني بطريقة إلكترونية خالية من المشاعر والعواطف .
وتشير الكيالي إلى ضرورة تقديم الدعم والرعاية لكافة الأمهات، وخاصة أمهات الضحايا والجرحى والمعتقلين كأقل واجب يمكن تقديمه، كما أن إرضاءها وطاعتها والامتثال لأوامرها وتقديرها، هي واجب الأبناء تجاهها، ومحاولة رد الجميل لها قدر الإمكان، وخاصة عندما تكبر في السن .
يطل العيد حزيناً على الكثير من الأمهات السوريات اللواتي يعشن تحت ركام هائل من الهموم والآلام والحسرات، يغالبن قهر البعد عن الأبناء والمنازل، وقسوة الحرب التي أطاحت بشباب سوريا وأفراح أهلها .

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا