أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
تحت “جسر الرئيس” في العاصمة السورية، دمشق، رصيف طويل يشغل زاوية ضيقة. هذا الرصيف، يضم آلاف الكتب، يتصدره أشخاص بائسون مضى عليهم الدهر. ” هنا تأسست الوحدة العربية، في هذا الشارع تماماً، لا ينفصل أحدنا عن الآخر، لكن لكل منا استقلاليته الخاصة”، بلهجة فراتية يرحب عبد الله حمدان (50 سنة)، صاحب إحدى المكتبات، بجملته السابقة، عندما علم أن هناك صحافة ستبدأ الحديث عن حاله والرصيف الذي يشغله لأكثر من عقدين، يسرد قصصاً عن هذه المكتبات، وما تبقى منها منذ خمسة عقودي.
حمدان، خريج كلية الشريعة من مدينة دير الزور، وله أكثر من 14 مؤلفا تنوعت بين تاريخ وأدب، منها “تاريخ المسجمة والمشبهة في هذه الأمة”، تختص بالتكفير، وديوان شعر باللهجة الفراتية “صيحة عتاب”، لكنها غير معروفة لدى الجيل الجديد.
قراء وهجرة
يروي حمدان، الملقب بـ “أبي زينب”، لموقع “صالون سوريا”، سر بقاء هذه المكتبات حتى يومنا على الرغم من ضعف رواد هذه الأرصفة الثقافية. يقول: “الفقراء من يقرأون. زباؤننا القراء من الطبقة الفقيرة ما قبل الحرب وبدايتها، إلا أن الحال تغير اليوم. أصبحت هذه الطبقة التي تشبهنا شبه معدومة، تسعى لكسب قوت يومها، كيف لشعب جائع أن يقرأ؟. أما الجيل الجديد، فاستبدل الإنترنت عن الكتاب”. ويضيف: “هجرة الشباب أثرت أيضاً على القراءة، أغلب المثقفين وطلبة العلم غادروا سوريا، أين هم الآن؟، ومن تبقى يستغل الإنترنت للبحث عن المعلومة ويكتفي دون الذهاب إلى مصدرها الأصلي”.
“بات الإنترنت عاملاً مهما للتواصل وإيصال المعلومة، لكنه أداة العصر الرئيسية بين الناس وللاطلاع فقط على العلم، دون الاعتماد الكلي عليه، أما طالب العلم فيجب أن يعتمد على الطبعة الأساسية للكتاب لأنها تستقي المعلومة من مصدرها وإذا كان كتاب قديم يكون له تحقيق ويخرج المعلومة على أصولها ولا يمكن أن يؤخذ العلم جملة وتفصيلاً من الإنترنت” بحسب حمدان.
صحافيون على الرصيف
بحر من الكتب يأخذك لزوايا عدة. رغم رداءة المكان والروائح الكريهة، هناك فن عشوائي من الكتب الممدودة على طول خط كامل زينت المكان بأكمله. يقف عند زاوية أخرى داخل هذا المربع رجل يضع شالاً بني اللون، يدعى “أبو مؤيد” وهو محمود حسن. كاتب صحفي بالشأن الفلسطيني بين عامي 83 و 95 يملك مكتبة رصيف تحت هذا الجسر، حال به الزمن إلى بيع الكتب هنا. يقول: “بدأت بالكتابة في صحيفة الثورة بقسم أدب الشباب خواطر وقصص قصيرة ثم انتقلت إلى العمل السياسي بالإعلام الفلسطيني الموحد في عدة مجلات وصحف منها “مجلة فتح”، “الهدف”، “السفير”، “النهار”، “الناقد” للراحل رياض الريس منذ 1986 حتى عام 1995″.
يستذكر أبو محمود أيام الصحافة الأصيلة بروادها، دخل إلى سرداب ضيق، أخرج كرتونة مليئة بالجرائد وبدأ البحث عن مقالات قديمة، أعادنا بالزمن إلى سنة الــ1986 إلى بدايات انطلاقة الصحافي محمود حسن الذي أصبح الآن بائع كتب رصيف بدمشق، بدءاً من جريدة “الثورة” السورية ومقاله عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى”، إلى جريدة “النعيم” ومجلة “فتح”، وصحف أخرى، كما له أيضاً مؤلفين الأول “كتاب الحولة” دراسة جغرافية اجتماعية تاريخية لقرى سهل الحولة في فلسطين، ورواية “مدارج العشق”.
توقف “أبو مؤيد” ابن مدينة صفد عن الكتابة بالإعلام الفلسطيني بعد انتقال مجلة “الهدف” الفلسطينية في العام 1987 إلى رام الله، وباعتباره فلسطيني سوري، مُنع من العودة لأنه يشمله حق العودة القديم وعندها بقي في دمشق واختار العمل في بيع الكتب على الرصيف لكي يبقى قريباً من الكتاب، بحسب ما قاله لصالون سوريا.
أما عن تراجع القرّاء، فيرى أبو محمود أن السبب يعود لتراجع المبيعات نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي تسببت بنكبة إغلاق المكتبات وغلاء الطباعة ونقص اليد العاملة والأوضاع الاقتصادية، يقول: “نحن الآن غير قادرين على متابعة شراء الكتب يوجد قراء لا شك ولكن ليس باستطاعتهم شراء الكتب وهناك الكثير من القراء هاجروا.
وعود المحافظة
خلال الجولة في هذا الركن الضيق تحت الجسر، التقينا برجل يدعى طارق الفاعوري (48 عاما)، من محافظة القنيطرة. خطاط يرتاد إلى هذه الأرصفة منذ عشرين عام، يعيد إحياء الكتب التراثية. يقول: “هذه المكتبات على قلتها في دمشق قياساً للقاهرة وبغداد، تقريباً مثل الماء للحياة، المكان هنا ملتقى لعشاق الكتاب وللفقراء تحديداً، أي من ليس لديه قدرة لشراء كتب جديدة فهذا المكان مناخ مناسب جداً، بأسعار رخيصة وكتب نادرة”. ويتابع “الإنترنت ضرورة حياتية للمعاصرين لكن النهضة العربية نهضت بدون إنترنت، بيمنا من جيل الإنترنت منذ عشرين عام حتى الآن لم يظهر لدينا اسم واحد مهم ولا اسم حرك شيء بالشارع العربي الثقافي، حتى على صعيد الصحافة لم يستطيعوا أيضاً، زمن أعلام الصحافة العربية كان الورق يتحدث ولكنه في طريقه للأفول”.
قصة انتشار هذه المكتبات تعود لوزيرة الثقافة نجاح العطار (نائب الرئيس حاليا) التي كانت بمنصبها عام 1976 –2000 هي من أعطت الأمان لبائعي الكتب “مكتبات الرصيف”، بنظرها هؤلاء يجب أن يكونوا بأمان دون أي مضايقات، لأنهم يبيعون ثقافة الشارع”، بحسب ما قاله الفاعوري، مضيفاً: “بعد أن تركت منصبها من وزارة الثقافة تغولت المحافظة، واستطاعت حصرهم بهذه الدائرة، ومن يخرج منها فهو مطارد”.
على الرصيف ذاته، تفصل عدة كتب بين أبو مؤيد عن “بسطة” جاره “أبو عبد الرحمن”. يحددها الجاران كجدا فصل، يعمل الأخير هذا المكان منذ 25 سنة خريج معهد أثار وشارك في عمل لوحات فنية مع العديد من الباحثين الأجانب في سوريا قبل الحرب. يقول: “للأسف لا يوجد قراء ما عم نستفتح بفرنك. رغم أننا نبيع بسعر أرخص، ولكن نحن شعب لا يقرأ، الفقراء لم يعد يرتادون هذه المكتبات رغم رخصها، ويتابع: “انظر إلى هذا المكان تأتيني أيام أبكي فيها على هذه الكتب المرمية هنا، وكل يوم وعود من المحافظة بإنشاء أكشاك ولكن فقط وعود، في كل العالم هناك مكتبات رصيف ونحن نطالب بأكثر تنظيم ونظافة. لو نحن لم نجلس بهذا المكان لكان خراباً”.
مكتبات عريقة غادرت
قرب مقهى الهافانا بدمشق تغير مكان “مكتبة اليقظة العربية”، واستبدلت بمحل “اليمامة للأحذية”، بعد إقفالها عام 2014، وإعلان أصحابها انتهاء رحلة ثقافية دامت 83 عاما، داخل المكتبة سابقاً، فبدلاً من بيع العناوين والكتب التي أصدرتها المكتبة حل مكانها أحذية تواكب الموضة.
يكشف سامي حمدان أحد أبناء مؤسسي المكتبة وبات الآن باع أحذية بدلاً من الكتب، سبب إغلاق المكتبة وتحويلها إلى محل أحذية. يقول لـ “صالون سوريا”: “المكتبة أغلقت عام 2014 بسبب قلة البيع والأزمة الاقتصادية الخانقة، وتحول الناس إلى الهواتف المحمولة والإنترنت، هذا التحول أنهى ظاهرة المكتبات والكتاب، المكتبة أسست عام 1939 طبعت حوالي 300 عنوان في سوريا”.
في زاوية أخرى يجلس بالقرب من سامي ابن عمته سعدي البزرة”الذي اشترى المكتبة من آل حمدان وحولها إلى محل بيع أحذية عام 2014، يرى البزرة أن المحل التجاري يجب أن يحقق مبيعات كي يحقق المرابح. يقول: “المكتبة لا تعيننا على العيش، كل أخر سنة، علينا دفع ضرائب باهظة للمالية، وفواتير الكهرباء، الضرائب هي عامل أساسي كبير للإغلاق”. ويضيف: “في يومنا هذا الشعب لا يبحث عن الثقافة والقراءة بل عن لقمة العيش في ظل الوضع الاقتصادي، ومنها أيضاً هجرة العقول”، مؤكداً أن الغلاء ليس عاملاً أساسياً في إغلاق المكتبة لأنه شمل الجميع وليس الكتب فقط ولا حتى التكلفة الباهظة للطباعة هذا سبب ضعيف وعديم التأثير.
في الوقت ذاته، نفى أن تكون الحرب هي السبب الرئيس في قفول هذه المكتبات، قائلاً: “الحرب لا تؤخر ولا تقدم، اليابان أكبر مثال وشعبها عاد بالقراءة، والثقافة وليس الشهادات المزورة، وأصبح أرقى شعوب العالم، والحكومة يجب أن تؤمن لقمة العيش والأساسيات كي يقرأ الشعب، هذه مهمتها وليست مهمتنا”.
مكتبة “نوبل” الدمشقية ودعت قراءها العام الماضي، إذ كانت منذ سبعينات القرن الماضي، معلماً ثقافياً في دمشق. ملايين الناس اقتنوا منها كتباً ثمينة، قرار الإغلاق كان مؤلماً لأصحاب المكتبة ولفئة قليلة بل نادرة من القراء. تواصلنا عبر الهاتف مع السيد إدمون نذر شقيق جميل، كشف لـ “صالون سوريا” بأن سبب الإغلاق ليس الغلاء وعدم قدرة الطباعة. يضيف: “شقيقي جميل من قرر إغلاق المكتبة وسافر إلى كندا وليس خلاف ورثة كما يقال، زوجته مريضة في كندا وهو مقيم منذ 10 سنوات هناك وأنا فقط كنت أساعده في المكتبة، ففكر بإغلاق المكتبة والعودة إلى كندا، الأمور جيدة ولدينا قراءنا وهم موجودون”. مكتفياً بهذا الكلام.
العديد من المكتبات السورية أغلقت أبوابها خلال الأزمة وليست فقط “نوبل” و “اليقظة”، سبقها مكتبة “ميسلون” التي تحولت إلى مركز صرافة، ومكتبة “الذهبي” في الشعلان التي تحولت إلى محل بيع فلافل.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...