تدريباتنا

مصابات الحرب في إدلب ..معاناة لا تنتهي

by | Jun 7, 2022

“أصبحت أعيش على هامش الحياة بعد الإعاقة، وأقصى أحلامي العودة للمشي من جديد، دون أن أطلب المساعدة من أحد” تقول سوسن التناري (31 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم في بلدة “كللي” بريف إدلب الشمالي، التي حكم عليها أن تبقى أسيرة كرسيها المتحرك بقية حياتها، فهو  وسيلتها الوحيدة في الحركة والتنقل من مكان إلى آخر، بعد تعرضها لشظية قذيفة في منطقة الظهر، وحول ذلك تقول لصالون سوريا: “أحتاج عدة عمليات جراحية على أمل الشفاء، لكنني أعجز عن دفع تكاليف العلاج .”

تعاني نساء في إدلب من بتر الأطراف والإصابات الناجمة عن القصف العشوائي وانتشار السلاح، ورغم أنّ جميع فئات المجتمع عرضة لهذه المعاناة، إلا أن المجتمع المجحف والنظرة الدونية للمرأة وتغييب دورها وانتقاص حقوقها، تجعل حياة النساء اللواتي يتعرضن للإعاقة أكثر صعوبة وتعقيداً.

بحزن كبير تستذكر التناري لحظة إصابتها فتقول: “بشهر نوفمبر من عام 2019 كنت في طريق عودتي من مكان عملي إلى المنزل، حين سقطت قذيفة على مقربة مني، فاستقرت إحدى شظاياها في عمودي الفقري وتسببت لي بالشلل .”

وتلفت التناري أنها خسرت عملها وكل أمل بعيش حياة طبيعية، وتضيف: “كنت أرعى أطفالي الثلاثة الأيتام، وأؤمن نفقات المنزل من مردود عملي كمعلمة، ولكن بعد إصابتي اضطررت للانتقال للعيش مع والدتي المسنة التي ترعاني مع أطفالي، وأصبحنا جميعاً ننتظر المساعدة من أهل الخير لنؤمن مصروفنا ونبقى على قيد الحياة  .”

كما تعجز معظم مصابات الحرب عن تأمين أطراف صناعية بسبب تردي أوضاعهن المادية، وغياب أي جهة أو منظمة تهتم بتقديم أطراف صناعية مجانية لمصابات الحرب وتهتم بهن وترعى شؤونهن .

مريم المعمار (28 عاماً) من مدينة سرمين، أم لطفلين، لم تتمكن من تأمين ثمن طرف صناعي سفلي، بسبب سوء أحوالها المعيشية، وعن ذلك تقول: “فقدت قدمي اليمنى بشظية برميل متفجر منذ خمس سنوات، وبعد انتظار دام قرابة سنة حصلت على طرف صناعي، محلي الصنع من جمعية خيرية، لكنه تسبب لي بآلام كثيرة، ولم يساعدني على المشي، لذلك تخليت عنه وعدت للسير بمساعدة العكازين .”

وتشير المعمار أن معاناتها لم تقف عند حدود الإعاقة، حيث زاد معاناتها عدم تقبل زوجها وأهله لإعاقتها، فعمد لهجرها والزواج من امرأة أخرى، وعن ذلك تضيف بعيون دامعة: “أحاول أن  أرعى أولادي وأقوم بواجباتي كأم، ولكن أكثر ما يؤلمني هو تخلي زوجي عني، علماً أنه لو كان مكاني، ما كنت لأتخلى عنه مهما كانت الظروف .”

الشابة رولا السلوم (19 عاماً) نازحة من بلدة خان السبل إلى مدينة حارم، كانت تفضل الموت على إكمال حياتها مبتورة القدمين، وعن معاناتها تقول: “غارة من الطيران الحربي كانت كفيلة بقلب حياتي إلى جحيم وتدمير مستقبلي، حيث أدت لمقتل والدي وبتر قدمي .”

وتضيف: “لم يعد لحياتي معنى، فقد كنت سابقاً مقبلة على الحياة ومفعمة بالنشاط والحيوية، وأسعى للتفوق وإكمال الدراسة، ولكنني اليوم منطوية ومنكسرة، وأخشى الخروج من المنزل خوفاً من رؤية الشفقة والانتقاص في عيون الناس، فهي تذكرني بما وصلت إليه من عجز وبؤس وشقاء .”

وتلفت أنها محملة بذكريات مريرة، وأحلام مقيدة بمواصلة التعليم والعودة للاندماج بالمجتمع بفعل غياب الدعم، وضعف الإمكانيات، وحاجتها الماسة لكرسي كهربائي متحرك، يمكّنها من الذهاب للمدرسة، ثم تضيف بصوت خافت: “حتى لو أتممت دراستي مَن سيوظف معاقة مثلي! .”

من جهتها المرشدة النفسية علا خمورة(33 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث عن معاناة النساء ذوات الإعاقة بالقول: “شكلت الإعاقة نقطة تحول قاسية في حياة الكثيرين، وخاصة النساء اللواتي يقع على عاتقهن مهمة رعاية الزوج والأولاد، وتحديات وأعباء كثيرة في ظل محدودية مراكز الرعاية والتأهيل الخاصة بهن، والنظرة القاصرة التي تنحصر بين الشفقة والسخرية، لذا يزداد شعورهن بالقلق والإحباط وفقدان الثقة بالنفس، إلى جانب العزلة والانطواء وتراجع المستوى الدراسي والعملي، والفشل في تكوين علاقات جيدة مع الآخرين، فضلاً عن الإحساس بالشفقة على الذات والغضب والانفعال المستمر . “

وأكدت الخمورة أن غالبية النساء لا يحصلن على الحد الادنى من الحقوق، وينعدم لديهن أي حافز للتحدي وإثبات الذات، نتيجة لثنائية التهميش الناتج عن الإعاقة من جهة والنظرة السلبية للمرأة في المجتمع من جهة أخرى، لذا أوصت بضرورة توفير الرعاية الصحية والتعليم وتحسين المعيشة من خلال محاربة الفقر، والتدريب والتأهيل والعمل، وتوزيع الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين على كل المراكز والجمعيات والمخيمات التي تتواجد فيها النساء ذوات الإعاقة، للتعرف على أفضل الأساليب في التعامل معهن وجعلهن ناجحات ومنتجات وواثقات، فضلاً عن توفير العلاج اللازم، وتردف قائلة: “هؤلاء النساء  بحاجة إلى فرص فقط، لا إلى شفقة.”

سلبت الحرب أجزاء من أجسادهن ليعانين الأمرين في محاولة التأقلم مع الإعاقة والالتزام بمسؤولياتهن وأعباء الحياة المضاعفة رغم الظلم والإقصاء وإجحاف المجتمع .

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

فصلٌ من القهر والعذاب: كيف مضى فصل الصيف على سوريا؟

لم يكتفِ الناس في سوريا من معاناتهم وأوجاعهم اليومية، التي فرضتها ظروف الحرب وما تبعها من أزماتٍ متلاحقة وتردٍ في الواقع الاقتصادي والمعيشي، حتى أتى فصل الصيف، الذي سجل هذا العام ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في معدلات درجات الحرارة، وكان الأقسى على البلاد منذ عقود،...

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

تدريباتنا