تدريباتنا

لماذا يسافر السوري… الى الصومال؟

by | Nov 25, 2021

“لماذا سافرت برأيك؟، هل هو ترف السياحة؟، أم هي الحاجة للعيش؟، نعم أنا طبيب، قضيت عمري أدرس حتى اتخرج، ثم هات حظاً لأفتح عيادة واتعاقد مع مستشفى ثم أن يكون لديّ مرضى أو لا يكون، ثم ما هو مستقبلي في البلد؟، ومهما جنيت كم سأجني؟، الصومال ليست الخيار الذي كنت أطمح إليه، ولكن للأسف صارت وجهتنا كأطباء مكره أخانا لا بطل”، يقول طبيب دخل عامه الثاني في مقديشو، يرفض الكشف عن هويته، يقول أنّه يخاف تبعات ما قد يقوله لشدة ما وصل إليه من إحباط، قبل أن يودع حواري الشام، على حد تعبيره.
وبلهجة لا تخلو من الحزن يكمل: “شباب ضائع، حاضر سيء، مستقبل غامض، لا أدعي أنني تأقلمت في الصومال، ولكن على الأقل لست نادماً على هذه الخطوة بقدر ما أنا حزين أنّها خطوة لم تكن اختيارية بالمطلق، الظروف المادية والنفسية والمعنوية، وفوقهم الحرب، ومخاطر ما بعد الحرب، وضيق الحال، وضعف الاقتصاد، وانعدام فرص العمل، كل هذا بعض من العوامل التي جعلتني أكون حيث أنا الآن، وحيث أنا الآن هناك الكثير من أقراني السوريين، جميعنا نسأل بحرقة، أما كان يمكن ألّا يقدر لبلادنا كل هذا العذاب؟”.

جهاراً نهاراً
“هام: فرص عمل مميزة برواتب ومزايا عالية في قطر واليمن والصومال، للأطباء الأخصائيين من كافة الاختصاصات، وحسب توافر الشاغر، لتصلك عروض التوظيف مباشرة، أرسل سيرتك الذاتية وصورة عن الشهادات الدراسية والخبرة على واتس اب، وسنتواصل معك قريباً جداً”.
هذا نص لمنشور وضعته صفحة اسمها “فرص العمل للسوريين في الخليج والصومال” على موقع “فيسبوك”، وختمت منشورها بوضع رقم عائد لشخص يسمى الدكتور ميخائيل من حمص، يعمل ضمن شركة اسمها موارد تأسست في عام 1999 كما جاء في النص.
انهالت التعليقات على المنشور، ايمان درويش قالت: “هل هناك شروط خاصة للعمر”، فيما طلب منذر منذر فرصة عمل لشيف شرقي، أما أمينة زهرة فقد قالت أنها مهندسة وتريد السفر، وصادق البشاري قدّم نفسه على أنّه فني أسنان مهتم بالفرصة، وآخرون راحوا يشيرون لأصدقائهم في التعليقات.
لا يمكن وصف الحالة بالطبيعية، فأي شيء وصله السوري حتى يسعى للسفر إلى الصومال؟، هذا سؤال تبدو الإجابة عليه أعقد من الإيجاز فيها.

2200 دولار
“الغريب أنّ التعاقد صار الآن يتم عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، يقول الطبيب شادي حلوم لـ “صالون سوري”، ويكمل: “عرض عليّ أكثر من مرة السفر والعمل في الصومال ولكنني بالطبع رفضت وسأظل أرفض، تخيل يتم التواصل معي عبر فيسبوك مرة وعبر واتس آب مرة أخرى، وضمن هذه المرات كانت شركة طبية هي من تتواصل، بالتأكيد لن أهرب من سوريا لأموت في الصومال، نحن هنا جائعون ولا عمل يفي بالمطلوب ولا فرص كنا نسعى إليها سنصلها، وصحيح أنّني سأخدم عسكريتي ولكن لقد حددت مدتها لي كطبيب وهذا أمر ممتاز، بالمختصر لم أمت في عشر سنوات من الحرب السورية، لن أذهب لأموت في لحظة اشتباك أو تفجير في الصومال، ثم لنسأل هل نحن حقاً نعرف الوضع في الصومال؟، كم هرمنا وتعبنا وهزمتنا الظروف حتى صرنا نهرب من بلد حرب، إلى بلد حرب آخر!”.
علي طبيب آخر في دمشق، لا يزال يفكر في عرض قُدِمَ إليه للسفر والعمل في الصومال، “لقد قدم لي عرض للسفر والعمل في أحد مستشفيات مدينة بيلدوين الصومالية مقابل راتب 2900 دولار شهرياً، وعلاوةً على ذلك الراتب قابل للزيادة، والسكن مؤمن، والطعام، والإجازة السنوية شهر كامل مدفوعة الأجر، وقيل لي أنّ تعداد سكان هذه المدينة أقل من مليون نسمة وأنها آمنة نسبياً، لذا، لا زالت أدرس العرض، ربما أوافق، بالنهاية لا يوجد عمل في بلدنا، والخيارات والسبل والدروب باتت شبه مسدودة في أوجه الشباب”.
يمكن للطبيب نفسه أن يبحث عن فرص عمل للسوريين في الصومال عبر الانترنت، بعض المنشورات تقدم رواتباً تصل حدّ خمسة آلاف دولار، وهو ما يحتاج السوري لسنين لجمعه في بلده، على اعتبار أنّه مقابل كل طبيب يعمل هناك عشرة لا يعملون، وهذا طبيعي بالسياق المهني العام، ولكنّه غير طبيعي إذا ما خضع لمبدأ ترغيب الأطباء بالهجرة مقابل المال، إفراغ سوريا من أطبائها ومهندسيها وشهاداتها بصورة عامة، سيجعل تعافي هذا البلد بطيئاً أكثر من المتخيل، هذا في حال تعافى، وهذا رأيٌّ يذهب إليه جمهور يدعي الواقعية لا السوداوية.

جار عليهم الزمن
صفحة أخرى على موقع “فيسبوك” تقول في تعريفها إنّها غير ربحية وإنما الهدف منها هو التواصل والتعاون بين الأطباء السوريين في الصومال بعد أن “جار عليهم الزمن”، وبدورها تبدو هذه الصفحة سخية، إذ تقدم رواتب تصل حتى 3500 دولار مع نسبة 10% للطبيب، وبسهولة يمكن البحث وإيجاد عشرات وربما مئات فرص العمل للسوريين في البلد الشقيق لشامهم، الشقيق في الحرب وعداد الموت المطرد مع الأيام.
“لم أكن أريد بأي شكل لولدي أن يسافر، وإلى أين؟، إلى الصومال!، إلى بلد آخر مزقته الحرب، أمسك له كلما استطعت الصلاة النارية، وأذكره بالدعاء مع كل قيام ليل، ماذا بيدي أن أفعل؟، أتواصل معه كلما سنحت له الفرصة، والله لا أفوت لحظة دون دعاء له، ختمت القرآن على نية عودته سالما، ولكن ماذا بعد؟، إلى متى سأعيش هذا الجحيم من الخوف عليه؟”، تقول أم سامر والدة طبيب هاجر قبل ثمانية أشهر إلى الصومال، تقول ذلك وهي تدرك بكل ثقة أنّه ما من مستقبل لابنها الوحيد هنا، “لكنه قلب الأم.. ما باليد حيلة”.

خسارة الأطباء
وافادت صحيفة “الشرق الأوسط” في مادة نشرتها الشهر الماضي أنّ سوريا خسرت 400 من كادرها الطبي بينهم 230 طبيباً نتيجة تفشي فايروس “كورونا”، بينهم عدد من أهم وأكفئ الأطباء المختصين، وهو –والكلام للصحيفة- ما أثار مخاوف العاملين بالقطاع الصحي ودفع كثيرين منهم للتفكير لمغادرة سوريا.
مصدر في وزارة الصحة أكد لـ “صالون سوريا” دقة أعداد الوفيات، مبيناً أنّ سوريا اليوم تدق ناقوس الخطر بفعل النقص الفادح بأعداد الأطباء، الأطباء الذين نالت منهم الحرب خلال السنوات الماضية، والمهاجرين الجدد، والذين قضوا في أزمة كورونا.
يبقى أنّ نقيب الأطباء السوريين اعترف في حديث سابق أنّ الأطباء يهاجرون إلى الصومال لأنّ الرواتب هناك أفضل، وفي الإطار قالت مصادر متقاطعة لـ “صالون سوريا” أنّ المعيشة في الصومال رخيصة جداً قياساً بدخلهم بالدولار الأميركي، وبأنّ الشعب الصومالي ودود و”معشراني” ويحب السوريين، ربما يحبهم على قاعدة أشقاء الدم والعذاب في الأرض، وقليل من الاحترام لوافدين من بلد كان يحتل مرتبة متقدمة في الأمن وضمناً الغذائي والمائي، وصار اليوم أكثر من 83% من سكانه تحت خط الفقر.. ولولا أنّ السوريّ جاع لما كان سافر إلى الصومال التي ما كان يعرف عنها غير الخوف عبر ما كان يُعرَض في نشرات الأخبار قبل أن تصير سوريا عنوان المشهد المستمر في نشرات الأخبار.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

في وقت فراغي: ستَّة نصوص لِـ(أديبة حسيكة)

(1) في وقت فراغي كنتُ أملأ الأوراق البيضاء بالحقول كان يبدو الفجر أقرب و السحاب يمرّ فوق الطرقات بلا خسائر..  وكان الماضي  يمتلئ  بالألوان. لا شيء مثل اللحظة حين لا تجد المسافة الكافية لتخترع أجنحة تكاد تنمو كزهرة برية.  بدأتُ أجمع صوتي من الريح و أفسّر...

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

تدريباتنا