تدريباتنا

قلبنا من الحامض لاوي: السوريون وأزمة الحمضيات

by | Mar 13, 2019

تزين أتوستراد المزة بالحمضيات منذ فترة، في مشهد أثار حفظية المزارعين الذين لم يتوقعوا أن يجدوا إنتاجهم من الحمضيات يستخدم للزينة عوضاً عن الأكل. في الوقت الذي أشار فيه رئيس اتحاد المصدرين السوري محمد السواح بأن هذا من أنواع العرض لمنتجات مهرجان” زرع وصنع في سورية” والذي يقام بداية كل شهر لترويج المنتجات السورية، والذي تم تزيينه للمرة الأولى بالحمضيات فقط.
وأزمة تسويق الحمضيات في سوريا ليست جديدة، فخلال أكثر من 25 سنة تنوعت المساعي الحكومية التجميلية للتخفيف من الواقع المأساوي لمصير الحمضيات دون جدوى، واليوم تقف الحكومة عاجزة عن تصريف إنتاج هذا المحصول الذي تجاوز المليون طن وفق أرقام وزارة الزراعة السورية.
دفع هذا العديد من المزارعين إلى اقتلاع أشجار البساتين، إذ تشير إحصائية مديرية الزراعة في اللاذقية إلى أن عدد الأشجار المقلوعة خلال عام 2016 وصل لـ 5086 شجرة في حين بلغ عدد الأشجار المقلوعة عام 2017 لـ 20338 شجرة.
وتستوعب السوق المحلية ما يقارب ثلث الإنتاج من الحمضيات أثناء الموسم، مما يترك كميات كبيرة خارج الحاجة الفعلية، وهذا يعني زيادة كبيرة في العرض تؤدي إلى انخفاض الأسعار بشكل مجحف بحق المزارعين، كما تؤدي لتلف جزء من الموسم لعدم جدوى قطافه وتسويقه. ومع استمرار فجوة الفارق بين سعر الحمضيات الذي يبيع بموجبه الفلاح محصوله، والسعر الذي يشتريها به المستهلك النهائي بنحو 50 ليرة سورية، يؤكد المزارعون أن هذا تلاعباً بقوت عائلاتهم ، حيث يعمل بهذه الزراعة قرابة 57 ألف عائلة في 357 قرية ويعتمدون عليها بشكل أساسي في معيشتهم.
ويبلغ عدد أشجار الحمضيات الكلي 14 مليونا و196 ألف شجرة، تمتد على مساحة 43 ألف هكتار، منها 13 مليونا و555 ألف شجرة في طور الإنتاج تشرف عليها 103 وحدات إرشادية وفق أرقام وزارة الزراعة.
ويعاني مزارعو الحمضيات من عدم إمكان تصدير انتاجهم لأسباب عدة، منها عدم مطابقة المنتج للمواصفات القياسية التي تطلبها الأسواق الخارجية، إذ رفضت روسيا عام 2017 شحنات الحمضيات السورية لهذا السبب مما دفع البلدين لتأسيس شركة خاصة تعنى بجودة المنتج الزراعي، بحيث يكون مطابقاً للمواصفات التي تناسب السوق الروسية، وتم وضع خطة لمبادلة 200 ألف طن من الحمضيات والفواكه والخضار السورية بالقمح الروسي، إلا أنه لم يتم البت بالموضوع مع الجانب الروسي على ذلك، وبقي الموضوع رهن الدراسة والمشاورات.
يضاف إلى ذلك أن عملية التصدير تتطلب وجود مشاغل فرز وتوضيب الحمضيات، إلا أن عدد المشاغل لا يتجاوز الـ 50 في محافظتي طرطوس واللاذقية، ووفقاً للمزارعين هناك، فإن خط التصريف لا يتجاوز مدينة دمشق، كما تعتبر مشكلة المنافسة في الأسواق العالمية أحد أبرز معوقات التجارة، في ظل غياب المشجعات التصديرية المتمثلة بسياسة الحماية المتبعة في بلدان عدة مثل الاتحاد الأوروبي.
حاولت الحكومة العام الماضي تسويق المحصول عبر مؤسساتها التجارية، وذلك باستجرار كميات كبيرة من المحصول لصالاتها، حيث تم تركيب خط للفرز هو الأول من نوعه لدى القطاع العام في الساحل السوري، تبلغ إنتاجيته خمسة أطنان بالساعة، لكن هذا الإجراء فشل في تسويق كامل الإنتاج، إذ يحتاج تصريفه لإيجاد أسواق خارجية لتصديره.
ولتصرّف بقية المحصول عمدت الحكومة لإطلاق حملة لتوزيع الحمضيات مجاناً لأسر ضحايا الحرب السورية، الأمر الذي أثار استياء أهالي الضحايا خاصة بالمناطق الساحلية، وبهذا لم تثمر المقترحات التي ابتدعتها الحكومة لحل مشكلة الحمضيات، بل على العكس يزداد الأمر سوءاً عاماً بعد عام.
مؤخراً منحت الحكومة دعماً قدره 1600 دولار لكل شاحنة تحوي 15 طناً من الحمضيات، لكن الأمر الذي غاب عن ذهن الحكومة السورية أن الدعم المادي سيذهب للتجار لا للمزارعين، خاصة وأن التجار هم الحلقة المسؤولة عن تسويق الإنتاج.
أما المزارعون فمعاناتهم ماتزال كبيرة نتيجة الخسائر المتلاحقة لقطاع الحمضيات حيث يتكدس الإنتاج في أسواق الجملة، ومع بداية كل موسم زراعي تتجدد المشكلة إن كان لجهة كساد الإنتاج، أو نتيجة العوامل الطبيعية لتبقى الأزمة مستمرة.
وبالإضافة للحاجة لسياسة زراعية حقيقة تدرس حجم احتياجات السوق الداخلية وإمكانية التصدير والأسواق الخارجية التي ترغب باستيراد هذا النوع من الحمضيات، على الحكومة السورية أن تدعم المزارعين أسوة بالدول الأوروبية، التي تقوم بالدفع لمزارعيها لثنيهم عن زراعة منتج قد يتسبب بحدوث فائض وكساد بالإنتاج، وبالتالي توفر الحكومة على نفسها معاناة البحث عن سبل لتصدير الفائض من الحمضيات التي زادت بكثرة في السنوات الأخيرة نتيجة استسهال الحلول والاعتماد على الدولة لتسويق المنتج الفائض، لكن مع مرور الوقت أصبح هذا الاستسهال عبئاً على المزارع والدولة.
أما الحديث عن إنشاء معمل لعصر الحمضيات، فيجمع العديد من المختصين بصناعة العصائر أن منتج الحمضيات السوري غير قابل للتحول إلى عصير، لنسبة المرارة العالية فيه، وبالتالي لا جدوى من تصنيعه. ولو كان الأمر مجدياً لتسابقت الدول المجاورة على استيراده وتصنيعه، نتيجه انخفاض أسعاره.
عن هذه القرارات ومشكلة المحصول الفائض عبّر البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن خوفهم من أن تتخذ الحكومة قراراً لتوزيع الحمضيات أي “صناديق البرتقال” بدلاً عن الأجور والرواتب، حيث أن الحد الأدنى للأجور في سوريا 30 ألف ليرة يعادل شراء 300 كيلو غرام من البرتقال، بينما اكتفى آخرون بالقول “قلبنا من الحامض .. لاوي”..

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا