تدريباتنا

قطط دمشق جائعة…ومعارك شرسة على البقايا

by | Mar 31, 2022

وصل الجوع الذي تعاني منه غالبية المواطنين في دمشق ومناطق سيطرة الحكومة السورية، الى الحيوانات الأليفة خاصة منها «القطط» التي باتت تبحث بشكل نهم وشرس عن بقايا طعام في الشوارع…من دون جدوى.وفي ظل موجات البرد التي تجتاح عموم المناطق السورية، تختفي معظم «القطط» تقريباً كل ليلة من شوارع أحياء دمشق، خاصة في ساعات الفجر الشديدة البرودة، ملتجئة إلى مكان ما يحميها.
ومع شروق الشمس وارتفاع حرارتها، تعود «القطط» للانتشار في الشوارع بحثا عن بقايا طعام في أكياس للقمامة يضعها الأهالي بشكل يومي في ساعات منتصف الليل على جانبي بوابات منازلهم الخارجية، التي يتم يرفعها في ساعات ما بعد الظهيرة من قبل عمال النظافة الذين يجمعونها بسيارات خاصة لذلك.
ومنذ اشتداد الجوع في مناطق سيطرة الحكومة، إذ أن أكثر من 90 في المئة من الأهالي يعيشون تحت خط الفقر، حسب تقارير أممية ودراسات، رصد «صالون سوريا» في ساعات الصباح الباكر من كل يوم قبل انطلاق الموظفين إلى دوائرهم والعمال إلى أماكن أعمالهم، قيام كثير من النساء والرجال والأطفال بنش أكياس القمامة الموضوعة على جانبي بوابات المنازل الخارجية، وأخذ ما فيها من بقايا طعام (قطع خبز، بقايا خضار، بقايا طبخ، بقايا عظام فروج ولحم إن وجد) يسدون فيها جوعهم، ذلك على الرغم من أن حجم أكياس القمامة ومنذ تزايد انتشار ظاهرة الجوع بات يصغر يوما بعد يوم مع تراجع مشتريات الأهالي من المواد الغذائية والخضار.
في ظل هذه الحال، نادرا ما تجد «القطط» في أكياس القمامة “المنبوشة” مسبقا، بقايا طعام تسد فيه جوعها، وإن وجد تتجمع عشرات منها حول «الغنيمة»، وتحصل معارك شرسة بين بعضها البعض تترافق مع مواء صارخ من أجل الظفر بها، لتنتهي المعركة باستحواذ إحداها عليها أو تقاسم اثنتين لـ«الغنيمة»، على حين تتراجع «القطط» الأخرى ذاهبة للبحث عن «غنيمة» أخرى وهي تتضور جوعا وتطلق مواء يائسا.
سيدة دمشقية في الأربعين من العمر توضح لـ«صالون سوريا»، أن أكياس القمامة في سنوات ما قبل الحرب التي دخلت عامها الثاني عشر منتصف مارس (آذار) الجاري، كانت «مليئة ببقايا الطعام» (خبز، بقايا طعام وخضار وفاكهة، عظام فروج ولحمة..)، لأن «الناس كانت بخير أما اليوم فأحوال الناس بالويل». وتلفت إلى أن ذهاب الناس إلى الأسواق بات نادرا من شدة الفقر، “فماذا ستضع في أكياس الزبالة (القمامة)»؟، وتضيف «الناس لا يوجد عندها بقايا طعاما تكبها (ترميها) لأنها لا تطبخ. الناس ما عندها عظام تكبها لأنها من زمان نسيت اللحمة. الناس حتى كسرة (قطعة) الخبز صارت تخبّيها». وتتابع «مو بس الناس جوعانه. البسس (القطط) جوعانة، والكلاب جوعانة، والغنم جوعانة، والبقر جوعانة، والجّاج (الدجاج) جوعان».
ومع تقطع السبل بها للحصول على بقايا طعام، تلجأ قطط إلى الدخول للأبنية والمكوث أمام أبواب الشقق السكنية مع إطلاقها أصوات مواء خافت بسبب تضورها من الجوع، على أمل أن يفتح سكان الشقة الباب ويقدموا لها شيئا من الطعام، ويقول صاحب أحد المنازل لـ«صالون سوريا»: «صوت المواء الحزين يدل على أنها تستجدي الطعام. والله شي بيحرق القلب. الله يرحم أيام زمان (سنوات ما قبل الحرب) كانت البسس (القطط) تعيش معنا داخل المنازل ونطعمها في كثير من الأحيان مو (ليس) بقايا الطعام . نطعمها مما نأكل، ولكن حاليا الناس جوعانة شلون (كيف) بدها تطعم البسس؟».
ومنذ عقود طويلة سبقت الحرب، اعتادت أغلبية العائلات في دمشق وعموم المحافظات السورية على تربية «قطة» أو أكثر في منزلها وتدليلها من خلال إطلاق أسماء عليها (هارون، فلة، نونو…) والمواظبة على تنظيفها وإطعامها.
أمام محال الجزّارين وبائعي لحم الفروج، لايزال يُرى وبشكل يومي مشهد عشرات «القطط» وهي متجمعة في مقابل تلك المحال، ولكن اختفت إلى حد كبير عادة إلقاء عاملي المحالات قطع من بقايا اللحم (سواء الغنم أو العجل أو الفروج) التي لا تستخدم للبيع أو العظام لـ«القطط» كما كان يحصل في سنوات ما قبل الحرب.
ويقول صاحب محل لبيع لحم الغنم لـ«صالون سوريا»: «حتى الشحوم والعظام صار من بقي من متوسطي الدخل يطلبون شرائها لتذكية الطبخة، والطلب عليها أصبح أكثر من اللحمة» التي يصل سعر الكيلوغرام منها للغنم حاليا ما بين 40 – 45 ألفا، وللعجل ما بين 30 – 35 ألفا، في حين يوضح لـ«صالون سوريا» صاحب محل يعمل في مهنة فصل لحم الفروج عن عظمه لبيع الأول لأصحاب محال شندويش «الشاورما»، أن «أيام زمان نادرا ما كان أحدا يطلب شراء عظام الفروج التي يبقى فيها قليلا من اللحم يصعب استخراجه، وكنا إن طلب أحدا العظام نعطيه إياها دون ثمن، والكميات الكبيرة المتبقية منها معظم من يعملون في المهنة كانوا يقومون برميها لـ«القطط»، ولكن في هذا الزمن الأغبر صار أصحاب المهنة يبيعون العظام والعائلات تقبل على شرائها، ومن كثافة الطلب عليها لتدني ثمنها كثير من العائلات صارت توصي أصحاب المحال عليها قبل يوم أو يومين وحتى ثلاثة».

مواضيع ذات صلة

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

عبد السلام العجيلي: شيخ الأدباء وأيقونة الفرات

يمثل عبد السلام العجيلي ذاكرة تأسيسية في مدونة الأدب السوري، ذاكرة من من ذهب وضياء، ضمت في أعطافها عبق الماضي وأطياف الحاضر، امتازت بقدرته الفائقة في الجمع بين مفهومين متعارضين ظن الكثيرون أنه لا لقاء بينهما، ألا وهو استلهامه واحترامه للتراث وللإرث المعرفي المنقول عمن...

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

عمر البطش مدرسة متفردة في فنون الموشحات ورقص السماح

إلى جانب كونها مدينة الطرب والقدود، برعت حلب وتميَّزت في فن الموشحات، وذلك بفضل كوكبة من ملحنيها ووشاحيها المبدعين، الذين كانوا مخلصين لذلك الفن  وحافظوا على روح وألق الموشح العربي وساهموا في إغنائه وتطويره، ومن أبرزهم الشيخ عمر البطش، الذي ساهم على نحو خاص في...

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

شعاع من الفن التشكيلي السوري: نصير شورى (1920-1992م)

في الخامسة من عمره حظيت إحدى لوحاته بإعجاب العديد من أساتذة الرسم، نصير شورى الذي ولد عام ١٩٢٠ والذي كان محط عنايةٍ خاصة من والديه: محمد سعيد شورى، الأديب والشاعر الدمشقي المعروف، وأمه، عائشة هانم، ذات الأصول العريقة. فكان أن تلقى تعليماً خاصاً منذ نعومة أظفاره...

مواضيع أخرى

النساء ومعاركهن المتجددة

النساء ومعاركهن المتجددة

 يتم تسويف قضايا النساء بذرائع متعددة على الدوام، مرة بذريعة الحرص على الأخلاق العامة، ومرة أخرى بذريعة عدم المواجهة مع قوى الأمر الواقع، ومرات بذرائع تنبع فجأة من خبايا السنين وتصير حاضرة بقوة مثل طبيعة المرأة البيولوجية، أو التشريح الوظيفي لدماغ المرأة، وصولاً...

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

مرحلة اللادولة: بين إرث الماضي ومسؤولية المستقبل

تمر سوريا اليوم بمرحلة فارقة في تاريخها، حيث يقف الجميع أمام اختبار صعب: هل يمكن تجاوز إرث القهر والاستبداد لبناء دولة جديدة قائمة على الحرية والكرامة؟ أم أننا سنتعثر مجددًا في أخطاء الماضي، التي صنعها الخوف، الصمت، وصناعة الأصنام؟ اليوم، نحن في حالة فراغ سياسي...

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

قراءة في المشهد السوري بعد سقوط النظام

شهدت سوريا خلال أربعة عشر عامًا من الصراع تحولًا جذريًا في موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية. بدأ الحراك شعبيًا وسلميًا، لكنه انتهى بصراع مسلح معقد ومدعوم خارجيًا، في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة ميدانيًا. وبينما ساندت روسيا وإيران النظام السوري، مما أطال أمد...

تدريباتنا