أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...
جريمة على مسرح القباني هو عنوان رواية للكاتب السوري باسم سليمان. وقد صدرت عن دار ميم ويتناول فيها الحرب السورية التي استمرت لسنوات طويلة من خلال جريمة حدثت على مسرح القباني الشهير في دمشق. حول هذه الرواية، وعلاقتها بالموروث الثقافي، والحدث الراهن، كان لنا الحوار التالي مع الروائي:
وداد سلوم: تذهب بقوة وشجاعة في روايتك إلى تجريبٍ مختلف وحتى أقصى ما تحتمله الرواية فضمّنتها نصاً مسرحياً، مسرحية (الجثة) التي كتبها عبد الله القتيل -والحكاية أقصوصة الموت- والقصة القصيرة؛ قصة المقص على سبيل المثال، وإلى طرق أبواب قليل من تجرأ وطرقها، في الإشارة لضرورة إعادة قراءة النص القرآني والتراث وتفسيره على ضوء القراءة الجديدة، فهل غامرتَ بجمهور القراءة الذي كثيراً ما يرغب بالسهل ومتعة الحكي؟
باسم سليمان: هناك علاقة جدلية بين المضمون والشكل. ومن هذا المنحى كان لا بدّ من ورود المسرح والقصة والشعر ضمن سردية الرواية الكلية؛ وهذا ليس تجريباً محضاً. إنّ تقديم مقولة “السلام هبة العنف” التي ذكرها رينيه جيرار في بداية كتابه العنف والمقدس، والتي أوردتها في أول الرواية كبوصلة توجّه سمت القراءة، لن يكون لها من معنى، من دون وضعها موضع التطبيق العملي في الرواية. لقد اعتمد القدماء المسرح كما يشرح رينيه جيرار، كي يستحضروا العنف على خشبته محاولة منهم لإجهاض العنف، عبر تمثيله من خلال مسرحية ما، كي يحدث التطهير الأرسطي، ومن هنا كانت مسرحية الجثة في اعترافها المونولوجي أمام منكر ونكير، والذي تم التمثيل لهما بقناعي المسرح الضاحك والباكي كتطبيق لذلك. ولم يكن ورود القصص في الرواية إلا لأنّ القصص كانت الحامل الأول لنقل المعرفة والخبرة من جيل إلى جيل. وعبد الله في أوراقه كان يحكي لدميته قصص ما قبل حصول طوفان الدمار في سورية. وهو بذلك يقوم بإعطائها اللقاح كي لا تقع هي وجنسها من الدمى في العنف الذي وقع فيه البشر. وقد أتى الشعر من ذات الزاوية، فالشعر لم يكن في بدايته إلا تعازيم سحرية من أجل فرض إرادة الإنسان على واقعه العنيف والمجهول. وهكذا يصبح وجود المسرح والقصة والشعر في الرواية آلية رمزية لسحب دوافع العنف من التولد من جديد. إنّ وقوع جريمة قتل عبد الله في أول يوم من أيام عيد الأضحى على مسرح القباني، ما هي إلا باب سيتم الدخول منه إلى الأضحية الإبراهيمية وكشف الدوافع الخفية التي دفعت بالنبي إبراهيم لتقديم ابنه أضحية ومن ثم الفداء. فالأضحية الإبراهيمية تكشف لنا العنف المؤسس للوجود البشري، سواء كان ذلك بالخطيئة الأصلية المرمز لها بأكل التفاحة أو بإقدام قابيل على قتل هابيل. وأمام هذا الأصول العنفية للوجود البشري، لم يكن من مهرب إلا بإعادة سبرها مهما كانت المهمة صعبة على الكاتب والقارئ. لا أعتقد أن هناك كاتباً إلا ويقع تحت سطوة القلق من كيف تلقي نتاجه الأدبي، لكن هناك دوماً عزاء بوجود قرّاء يعوّل عليهم الروائي، سيقبلون مغامرته الخطرة، ويتقحمون معه المجهول. هذه هي أخلاقية الرواية، كما يقول ميلان كونديرا، وذلك بأن تذهب إلى حيث لم يتجرأ أحد على الذهاب. وهذه أخلاقية القراء الذين أعول عليهم أيضًا.
و.س: على خلفية هذا (حديثك عن أخلاقية الرواية وأخلاقية القارئ) وخلفية إهدائك الرواية إلى جميع السوريين. هل تعتقد أنّ الرواية يمكن أن تكون رافعة للوعي؟
ب. س: لا ريب أنّني لم أهادن القارئ في روايتي! وعندما تكلمت فيها عن الرسام الذي استغل الموت كتاجر حرب، كي ينجز لوحاته وشهرته الملوثة بالدماء، كأي قاتل آخر، أردت أن أوقظ القارئ من مثالية مخادعة. وهنا إذا أجبت متبجحاً، بأنّ فنّ الرواية يمكن عدّه من المحفّزات الجيدة للوعي؛ علينا أن نتذكر بأنّ أي أدب أو نتاج فنّي محكوم بأدلجة ما، كما يقول تيري إيغلتون في كتابه؛ نظرية الأدب. وبناء على ذلك كيف سيعرف القارئ أنّني لا أخدعه وأدس السم له في الدسم؟ إذن تكون الرواية رافعة للوعي، عندما يقف القارئ موقفاً نقدياً من الرواية، وإلا سيصبح الوعي المتأتي عن الرواية كضربة الحظ، قد يحدث أو لا يحدث! وإن كان من مثال على الوعي المزيّف الذي يحصله القارئ من رواية ما لا بدّ من ذكر تحليل رينيه جيرار في كتابه؛ الكذبة الرومانسية والحقيقة الروائية عن رواية مدام بوفاري؛ حيث أنّ الوعي الذي تحصّلت عليه من الروايات التي قرأتها أدّى بها إلى الاصطدام مع الواقع الحقيقي ومن ثم انتحارها.
و .س: لغة البطل كثيفة وعالية، ولولا الرمزي واتساعه، لاستغربنا السوية الثقافية والمعرفية واللغوية العالية المتجلية في أوراقه! فهل أراد الكاتب أن يعوضه بذلك عن التشوه الجسدي؟ إذ يعدّه ليكون أضحية، فتبدو أكثر كمالاً وبالتالي موصّلاً جيداً لمفهوم الفداء، فيحمل موته بالنتيجة مفهوم العنف المقدس الذي يمنع الثأر المتوالد والموروث وينهيه؟
ب .س: لقد كان الحكيم إيسوب عبداً وبشعاً. وأحدب نوتردام مشوهاً. والأول ما زالت مقولاته على ألسنة الناس إلى الآن، والثاني على الرغم من تشوهه استطاع أن يتخذ موقفا صحيحاً ومستبصراً بأنّ الثورة قادمة. وعليه ما الذي يختلف به عبد الله عن إيسوب وأحدب نوتردام، مع أنّ إشارات عديدة وردت في الرواية تشير إلى اهتمام عبد الله الجدّي بالمعرفة. بالتأكيد ستضلّل نشأته في ميتم وتشوّهه، وعمله في جمع القمامة، من حكمنا العقلي. وهذا كان مقصوداً، لأنّنا أميل لأن نأخذ بظاهر الأشياء. كان من الممكن أن يكون عبد الله غير مشوه، لكن تعارضه مع الأضحية النمطية، بأن تكون سليمة من العيوب، هو الذي فرض عليَّ تشويهه لأبرز التناقض بين أضحية عيد الأضحى التي شوّه معناها الأصلي لصالح قراءة سلطوية دينية، وتضحية عبد الله، فجاء التعارض الأول على صعيد المظهر الخارجي. أمّا التعارض على صعيد المضمون، فيكمن بأنّ التضحية المسكّنة للعنف يجب أن لا يكون من طالب ثأر خلفها. وبالمجتمع السوري الذي أدمي جراء الحرب، كيف يمكن إحلال السلام فيه من دون أن نوقف دورة العنف /الثأر. ولا يمكن حدوث ذلك إلا بأن يكون القاتل هو القتيل، والقتيل هو القاتل، فعبد الله هو القاتل والقتيل. هو الأضحية التي لا شائبة فيها، أي لا وجود لمن يطلب الثأر من أجلها.
و .س: تقول (أضحية عيد الأضحى التي شُوّه معناها الأصلي لصالح قراءة سلطوية دينية( ، ويقول المتهم في الرواية )حارس المسرح ):عيد الأضحى مسرحية تطهيرية عن خطيئتنا الأولى التي نمثلها ونكررها كل عام لكننا أضعنا جوهرها لذلك يكثر القتل فينا وعلينا” وهذا مؤشر آخر لدعوتك بإعادة قراءة النص القرآني والتراث للخروج من دوامة القتل منذ قتل قابيل لهابيل إلى دائرة الفداء. هذه الدعوة مهمة وجريئة وتصبح أكثر ضرورة كل يوم وهي تحدث بالرواية فتتقدم على الواقع الذي يطلبها ولا يتوصل إليها!
ب .س: آلية الفداء هي آلية مجتمعية لإدارة العنف كما القانون حالياً… وبالتالي الدعوة لإعادة قراءة النص الديني تندرج ضمن فهم الميكانيزميات الحاكمة بالمجتمع.
و. س: عبد الله ينسى كل يوم ما سبقه تقول : (ذاكرته تستيقظ كل يوم نظيفة من حيض التذكر) ويعود كما لو ولد تواً من التفجير، لكنه وجد طريقة للخلاص بالتدوين وكأن طريق الخروج من الأزمة يحتم التعلم والثقافة لبداية تأريخ جديد خارجاً من دوامة الحرب والعنف اليومية التي تأكل البلاد.
ب.س: إنّ النسيان أسلوب دفاعي تلجأ إليه النفس عندما لا تستطيع أن تتحمّل هول الفاجعة. لقد وعى عبد الله ذلك بشكل لا شعوري. وما القول بأنّه يستيقظ نظيفاً من حيض التذكر، إلا دلالة على رفضه للعقم، فهو يريد التذكر. ومن دون الذاكرة لا يمكن للأضحية أن تنجز مهمتها في التطهير، لذلك لجأ إلى التدوين، كما يفعل السجناء في حك حيطان السجن من أجل تدوين مرور الأيام، كي لا يفقدوا الإحساس بالتاريخ. إنّ التدوين وكتابة ما يحصل له في محيط الدمار كانا وسيلته الأولى لمقاومة الدمار، فالدمار أول ما يفعله هو أن يمحو الرموز والعلامات التي يستطيع بها العقل حيازة الواقع معرفياً. ومن هنا، كان التدوين والبحث بين الحطام على علامات متبقية، أسلوبه في إعادة رتق ذاكرته وجعلها خصبة من جديد. وعندما تم له ذلك خلق دميته/حواءه وشرع في تهيئة المسرح ورفع خشبته كي يعيد تمثيل مسرحية الجثة، كي تتم المصالحة بين القاتل والقتيل.
و.س: خشبة المسرح، هي سفينة نوح كما في حدث الطوفان!
ب.س: نعم التناص كان واضحاً.
و.س: تقول المصالحة بين القاتل والقتيل، وذلك يعيدنا إلى السؤال التالي:
ثلاثة تجمعهم صداقة الكتب، وتاريخ الميلاد، وجريمة يتقاسمونها بشكل ما؛ القاتل /المتهم ــ والقتيل/ الأضحية، ومن ثم المحقّق الذي يرث ساعة الأرمني مسيو كارنيك (والذي يعني اسمه الخروف ــ الأضحية أيضاً ) ، هل أردت مقاربة ثالوث جديد يكون فيه الموت على خشبة المسرح بانتظار قيامة الحياة /الخلق من قلب تل الخردة حيث تتشابك الأشلاء مع بقايا الدمار؟
ب.س: إنّ الجذر الثلاثي لفعل (قتل) هو الذي يمدّنا عبر الاشتقاق بكل من كلمتي: القاتل والقتيل. ما الذي يعنيه ذلك؟ يعني تعالقاً لا يمكن الفكاك منه، ما دمنا نأخذ معنى واحداً من معاني الجذر(قتل). ميزة مفهوم الفارماكوس اليوناني أنّه يشتمل بشكل واضح على معنيين متضادين، لكن متكاملين، فالسم يصنع منه الترياق، والترياق هو دواء السم. لهذا كانت الأضحية الفارماكوسية كعبد الله قادرة على إيقاف العنف لأنّها تكشف معاني الجذر (قتل)، فلا تصيبنا أحادية الرؤية بالعماء. ومن دون مسرحة العنف والأضحية، لايمكن أن نأخذ مسافة للحياد، ومن ثم المصالحة. والمسرح يقدم هذه المسافة عبر عبد الله نفسه، الذي قدّم نفسه أضحية على مسرح القباني جاذباً إلى دائرة الجريمة، ممثّل الثقافة؛ أي بائع الكتب. وممثّل السلطة؛ أي الرائد هشام، حتى يحدث الجدل الغائب بسبب العنف، ويتكشّف المعنى الجوهري للجذر (قتل) ألا وهو معرفة كنه الشيء! وعندها تتضح لنا أصول العنف، فمن الممكن تحقيق السلام والحياة بناء على ذلك.
البطل عبد الله كان يبحث عن هويته؛ يقول تدفعني الخيبة لا الأمل، لأبحث في الماضي عن تأصيل لهوية مضطربة. فخيبة الإنسان بالانتماء (عدم تحقّقه) تجعله يبحث في الهوامش عن بديل. وغالباً ما يعيد إحياء الانتماءات الضيقة كتعويض. وهي في الحقيقة محرك آلية العنف! أمّا عبد الله؛ فبحثه أخذه إلى المسرح والدمية ذات الصوت المكبوت أو العميق. أو كما أسميتها حواءه ومعها أكمل البحث وصولاً إلى إعادة الأب والأم إلى المسرح في إشارة لإعادة الحياة، تأصيل وتأسيس البحث عن هوية جديدة، هو القضية التي تؤسس الحياة الجديدة إذن!
لا أحد يستطيع الهرب من هويته، فهي معطى وجودي في حال ضياعه، فهذا يعني العدم. لكنّ البحث عن الهوية المحدّدة سلفاً يصبح حالة عنفية، عندما تبدأ بإلغاء الآخر، وأي هوية فيها من الإلغاء الكثير؛ لذلك قال سارتر: “الآخرون هم الجحيم”. أمام هذا الواقع المخيّب للآمال، كان لا بدّ لعبد الله ان يبتكر حلاً كي تنفتح الهوية على إنسانيتها، بحيث يصبح الآخر امتداداً حيوياً لها. إنّ تأصيل الوجود في مخيال عبد الله عبر الدمى التي صنعها لم يكن ليتم إلا عبر قصّ الخيوط التي تربط الدمى بيد محرك العرائس لتصبح حرّة. إنّها دعوة لخلق هوية تولد من محايثة الحياة تنمو كل يوم وتتجدّد، رافضة لأي شكل مسبق يحدّد وجودها، هكذا يصبح وجودها خياراً، لا قدراً محتوماً محدداً بشكل مسبق.
و. س: مقولة قتل الأب: ارتفعت الأصوات الداعية لها. وهناك الصوت التحذيري لديك قد جاء على شكل نبوءة؛ ستقتلون الأب ولن تجيدوا دفنه، ستقتلكم رائحة جثته، تقول: “سنوات، ونحن نحمل جثة الأب. ونحن نعلك لحمه كالصوف. والبلد تغرق بالقتل، نقتل الآباء ويتكاثر الأبناء كالجراد. وهكذا نعلن القطيعة، لنؤسس لأبوتنا وكراسينا المصنوعة من عظام الأباء”. فإذن قتل الأب كان تأسيساً لآباء لا يختلفون عنه، بل يتجاوزونه في القسوة! في عملية إعادة تدوير للعنف. لكنّك تعيد الأب وتجلبه للمسرح لنلمس تمييزك للأب الذي تريد إعادته المعبّر عنه بالعقل؟ ( هذا من فضل العقل) المقولة التي تحطمت في الهياج؟
ب.س: إنّ قضية قتل الأب قد تكرّرت كثيراً في الميثولوجيا الإنسانية. إذن هي رمزية أكثر منها فعلاً واقعياً، فقتل الأب، هو قطيعة مع منظومة سابقة ثبت فشلها، بأن تكون محايثة للحاضر. وبما أنّ مصير الأبناء أن يصبحوا آباء؛ إذن، هم ضحايا جدد. لهذا يقال، بأنّ الثورة تأكل أبناءها؛ وذلك عبر تحويلهم إلى آباء، من الضرورة أن نثور على الآباء الجدد. إنّ إعادة الأب عبر دمية في أوراق عبد الله مع ربطه بمقولة (هذا من فضل العقل) فقد جاء ذلك من أجل إيقاف دورة العنف، وإنشاء الحوار بين الأصول والفروع الذين سيغدون بدورهم أصولاً تنبت فروعاً وهكذا دواليك.
مواضيع ذات صلة
مواضيع أخرى
تدريباتنا
ورشة تدريب صالون سوريا
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة...
ورشة تدريب صالون سوريا
يعلن فريق #صالون_سوريا، التحضير لدورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة...