تدريباتنا

مرسوم الأوقاف رقم ١٦: سجالات حامية بين المؤيدين والمعارضين

by | Nov 22, 2018

شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سجالات مطولة حول مرسوم القانون ١٦ المتعلق بإطلاق يد وزارة الأوقاف في الحياة العامة، وانقسم السوريون بين مؤيد ومعارض له، وبين مطالب بدولة مدنية وأخرى دينية الطابع. ليتم التصويت في النهاية على ٢٦ تعديلاً أساسياً وفرعياً من مواد المرسوم، وبأغلبية الثلثين في مجلس الشعب السوري.

كما حُذفت خمس مواد أساسية فيه، وأُضيفت مادتان، بحيث تم ضبط سلطة وزارة الأوقاف على غيرها من الوزارات، كما حذفت من المرسوم تسمية “الفريق الديني الشبابي”، وتم تحديد انتشار الشُعب والدعاة في مؤسسات الأوقاف فقط، ولم يعد لها علاقة بمؤسسات وزارة الإدارة المحلية. ورفعت التعديلات يد وزارة الأوقاف عن أبناء الشهداء، كما حذفت الميزات المالية لموظفي الأوقاف، وذلك بإخضاعهم للقانون الأساسي للعاملين بالدولة.

لكن هل توقفت القصة هنا؟ بالنسبة للعديد من السوريين، لا، فالمهتمون في فهم أبعاد ومخاطر المرسوم الديني على حاضر سوريا ومستقبلها، راحوا يحذرون من مغبة التساهل مع هذا الطرح السياسي، الذي ينقل حالة الإسلام الاجتماعي في سورية من حالته الراهنة إلى نسخة من مطاوعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية.

وكان يقر الفصل الثالث – المادة ١٠٠  من تشكيل لجان تسمى “لجان الأوقاف”، وذلك في الأحياء والقرى وتتولى حسن السير على الشعائر الدينية. ويتم تشكيل هذه اللجان بقرار من الوزير بناء على اقتراح من مدير الأوقاف، وتحمل هذه المادة في باطنها صناعة آلاف المشرفين الدينين على مساحة سوريا.

الصحفي وعضو مجلس الشعب نبيل صالح قال عن المرسوم “قد يبدو للقارئ (الساذج) أن هذا المرسوم يعتبر مجرد تنظيم للعمل الديني في سوريا؛ أما في الواقع فهو خطوة هائلة باتجاه أسلمة الدولة والمجتمع ستظهر بالتدريج خلال السنوات القادمة” وفنّد صالح ما وصفه “أخطر” ما ورد بالمرسوم وأوله “الفريق الشبابي الديني” وتساءل “ما الذي ستقدّمه وزارة الأوقاف للشباب المنخرط في العمل الديني؟ الإجابة: العمل – الدخل الوظيفي والدخل الإضافي على العمل الديني – التأمينات الاجتماعية – الإعفاء من خدمتي العلم والاحتياط – التحصيل العلمي المعادل للشهادة الحكومية”، مضيفاً “كل هذه الامتيازات تعني أسلمة المجتمع وتحويل أغلبية الشباب السوري إلى شباب منخرط في العمل الديني.

وللعلم أيضاً يساهم هذا المرسوم في تنظيم (القبيسيات الخطير) أو (معلمات القرآن كما يحلو لوزير الأوقاف تسميتهم) واللاتي أصبحن يعملن وبشكل قانوني تحت بند (الفريق الشبابي الديني).”

من وزارة للأوقاف إلى شركة تجارية

كانت المادة (٨٩) من القانون تسمح لمجلس الأوقاف برئاسة وزير الأوقاف، بتأسيس شركات تجارية مملوكة له من نوع شركات الأموال، لتعمل وفق قانون التجارة والشركات، وعلى الرغم من أن وزارة الأوقاف هي أغنى وزارات الدولة، أعطى هذا القانون للوزارة مصدراً آخر للتمويل، وذلك من خلال شركات تجارية معفية من الضرائب، يعمل فيها آلاف الموظفين.

وورد في الفصل الأول من المادة (٢) فقرة (م) من المرسوم: “تعزيز دور فريضة الزكاة، والعمل على تطوير سبل وآليات تحصيلها” مما يجعل من الزكاة أشبه بضريبة إجبارية بدلاً من عمل خيري يقوم به المسلم طواعية. كذلك يوسع المرسوم من قاعدة التعليم الديني في سورية ولكافة المراحل، وينشر موظفي ومفتي الأوقاف في الوحدات الإدارية؛ بعدما كان يقتصر تواجدهم على مديريات الأوقاف.

كذلك تسمح المادة ٤٩ من المرسوم للمدرّسين العاملين في المدارس الشرعية؛ بالحصول على أجورهم من وزارة التربية، بالإضافة إلى أجورهم عن عملهم الديني؛ وهذه دعوى للمدرّسين للعزوف عن المدارس الحكومية، والالتحاق بالمدارس الشرعية للحصول على أجور أعلى.

أستاذ مادة القانون الدولي في كلية الحقوق بجامعة دمشق عصام التكروري يقول “التعاطي مع المرسوم ١٦ من أرضية دينية أدى إلى التعمية على الانتهاكات القانونية و الدستورية التي يزخر بها، و التي في حال بقيت دون إلغاء أو تعديل قد تدفع بالمحكمة الدستورية إلى إلغائه لمخالفته للدستور.”

ويعطي التكروري مثالاً عن هذا الانتهاك في نص المرسوم المتعلق بالبدل النقدي لأرباب الشعائر الدينية، فالمرسوم لم يُعرّف هذا المصطلح مع العلم أنه من المصطلحات الأساسية الواجب تعريفها على غرار ما فعل النظام الأساسي للعاملين في الدولة. ويقول التكروري إن “استخدام مصطلح (البدل النقدي) بدل مصطلح ( الأجر) يؤدي إلى تكريس التهرب الضريبي الذي تسعى الدولة لمكافحته حتى تتمكن من الإنفاق على المشافي والمدارس ودعم الجيش، والمادة ٢٩ من المرسوم نصت على إعفاء (البدل النقدي) من أي ضريبة.”

ويرى أستاذ مادة القانون الدولي في هذا الأمر “انتهاكا صريحا لمبدأ المساواة في التكليف، فهو يخلق نوعين من العمالة في الدولة: العمالة المدنية حيث يخضع العاملون قطاع الدولة لضريبة الدخل، و العمالة الدينية حيث يتقاضى العاملون في القطاع الديني راتبهم (البدل النقدي) بقرار من وزير الأوقاف، ولا يخضعون لأي ضريبة.”

وينص الدستور السوري في مادتة رقم ١٨ الفقرة ٢ على أن “النظام الضريبي يقوم على أسس عادلة، وتكون الضرائب تصاعدية بما يحقق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية.”

ولمناقشة هذا القانون دعت اللجنة المركزية لحزب البعث إلى اجتماع خاص، أما لجنة الأمن القومي فقد دعت لاجتماع على مستوى الخبراء، وفي مجلس الشعب اجتمعت لجنة التربية والتعليم لتسع ساعات في إحدى الجلسات للتداول في القانون، كما اجتمعت اللجنة ذاتها برئيس مجلس الشعب حمودة الصباغ الذي بدا أنه وقف على مسافة واحدة من الجميع، وأن النقاش حول القانون كان حاداً، وأنه سيطرح للتصويت تحت القبة.

وعن رأيها في القانون قالت لمياء عاصي الوزيرة السابقة في الحكومة “يسمح قانون المرسوم أن تتولى المؤسسة الدينية مهمة صياغة المجتمع كما تراه هي، ووفق رؤيتها الخاصة التي قد لا تنسجم مع توجهات كثير من السوريين،.لدى شعبنا الكثير من القيم والأخلاق منذ الأزل ،أما الدين فهو علاقة خاصة جداً بين الإنسان وخالقه.”

السيناريست قمر الزمان علوش بدوره كان من أبرز من قادوا الحملة ضد نص قانون المرسوم، فكتب على صفحته في (الفايس بوك) معلقاً “يبيح المرسوم لرجال الكهنوت الإسلامي القضاء على الحياة المدنية العامة قضاء نهائياً، وتصفية الحياة الخاصة بالكامل، ويعطيهم الرخصة الرسمية لاعتبار غير المسلم أو المسلمة من خارج معاييرهم أناساً يمكن الاستغناء عنهم، كما يفوضهم بتحويل البلاد إلى معسكر اعتقال معقّم تماماً من الحرية والفكر والإبداع. المشكلة ليست هنا ،المشكلة هل في مجلس الشعب من لديه القدرة على قراءة ذلك من وراء السطور الواردة في القانون؟ وهل إذا اكتشفها لديه من الجرأة ما يكفي ﻹعلانها؟”

ويرى الكاتب علوش أن مشروع قانون وزارة اﻻوقاف يفضي إلى اﻻحتماﻻت التالية “تحويل وزارة الأوقاف إلى مؤسسة شمولية تربط السماء باﻻرض عبر شبكة واسعة من الامتيازات الرسمية يقودها فرد، ودولة داخل دولة لها أجهزتها الإدارية والمالية والاستخباراتية الخاصة، وتستطيع بموجبها أن تبسط يدها على جميع المرافق الحساسة والمفاصل الحيوية الأخرى في بقية أركان الدولة.”

كذلك طالب الكاتب حسن م. يوسف بمقالة نشرها في صحيفة الوطن السورية: “بمراجعة وتدقيق هذا القانون ورفض ما هو لا دستوري فيه”، مضيفاً “لو كان الأمر لي لاهتممت بالجانب المدني من حياة الناس، فأنا أرى أنه في كل عقيدة بذرة تطرف تتحول إلى كارثة قاتلة، عندما يعتقد معتنقها أنه يحتكر الصواب! إذ ثمة سؤال يطرح نفسه، ما دامت سورية بلداً متعدد الأديان، لماذا لا تكون لدينا وزارة أديان بدلاً من وزارة الأوقاف؟”

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا