تدريباتنا

بخجلي وبوتين وصورة صدام في عفرين

by | Feb 28, 2018

لازالت محركات الحروب الخارجية في المنطقة الشرق الأوسطية الساخنة والأوراسية القلقة متمحورة على عامل الداخل، وبالتحديد عامل الثبات في السلطة أكثر مما هي متمحورة على عوامل لحماية الحدود الخارجية للبلد، وإن بنسب متفاوتة تحسب للدول الكبرى فيها رجحان نسبي للعامل الخارجي على الداخلي. الضجيج الذي يتبع العمليات العسكرية التركية في عفرين ضد مقاتلي قوات سورية الديمقراطية يزداد، والتحليل المتبع لذلك الضجيج يقفز على حقائق مهمة وقادمة من ما قبل العملية العسكرية التركية رجحت خيار الحرب لدى أنقرة على خيارات أخرى في منطقة “كانت حتى الآن مستقرة نسبياً من سوريا” بحسب وصف جيمس ماتيس. تلك الحقائق القادمة من مسارات الحكم والسلطة هي لب قضية الهجوم على عفرين والمحرك الرئيس لها، وتعتبر باقي التحليلات رتوشاً للحقائق ومكملات تجميلية لا أكثر.

لا تشكل صورة الديكتاتور العراقي صدام حسين المحمولة على يد المقاتلين السنة المنضوين تحت لواء درع الفرات التي تقاتل مع الجيش التركي في عفرين حدثاً عابراً. هي صورة عن الحنين الى سيادة عالم السنة والعروبة في المنطقة التي شهدت تغييرات هائلة ودموية منذ دخول الأمريكان الى بغداد في ٢٠٠٣. هؤلاء الحاملون للصورة هم في جزء من تصورهم للمعركة يقعون تحت تأثير العامل المذهبي الذي يعمل عليه بحرفية الرئيس التركي أردوغان.

يظن هؤلاء بأنهم يتحركون تحت ظلال صدام في الذود عن عالم السنة والعروبة، وإن كان القائد الحالي يتحدث بلغة مختلفة. لا ينسى هؤلاء بأن تركيا لم تسمح لواشنطن بالمرور في أراضيها لدخول العراق في عام ٢٠٠٣ وهم يعتبرونها جزءاً من التعاضد السني الخفي ضد المحتل، وضد تمدد إيران الشيعية. هؤلاء التائهون ينسون أن الرفض التركي حينها لم يكن سوى رفض للتغيير القادم في العراق المتداعي أصلاً، والذي من المتوقع أنه سيجلب للأكراد شيئاً من الحماية والحقوق الدستورية المقلقة لتركيا المريضة بمرض الأكراد في ديارها وفي ديار غيرها من الدول، ولا علاقة لها بالخلاف السياسي للشيعة والسنة الطافح حالياً.

علماً أن إيران الشيعية، ونظام البعث السوري، وتركيا، رفضوا مجتمعين الدخول الأمريكي حينها إلى العراق، ونسقوا فيما بينهم لإضعافه. صورة صدام لا رابط لها بالوقائع سوى بأنها تشترك مع القائد الجديد في التصرف بسلطات الدولة حسب المصلحة الخاصة له، ولعائلته، وتحت مصطلحات ثورية كبرى من نمط حماية الحدود الشرقية عراقياً حينها، والحدود الجنوبية تركياً حالياً. هكذا خطب تأتي من ذهنية واحدة تحاول أن تظهر بمظهر القائد التاريخي في المنطقة.

كان صدام مع كل انتكاسة وقلاقل داخلية يشعل حرباً تحت يافطات كبرى. وحالياً، ورغم أن الوقائع الدولية قد تغيرت يحاول أردوغان الهروب من كل خلخلة داخلية بحرب خارجية، ومعارك حدودية، وخطب رنانة عن الأمن القومي. كلاهما ظلا متمسكاً بقضية القدس وإسلاميتها. وكلاهما قمع الحريات داخل بلديهما. وكلاهما مدجج بالمتطوعين من العالم العربي المقتنعين بحرب الأنصار والأشرار تماماً كما هو الحال في المخيلة التي يعتاش منها المقاتلون الذين يحاربون مع تركيا في عفرين. هؤلاء المقاتلون نفسهم أو أشقاؤهم كانوا قد سموا كتيبة من الكتائب العسكرية للمعارضة في دير الزور قبل سنوات بكتيبة “صدام حسين” دون أي اعتبار لمشاعر الآلاف من ضحايا الرجل على الطرف الشرقي المجاور للحدود في توضيح مباشر عن الحنين المستمر إلى القائد الذي يرقص وهو يرفع البندقية بيده اليمنى.

في تركيا المنتفخة بالمشاكل السياسية والاجتماعية حراك حكومي من نوعية الهروب إلى الأمام. فبعد انتهاء المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني والحكومة بعد تصريحات لرئيس حزب الشعب الديمقراطي الوسيط في العملية بُعيد الانتخابات البرلمانية الأولى، وعقب حصولهم على المرتبة الثالثة في البرلمان عن أنهم “لن يسمحوا لك بأن تصبح رئيساً” وكان يقصد به أردوغان الذي كان يبحث عن تعديل دستوري لتعزيز سلطات رئيس الدولة بعد نفاذ فرص ترشحه لرئاسة الوزراء مجدداً تغير المشهد.

تصريح ديمرتاش كان بمثابة الشرارة التي ألهبت البلاد بالمعارك. المفاوضات التي انتهت كانت عبارة عن وسيلة يبتغي منها حزب العدالة والتنمية المماطلة للحصول على الدعم الكردي في البرلمان، ولم يكن أبداً مشروع سلام كما ظهر فيما بعد من التطورات على الساحة التركية. البحث عن بديل عن رفاق ديمرتاش رسى على رجل من أشهر رجالات التطرف القومي في تركيا، وهو السيد دولت بخجلي الذي فتح ذراعه لأردوغان لينقذه من مشاكله الداخلية في الحزب، والتي كادت أن تطيح به لصالح منافسته اليمينية ميرال أكشنر، إذ سعت ومعها مجموعة من الحزب، إلى عقد مؤتمر عام استهدف الإطاحة بالسياسي “العجوز”، الذي بات يثير التساؤلات بتحوله المفاجئ إلى رجل التوافق والتماهي مع أردوغان وحزبه في جميع الاستحقاقات المؤثرة.

كان التعاضد بين أردوغان وبخجلي هو تعاضد يحمل في طياته تفاصيل محزنة على الأكراد على جانبي الحدود. قمعت الحركة المدنية والسياسية الكردية في تركيا، وزج برؤساء بلديات، واعضاء برلمان، وعلى رأسهم ديمرتاش نفسه في السجون. وظهرت المحاكمات الصورية، ودمرت مدن، وشرد الآلاف من سكان المناطق الكردية من مدنهم. وكانت التقارير الدولية واضحة الاتهام للجيش التركي بالمسؤولية. فتحت المعارك اللا متناهية مع حزب العمال الكردستاني في تركيا، وقمع الطموح الكردستاني في إقليم كردستان العراق، وتغيرت خارطة التحالفات في سورية لردع زيادة قوة وظهور قوات سورية الديمقراطية على الساحة الشمالية والشرقية لسوريا. كل تلك المستجدات، والمتحالفان يبحثان عن انتصارات وهمية كما هو الحاصل في فتح جبهة عفرين حالياً لتجلب لهما الرسوخ في السلطة، واحد في رئاسة الحكم، والثاني في رئاسة الحزب، مع قرب الانتخابات البرلمانية والتي من المفترض أن يشكل الطرفان المذكوران تحالفا رصينا فيها، وذلك من خلال كسب قواعد الجماعات القومية التركية الحاقدة على الأكراد إلى طرفهم.

في حين أن حاملي الصورة يعتقدون بأن قائد المعركة في عفرين السيد أردوغان يقود معركتهم السنية والعروبية ضد الملاحدة، وعملاء الصهاينة والشيعة، تأتي الأخبار عن محاولات تواصل غير مباشر من أنقرة مع نظام دمشق المعادي لحاملي الصورة، وعمليات تسليم مناطق لرفاق اردوغان من الجماعات العسكرية السنية في محافظة إدلب لصالح نظام الأسد وحزب الله. ويرى العالم كيف أن إيران التي تتسيد عالم الشيعة سياسياً تشاهد المعارك بسعادة من بضعة كيلومترات قريبة. بالضبط كما يشاهدها الزعيم الروسي بوتين صاحب السطوة في سورية، وهو يدفع تركيا البطلة في مخيلة حاملي الصورة لتجلب له المعارضة ومسلحيها للقبول بشروطه الاستسلامية للسلم في سورية. موسكو التي كانت تحتاج الى معاقبة الأكراد وحلفائهم العرب الذين أصبحوا أقرب لواشنطن منهم إلى موسكو أعطت الضوء الأخضر لأنقرة للهجوم.

بوتين الذي يحاول أن يرسخ سلطته مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الروسية بانتصار سياسي له في سورية بعد تقدمه العسكري هناك جاء بكل هؤلاء الساسة الباحثين عن السلطة، والقامعين للحريات إلى “سفوح عفرين” ليظهر هو نفسه من خلالهم جميعاً ومن خلال ما يحضره لما بعد المعركة التي فيما يبدو لن تنتهي كما يحلو لأردوغان، وبخجلي، وحاملي صورة صدام بمظهر البطل الذي لا بد أن تظل السلطة في موسكو بين يديه حماية للبلاد ونفوذها في الخارج.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا