تدريباتنا

الـ “الفيس بوك”: العدو الوحيد للحكومة السورية…وأصل الأزمات

by | Apr 25, 2019

اتهمت وزارة النفط السورية موقعاً إخبارياً محلياً بإحداث أزمة البنزين الحالية التي تشل البلاد، علما أن الموقع الإخباري نشر عن الأزمة بعد حدوثها!

وابتداع عدو جديد يصرف انتباه المواطنين عن المشاكل الداخلية سياسة قديمة منذ عهود الممالك والإمارات القديمة، لكن أن يكون هذا العدو هو “الفيس بوك” فهذا ابتكار تعود حقوقه الفكرية لبعض المسؤولين الحكوميين.

وفي هذا الإطار يقول الشاعر طلال سليم ” وسائل التواصل الاجتماعي تخيف الجميع، وخصوصاً المقصرين والفاسدين، لأنها واسعة الانتشار وغير محددة بعدد قليل، هي مفتوحة على عالم فضائي مترامي الأطراف، لذلك يخشونها، ولو كانوا شرفاء لما همهم حتى لو كتب عنهم بالسوء كل كتاب الكون، اللصوص فقط هم يخافون من افتضاح أمرهم ومن تسليط الضوء على عيوبهم وتعريتهم، مما سيؤدي للمحاسبة ووصول يد العدالة لرقابهم.”

ويوافق الصحفي لؤي سلمان على ما ذهب إليه سليم بأن الكل يخاف من “الفيس بوك” لأنه “متابع ويكشف التجاوزات والأخطاء التي يقوم فيها بعض من المتنفذين” مشيراً إلى أنه أصبح قادراً على تشكيل “رأي جمعي ضدهم في الآونة الأخيرة، وهم لا يريدون أن تكون تجاوزاتهم وتقصيرهم على مرأى من السلطات العليا” بحسب قوله.

ويرى سلمان بأن “الفيس بوك” بات الوسيلة الوحيدة التي يستطيع أن يعبّر من خلالها الجمهور عن شكواه “لأن دور الصحف والإعلام غائب، وهم لا يقومون بهذه المهمة، حتى بات أغلب المسؤولين يقرؤون منشورات الفيس بوك بدلاً من متابعة الصحف” بحسب قوله، كما أن ضبط منشورات الصفحة الزرقاء غير ممكن مع وجود العديد من السوريين المنتشرين في العالم والذين يكتبون وينشرون عن الموضوع.

وتبرر المترجمة سلام عيد مهاجمة السلطات للـ”فيس بوك” بالخوف من الرأي المُخالف، وتقول “متلازمة الإنسان الأكبر هي خوفه من الرأي الذي لا يصبّ إيجاباً في رصيده، فكم قصة من التاريخ القديم وصلت لنا عن محاولات التعتيم على الرأي الآخر وقمعه، بشتى الطرق والدرجات. ويتفاوت نجاح التعتيم وأساليبه تبعاً لدرجة سلطة الجهة المعتّمة وإمكاناتها، ويتراوح من إحراق المخطوطات والكتب، إلى الاعتقال أو حتى الاغتيال، مروراً بتشويه السمعة وتوجيه الاتهامات”.

و تستدرك عيد بأن ذلك كان ممكناً إلى حد بعيد قبل الثورة الرقمية. أما اليوم “فلم يعد يكفي أن تغلق صحيفة أو دار نشر، أو أن تحرق كتاباً لا يروق لك، إذ لم يعد نشر المعلومة محصوراً في أشخاص أو جهات معينة، ناهيك عن سرعة انتشارها واستحالة إزالتها، وهذا ما يخيف” بحسب قولها.

من جهتها تعاضدت صفحات المؤسسات الحكومية على “الفيس بوك” لمواجهة “العدو”، فأخذت جميعها تتناقل الخبر الصادر عن الجهات الحكومية ذاته، وأضحت صفحة وزارة الكهرباء تنشر خبراً منقولاً عن صفحة وزارة الداخلية عن نفي حالة اختطاف أحد الأطفال في مدينة ما، وصفحة وزارة الأشغال العامة والإسكان تنشر تعليقاً عن عودة التيار الكهربائي إلى منطقة ما.

وأشار عدّة صحفيين يعملون في وسائل الإعلامية الرسمية وقد طلبوا عدم ذكر أسمائهم إلى أن التضييق وصل حداً لا يطاق، وقال أحدهم “نحن محاسبون اليوم على كل كلمة نقد سلبية نكتبها عبر صفحاتنا الشخصية”، فيما تمنى آخر أن تتغير الظروف نحو الأفضل.

الشاعر سليم لا يتوقع بأن هذا الأفضل سيحدث قريباً، فهو يعتقد بأن حرية صحفية لن تحدث إلا بعد التسوية السياسية في سوريا، أما الآن “فكل من ينتقد عمل الحكومة معرض للمساءلة فهي حكومة تجار تحاول أن تجني أكبر قدر من الثروات على حساب الشعب والوطن” بحسب قوله.

وعن إمكانية التضييق على الحريات العامة على “الفيس بوك” بشكل أكبر من قبل المسؤولين تعقب عيد “بلا أدنى شك، لكن لن يكون ذلك سهلاً أو حتّى ممكناً. أمّا المبررات، فلن يعدموها، وقد بدأت باتهام من يعانون معاناة لا تُطاق من نقص حاد في أساسيات الحياة، بالانجرار وراء الشائعات والتواطؤ مع الخارج مستسهلين إلقاء الاتهامات والتخوين، على أن يعترفوا بفشلهم في إدارة بلد أدمته الحرب، وفي مواجهة مرحلة مصيريّة جديدة بغير الخطب والتصريحات والاستعراض على فيسبوك ومشتقّاته فضلاً عن وسائل الإعلام الخاضعة لرقابتهم”.

وتعتقد عيد بأن المسؤولين بادروا إلى الهجوم كنوع من الدفاع لتجنب نقاش ما تصفه بـ”فشلهم الذريع في الإدارة”، مشيرة إلى أن هذا “تخوين معمّم غير مقبول لشرائح واسعة من الشعب، وهي محاولة للتعميّة على أزمات تفشّى بعضها وصرنا نرى أرتالاً وتجمّعات مخيفة من المواطنين في أقسى الظروف المناخيّة للحصول على حاجة جدّ أساسيّة”.

مواضيع ذات صلة

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

الواقعية النقدية لدى ياسين الحافظ

ياسين الحافظ كاتبٌ ومفكر سياسي سوري من الطراز الرفيع، يعدُّ من المؤسسين والمنظرين للتجربة الحزبية العربية. اشترك في العديد من الأحزاب القومية واليسارية، ويعدُّ الحافظ في طليعة المفكرين التقدميين في العالم العربي، اتسم فكره بالواقعية النقدية، تحت تأثير منشأه الجغرافي...

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

مواضيع أخرى

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

زكريا تامر بوصلة التمرد الساخرة

"أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدّقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير" بهذا التوصيف العاصف يلخص الكاتب السوري زكريا تامر (1931) تجربته...

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

هاني الراهب متلفعاً بالأخضر 

إحدى وثلاثون سنة من الغياب مضت على انطفاء فارس السرد "هاني الراهب" ومازالت نصوصه تتوهج وتمارس سطوتها وحضورها الآسر على أجيال أتت من بعده تتقرى معانيه وتتلمس خطاه رغم التعتيم والتغييب الذي مورس بحقه على مر الزمن الماضي ومحاصرته في لقمه عيشه بسبب من آرائه ومواقفه،...

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

افتحوا النوافذ كي يدخل هواء الحرية النقي

يصدمنا الإعلام الاجتماعيّ كل يوم بمقاطع فيديو وأخبار حول امتهان كرامة الإنسان في سورية عن طريق استفزازات لفظية وعنفٍ جسديّ يُمارَس ضد أشخاص تصنّفهم الآلة الإعلامية للمرحلة الانتقالية على أنهم من "فلول النظام“ السابق. ولقد سمعنا عن أشخاص تُقتحم بيوتهم...

تدريباتنا