أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
شق العود السوري طريقه نحو لائحة التراث الثقافي غير المادي الذي أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” عام 2022، وذلك لعذوبة صوته وصناعته اليدوية المتقنة الممتدة لعقود طويلة، ليلتحق بصناعة نفخ الزجاج كعنصر تراثي جديد. إلا أن تحديات صعبة تواجه حالياً صناع العود، بدءاً من تكاليفه وصولاً إلى تراجع حركة السياحة التي انعكست سلباً على ازدهار هذه الصناعة، بعد أن كانت تعتمد بجزء يسير منها على السياح ما قبل اندلاع الحرب السورية.
التحديات والعراقيل
بمساحة لا تتجاوز المترين تتسع لشخصين فقط، اضطر صانع العود أنطون طويل الانتقال مرغماً إلى محله الضيق بعد أن كان يشغل مساحة كبيرة في سوق التكية السليمانية، الذي احتضن أكثر من 60 حرفياً من حرفيي العود والزجاج المنفوخ والسيف الدمشقي والخط والحلي والأزياء الفلكورية لمدة 52 عاماً بمساحة تصل إلى 11 ألف متر مربع منذ عام 1972. حالة أنطون طويل ناجمة عن صدور قرار إزالة التكية عام 2022 التي كانت محلاتها بصيغة عقود إيجار لتتحول فيما بعد إلى عقود استثمار سياحية. يقول طويل عن تجربته: “ورثتُ صناعة العود عن أبي منذ قرابة ثلاثين عاماً حين كان موجوداً في التكية السليمانية التي كانت مجمعاً لحرفيي المهن اليدوية وملتقى لأقدم الملحنين السوريين.”
تسببت إزالة التكية السليمانية وترحيل الحرفيين منها بعد أن كانوا يشغلونها لأكثر من خمسين عاما، بأضرار معنوية كبيرة، لاسيما كونها تُعد نقطة استقطاب جذابة للسياح العرب والأجانب ولعموم السوريين الذين كانوا يقصدونها من مختلف المحافظات السورية. يضيف أنطون طويل: “أصبت بالإحباط والاكتئاب لمدة أربعة شهور، الانتقال من مكان كان يغص بالحرفيين ويعد معلماً سياحياً ضخماً في البلاد كنت قد اعتدت عليه لسنوات طويلة إلى مكان ضيق ليس بالأمر السهل على الإطلاق، شعرت بالخذلان، كان محلي يضم قرابة 300 عود، بينما هنا بالكاد يتسع لعشرة أعواد”.
بخسارة التكية السليمانية، خسر الحرفيون معها بوصلتهم السياحية الأولى ومصدر رزقهم الحيوي وشريانها النابض، إذ أحدثت عملية الانتقال الإجباري ضرراً مادياَ جسيماً، ليتحول من مكان له مريدون وعشاق لا يهدأ من الزحام ويشهد غلياناً واندفاعاً إلى الشراء، إلى مكان يعاني من أزمة شراء وضعف في منسوب الإنتاج. يشرح صانع العود الوضع أكثر: “تراجعت كثيراً وتيرة الإنتاج، وبالتالي حركة الشراء، هناك حيث الأعواد والمعدات تتسع في المحل، بينما هنا اضطررت إلى إيداعها عند أصدقائي في ورشات عملهم، ويصعب عليّ تشغيلها لغلاء الوقود بسبب استخدام المولدات في ظل انقطاع الكهرباء الدائم.” ويضيف: “كنا معروفين من قبل الأوربيين، حيث كنا نصدر لهم عشرات الأعواد شهرياً، لكن الأمر تغير بعد إزالة التكية، تم القضاء على الذاكرة التراثية”.
إلى جانب ذلك، يجد صانع العود أنطون نفسه أمام عائق جديد وهو أجور النقل عبر شركات الشحن الدولية في حال فكر بالتسويق عبر الإنترنت، ما انعكس سلباً على حركة البيع للخليج وأوروبا. ويوضح صعوبة هذا العائق: يكلف شحن ظرف صغير إلى ألمانيا حوالي 150 ألف ليرة سورية، ما بالك بالعود الذي يأخذ وزناً وحجماً، أحاول التركيز على الزبائن الذين يأتون إلى هنا في زيارة خاطفة، المشكلة الحقيقية تكمن في أجور الشحن”.
تعد ارتفاع أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعة العود السوري سبباً مباشراً في تضاعف ثمنه الذي وصل قرابة 700 ألف حسب مواصفاته، بينما كان يتراوح سعره قبل عام 2011 حوالي 5 آلاف ليرة سورية فقط. هذا الغلاء انعكس سلباً على كمية الإنتاج، ويشرح صانع العود أنطون طويل أكثر مصدر ارتفاع الأسعار: “غلاء مادة الخشب وهي أساسية في صناعة العود بالرغم من كونها محلية، إلى جانب الأوتار التي تعد من الأكسسوارات نستوردها من الصين التي تكون أيضاً مكلفة”.
ويُعتقد أن جذور صناعة العود تعود إلى فترة حكم الأكاديين في العراق. وتمر عملية تصنيع العود السوري بمراحل عديدة تصل إلى 41 مرحلة كي يخرج بهذه الصورة الجمالية المتقنة وشكله الشبيه بفاكهة الكمثرى. وعن هذه المراحل، يشرح طويل: “يتكون العود من صندوق خشبي، يِصنع من أنواع مختلفة من الخشب، أهمها شجر الجوز الذي يتميز بعمره الطويل ويمنح الصوت عذوبة خارقة، فسجل عام 1879 أول عود مصنوع من الجوز في سوريا، بعد شراء كميات كبيرة من الحطاب، نقطع الخشب ونقوم بتجسيمه وفق مقاسات متنوعة تصل إلى 15 قطعة لنجمعها سوية وتصبح على هيئة صندوق خشبي مفرغ، كما تم إدخال خشب الأرز على الوجه السطحي للعود، ليتم شد خمسة أوتار في مشط الآلة الذي كان قديماً يصنع من أحشاء الحيوانات وتحولت إلى مزيج من النحاس والنايلون.”
يستغرق أنطون زمناً يتراوح بين العشرة أيام لغاية الشهرين في صنع العود، وذلك حسب التفاصيل المراد الاشتغال عليها من حفر وتنزيل الصدف وتلبيس الموزاييك وإغراقه بالزينة، ويوضح ذلك: “لكل عود خصوصية، حسب طلب الزبون، هناك من يفضل البدء بالعود التركي الذي يختلف عن العربي فهو أصغر بالحجم وأخف وزناً ويسهل حمله، بينما هناك من يفضل العربي ويتفنن بالزخرفة عليه.”
إقبال على آلة العود لدى فئة الشباب
لاتزال آلة العود الموسيقية التراثية تلقى إقبالاً لدى فئة الشباب السوري رغم تطور الآلات الموسيقية الغربية ورواجها مؤخراً. تقول ألين (19 عاماً) وهي تحاول أن تفاصل والدتها على سعر العود: “انتظرت انتهاء امتحانات الجامعة للبدء بدورة تعليمية على آلة العود التي أطرب لسماع صوتها، اشتريت الآن عوداً جديداً بالرغم من ثمنه الباهظ، سحرت بصوته عندما سمعته للمرة الأولى أثناء حفلة سهر لوالدي وأصدقائه”.
لجأ عبد (30 عاماً) إلى أنطون لإصلاح الأوتار وشدها جيداً بعد أن أخذت بالارتخاء قليلاً، وقال لنا: أواظب على آلة العود التراثية منذ خمس سنوات تقريباً. اكتشفت صوت هذه الآلة مصادفة عند تدشين مطعم بدمشق القديمة وكان شقيق صديقي ضمن العازفين خلال الافتتاح.” ويُتابع حديثه: “العود متنفس جميل لي في ظل الضغوط الاجتماعية التي نعيشها، صوت الآلة جميل وعذب ينتشلك من الحاضر إلى بوابة الماضي وكأنك بزمن فريد الأطرش وعبد الحليم.”
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...