أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
لا يمكن أن تُختزل القضيّة الفلسطينيّة في أيّ تيار أو حزب سياسيّ، سواء أكان علمانيّاً أم دينيّاً، لأنها قضيّة إنسانيّة تُعبِّر عن معاناة شعب يُستأصل من جذوره التاريخيّة؛ ولذلك ينبغي أن نفهم تاريخيّاً، تمثيلاً لا حصراً، أنَّ منظمة التحرير الفلسطينيّة وحركة حماس ليستا إلا تعبيراً عن تجليّات مقاومة الشعب الفلسطينيّ لاحتلال أرضه. وبناءً على هذا الفهم ينبغي الاعتراف بأنَّ لكلِّ فرد من أفراد الشعب الفلسطينيّ موقفاً سياسيّاً دفعه إلى أن ينتمي إلى هذا الحزب أو ذاك، وليس مقبولاً قراءة خلاف الأحزاب الفلسطينيّة مع بعضها بعضاً للتنافس على الزعامة السياسيّة للشعب الفلسطينيّ بوصفه خلافاً تصنيفيّاً، أي يؤدي إلى قبول حزب أو اتجاه من جهة مقاومته للاحتلال الإسرائيليّ وعدم قبول حزب آخر. ذلك أنَّ اعتراف الدول الغربيّة بمنظمة التحرير الفلسطينيّة بصفتها الممثّل الوحيد للشعب الفلسطينيّ هو في حقيقته اعتراف ساذج لا يدل على وعي سياسيّ حقيقيّ بالتكوين السوسيولوجيّ للمجتمع الفلسطينيّ في مسار تطوّره التاريخيّ. إذ كيف يسمح الساسة الغربيون لأنفسهم، مثلاً، بأن يقبلوا الأحزاب اليهوديّة المتطرّفة على تعدّدها وأن ينظروا في الوقت نفسه إلى حركة حماس بصفتها تنظيماً متطرّفاً، علماً أنَّ حركة حماس استقطبت خيرة أبناء الشعب الفلسطينيّ، وهذا يعني أنَّ إيديولوجيا حماس الدينيّة-السياسيّة هي إيديولوجيا مقبولة بالنسبة إلى شريحة مهمة من أبناء الشعب الفلسطينيّ؛ بل يوجد لهذه الشريحة مؤيدون -ويمكن أن يكونوا دولاً أو جماعات أو أفراداً- في أنحاء العالم كافةً.
إذن، تنظيم حماس يؤلِّف حضوراً جغرافيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً لا يمكن حذفه من الوجود، ولن تجدي فتيلاً محاولات الساسة الغربيين وصف حركة حماس بأنها حركة إرهابيّة، لأنَّ في داخل أبناء الشعب الفلسطينيّ من أتباع حركة حماس شعوراً حاسماً ونهائيّاً بأنَّهم يحاربون الإسرائيليين، لأنهم قاموا باحتلال أرضهم، وفي رأيهم لم تسهم القوى الغربيّة في هذا الخصوص إلا في تأصيل وتبرير وتسويغ هذا الاحتلال، بل إنَّ هؤلاء الساسة الغربيين أنفسهم يحاكمون حماس على تهمة أو نقيصة وهي أنَّ حماس وفقاً لتصنيفهم تُعَدُّ حركة دينيّة متطرّفة تمارس أعمال عنف ضدّ المستوطنين الإسرائيليين المدنيين، على نحو ينسجم مع فهم زعماء حماس للعقيدة الإسلاميّة فهماً متشدّداً.
لكن لماذا لم يكترث الساسة الغربيون أنفسهم بأنَّ وجود دولة إسرائيل ينهض على مزاعم توراتيّة بأنَّ فلسطين هي الأرض الموعودة أو أرض الميعاد، وهذا ما دفع اليهود إلى الهجرة من مختلف أنحاء العالم إلى الهجرة نحو أرض الميعاد، أرض إسرائيل، فنكتشف مشهداً كوميديّاً إلى أقصى حدّ إذ اجتمع أُناس من أعراق متباعدة لا يوجد أنثربولوجيّاً أي جذر مشترك بينها تحت اسم شعب الله المختار.
قد جاء في سفر التثنية (2:14)ما يجيب عن سؤال: ما الذي يميّز شعب إسرائيل عن بقيّة شعوب العالم؟ “لأَنَّكَ شَعْبٌ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ، وَقَدِ اخْتَارَكَ الرَّبُّ لِكَيْ تَكُونَ لَهُ شَعْبًا خَاصًّا فَوْقَ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ عَلَى وَجْهِ الأَرْض.”
الحقيقة أنَّ كلَّ يهوديّ متديِّن موجود الآن على أرض ميعاده يشعر في أعماقه بأنّه قد اختاره الربُّ إلهُهُ ليكون فوق مستوى الناس كافةً من غير اليهود، ولا شك في أنَّ هذه الفكرة المرعبة يوجد فيها من التطرّف ما يقل وجوده في تاريخ النّوع الإنسانيّ. والغريب في الأمر أنَّ الساسة الغربيين في أوروبا وأمريكا يدعمون هذه الفكرة إلى أقصى حدّ، ويكرّسونها في عقل كلّ يهوديّ مقيم على أرض فلسطين، وبذلك تحوّلت الحضارة الغربيّة العلمانيّة في أوروبا وأمريكا إلى نار لقِدْرِ شعب الله المختار الذي يُطبخُ فيه أطفال غزة الأبرياء.
لقد استطاع الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشه بعبقريّة فائقة أن يشخّص هذه المفارقة الحضاريّة التي تُحيّر عقل كلّ مَنْ يُفكِّر فيها، ويمكن أن أُجَلِّيها في هذا السؤال: كيف يمكن أن تتحوّل الحضارة الغربيّة التي هي جوهريّاً في فلسفتها وعلمها نقيض إسرائيل التوراتيّة إلى خادمة مطيعة لشعب الله المختار؟
لقد قارن نيتشه بين الرومان واليهود، والرومان في رأيه هم التعبير الأعمق عن الحضارة العربيّة، أما اليهود فهم التعبير الأعمق عن الشعب الكهنوتيّ.
يقول نيتشه: “كان الرومان هم الأقوياء النبلاء. وبلغوا من القوّة مبلغاً لم يصل إليه حتى الآن أحد على وجه الأرض، ولو في الحلم. كلّ أثر من آثار سيطرتهم، وصولاً إلى أدنى كتابة من كتاباتهم، مدعاة للنشوة والافتتان، شرط ان يتمكّن المرء من معرفة أيّة يد كانت وراء هذا الأثر. أما اليهود فبالعكس. لقد كانوا ذلك الشعب الكهنوتيّ الحقود بلا منازع. كانوا شعباً يملك في ميدان الأخلاق الشعبيّة عبقريّة لا مثيل لها… أيُّ الشعبين أحرز النصر مؤقتاً، روما أم ياهودا؟ لا مجال للشك في الجواب. بل حريّ أن يتفكّر المرء في المسألة التالية: أمام مَنْ ينحني الناس في روما نفسها، انحناءهم أمام القِوام الذي تتقوّم به جميع القيم العليا-وليس في روما وحدها، بل في نصف الكرة الأرضيّة، في كلّ مكان أصبح فيه الإنسان مدجّناً أو يكاد. إنهم ينحنون أمام…اليهود”. (نيتشه، أصل الأخلاق وفصلها، ترجمة: حسن قبيسي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1981، ص47).
ينبغي ألا يُفهم كلام نيتشه الذي مات عام 1900 من جهة معاداة الساميّة من أجل تصنيفه ثم رفضه، فنيتشه كان ثورة فكريّة هائلة وفي جميع الاتّجاهات، غير أنَّ اللافت في كلام نيتشه وفقاً لمقاصده هو أنَّ روح الحضارة الرومانيّة الغربيّة التي كان مذهبها الفلسفيّ هو الرواقيّة التي أسّسها زينون الفينيقيّ تتناقض تناقضاً تامّاً مع الروح العبرانيّة؛ لكن أباطرة روما الذين كان منهم الإمبراطور الرواقيّ ماركوس أوريليوس انعطفوا في ما بعد بسبب الإمبراطور قسطنطين إلى حظيرة “الخراف الضالة من بني إسرائيل”!
وها هو الغرب الآن تحديداً الغرب الأمريكيّ ينعطف عن إنجازاته العظيمة كلّها باتّجاه نوع من التطرّف يدعم إسرائيل في كلّ ما تفعله في غزّة بذريعة تطرّف حركة حماس؛ وهذه التهمة أغمضت عيون الساسة الغربيين عن جنود شعب الله المختار وهم يهدمون بيوت الفلسطينيين فوق رؤوسهم، ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ، ولا يقبلون من فلسطينيي غزَّة أي دفاع عن أنفسهم في وجه الحصار والقتل والهدم والحرق؛ ولذلك لم تعد معايير السياسة الأمريكيّة صالحة لإدارة الأزمات السياسيّة في العالم؛ لأنَّ “السُّعار التكنولوجيّ العسكريّ الرهيب”، على حدّ تعبير الفيلسوف الألماني هيدغر، دفع الساسة الأمريكيين إلى نوع من الجنون السياسيّ الذي يهمِّش الإنسانيّة لصالح ضرب من العِرقيّة الدينيّة، فكيف يمكن أن يقوم البيت الأبيض بتعزيز وجود شعب الله المختار في أرض ميعاده المزعومة، أي كيف يمكن له يدعم فكرة توراتيّة متطرّفة، ويرفض رفضاً قاطعاً أن يُدافع الفلسطينيون عن أنفسهم من مُنطلق دينيّ كما هو الحال مع حركة حماس.
ولكن وإن كانت فكرة شعب الله المختار مقنعة للساسة الغربيين وفي مقدمتهم الأمريكيين من جهة اعترافهم بحق تاريخي لليهود في فلسطين فماذا سيفعلون إن كان وجود اليهود في فلسطين مجرد وجود كتابي نصي لا تؤيده أي اكتشافات آثارية أو أركيولوجية هنا سينتقلون من دون أي شك لتبرير وجودهم بذرائع إنسانية ويتناسون أن اليهود بنوا وجودهم في فلسطين على كذبة كبرى. يوجد فشل ذريع الآن عند علماء الآثار الإسرائيليين إذ لم يقدروا على إثبات وجود أي دلائل تشير إلى وجود اليهود في فلسطين بما ينسجم مع مقولات التوراة حتى أن مزاعم اليهود التوراتية أصبحت الآن بين العلماء المتخصصين مجرد أساطير.
وقد يبهرنا الفيلسوف الكنعاني أو الفينيقي فرفوريوس المتوفى في بدايات القرن الثالث للميلاد عندما نعرف أنه دعا الناس إلى التوقف عن الانخداع بأساطير اليهود. وفي غزة نفسها بخان يونس منذ أمد قريب أعلن عن اكتشاف تمثال حجري يرجع تاريخه إلى 2500 عام قبل الميلاد يمثل عناة إلهة الحب عند الكنعانيين وكأن التاريخ يريد أن يقول لأبناء غزة وجودكم حقيقي ووجود الإسرائيليين مختلق. وهنا يظهر التطرف الحقيقي للغرب الذي يهمل وقائع التاريخ ويتبع الأساطير.
لم يدمر أبناء غزة تمثال عناة، بل قبلوه بصفته جزءاً من تاريخهم وحافظوا عليه. وقد تكون روح الحضارة الغربية أقرب إلى عناة من يهوه. غير أن ما لم يفكر فيه الغربيون هو أنه رغم ضياع بلاد كنعان وحلول إسرائيل محلها فقد يصرخ تمثال عناة في يوم قادم لنداء البعل ليستعيد أرضه السليبة.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...