تدريباتنا

“فوبيا الامتحانات” وحلم ”الطب“ الباقي ! 

by | Jun 29, 2022

عام 2007، كان أبي يردد مفرداته الشهيرة ” كم سنة ورح علق اسمك على العامود بآرمة كبيرة، الدكتورة رنيم غسان خلوف، اختصاصية في كذا“. إلا أنه ترك لي حرية الاختصاص، ومات حلمه عندما قررت الدخول إلى الثاني الثانوي الأدبي.

أذكر تماماً ملامح وجهه” مثل مابدك”، وعندما كتبت أول مادة صحفية وضعت اسمه مع اسمي تقديراً له وليس تحقيقاً لحلمه.

عراك الشهادة والمهنة والمجتمع، يعيش في تفاصيل حياة السوريين/ات، منهم/ن من ينظر للشهادة أنها آمانٌ وحماية، ومنهم/ن من ينظر لها أنها تحصيل حاصل.

وظيفة الحكومة..مازالت مرغوبة

لا أنكر إني ضغطت على ابني، ومرات أشعر كتير إني زودتها عليه، بس من خوفي، ترجع فيني الذاكرة لخوف أمي”، بهذه الكلمات عبرت ساليت محمد- اسم مستعار- 40 عاماً، عن تعاطيها مع طفلها الأول الذي يقدم الشهادة الإعدادية، تتابع ساليت ”ربما ورثنا من أهالينا طرق التعامل مع أبناءنا أثناء الامتحانات، لكن بكل تأكيد لن أقف بوجه ابني إن أراد أن يدرس مايريد، موسيقى، جغرافية، فنون، وهذا ما نختلف فيه تماماً عن أهلنا، وترى أن الشهادة مهمة له، تشبه جواز السفر الذي ينجو به من البلاد إلى كل العالم“، بينما توافق تهامة العلي من مدينة حمص 40 عاماً، ساليت بضرورة أن يدرس الطالب فرعاً جامعياً يمكن أن يعيش كريماً من خلاله، إلا أنها ترى الشهادة وسيلة لوظيفة حكومية آمنة حتى في ظل تدني الأجور والرواتب، وتشجع ابنتها الوحيدة على ذلك، وتعترف بممارسة الضغط على ابنتها لتشعرها بالمسؤولية!

توافق علياء علي، وهي تدرس الهندسة المدنية وعمرها 25 عاماً، على أن وظيفة الحكومة -رغم ضعف الراتب- هي أمان الفتاة في المستقبل، لكن عندما يصح لها فرصة سفر سوف تذهب، وتنظر للشهادة أنها وثقة حياة ونجاة معاً، وتتحدث عن شرط أبيها الذي أجبرها على دراسة اختصاص تلتزم فيه الدولة بتعيين الخريجين، وتعزو ذلك للفقر!.

إلا أن حازم علي 39 عاماً، وهو خريج لغةٍ عربية ويعمل تاجراً في محلٍ للألبسة النسائية، لا يؤمن من جهته بوظيفة الحكومة التي يعتبرها أنها ”تفقد الشخص احترامه بعد تعب سنين“. 

الخوف القاتل!

” ما أحلاها هيك بعد 8 سنين يقولوا عني أم الدكتور والدكتورة، ويا سلام إذا كان الاختصاص شي صعب ونادر قلبية، أورام، جراحة، كتير بكون رافعة راسي“ تقول نهى محمد 47 عاماً، وهي ربة منزل، لجارتها من النافذة في حي المزة 86 غرب العاصمة دمشق، لتعقب الأخرى ”يالله هانت كم يوم وبتطلع النتائج، الله يفرح قلبك“. تتنهد نهى وتودع جارتها لموعد في عصر ذات اليوم.

في مشهد آخر بمدينة حمص، دخلت والدة عمران دياب إلى غرفته قبيل تقديمه للمادة الامتحانية الأولى في الشهادة الثانوية لتجده مستلقيا وهو يحتضن كتابه. حاولت أن توقظه علها غفوةً إلا إنه لم يستجب، مات عمران طفلا، لأنه لم يتحمل ضغط امتحانات تقرر مستقبله.

“فوبيا” الامتحانات الدراسية، تتوارثها الأجيال من صفٍ دراسي لآخر، فالعلامة مقياس حكم اجتماعي وحامل الأحلام الاقتصادية والرخاء أيضاً.

تزايدت حالات إصابات الشباب والصبايا في سوريا بجلطات قلبية ودماغية، وخصوصاً في السنة الأخيرة، دون وجود أية أعراض مرضية سابقة، فعزاها الأطباء إلى الضغط النفسي، سواء الناجم عن الوضع العام بالبلاد أو حتى ضغوط الامتحانات، وعن هذه الناحية تتحدث الدكتورة في علم الاجتماع سمر علي ”الأهل اليوم ورثوا جملةً من العادات التربوية الخاطئة، من خلال توجيه أبنائهم في المراحل الدراسية وخاصة التاسع والبكلوريا لضرورة الحصول على أعلى العلامات، دون الانتباه إلى فروق فردية ومستويات ذكاء، وتوجهيهم إلى الفروع الطبية كنوع من البريستيج، مع نسيان أهمية فروع أدبية أخرى“.

وتعزو عبير ياغي 45 عاماً وهي أم لأربعة أطفال وربة منزل، في حديثها لصالون سوريا مشكلة الأهل ”بالتعويض عن نقص لديهم، حيث أنهم عجزوا عن النيل على شهادة الطب أو الهندسة، ويطالبون أولادهم اليوم بالحصول على العلامة العالية، لتحقيق ما لم يستطيعوا تحقيقه.“، وتضيف ياغي ”من الممكن أن يكون الفقر عامل آخر، فعائلة وضعها متوسط يريدون من أولادهم دراسة فرع جيد، ليستطيع الحصول على وظيفة مناسبة تنقذهم من الفقر، في ظل غياب التشجيع على التعليم المهني وأهميته“.

وتتعرض ياغي للانتقاد عندما تقول أن العلامات العالية ليست معيار ذكاء للطالب، إلا أنها احتفلت بنجاح انتبها في الصف التاسع بعلامات عادية جداً!.

ويرى الأهل أن الفروع العلمية ربحها سريع ومستقبلها مضمون، ”وهذا معتقد خاطئ، لكن مازال يعيش في المجتمع“ بحسب الدكتورة سمر، بينما يشير الدكتور مصطفى الشعار الاختصاصي بعلم النفس إلى أن الضغوط الذي يمارسها الأهل على الطالب بحسن نية ”نتيجتها سلبية، ممكن أن توصل الطلبة إلى أمراض نفسية خطيرة، واليوم الضغط مضاعف على الأهل وعلى الطالب بحكم أوضاع البلاد، وكلاهما يرى أن الشهادة هي نجاة لمستقبل مضمون الهوية، رغم احتفاظ الأهل بالكثير من البريستيج لكل علامة يزيد بها الطالب جاره أو ابن خاله وخالته وعمه“. 

الأهل يريدون والطلاب والطالبات يريدون شيئاً آخر، لكن وحدها الذاكرة والعلامات النهائية هي من تقول الكلمة النهائية، وإلى أن تأتي هذه العلامة تستمر “فوبيا الامتحانات” وحلم شهادةٍ تنجّي من الجوع أو تقرّب السفر خارج هذه البلاد.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا