تدريباتنا

ما الذي حدث للثورة السورية؟

by | Oct 15, 2018

لم تكن مؤتمرات السلام السورية يوماً مشروعاً لصياغة عملية سلام تنهي الاقتتال، وإنما جزءاً من مشروع عسكري تتخلله بعض الوقفات السياسية، فبعد نهاية كل مؤتمر يتم التصعيد عسكريا في منطقة ما من البلاد، ويبدو هذا واضحاً عند مراجعة ما تخللته مؤتمرات جنيف وأستانة ومؤخراً سوتشي وانسحاب وفد المعارضة.

تكشف مراجعة هذه المؤتمرات أيضاً أن المجتمع الدولي مزيف وخائف وفقير إنسانيا مثلما لم يكن من قبل، كما تكشف تراجع الرؤية المبدئية للمعارضة الرسمية -وأعني هنا الائتلاف السوري المعارض- بوصفه كان الواجهة الجامعة لكل السوريين.

فالمعارضة فقدت مبدئيتها بالطرح  وتراجعت عن منطق الثورة النقية لاحقاً وتدريجيّاً لدرجة تقبل العسكرة بكافة إيديولوجياتها ومن ثم الاقتناع بفصيل كجبهة النصرة إلى التحالفات الإقليمية غير البريئة، كذلك المساهمة باصطفافات مناطقية ذاتوية لا تفيد إلا النظام وحلفاءه.

ولذا على كافة القنوات والشخصيات الفكرية الثقافية أن تتبنى المسؤولية التاريخية في رفض هذا الظلم بحق سوريا المُتجسد عام٢٠١١ والتخلي عن الشكل السياسي العسكري القائم حاليا، وعليهم السعي لتصدير أفكار وقيم تمرّد ٢٠١١ للعالم دفاعاً عن مبدئية الثورة السورية وإنسانية قضيتها، بوصفها تمرداً شجاعاً بالمقام الأول –يهدف لمقارعة الظلم استنادا لاعتبار لا يقبل المقايضة مفاده: أن مُحيط الثورة السورية هو محيٌطٌ لكل إنسانٍ رافضٍ للظلم وعاشق للحرية في العالم أجمع.

البداية

لا يمكن اختزال الوضع السوري الراهن في نطاق مصطلحات مرحلية أو اجتماعية تقليدية سياسية تُعرّف تشابكات ذاك الوضع من الناحية السياسية الدولية من جهة، ومن زاوية التعقيد المحلي المغرق في الخصوصية والتكتل من جهة أخرى. لذلك من الوارد واقعياً أن يُنظر لفكرة إنهاء الثورة السورية من خلال زاوية التحالفات والتفاهمات الإقليمية والدولية ومن ثم المحلية، إلا أن الكلام عن وحشية النظام بات كلاسيكياً ينطق به كل من يدعّي التعاطف أو الولاء للثورة السورية بشكلٍ صادق أو بشكلٍ وسطي دون تصميم لاحق لتحقيق ما تصبو إليه تلك الثورة، وهنا السؤال إذاً، ما هو معيار الولاء الحقيقي الذي يمنح الدافع لبقاء فكرة التمرد؟

الغَاية من الاحتجاج الثوري

يقود السؤال الأول لمجموعة من التساؤلات: ما هي الغاية من الاحتجاج الثوري في ظل التعبئة التي تقوم بها الدول الراعية للحرب السورية على المستوى الشعبي الاجتماعي؟

فمثلاً تركيا الحليف “الظاهري” للثورة السورية تستضيف قرابة ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أرضها بشرط طبيعي، وهو ألا يعارضوا أي خطوة تركية داخل الأراضي السورية كأن يساندوا نَظريا العمليات العسكرية في الشمال السوري. فهل الولاء هو لسوريا الدولة كبقعة جغرافية؟

تعدد اليوم الولاءات بين السوريين عموماً لروسيا وإيران وتركيا، وللنقطة الأضعف حاليا – وهو تيار الثورة النقية أو إن جاز التعبير جيل  ٢٠١١ في الحراك السوري العام الذي لا يملك إلا أفكاره المتجذرة وإيمانه الراسخ بالقضية، وعكس الولاءات الأخرى ليس لديه تحالفات تعبث بالواقع السوري لمصلحتها.

و الولاء لفكرة الثورة بنقائها وغايتها هو مصلحة محلية جامعة تغري الجيل الحالي أو القادم بتقليدها أو على الأقل على التمسك بفكرتها كقيمة تغييرية تنضوي تحتها النزعة الوطنية.

هو يعني ألا تصبح الغاية الوطنية بطبيعتها الفطرية شرعية للحد الذي يجعلنا كمعارضين نقبل بأي تحالف أو سلوك ميلشيوي يحقق غايتنا الثورية وينسينا من حيث المبدأ ما هو هدفنا من حقيقة  الثورة السورية التي بدأت في ٢٠١١. ولاءات كولاء الائتلاف المعارض وفصائل الجيش الحر لتركيا مثلا، وولاء الأكراد لأمريكا وبطبيعة الحال ولاء النظام لروسيا وإيران.

تمّثل هذه الولاءات -باستثناء علاقة النظام بروسيا وإيران- شراكات مصلحية مؤقتة محكومة بظروف المرحلة، لكنها بالمحصلة تعبّر عن نية واضحة لدى تلك الأطراف بما يتعلق بالمستقبل السوري “المتشبع بالفكر التقسيمي.”

الفكرة النقية ليست وهماً

يتقاطع النقد اللاذع لتركيا أو للدول الخليجية الداعمة مع موقف عداء النظام لهذه الدول، لكن تشابهنا بالصدفة مع نقطة يتحدث بها إعلام النظام بشكل مزرٍ ومبتذل، لا يعني أبدا بأننا قريبون من عقليته، وإنما يعني بأننا ننظر للأمور بطريقة أعمق وأكثر شمولية تساعدنا على فهم إجرامه كي نستطيع أن نهزمه لاحقاً. بالصدفة أيضا سنجد أنفسنا كمعارضين نشترك مع النظام بأننا نتاج البيئة السورية، وهذا لا يعني بأننا نجابه كل ما هو سوري بشخصية النظام، وإنما نجابه ونكره كل ما هو مجرم وعدواني ومدمر بشخصيته.

الإعلام الكاذب والحقيقة الثورية

يعمل النظام في الداخل السوري على تعبئة الأجيال لصالحه، يجعلهم يصدقون أن كل معارض في الخارج هو إرهابي خارج عن القانون، وعلينا نحن المعارضين أن نصدّر لهم أفكاراً تجعلهم يلمسون الفارق بين الإعلام الكاذب والحقيقة الثورية، يجب أن يفهموا الفارق بين الثورة والإرهاب.

عندما يرى اليافعون بالداخل السوري مثلا أداء معارضة سياسية هشة لا ثقل لها، ولا تستطيع حتى أن تصدر بيان شجب يستهدف المدنيين في المناطق الساخنة، و يرون فصائل المعارضة المسلحة تقاتل لحساب دول معينة، إضافة لتلك المتشددة التي لا تمت لعقلية أي ثورة بالعالم بأي صلة، لن يصدقوا أن ثمة أنقياء وأوفياء بين ذلك الحشد، وهذا ما يجب تصديره لهم.

تغيير جذري ورؤية جديدة

يجب أن تتعلم الأجيال من ١٣ حتى ٢٠ سنة في الداخل معنى التمرد على الظلم، لا أن نجعل من تجربتنا الثورية التي لن تتكرر ركيزة لتقبّل الظلم.

ففي هذه المرحلة بالذات يجب ألا تتكرس لدى أي مثقف أو شاعر أو مفكر أو كاتب هاو فكرة أن مايكتبه في هذا الشأن دون قيمة، مامن شك بأن الشعور باللاجدوى يسود، لكن كتابة أي شيء جديد يهدف لنسف الولاءات الحالية السياسية والعسكرية، سيترك أثراً لاحقاً.

إذا صدقنا أن النظام انتصر يوماً ما فهو انتصر على فئات لم نعد نعتبر أنها تمثلنا، النظام لم ينتصر على إرادتنا. هو انتصر على محاكاة إرادتنا التي تمثلها تلك الفئات الغريبة عن جسم الثورة. فالثورة بمعناها الواقعي الذي لا يقبل اللبس، هي ليست الحدث السياسي ضد السلطة المستبدة، بل هي الموقف الرافض للظلم بكافة أشكاله.

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا