تدريباتنا

اللصوص يسرقون الأسلحة الأمريكية في سوريا

by | Apr 12, 2023

(تحقيق أجراه الصحفي الأمريكي نيك تيرس لموقع إنترسيبت)

سرق لصوصٌ ما تبلغ قيمته مئات آلاف الدولارات من معدات المدفعية، و“أنظمة أسلحة غير معروفة“، وذخائر خاصة بأسلحة محددة مُرْسلة إلى القوات الأمريكية في سوريا والعراق، بحسب وثائق حصرية حصل عليها موقع إنترسيبت.
بقيت عمليات السرقة التي جرتْ في مواقع أمريكية بعيدة في المنطقة، أو أثناء النقل إليها دون حل. وشكّلت دليلاً جديداً على وجود مشكلة ملحة ساعدت قوات الأعداء من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وطالبان في أفغانستان على تسليح أنفسهم وحتى على قتل الأمريكيين وشركائهم الأجانب على حساب دافع الضرائب الأمريكي.

تُلْقي عمليات السرقة الضوء على حروب الظل الأمريكية في المنطقة، حيث قُتل مقاول أمريكي وجُرح ستة أمريكيين آخرون الأسبوع الماضي في هجوم نفذته طائرة مسيّرة انتحارية على قاعدة أمريكية في شمال شرق سوريا. كانت الغارة الجوية التي تمت بطائرة كاميكازي على القاعدة واحدة من ثمانين هجوماً تقريباً استهدفوا القواعد الأمريكية في العراق وسوريا منذ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢١ ما دفع الولايات المتحدة إلى اتهام ولوم مجموعات تابعة لإيران وأمر الرئيس بايدن بشن غارات جوية انتقامية رداً على الهجوم الأخير ”كي نحمي جنودنا وندافع عن أمانهم“.
إن عمليات السرقة والخسائر التي كشفها موقع إنترسيبت هي فقط أحدث مشاكل المساءلة التي يواجهها الجيش الأمريكي في العراق وسوريا. واكتشف تدقيق أجراه المفتش العام لوزارة الدفاع في ٢٠٢٠ أن قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب- الوحدة الرئيسة التي تعمل مع حلفاء أمريكا السوريين لم تقدم حساباً دقيقاً حول اختفاء ما تبلغ قيمته ٧١٥،٨ مليون دولار من عتاد اشتُري لوكلاء وحلفاء محليين. إن فقدان الأسلحة والذخائر مسألة حساسة في غاية الأهمية، وحاول الجيش جاهداً منع ذلك. وحين سحبت الولايات المتحدة قواتها من موقع قرب كوباني في سوريا في ٢٠١٩ نفذت غارات جوية لتدمير الذخائر التي خلفتها وراءها. ودمر الجيش أيضاً عتاداً وذخيرة أثناء انسحابه العشوائي من أفغانستان في ٢٠٢١. ورغم ذلك، اكتشفت منظمات مثل منظمة العفو الدولية وهيئة أبحاث النزاعات المسلحة، على سبيل المثال، أن قسماً كبيراً من ترسانة تنظيم الدولة الإسلامية يتألف من أسلحة وذخيرة صنعتها أو اشترتها الولايات المتحدة استُولي عليها أو سُرقت أو تم الحصول عليها بطريقة أخرى من الجيش العراقي والمقاتلين السوريين.
كشفت ملفات تحقيقات جنائية تم الاطلاع عليها بمقتضى قانون حرية المعلومات عن التوصل إلى أدلة حقيقية حول حدوث أربع عمليات سرقة كبيرة على الأقل وفقدان للعتاد الأمريكي، وبلغت قيمة العتاد المسروق أو المفقود تقريباً مائتي ألف دولار في العراق وسوريا بين ٢٠٢٠ و٢٠٢٢ بما فيه قنابل يدوية ٤٠ ملم شديدة الانفجار سُرقت من القوات الخاصة الأمريكية.
”هذا صادم ومأساوي“، علقتْ ستيفاني سافيل المدير في مشروع تكاليف الحرب التابع لمؤسسة واطسون للشؤون الدولية والمحلية في جامعة براون. ”إن هذه الأسلحة المسروقة ستنتشر وتزيد من حدة العنف السياسي واللامشروع وتجعله أكثر إهلاكاً، كما رأينا الأمر يحدث في حروب وصراعات أخرى“.

إن قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب – التي تشرف على الحرب الأمريكية في العراق وسوريا لا تعرف حتى حجم المشكلة. لا تمتلك قوة المهام سجلاً حول أية سرقات من القوات الأمريكية، كما قال الناطق باسمها. ”ليس لدينا المعلومات المطلوبة“، قال لموقع إنترسيبت مدير الشؤون العامة النقيب كيفن تي. لفنغستون حين سُئل إن كانت قد سُرقت أية أسلحة وذخائر أو عتاد في السنوات الخمس الماضية.
كان الهدف المعلن لنشر القوات الأمريكية في العراق وسوريا إلى جانب قوات أمن عراقية وقوات كردية ووكلاء سوريين إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية، لكن القوات الأمريكية تحارب أيضاً وبصورة متزايدة الميليشيات المدعومة من إيران في حرب جانبية غامضة من الناحية القانونية. ويعمل الأمريكيون في قواعد حيث عدم الكشف عن المعلومات هو في بعض الأحيان العرف ولا يتم الوثوق دوماً بالشركاء المحليين مثل قوات سوريا الديمقراطية. وفي ظل محدودية الإشراف الخارجي أو التغطية الصحفية للعمليات العسكرية الأمريكية تقتصر المعلومات حول هذه النزاعات إلى حد كبير على التصريحات المشكوك فيها للقادة العسكريين الأمريكيين، والبيانات الصحفية العسكرية، والتقارير المعتمدة رسمياً. وتلقي سجلات التحقيقات الجنائية التي حصل عليها موقع إنترسيبت بعض الضوء حول كيفية خوض الحروب الأمريكية في العراق وسوريا في الحقيقة.
تذكر هذه الملفات أنه في وقت ما في أواخر ٢٠٢٠ أو بداية ٢٠٢١ سُرقت ”عدة مدفعية ميدان متخصصة وتجهيزات عديدة“، من شاحنة عسكرية وهي تنقلها إلى القاعدة الجوية في أربيل في شمال العراق. وحين وصلت الشاحنة إلى الموقع في كردستان اكتشف الجنود الأمريكيون أنه فُقد عتاد من الشاحنة تقدر قيمته بمبلغ ٨٧،٣٣٥،٣٥ دولار أمريكي. ”لم يتم التوصل إلى أية أدلة“، ولم يتم تحديد أي مشتبه بهم بحسب ملف التحقيق. وفي شباط ٢٠٢١ سرقت ”٤٠٠ طلقة خارقة للدروع و٤٢ قنبلة عيار ٤٢ ملم شديدة الانفجار ومزدوجة الغرض ”قادرة على اختراق ثلاث بوصات من الفولاذ“، بحسب الجيش، من إمدادات ذخائر القوات الخاصة في موقع القرية الخضراء في شمال غرب سوريا. وتوصل تحقيق جنائي إلى أنه تم ”التعامل مع الذخائر بإهمال وثمة غياب للمسؤولية القانونية“، ما سمح ”لأشخاص مجهولين بأن يسرقوا الذخائر“، التي قُدرت قيمتها ب ٣،٦٢٤،٢٤ دولار.

في تموز (يوليو) ٢٠٢١ سُرقت ”خمسة أنظمة أسلحة“ تقدر قيمتها ب ٤٨،١١٥ أثناء نقلها في ”موكب عن طريق البر“ من قاعدة حقل كونيكو للغاز – وهي قاعدة غير بعيدة عن القرية الخضراء – إلى قاعدة في سوريا. سُرقت الأسلحة من حاوية شحن ولم يتم العثور على شهود أو التوصل إلى أية أدلة.
وذكرت الوثائق أن اللصوص اقتحموا في كانون الثاني (يناير) الماضي حاوية شحن في طريقها إلى القاعدة الجوية في أربيل في العراق وسرقوا عتاداً عسكرياً ومقتنيات شخصية تقدر قيمتها بأكثر من خمسة وسبعين ألف دولار. وبعد أربعة أشهر تقريباً سُرقت٢،١٠٠ طلقة خارقة للدروع الجسدية وثلاثة صناديق من ”قطع الغيار“ غير المحددة حُمّلت على حوامة بلاك هوك في قاعدة الأسد الجوية في العراق وكانت منطلقة إلى قاعدة أربيل الجوية، حيث كان من المفترض أن تصل لجنود من وحدة تُدعى قوة مهمة الهجوم. زعمت تلك الوحدة أنها لم تتلق الذخيرة أبداً ما أدى إلى الشروع بتحقيق. بعد شهر تقريباً، زعم أفراد هذه الوحدة أنهم استطاعوا تحديد مكان صندوق يحتوي على ١٦٨٠ طلقة من الذخيرة المفقودة، لكن السجلات لا تذكر بقية الطلقات والقطع.
ويظن المحققون الجنائيون في الجيش أن هناك سبباً مرجحاً في جميع الحالات، باستثناء الحالة الأخيرة، لاتهام المسؤولين بسرقة ممتلكات حكومية أو أسلحة حكومية إذا تمكنوا فقط من العثور على اللصوص.

(دورية أمريكية راجلة في قرية القحطانية في شمال شرق الحسكة)

وكشف تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع في ٢٠٢٠ خللاً في الحسابات المتعلقة بعتاد يبلغ ثمنه أكثر من ٧٠٠ مليون دولار اشتُري لوكلاء أمريكا السوريين وتوصل التقرير إلى أن قوات العمليات الخاصة لم ”تحافظ على قوائم شاملة بالعتاد كله الذي اشتُري وتم استلامه“. هناك وحدة عسكرية أخرى، تدعى قيادة الإمداد والتموين الأولى لمسرح العمليات خزنت بشكل يخلو من الدقة أسلحة كالرشاشات وقاذفات القنابل، بحسب التدقيق. وتركت ”آلاف الأسلحة وقطع العتاد الحساسة معرضة للفقدان أو السرقة“. ونظراً لعدم الدقة في حفظ السجلات والإجراءات الأمنية غير الكافية لم تستطع هذه الوحدة حتى ”أن تحدد إن كانت الأشياء قد ضاعت أو سُرقت“.
شكل فقدان الأسلحة والذخائر مشكلة ملحة للبنتاغون. ففي منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين فقدت الولايات المتحدة مئات آلاف البنادق في أفغانستان والعراق بحسب بحث أشرف عليه إيان أوفرتون من منظمة العمل من أجل الصراع المسلح وهي مؤسسة خيرية مقرها لندن. واستولت جماعة طالبان على كميات كبيرة من الأسلحة الأمريكية حتى قبل الهزيمة الأمريكية في أفغانستان. وحين انسحبت القوات الأمريكية في ٢٠٢١ تركت خلفها ما تبلغ قيمته ٧ بليون دولار من العتاد العسكري. كانت النتائج أحياناً كارثية، فمن أفغانستان إلى العراق كانت هذه الكميات من الأسلحة تُستخدم ضد حلفاء الولايات المتحدة ومن المحتمل ضد القوات الأمريكية.
”إن كل قطعة من هذه الأسلحة التي تُقدم لقواتنا الشريكة تخضع للمسؤلية القانونية وتُصوب إلى تنظيم الدولة الإسلامية“، قال ناطق من قوة المهام المشتركة في تغريدة في ٢٠١٧. لكن يبدو أنه ليس لديه أية معلومات حول السرقات، وغير متأكد من أن الأسلحة والذخائر الأمريكية التي سُرقت بين ٢٠٢٠ و٢٠٢٢ لن تُستخدم ضد القوات الأمريكية أو وكلائها.
للجيش الأمريكي تاريخ طويل من التستر على فقدان الأسلحة. فقد توصل تحقيق قامت به وكالة الأسوشيتد برس في ٢٠٢١ إلى أنه ”فُقدت ١٩٠٠ قطعة سلاح أمريكية على الأقل أو سُرقت في ٢٠١٠ وعاود بعضها الظهور في جرائم عنيفة“، وإلى أن ”الجيش الأمريكي تستّر على اختفاء أسلحته النارية أو قلل من حجمه، ومن أهمية فقدان الأسلحة والسرقات وهذا نموذج من السرية والتكتم يعود إلى عقد تقريباً“.
إن افتقار قوة المهام الخاصة المشتركة للسجلات وللشفافية يجعل من المستحيل معرفة كيف فُقدت الأسلحة الأمريكية أو سُرقت في سوريا والعراق، أو إن كانت هذه الأسلحة قد استُخدمت ضد القوات الأمريكية أو حلفائها، لكن سافيل من مشروع تكاليف الحرب تخشى أن يكرر التاريخ نفسه. قالت معلقة على السرقات الموثّقة في سجلات وملفات التحقيقات الجنائية: ”سيُصاب الكثير من الأشخاص أو يُقتلوا جراء ذلك. هذه إحدى العواقب الناجمة عن القيام بعمليات عسكرية أمريكية في كثير من المواقع خارج البلاد“.

*الصورة الأساسية المرافقة للمقال: (جندي أمريكي يحمل قاذفة صاروخ أرض- جو من نوع جافلين أثناء مناورة عسكرية مشتركة في ريف دير الزور في شمال شرق سوريا في السابع من كانون الثاني، ٢٠٢١)

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا