تدريباتنا

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

by | Jun 3, 2024

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره وتحديداً في الرسم والأدب،  درس نصير شورى المرحلة الابتدائية في مدرسة التجهيز في دمشق، أكمل المرحلة الثانوية في ثانوية جودت الهاشمي في دمشق، والتحق بمعهد الفنون الجميلة في دمشق، نتيجة هذه المرحلة كانت مرحلة الواقعية الانطباعية. حيث أبدع في مزج واستنباط الألوان التي عالج فيها مواضيع ملتصقة بالبيئة والطبيعة من عمارة قديمة وقرى ومناظر طبيعية وورود وأمومة ووجوه إنسانية وموضوعات إنسانية متنوعة. أخذه الشغف باللون والرسم في رحلةٍ إلى مصر ليكمل دراسته في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، والتي تخرج منها عام ١٩٤٧، تعلم نصير على يد كبار الفنانين المصريين، مثل محمد ناجي، وراغب عياد، ومحمود مختار، وتميزت دراسته بتنوعها، حيث درس الرسم والتصوير والنحت، وتأثر بالعديد من التيارات الفنية، مثل الواقعية والتجريد، وخلال فترة دراسته، شارك نصير شورى في العديد من المعارض الفنية، ونال إعجاب الفنانين والنقاد، وبدأ بتكوين أسلوبه الخاص، مستوحياً من التراث العربي والإسلامي، وظهرت موهبة نصير شورى الفنية بشكل لافت خلال هذه المرحلة. ويشير عدد من الباحثين إلى أن دراسته في مصر لم تؤثر به بعمق حيث كانت الواقعية والسوريالية هما الاتجاهان السائدان هناك، يرجع ذلك إلى بدايات شورى حيث تعلّم الرسم على يد الرسام عبد الحميد عبد ربه ثم الفنان جورج بولص خوري؛ خريج المدرسة الوطنية العليا للفنون الزخرفية في باريس.

  ساعدت دراسة نصير شورى في القاهرة على تطور أسلوبه الفني، فقد بدأ بتجربة تقنيات جديدة، وظهرت في أعماله تأثيرات من التراث العربي والإسلامي  وإثر تخرج نصير شورى من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عاد إلى دمشق وبدأ مسيرته الفنية المهنية، برفقة نضوج معارفه العلمية من خلال دراسته الأكاديمية التي بدأها في مصر، وأكملها في أكاديمية الفنون الجميلة في روما- إيطاليا، والتي تخرج منها عام ١٩٥١ م، وقد كان أول من حصل على درجة الأستاذية (بروفيسور) بين أعضاء الهيئة التدريسية في كلية الفنون بجامعة دمشق، لذلك يعتبر نصير شورى من أهم المؤسسين لكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، ويمكن القول إنه درّس وأثر قي كل من تعلم وتخرج من هذه الجامعة فقد عمل فيها مدرساً لمادة الرسم والتصوير، وشغل منصب وكيل علمي لعدة سنوات، ساهم مع حمّاد وعبد النشواتي وجلال قصيباتي وأدهم إسماعيل في تأسيس “مرسم فيرونيز” سنة ١٩٤١، معبّرين عن قطيعة فنية مع التيارات التقليدية في الفن، كما ساهم في تأسيس “جمعية أصدقاء الفن” في دمشق عام ١٩٥٠ ، وأصدر كتابًا بعنوان “الفن التشكيلي في سورية”.

   كان لنصير شورى حب كبير للطبيعة، تجلى ذلك في العديد من أعماله الفنية، فقد رسم المناظر الطبيعية الخلابة، مثل الجبال والوديان والأنهار، واستخدم الألوان الزاهية لتصوير جمالها، إثر هذه المرحلة جاءت مرحلة الواقعية ومن ثم الانطباعية على الرغم من الفروق بين الواقعية التي هي رسم الواقع، والانطباعية أي الرسم من الطبيعة، والتي تأثرت بعوامل عدة وهي مرحلة السفر وتأثره باتجاهات الفن التشكيلي الجديد، وتعمقه بشكل كبير بمعطيات التراث العربي، إضافةً إلى تأثير صديقه المقرب جداً الفنان محمود حمّاد (الذي غادر الحياة قبله بأربع سنوات في عام 1988) والذي كان قد سبقه في الفن التجريدي الحروفي الذي يقصد به استخدام الحرف بتكوينات فنية مجردة، بالاعتماد على الإحساس واللون والانفعالات، وبعد ذلك اتجه نصير شورى إلى الفن الرومنسي الجميل، وإلى نوع من التلخيص الحذر للشكل المشخص، والاختصارات المدروسة للون، وقد انتقل شورى إلى التجريد في منتصف الستينيات مع ظهور مساحات مستطيلة بالألوان والخطوط في لوحاته، قبل أن يزاوج بين التشخيص والتجريد في مرحلة لاحقة ضمن ابداعه الخاص الذي كان يخضع لقواعده أو قيوده الذي يختارها بنفسه. وقبل رحيله بنحو سنتين، اتجه إلى رسم لوحات بلون واحد ومشتقاته، وكانت لوحات كبيرة لها مواصفات خاصة مبرزاً التدرجات الضوئية التي أصبحت تعكس الحالة الداخلية الوجدانية معبّراً عنها بدينامكية وحركة لونية تشير إلى حساسيته الشديدة تجاه مفهوم التناغم.

أقام العديد من المعارض الفردية في سوريا والعالم العربي، وشارك في معارض جماعية دولية، كما أنه أصدر كتاباً بعنوان “الفن التشكيلي في سوريا” ١٩٨٠ ونال العديد من الجوائز، أهمها جائزة “بينالي الإسكندرية” عام ١٩٦١.من أهم أعماله الفنية: لوحة “الريف السوري” (1950)، لوحة “القدس” (1970)، لوحة “الأشجار” (1980)

  يمكن القول هنا: إن نصير شورى جمع بين العفوية الانطباعية والعقلانية في التجارب المخبرية المجردة وشبه الزخرفية، وما دفعه لذلك كان محاولة التوفيق بين الحب القديم للتعبير الحر، وبين التجارب المأخوذة من قبل المختبر، وهذا ما أدى به الوصول إلى الاغتراب الشكلاني المجرد أي الابتعاد عن الشكل باتجاه التجريد. تجلّت غنائيته اللونية في تلك المرحلة قبل أن يذهب في تحوّلات عميقة في مشواره، والتي يلخّصها في مقابلة صحافية بقوله إنه “مرّ بثلاث مراحل. كان في الأولى انطباعياً وفي الثانية تجريدياً، ويومها بدأ ولعه بمادة الإكريليك، أما في المرحلة الثالثة فإنه عاد إلى الطبيعة، بعدما علمته المرحلة التجريدية خصائص جديدة في اللون، سماها الواقعية الجديدة، قدم نظاماً شكلياً ولونياً جمع بين التناغم أحياناً والتضاد أحياناً أخرى، وبين الهندسة والطبيعة، وبين الألوان الحارة والباردة، للوصول إلى تكوين له أصالته مستخدماً الدمج والابتكار وخلق تناغمات وتدرجات لونية، لتقديم لوحة فنية مستقلة.

ومع اتقاد لونه، وحضور ابداعه شحب شعاع روحه وانطفأ سمة ١٩٩٢ تاركاً خلفه إرثاً فنياً متميزاً بأصالته وابداعه.

يعتبر نصير شورى من رواد الحركة الفنية التشكيلية في المشهد الثقافي السوري، قد كان لفاعليته الأكاديمية والإبداعية الأثر الحاضر واقعاً وإن كان ذكره غير متناسب مع منجزه.

للاستزادة:

  1. بطرس المعري، شورى وحماد: سورية في لوحة صديقين، صحيفة العرب الجديد، 2017م.
  2. سعد القاسم، مئوية شورى 1920-2020م، وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2021م.
  3. طارق الشريف، الفنان الراحل نصير شورى، مجلة الحياة التشكيلة، 1992م.
  4. طارق الشريف، نصير شورى سيمفونية الألوان، وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، دمشق، 2021م.
  5. غازي الخالدي، نصير شورى والتجريد الملحمي المُغني، مجلة الحياة التشكيلية، 1993م.
  6. عفيف البهنسي، الفنون التشكيلية في الإقليم السوري، 1960.
  7. فاروق يوسف، نصير شورى الذي رأى العالم بعيني طفل يتعلم المشي، صحيفة العرب، 2016.
  8. محمود حماد، نصير شورى، وزارة الثقافة، دمشق، 1992م.

 وفي دراسة مصدر واكب الفنان نصير شورى وعاصره، لا بدَّ من البحث في كتاب عنوانه (نصير شورى…سيمفونية اللون) الذي صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بتوقيع طارق الشريف وهو ناقد، وكان قد ألفهُ قبل وفاته عام 2013 وبقي مخطوطاً عند عائلته إلى أن تم نشره بخمس وتسعين صفحة مقسمة إلى ثلاثة فصول، وملحق صور يضم صور 38 لوحة من المراحل المختلفة لتجربة نصير شورى الثرية، وصدر كتاب يحمل عنوان (مئوية شورى) تضمن، مجموعة من شهادات الفنانين والمثقفين والنقاد بينهم الناقد طارق الشريف الذي وصف نصير شورى بأنه «علم بارز من أعلام الفن التشكيلي في سورية، ورائد من رواد الحركة الفنية، ومعلّم له دوره الكبير في توطيد هذه الحركة ورفدها بالأعمال الفنية المتنوعة، التي أسهمت في تطوير الرؤية الفنية وتجديدها، ووضع الأسس والمقومات لانطلاقة الفن التشكيلي وتحديثه، وتقديم الفن الأصيل المعبر عن الواقع، وما فيه من موضوعات وأشكال».

     *تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا