أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
أنظر إلى ابني الأصغر الذي لا يتجاوز عمره ثلاثة أشهر، وأفكر فيما واجهتهُ خلال الساعات الماضية فقط. كان شاهداً على نوبة جديدة من نوبات جنون زوجي الهمجية. زوجي الذي ضربني وطردني من المنزل برفقة أبنائي الاثنين، أكبرهما لم يتجاوز بعد عامه الثاني، هذا ما تقوله السيدة (ا.ع) من ريف دمشق لـ “موقع صالون سوريا”.
تخبرنا تلك الأمّ عن المعاناة التي تكابدها بينما تفكر في علبة الحليب التي لن تكفي أكثر من يومين، ثمّ؛ وبعد ذلك يجب أن تعود إلى جحيم الزوجية بسبب عدم قدرتها على إعالة طفليها، تقول: “الحليب مقطوع من الأسواق، ولو توفر فإن كلفته تبلغ حوالي 75 ألف ليرة سورية، ولا أملك منها حتى خمس ليرات!”.
ومع وجود صعوبات معيشية لدى عائلتها، يستحيل بقاؤها مع طفليها في بيتهم، على الرغم من محاولات الاحتواء والاحتضان التي يبديها الأهل، لكن هذه المرأة تشعر أنها تشكل عبئاً عليهم: “أدرك أنني سأعود إلى زوجي بسبب الحاجة إلى علبة الحليب تلك”.
تخبرنا السيدة (ا.ع)، وهي في أواخر العشرينات اليوم، كيف درست في كلية التجارة والاقتصاد في جامعة دمشق، وتعرّفت هناك على زوجها من خلال أصدقاء مشتركين. وتؤكد في حديثها لـ “موقع صالون سوريا” أنها عاشت قصة حبّ جمعتها مع زوجها لسنوات “إلا أن ما حدث بعد الزواج لم يكن بالإمكان التنبّؤ به. عمل زوجي على عزلي عن أصدقائي، ثمّ دفعني لترك العمل من أجل الاعتماد عليه كلّياً من الناحية المعيشية. ربّما يُعتبر هذا السلوك أمراً عادياً بالنسبة للعديد من الأزواج، لكنّه في الحقيقة عبارة عن تكتيك يعتمده الشخص المُعَنّف للتأكد من أنّ زوجته لن تستطيع تأمين حياتها وحياة أبنائها خارج جدران سجنها المنزلي”.
تتالت الأيام ومعها تصاعد خطابه العنيف من سُباب وإهانة مستمرة، ثمّ تصعّد إلى عنف جسدي كبير، وقد يصل أحياناً إلى التهديد بالقتل! وفي كل مرة تخرج (ا.ع) من منزلها، تعرف أنّها ستعود بعد أيام، لأنها لن تستطيع العيش دون أطفالها الذين باتوا سلاح الابتزاز الأشهر في يد الزوج.
تقول: “لا أستطيع العيش دون أطفالي، مجرّد الفكرة تجعلني أتمنّى الموت قبل حدوثها. هذا ما يجعلني مستمرة في هذه الحياة رغم عدم وجود أيّة مقومات للحياة أصلاً”، وتضيف: حتى وإن قرّرت أن أترك زوجي، فإلى أين الرحيل؟ إلى أهلي الذين يعانون من أجل لقمة العيش؟ ومن سيحميني منه حين يحاول انتزاع أطفالي مني؟ بصراحة لا أثق بتنفيذ القانون الذي ينصّ أن لي الحق في الحضانة، حالياً، وذلك لأنّه -بحسب تجارب شاهدتها- يمكن تطويع القانون بالرشاوى.
وتختتم هذه الأمّ التي فطر الخوف على أبنائها، قلبها قصّتها وهي تؤكّد أنّ “مشوارها ليس سهلاً. إنّي أودّ تجنّب شرّ زوجي ليعيش أطفالي، ولست أعرف كيف يمكن أن أجد حلاً بعيداً عن ذلك الجحيم الذي يفترض به أن يكون جنّتي على الأرض..”.
ما البديل!
صدى قصة (ا.ع) يصل إلى مدينة حلب، حيث تأتي قصة السيدة (ك.ج)، التي تواصل معها “موقع صالون سوريا” للحديث عن تجربتها القاسية في العودة إلى زوجها بعد هجره لها لأكثر من عام بسبب التعنيف الذي تتعرض له.
تروي السيدة الثلاثينية (ك.ج) كيف عاشت مع زوجها لسنوات تتنقل بين المدن السورية بسبب ظروف الحرب والنزوح، في محاولة لإيجاد مدينة آمنة، لعلّهم يستطيعون بناء حياتهم فيها.
تقول: “مع مظاهر عودة الحياة إلى مدينة حلب، قرابة العام 2020، عدتُ مع زوجي إلى هناك، لكنّ طِباعه تغيّرت، وبات أكثر عنفاً وصداميّةً، حتّى وصلتْ به الحالة في أحد الأيام إلى طردي من المنزل مع ابني إلى الشارع، منتصف اللّيل دون أيّ سبب!”
وتشير السيدة (ك.ج) إلى الوقت العصيب الذي قضته في السفر من حلب إلى منزل أسرتها بريف دمشق، لتعيش معهم فترة انتظار زوجها أن يأتي، أن يرسل إليهم بعض المال على الأقلّ، لكنّ الأيام مضت ولم يعد الزوج، لأنّه قرر أن “يبدأ صفحة جديدة دون أن يكون لابنه وزوجته مكان فيها”.
تقول: “في تلك الأوقات كنت أعمل لساعات طويلة في عيادة طبيب، أنظّم المواعيد وبعض أعمال السكرتارية، لكنّ الراتب لم يكن يكفي سوى أجرة مواصلات! كنت أدور في حلقة مفرغة من العمل غير المأجور تقريباً، ناهيك عن الحالة التي يعيشها ابني بعيداً عن أبيه، وكذلك بعيداً عني-أحياناً كثيرة بسبب انشغالي بالعمل”.
وتضيف: “دفعني اليأس أخيراً إلى التواصل معه ومحاولة استمالته لإعادتنا. بالرغم من أنني لم أفعل شيئاً يتطلب عقابي أو نبذي أو حتى هجر ابنه بتلك الطريقة، وما صدمني حقاً أنه كان يريد الزواج بامرأة أخرى. تطلّب الأمر مني إقناعه حتى أعادني إلى هذا المنزل الذي لا أطيق العيش فيه مع زوج هجرني، وكاد أن يتزوج غيري. ما دفعني إلى العودة هو الحاجة المادية فقط، فأنا لا أحمل شهادة جامعية أو حرفة، وعشت أيامي إمّا معتمدة على عائلتي أو على زوجي، مادياً. ومع سوء الوضع المعيشي اليوم، بات من المستحيل استئجار بيت وتربية ابني وحدي، حاولت، ولم أستطع تأمين اللوازم الأساسية لحياتنا”.
وتختم السيدة (ك.ج) حديثها لـ “موقع صالون سوريا” بالقول: “لقد رأيت كثيراً من الفيديوهات والمنشورات على وسائل التواصل، عن سيدات يطلبن من النساء استجماع قوتهن والعيش بكرامة ورفض العودة إلى الزوج السيء، لكن ما تغفل عنه تلك الفيديوهات هو طرح ما هو البديل؟ كيف لي أن أعيش؟ لا يوجد منازل تقدم رعاية للسيدات الهاربات من العنف المنزلي أو المطلقات الباحثات عن فرصة ثانية بالحياة”.
تشكّل تلك القصص، جزءاً من آلاف السرديات الأخرى عن بلد نهشتها الحرب والفقر منذ سنوات، ولم يكن ازدياد حالات العنف الجسديّ والنفسيّ والجنسيّ ضدّ النساء، سوى أمر طبيعيّ في بلد يقبع أكثر من نصف سكانه تحت خطّ الفقر، بحسب تقديرات أممية. إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة التي دفعت بدورها لنمو العنف داخل الأسر السورية.
لقد تمّ توثيق نحو عشرة آلاف حالة عنف ضد النساء في سوريا عام 2022 منها ثلاثة آلاف حالة عنف جسديّ، إضافة إلى نحو ألف حالة اغتصاب أو محاولة اغتصاب وذلك بحسب تقديرات منظمة “العفو الدولية”.
في وقت أشارت الأرقام الرسمية الصادرة عن “المركز الوطني للصحة والإحصاء في سوريا” أن 20% من النساء في سوريا تعرضن للعنف الجسديّ خلال حياتهن، و15% تعرضن للعنف الجنسي. بينما أشارت الأمم المتحدة إلى تعرض النساء والفتيات النازحات في جميع أنحاء سوريا للخطر بشكل خاص، لأن النزوح جعل النساء أكثر عرضة للعنف، بعد أن فقدن الكثير من وسائل الحماية التقليدية، مثل الدعم الأسريّ والمجتمعيّ.
ماذا يفعل القانون؟
وللوقوف على الجانب القانوني حول تلك القصص، تواصل “موقع صالون سوريا” مع رهادة عبدوش، وهي محامية سورية وناشطة في قضايا المرأة. والتي أخبرتنا بدورها أن السبب الأساسي في نمو تلك الظواهر هو “عدم قدرة القانون حالياً على حماية النساء وخاصة المعنفات، بسبب وجود الكثير من الفجوات التي تسهّل العنف وترسّخ التمييز ضدّ المرأة. لأن قانون الأحوال الشخصية مكتوب على أساس دينيّ (…) ويميز في العديد من مواده بين النساء والرجال”.
ومن بين تلك المفارقات القانونية تقول رهادة: “إعطاء الولاية للذكر فقط وليس للمرأة والطلاق بالإرادة المنفردة (الطلاق الإداري). إضافة إلى حرمان المرأة السورية من منح جنسيتها لأولادها، وزوجها. تزويج القاصرات، وواجب الطاعة المفروض على المرأة، وغيرها من المواد. كما تُعَاقَب المرأة بعقوبة أشدّ من الرجل في حالة الزنا، فيما يتمّ تخفيف عقوبة المغتصب في حال تزوج من ضحيته”.
وركّزت رهادة في حديثها على “فجوات قانون العقوبات السوريّ” التي يمكن استغلالها لترسيخ العنف ضدّ النساء وضمان استمراريته من قبل معنفيهم. تقول: “قانون العقوبات السوريّ لا يحتوي على قانون خاص يتعلق بالعنف الأسريّ أو مواد تحمي النساء منه، بالإضافة إلى عدم وجود بيت للحاضنة أو نفقة للأطفال ترعاها أو تشارك بها الدولة. إضافة إلى عدم وجود آلية تراقب إعطاء الإرث للنساء”.
وقد وجهّت رهادة مع العديد من الناشطات النسويات والحقوقيات، دعوات إلى سنّ قانون خاص بالعنف الأسريّ يحمي النساء ويسهّل آلية الوصول إلى النساء المعنّفات. وإيجاد أماكن أو منشآت خاصة لحماية النساء المعنفات، على أن تكون تلك الأماكن آمنة تشرف عليها الدولة والجهات المختصّة والمجتمع المحليّ.
مصادر:
- الشبكة السورية لحقوق الإنسان: https://sn4hr.org/
- منظمة العفو الدولية: https://www.amnesty.org/en/
- منظمة هيومن رايتس ووتش: https://www.hrw.org/
- منظمة الأمم المتحدة للمرأة: https://www.unwomen.org/
- الأمم المتحدة: https://news.un.org/ar/story/2022/12/1116537
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...