تدريباتنا

ماذا يحدث في ادلب؟

by | Jan 21, 2018

ماذا يحدث في ادلب؟ وما تأثير ذلك على مناطق خفض التصعيد ومؤتمر الحوار في سوتشي؟ وهل سوف تتأثر العلاقات التركية الروسية بما يحصل حقيقة؟

لاشكّ أنّ التصعيد الأخير في إدلب قد فتح الباب أمام الكثير من التكهنات والاستنتاجات، بعضها، إن لم يكن أغلبها، وصل إلى ترجيح حتمية انهيار التوافق الروسي التركي في سوريا والذي كان قد أعطى مساحة واسعة للحل في سوريا وتهدئةَ للصراع وخاصة في مدينة إدلب ومحيطها. لكن قبل القفز للاستنتاجات لابد لنا من تحليل العلاقات والمصالح والرؤى لكل الأطراف في سوريا وتحديد اتجاهات كل منها، وكيف يمكن أن تتصادم أو تلتقي.

هناك أربع مناطق خفض تصعيد في سوريا، الغوطة الشرقية، مناطق معينة في شمال محافظة حمص، مناطق معيّنة في جنوبي سوريا (محافظتي درعا والقنيطرة)، ومحافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة (اللاذقية، حماة، وحلب). لكن التعاطي مع هذه المناطق يختلف بحسب من يسيطر عليها وفقاً للاتفاقيات الموقعة، ففي الغوطة الشرقية وقّع الجانب الروسي اتفاقية خفض تصعيد بشكل مباشر مع جيش الإسلام ومن ثم مع فيلق الرحمن، وهذا اعتراف ضمني بكلا الفصيلين وتحييدهما بحسب التصنيف الروسي عن قائمة الفصائل المصنفة “إرهابية” في سوريا، أمّا في الجنوب السوري فقد تم توقيع الاتفاقية مع الجانب الأمريكي والأردني وليس مع الفصائل المتواجدة هناك، وكذلك الحال في منطقة إدلب ومحيطها، فقد تم إقرار منطقة خفض تصعيد في مفاوضات أستانا بالتوافق بين روسيا وتركيا وإيران وليس مع الفصائل المتواجدة في المنطقة، وهذا يعني بأنّ روسيا في حِلّ من أي اتفاق مع جبهة النصرة أو أحرار الشام أو كتائب نور الدين الزنكي، وتأكيداً لذلك أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنّ محاربة التنظيمات الإرهابيةمثل داعش وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) ستتواصل رغم إقرار هذه المناطق.

بالنسبة إلى تركيا، بعد تبدّد حلم التوسع في سوريا وباقي دول الربيع العربي، لم يتبق لها إلا حماية أمنها القومي من خطر قيام أي كيان أو تنظيم كردي في الشمال السوري وتحت أي مسمى كان، فهذا خط أحمر حقيقي للرئيس رجب طيب أردوغان لن يتغاضى عنه مهما كلف الأمر. رغم أنّ أردوغان قد تعاون مع بوتين لإخراج المعارضة المسلحة من مدينة حلب ولكنه في المقابل دخل بقواته العسكرية إلى مدينة جرابلس وتوسّع في الشمال السوري بحسب اتفاقه مع الحليف الروسي. وبعد نجاح عملية درع الفراتفي طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من منطقة الشمال السوري وإبعاد المقاتلين الأكراد الى شرق نهر الفرات أصبح واضحاً لدى الجميع بأن فصائل المعارضة في الشمال السوري ذات أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا في وجه القوى الكردية المدعومة أمريكياً، وبالتالي لن تتخلى تركيا عن حلفائها من الفصائل السورية المعارضة حتى لصالح روسيا نفسها. صحيح بأنّ جبهة فتح الشام كانت قد عاندت التعامل مع الحكومة التركية في عملية درع الفرات وأصدرت بياناً حول ذلك، لكنها تعلم بأن تركيا قادرة على حمايتها من النار الروسية وقادرة أيضاً على إنهاء وجودها إذا أرادت، وبالتالي لم يكن أمامها سوى الاستسلام طواعية للإرادة التركية. وقد عملت جبهة فتح الشام مؤخراً على تطهير صفوفها عبر اعتقال العناصر المتشددة والأجنبية، خاصة المرتبطة بتنظيم القاعدة الأم، مما أغضب الظواهري الذي خرج متوعداً أبو محمد الجولاني ومؤكداً بأنّ البيعة لا يمكن فكاكهاوقبلها أيضاً شهد تنظيم أحرار الشام حركة انقسام شاقولية بعد خروج المتشددين منها وانضمامهم الى جبهة فتح الشام وركن الآخر في منطقة سهل الغاب في الريف الحموي.
لكن رغم التحفظ التركي، وقبل أيام من نهاية العام ٢٠١٧ أكد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية أنّ الحرب على الإرهاب مستمرة وتعهّد بالقضاء على تنظيم جبهة النصرة” (جبهة فتح الشام) والجماعات المنضوية تحت زعامتها في سوريا خلال العام المقبل.

أما بالنسبة للحل السياسي في سوريا، فإنّ روسيا كانت ولا تزال تنظر للحل من زاوية واحدة فقط، دعم الحليف الأسد وتهميش المعارضة السورية، ولقد أثمرت سياستها تلك بعد أن عملت على تجميع كافة دول أصدقاء المعارضة وأصدقاء النظام في مجموعة دعم سورياثم الخروج باتفاقية فيينا3 ، ثم اتفاق مناطق خفض التصعيد في أربع مناطق أساسية ومهمة في سوريا وذلك بالتوافق مع تركيا وايران في أستانا، وحالياً التحضير لمؤتمر الحوار في سوتشي والتي تعوّل على نجاحه كثيراً وتعمل على ذلك رغم وجود معارضة تركية واضحة لأي تمثيل كردي في المؤتمر، وهذا يُضعف إمكانية الحل الشاملة التي تنظر إليها روسيا، وبالتالي تجعل الأكراد أكثر التصاقاً بالولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أي روسيا بأنّ وجودها في الشمال السوري غير مبرر بعد القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية.

يبدو أن التصعيد الروسي الأخير في إدلب وريفها حمل هاتين الإشكاليتين إلى القيادة الروسية والتركية معاً، فروسيا التي تدعم قوات الجيش السوري في حملته الأخيرة واجهت رداً قوياً ومباغتاً من قوات فيلق الشام وإلى جانبها فصائل جيش إدلب الحر، جيش النخبة والجيش الثاني، وليس من جبهة فتح الشام  أو أحرار الشام أو الزنكي التابعين مباشرة للقيادة التركية، واستطاع فيلق الشام الصغير عدة وعتاداً استعادة جزء كبير من المناطق التي خسرتها المعارضة في ريف ادلب، وهذا  بحسب ما ورد بفضل الكم الكبير من السلاح النوعي التركي المساند.

لا تزال المعارك دائرة في ريف ادلب بشكل ضمني بين رؤية روسيا للحل ومصالح تركيا وأمنها القومي، ومما زاد من تعقيد الموقف أكثر هو إعلان المتحدث باسم التحالف الأمريكي يوم الاحد لوكالة الصحافة الفرنسية عزم بلاده تشكيل قوة حماية الحدودالكردية في الحزام الأمني الذي يمتد من أربيل وحتى البحر المتوسط على طول الحدود السورية التركية، تحت ذريعة منع أي عودة لـ الدولة الإسلامية، ولكن بمقصد أكثر وضوحاً عبرت عنه السيدة فوزة يوسف العضو البارز في مناطق الإدارة الذاتية في تصريح لوكالة رويترز هناك تهديدات من الدولة التركية، أيضاً النظام قام أكثر من مرة بالتصريح بالهجوموأضافت من أجل أن نتجنب أي هجوميجب أن يكون هناك قوة رادعة تقوم بحراسة الحدود التي تفصل بين مناطقنا والمناطق الأخرى …”

قد يعيد هذا التطور الجديد خلط الأوراق مرةً أخرى لتتجه الأنظار نحو تهديد صريح من واشنطن التي تعتزم الابقاء على قاعدتها العسكرية في الشمال السوري تحت حماية كردية، الأمر الذي عارضته روسيا مراراً ودعتها للخروج بقواتها من سوريا بعد زوال خطر الدولة الإسلامية. وتتفق أنقرة مع الموقف الروسي في هذا الشأن حيث ترى في تعزيز القوة الكردية خطراً يهدد أمنها القومي بشكل مباشر وتوعدت بوأده على لسان الرئيس أردوغان الذي أكد أن الجيش التركي على أهبة الاستعداد لعملية عسكرية كبرى، قد تبدأ في عفرين ومنبج شمال سوريا. تفتح هذه التناقضات الجيوسياسية الباب أمام عدة تساؤلات: هل ستستمر معارك إدلب الخفية بين روسيا وتركيا أم أنّ الأنظار ستتجه نحو الخطر المشترك الذي يشكله تواجد القوات الأمريكية ومشروعهم في الشمال السوري والذي قد يؤدي إلى تقسيم سوريا، أم أنّ روسيا تمتلك مفاتيحاً كردية للحل أكد بعضها بأن مستقبل القوات الكردية سيكون ضمن وحدات الجيش السوري بعد إعادة هيكلتها نتيجة لحل سياسي يضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري؟ يصعب التكهن بما تحمله الأشهر القادمة في ظل التغيرات المتسارعة والتنافس الشديد بين من يريد أن يبقى مسيطراً على مناطقه في مثلث المصالح الروسية والأمريكية والتركية في الشمال السوري.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا