تدريباتنا

“سلامُ العصابات” كبتاغون الحكومة مُقابل سلاح المعارضة

by | Oct 23, 2022

أيمن مصطفى، شابٌ من جسر الشغور من إدلب، أدمن على حبوب الكبتاغون المخدرة، عن قصته يروي: “كنت في سنتي الجامعية الأخيرة حين اعتقلتني قوات النظام بتهمة أني مُعارض، وبعد مساعٍ كثيرة من عائلتي، أُطلِقَ سراحي بعد تسعة أشهر، أريد محوها من الذاكرة، اضطُررتُ لترك دراستي خوفاً، وكبرت في داخلي رغبةُ بالانتقام مما فَعَلَ بي النظام في فترة سجن، فانضممت لجماعة السطان مُراد” وهي إحدى فصائل المعارضة السورية المسلحة.

في ميدان المعركة، تعرض الشاب لإصابة في موجة قصف نفذتها السوخوي الروسية على إدلب أدت لبتر قدميه، وبسبب الألم الشديد وصف له الطبيب مسكناً “دواءٌ مخدر” لتبدأ رحلته مع الإدمان.

يقول أيمن: “دفعني اليأس لزيادة الجرعات من حبتين يوميا كما وصف طبيبي المُعالج إلى ثمانِ حبات، وبمرور الزمن وصلت إلى مرحلة الإدمان، تابعتُ التعاطي ظناً مني أن المخدرات قد تُنسيني ما أُعانيه”.

ايمن هو واحدٌ من جيشٍ من المستهلكين للمخدرات في الشمال السوري ممن يلوذون بالكبتاغون، هرباً من “اليأس الذي أصبح علامة الحياة اليومية للكثير من السوريين” بحسب قوله.

 تنسيق عالي المستوى

منذ أعوام، تَدخُل المواد اللازمة للإنتاج أو الكبتاغون الجاهز لتغليفه في كبسولات، إلى شمال البلاد، تحمِلُهُما المليشيات الإيرانية المتحالفة مع النظام والتي يتركز وجودها في الشرق والجنوب الغربي لمحافظة إدلب وفقا للخبير في الاقتصاد غير المشروع ريتشارد أوستن.

وتتسرب المخدرات من حقول القِنّب في ريف حمص الغربي وجرود القلمون إلى معقل حرس الثورة الإيرانية في نُبُّل والزهراء شمال حلب بأيادي حزب الله ومنها إلى المناطق التي تصفُها المعارضة بـ”المحررة” شمال البلاد.

ينطلق “الخط الأول لنقل المخدرات من نقاطٍ متفرقة على خط التماس الواصل بين إدلب المُعارَضَة وإدلب النظام، أما الثاني: فيمر من مناطق سيطرة الجيش في دمشق إلى مناطق سيطرة المعارضة عبر الباسوطة بريف عفرين شرقي حلب” وفقاً للرائد في شرطة إدلب الحرة محمود السمرة.

فيما يمتد الخط الثالث وفقاً للأمني المعارض، من دير حافر بريف حلب، مرورا بمنبج الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديموقراطية”، وصولا إلى مدينة الباب الخاضعة لسيطرة المعارضة، لتنتقل منها المخدرات، إما إلى شمال شرقي سوريا ومنه إلى إقليم العراق الشمالي (كردستان)، أو نحو مناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة.

لا يُخفي السمرة الخذلان الذي يشعر به حين يقول: “كَم هو مُخجِل أن بعضا من المعارضة، يُغذي انفلاتُهم الأمني وغَضِهِم البصر عن تسلل المخدرات إلى الشمال، مما حوّله لسوق رائجة للمخدرات”.

سلام العصابات

وتستغل الفصائل المتنوعة نقاط التفتيش عبر خطوط التماس لتسريب المخدرات من مناطق سيطرتها عبر منبج في الريف الحلبي إلى شمال شرق سوريا، ويؤكد الخبير الأمريكي ريتشارد أوستن “أن بعضاً ممن يحملون راية المعارضة يزرعون الحشيش في رأس العين قبل أن يتم تهريبه إلى مناطق الإدارة الذاتية”.

ويضيف أوستين بأن “زراعة الحشيش في حارم وسلقين بريف إدلب، وعفرين والباب والراعي بريف حلب، تتم بغطاء من قيادات عسكرية مُعارِضة، فيما تشكل سرمدا وجسر الشغور مَركَزا إنتاج الكبتاغون في إدلب”. كما تم العثور على مساحات واسعة مزروعة بالحشيش في دركوش بريف إدلب الخاضع للمعارضة المسلحة وفقاً للرائد السمرة.

ويقول خالد زهران المتتبع لشؤون تجار ومنتجي المخدرات “بشكل لا مثيل له تتشابكُ علاقات الميليشيات الإيرانية مع جهات مرتبطة بالجيش الوطني وهيئة تحرير الشام التي تسيطر على تجارة المخدرات في الشمال السوري”، ويضيف: “حتى أن مكاسب المخدرات لعبت دوراً بإجراء اتفاقيات المصالحة بين دمشق وبعض معارضيها فيما بات يُعرف بسلام العصابات، ليتحول العمل العسكري ضد النظام إلى تعاون بتجارة الممنوعات”.

وإن كانت هيئة تحرير الشام، بحسب زهران ضيقت الخناق على صغار تجار المخدرات، إلا أن “المعلومات تُشير إلى أن هذه مناوراتٌ صُوَريَة، يتم فيها إلصاق جريمة التجارة بعناصر يُراد التخلص منهم، لإفساح المجال لأصحاب مشاريع المخدرات المرتبطين بالهيئة” بحسب قوله.

الأخطر في الأمر بحسب الناطق باسم الجيش الوطني، “أن النظام بات يشترط تلقي الأسلحة مقابل المخدرات التي يتم تصديرها إلى شمال غربي سوريا”.

أبو موسى هو أحد عناصر “الجيش الوطني” الذي طلب عدم ذكر اسمه، يقول لـ”صالون سوريا”: “في الشمال يُنسق تُجارُ مخدرات مع تُجار النظام وحزب الله لشراء المواد المُخدرة، فإذا ما تم شراء بضاعة بقيمة مليون دولار، فيجب على التجار تقديم أسلحة بنفس القيمة للجهة البائعة بديلاً للمخدرات”، مؤكداً أن “هناك مافيا تمتلك مقومات الشبكات المنظمة، من سلاح ونفوذ وعلاقات مع شخصياتٍ محسوبة على المعارضة، تقوم بتأمين وصول المخدرات إلى الشمال بالإضافة لحماية من يعمل على ترويجها”.

ويؤكد العسكري المعارض: بأن اعترافات من ُقبِضَ عليهم من تجار المخدرات تُبين ارتباطهم بشبكات في لبنان، وجهات في النظام، كما أكدت اعترافات بعضهم أن عدداً من المسؤولين عن هذه الشبكات موجودون شمال سوريا وفي الأراضي التركية.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا