تدريباتنا

سوء التغذية.. وباء يفتك بأطفال المخيمات السورية

by | May 26, 2021

تتأمل مرام حاج موسى (٢٥عاماً) طفلها رائد بحرقة وحزن، فرغم أنه بلغ العامين من عمره إلا أن حجمه ووزنه يوحيان بأن عمره لا يتجاوز ستة أشهر فقط، عيناه غائرتان وجسده نحيل، وبشرته جافة، وهو لا يكف عن البكاء المستمر.

تقول حاج موسى إن طفلها أصيب بمرض سوء التغذية منذ نزوحهم من بلدة تلمنس بريف إدلب الجنوبي بعد العمليات العسكرية التي شنها نظام الأسد على تلك المناطق، وابنها “لا يكاد يتحسن حتى يعود إليه المرض، نتيجة الفقر والأوضاع المعيشية القاسية التي تواجهنا في مخيمات النزوح شمال إدلب” بحسب قولها.

ويشهد الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام زيادة ملحوظة في حالات وأمراض سوء التغذية ومضاعفاتها الإجتماعية والنفسية، وهي تلاحق فئة الأطفال بشكل خاص، نتيجة عدم حصولهم على القدر الكافي من الغذاء اليومي بسبب الفقر والغلاء وتراجع الخدمات الطبية الأساسية.

وتوسعت الظاهرة نتيجة غلاء أسعار الحليب وعدم قدرة الأهالي على تأمينه لأطفالهم، واللجوء لبدائل كالنشاء والأرز المطحون وغيره من الممارسات غير السليمة لتغذية الأطفال والرضع.

بعد محاولات عدة لم ينجح النازح رامي الحلاق (٣٣عاماً) من تأمين حليب الأطفال لطفلته الرضيعة راما البالغة من العمر ثمانية أشهر إذ يقول” عملي متقطع وغير دائم، أبدأ بالعمل في مجال البناء المرهق منذ ساعات الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم، مقابل أجر زهيد لا يتجاوز ال٢٥ ليرة تركية في اليوم، وهي لا تكفي لشراء الخبز وبعض الخضار لعائلتي الذين ينتظرون عودتي بما يسد رمقهم، فكيف لي أن أشتري علبة حليب الأطفال المرتفعة الثمن؟ والتي يبلغ سعرها أجر يوم كامل، وهي لا تكفي الطفل أكثر من ثلاثة أيام فقط”.

ويضيف رامي أن أوضاعهم المعيشية داخل المخيم “صعبة جداً ” فالمواد الغذائية لم تصلهم منذ قرابة السنة، فضلاً عن شح مياه الشرب، والبطالة المنتشرة بين رجال المخيم وشبابه، الذين باتوا بمعظمهم يعيشون على ما تقدمه بعض المنظمات الخيرية “التي تمر بالمخيم مرور الكرام” على حد تعبيره.

ويشير رامي إلى أن الدعم” قليل جداً لا يكاد يسد احتياجات عدة عائلات، والخضار والفواكه، كما غدت اللحوم حلماً لمعظم ساكني المخيمات”.

ومرض سوء التغذية هو مصطلح يستخدم للتعبير عن وضع لا يحصل فيه الجسم على كل المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها أو على جزء منها، ليتمكن الجسم من القيام بوظائفه بصورة طبيعية مثل البروتينات والفيتامينات والدهون والمعادن، أو بسبب سوء امتصاص المواد الغذائية الموجودة في الطعام رغم توفر الكمية والعناصر المطلوبة، وتتراوح حدة سوء التغذية بين الطفيفة وبين الحالات الشديدة التي تسبب أضراراً غير قابلة للإصلاح.

وعن سبب إنتشار سوء التغذية في إدلب والشمال السوري المحرر تقول نسرين مناع (٣٢ عاماً) رئيسة شعبة الصحة المجتمعية والتغذية في مديرية الصحة بإدلب “إن لمرض سوء التغذية أسباباً عدة قد تكون ناتجة عن اضطرابات استقلابية أو الآفات العضوية، اضطرابات نفسية، عادات غذائية سيئة، إنتانات مزمنة وخاصة الإنتانات العضوية، أيضاً بعض الأدوية ممكن أن تكون سبب نقص التغذية ومنها المضادات الحيوية والسيتروئيدات لأنها تزيد من حاجة الجسم للمغذيات”.

وتضيف نسرين الأسباب المعيشية “وهي الأهم  كالفقر والنزوح في البلدان التي تشهد حروباً وكوارث كمنطقتنا التي تشهد حرباً شعواء منذ أكثر من عشر سنوات” بحسب قولها.

وعن مدى خطورة المرض توضح أنه يعتبر من أهم أسباب الوفيات عند الأطفال، ويؤثر نقص التغذية على الأداء المعرفي والمدرسي عندهم، وله تأثير سلبي على الصحة الذهنية والنشاط البدني وعدم القدرة على العمل بشكل جيد، وهو يصيب كافة الفئات العمرية وبالأخص الأطفال حديثي الولادة، وقد ينتح عن سوء التغذية أمراض عدة منها الكساح وضعف النمو، ضمور الدماغ، هشاشة العظام، تضخم الغدة الدرقية وفقر الدم.

وعن إجراءات مديرية الصحة في إدلب لاحتواء المرض والحد منه تقول المناع “إن مديرية الصحة تتعاون مع المنظمات الشريكة لتأمين أماكن لمعالجة سوء التغذية، سواء ضمن المراكز الصحية أو بمراكز خاصة بسوء التغذية وتأمين المغذيات والمكملات الغذائية وتعمل على إجراء المسح الدوري لمرض سوء التغذية من خلال فرق الصحة المجتمعية التي تحول الحالات المكتشفة إلى العيادات الخاصة للبدء بعلاجها”.

وقد أحصت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، أكثر من 800 إصابة بمرض سوء التغذية، غالبيتهم يعانون من سوء التغذية الحاد وبحاجة إلى دخول المشفى بشكل سريع، وكل ذلك نتيجة سوء الأوضاع الإنسانية والطبية في المخيمات.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة فقد تم تسجيل ٣٤ إصابة من أطفال الشمال الغربي في سوريا بحالات تقزم بسبب سوء التغذية وأن أكثر من ٨٠٪ من سكان المنطقة لا يتقاضون أجور تغطي احتياجاتهم.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا