تدريباتنا

نزيف الليرة وارتفاع الأسعار في إدلب

by | Feb 28, 2020

لا تعلم المعلمة جميلة كشتو (32عاماً) ما الذي يمكن أن يؤمنه لها راتبها الشهري من حاجيات بعد الغلاء الكبير الذي تشهده مناطق الشمال الخاضع لسيطرة المعارضة، فهي لا زالت تتقاضى راتبها من النظام بالليرة السورية وهو راتب لا يكفيها لتغطية أدنى متطلبات الحياة .

تقول جميلة شارحة معاناتها مع دخلها المحدود “أعمل في المجال التعليمي وأتقاضى راتبي من مدينة حماة بعد أن أضطر لدفع نصفه أجور مواصلات ليتبقى منه في النهاية ما لا يكفي لأكثر من عشرة أيام رغم كل محاولاتي للتقنين”. وتوضح بأن راتبها يبلغ 45 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 60 دولاراً أمريكياً شهرياً وهو مبلغ زهيد قياساً بما يجتاح المنطقة من غلاء فاحش.

يشهد الوضع المعيشي في منطقة إدلب تراجعاً يوماً بعد يوم في ظل استمرار القصف وارتفاع الأسعار وتراجع حاد بسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي فضلاً عن قلة المساعدات الإغاثية المقدمة وانتشار البطالة.

“بسرعة بلشو يتضربو بتنين” هكذا أبدت الحاجة الخمسينية مريم استغرابها مما وجدت من ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية المفاجئ وتقول” البارحة فقط كانت الأسعار مختلفة ما الذي حدث اليوم مع ارتفاع الدولار، لما كل هذا الغلاء” وتنتقد إجابات الباعة الذين أرجعوا الأمر لارتفاع الدولار وأن بضائعهم يشترونها بالدولار وليس بالعملة السورية وتقول “متى كنا نشتري ونبيع بالدولار ، طوال عمرنا لانتعامل إلا بالليرة السورية ماالذي حدث اليوم”.

معظم الأهالي في محافظة إدلب أبدوا استياءهم من تلك الأوضاع لا سيما ارتفاع الأسعار بشكل يومي، وعدم توفر المحروقات، وقلة فرص العمل، وهو ما انعكس سلباً على حياة المواطن الذي يعاني أساساً من وضع اقتصادي متردٍ .

السائق هيثم طعمة اضطر لإيقاف سيارته عن العمل  التي تعد مصدر رزقه الوحيد بعد أن ارتفعت أسعار المحروقات أضعاف مضاعفة يقول مؤكداً ”أعمل بنقل الأثاث والحاجيات والبضائع، أسعار نقلاتي كانت ملائمة وتناسب دخل الزبائن، أما اليوم فأنا مضطر لرفع أجرة الطلب ضعفي الأجرة القديمة بسبب الغلاء وهو ما أدى لعزوف الكثيرين عن استدعائي والاستعانة بسيارتي بنقل حاجياتهم .

أما بالنسبة للأرملة سهام دندوش فلها حكاية أخرى مع ارتفاع الأسعار فهي تضطر للتوجه لحاويات القمامة ومكبات النفايات لجمع ما يمكن جمعه من أحذية مهترئة وأكياس نايلون للاستفادة منها في تدفئة أبنائها الثلاثة من برد الشتاء القارس، تقول سهام ”بعد وفاة زوجي استطعت تأمين عمل كمستخدمة في إحدى المشافي، غير أن الراتب الذي أحصل عليه لا يكفي لتغطية حاجيات الشهر وخاصة مع ارتفاع الأسعار الجنوني” وتتابع متسائلة “إن كنت بالكاد أستطيع تأمين قوت يومي فكيف لي بتأمين وسائل التدفئة وقد وصل سعر برميل المازوت لمئة وخمسة وعشرين ألف ليرة سورية أي ما يعادل راتبي لشهرين متتاليين، أما الحطب فوصل سعر الطن ل100 ألف ليرة سورية وكذلك البيرين والفحم”.

ومع الارتفاع الجديد في سعر الصرف للدولار الذي سجل840 ليرة سورية عند إغلاقه صباح الأربعاء 11كانون الأول 2019 فقد توالى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المحلية، ولم ينعكس التحسن السابق في قيمة الليرة السورية الأسبوع الماضي بأي شكل على انخفاض أسعار السلع ومن أهمها الغذائية، وهي ظاهرة سورية باتت معروفة لمواكبة الأسعار للارتفاع الفوري وامتناعها عن الهبوط مع تحسن سعر الصرف، ما يجعل من ارتفاعات السعر المتكررة بعد كل إرتفاع تفوق نسبتها المحسوبة على سعر الصرف.

في أسواق مدينة إدلب أغلقت بعض محلات الصرافة والصياغة بانتظار ما ستؤول إليه الليرة إذا توقفوا عن العمل بها ، كما رفضوا تسليم الحوالات المالية القادمة من الخارج نتيجة انهيار الليرة وهو ما أحدث حالة عجز في أسواق المدينة مع ارتفاع كبير جداً في الأسعار وصلت حتى الضعف .

أبو محمد مالك أحد محال الصياغة يقول”نحن نمتلك أموالاً بالليرة السورية وتصريفها الآن يعني خسارة مضاعفة وحتى بيع الدولار الآن هو خسارة أخرى بالنسبة لنا نظرا لترنح سعر الصرف وعدم استقراره لذلك اخترت إغلاق محلي وانتظار ما سيؤول إليه وضع الصرف”.

انهيار الليرة السورية دفع بالبعض لتقاضي أجرته بالدولار كما فعل بعض الأطباء الذين سعروا معاينة المرضى بالدولار، الأمر الذي أثار موجة غضب واستياء لدى السوريين على مواقع التواصل الإجتماعي معتبرين أن هؤلاء الأطباء لا يراعون أحوال الناس في إدلب التي يعيش فيها حوالى خمسة ملايين شخص نصفهم نازحون ومهجرون قصرياً وسط قصف مستمر للنظام وحليفه الروسي.

يعتبر أكثر المتضررين من ارتفاع الدولار هم أصحاب الدخول الثابتة التي لا تتغير بمقدار انخفاض قيمة العملة، أما أكثر المستفيدين من ذلك فهم التجار وأصحاب المعامل والمطاعم وكل من هو قادر على تغيير سعر منتجاته بمقدار التضخم وأحياناً أكثر، وأيضاً يستفيد من ارتفاع أسعار السلع المخزنة لديه في محله وهذه الفئة عادة ما تكون قادرة على امتصاص زيادة الرواتب لصالحها وحرمان أصحابها منها، بعد أن عمد النظام لزيادة رواتب موظفيه بمقدار عشرين ألف ليرة سورية لمواكبة ارتفاع الدولار وانخفاض قيمة العملة السورية ،هذا الإجراء رأى فيه محللون بأنه سيعمل على تعميق الأزمة في انهيار الليرة السورية وسيؤدي أيضا لرفع نسبة التضخم النقدي وانخفاض أكبر في قيمتها.

تصل تكاليف معيشة أسرة وسطية مكونه من خمسة أشخاص في إدلب إلى نحو 350ألف ليرة سورية عدا نفقات أجور السكن للنازحين، في حين ذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا في تقرير له أن 83 بالمئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر إضافة لأن 33بالمئة من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي.

بين إرتفاع الدولار وتهاوي قيمة صرف الليرة السورية، وبين صمت مريب للمسؤولين عن الأمر، يزداد إرهاق الأهالي في الشمال الواقع تحت سيطرة المعارضة الذين أتعبهم الفقر والنزوح والقصف والبطالة والتشريد.

مواضيع ذات صلة

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

نذير نبعة: رسام الحياة ومؤرِّخ الألوان السورية

 "كنت أحلم بلوحةٍ تستطيع أن تخاطب بجمالياتها شريحة أوسع من الناس، لوحة تستطيع تجاوز مجموعة الجمهور التي تتكرر في حفل الافتتاح لأي معرض". ربما توضح تلك الكلمات، وهي للفنان نذير نبعة، مدى تبنيه وإخلاصه للفن، الذي كان رفيق دربه لأكثر من ستين عاماً، فهو الفنان الذي...

مواضيع أخرى

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

عملية تجميل لوجه دمشق بجراحة تستأصل بسطات الكتب

رغم انتشار ثقافة المطالعة واستقاء المعلومات عن طريق الشبكة العنكبوتية إلا أن ملمس الورق ورائحة الحبر بقيا جذابين للقارئ السوري. ولم تستطع التكنولوجيا الاستحواذ على مكان الكتاب الورقي، أو منافسته. وبقي الكتاب المرجع الأساسي والحقيقي لأي بحث علمي وأكاديمي، ولم يستطع...

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

التجربة المؤودة للمسرح الجوّال في سورية

بقي الريف السوري محروماً من المسرح إلى أن أنشأت مديرية المسارح والموسيقى في وزارة الثقافة ما أسمته "المسرح الجوال" عام ١٩٦٩، والذي بدأ عروضه بنشر الوعي المسرحي في الريف والمناطق الشعبية والنائية. صارت الصالة في كل مكان  والجمهور ضمنها، وكان كسر الحواجز بين...

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

“وفا تيليكوم”: اتصالات إيرانية على أراضٍ سورية

ينتظر السوريون في الأسابيع المقبلة بفارغ الصبر وفق تصريحات حكومية انطلاق المشغل الخلوي الثالث "وفا تيليكوم" المرتبط بإيران التي ستدخل على خط الاستحواذ في قطاع الاتصالات الحساس والذي ظلّ حكراً على متنفذي السلطة لعقود. من خلال التواصل المباشر مع مصادر متعددة من داخل...

تدريباتنا