“زميلاتي في العمل يشبهن بعضهن لدرجة يصعب التفريق بينهن، لذلك أنادي الجميع باسم سندريلا”… هكذا يقول سعيد الذي يعمل في شركة خاصة. يضيف: “أصبحن نسخة واحدة، شكل الأنف والشفاه نفسه”. ثم يسال: “من أين يحصلن على المال اللازم لإجراء عمليات التجميل في ظل الوضع الاقتصادي الصعب؟”. أما نزار، وهو طالب جامعي، فيرى أن التقليد الأعمى ومحاولة لفت نظر الطرف الأخر هو السبب الرئيسي الذي يدفع الفتاة لهذه الإجراءات، مع أن الرجل “يحب وينجذب للمرأة الطبيعية بدون تجميل وبأقل قدر من مساحيق التجميل، لكن لايستوعبن ذلك ويبالغن بالأمر”. حقاً، فالتهافت الكبير من قبل نساء دمشق لارتياد مراكز وعيادات التجميل أصبحت ظاهرة مثيرة للاستغراب، خاصة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية للغالبية. ونظراً لوجود أولويات حياتية أكثر أهمية، فهذه الإجراءات تحتاج إلى إنفاق الكثير من الأموال، وإذا كان من المفهوم أن الحرب أفرزت طبقة من الأثرياء الجدد ومحدثي النعمة يمكنهم الإنفاق على مظاهرهم وكمالياتهم، لكن السؤال: “من أين تأتي نساء الطبقة الوسطى وما دون بالمال لدفع تكاليف هذه الإجراءات ؟ وبأي دافع تتحمل المرأة ألم الإبر التجميلية وغرف العمليات؟”.
جواز سفر تقول ربى( 35 عاما) وتعمل في مجال التعليم: “أصبح اقتطاع جزء من دخلي الشهري وجمعه أو سحب “سلفة ” من العمل أو الاشتراك بجمعيات مالية أمرا اعتياديا لإجراء حقن (فيلر- بوتوكس) كل فترة. كل ذلك حتى اعزز ثقتي بنفسي أمام المجتمع وأبقى جميلة في عيونهم، فاليوم يحكم علينا الآخرون من خلال مظهرنا، والجمال هو جواز سفر يفتح كل الأبواب بوجه المرأة وأهم هذه الأبواب هي فرصة العمل والفوز بزوج المستقبل”. أما دارين (22 عاما)، وهي طالبة جامعية، فباعت قطعة ذهب الشهر الماضي لتستطيع تسديد تكاليف عملية تجميل الأنف فصورها على مواقع التواصل الاجتماعي ستبدو أفضل بأنف جميل، في حين تطالب داليا (39 عاما) وهي ربة منزل من أختها الموجودة في الخارج بتحويل مبلغ من المال كل فترة لتتمكن من الإنفاق على الإجراءات التجميلة التي تقوم بها من حقن(فيلر وبوتوكس) وغيرها لتحافظ على زوجها. تقول: “مابدي عينه تطلع لبرا ويتزوج عليي. أنا مقتنعة بشكلي كما هو ولكن الرجال عيونهم فارغة”.
تجارة رابحة يوجد في دمشق وحدها حوالي 50 مركزاً للتجميل، وتعد عمليات شد الوجه والأجفان وتجميل الأنف من أكثر العمليات التجميلية رواجا، إضافة إلى حقن المواد المالئة (بوتوكس،فيلر) يدير هذه المراكز في بعض الأحيان أشخاص غير متخصصون بالجراحة التجميلية، إذ وجدوا في مثل هذه المراكز استثماراً يدر الكثير من الأرباح، ويتم الترويج لهذه المراكز عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي، وتم تسجيل حالات كبيرة من التشوهات بدلا من الإصلاح المرغوب، ويتحكم سعر الصرف بدرجة كبيرة بسعر الإجراءات التجميلية . اللافت هو عدم وجود تسعيرة موحدة للإجراءات التجميلية بين المراكز والعيادات التجميلية، فتعتمد بشكل كبير على خبرة الطبيب وشهرته والمنطقة. هناك تباين كبير بالأسعار بين المناطق الشعبية والراقية، إذ تتراوح سعر عملية تجميل الأنف بين 500 ألف ليرة إلى 2 مليون ليرة بينما عملية شد الأجفان العلوية والسفلية بين 400 ألف إلى مليون ونصف ليرة أما عمليات شد الوجه الجراحي فتتراوح بين مليون ومليوني ليرة، فيما تصل تكلفة عمليات شد الوجه بالخيوط لحوالي بين 600 و 900 ألف ليرة. أما بالنسبة للإجراءات الأخرى من حقن المواد المالئة، فتتراوح أسعار البوتوكس مابين 150 و200 ألف ليرة وتختلف أسعار الفيلر بحسب نوعيته، إذ يصل سعر “الفيلر” الكوري إلى 220 ألف ليرة للسانتي الواحد. أما الكوري نخب أول ممتاز، فهو 300 ألف بينما النمساوي 400 ألف ليرة. احد أهم الموزعين للحقن المالئة (بوتوكس، فيلر)، يقول لـ “صالون سوريا” أن كل المواد الموجودة في العيادات ومراكز التجميل منشأها صيني ولكن بامتياز أوربي، ولايوجد مواد منشأها الاتحاد الأوروبي أو أميركا لان أسعارها مرتفعة جداً ربما تصل إلى 500 دولار وما فوق.
واقع مؤلم يصل عدد الأطباء المتخصصين بالجراحة التجميلية لما يقارب 190 طبيباً، يشكو غالبيتهم من حالات “التخبيص ” التي طالت مهنة الجراحة التجميلية والتعدي عليها من قبل أشخاص غير مؤهلين. يقول الدكتور وائل البرازي رئيس رابطة الطب التجميلي لـ “صالون سوريا” : “واقع عمليات التجميل في سورية مؤلم إذ تجرى هذه العمليات في معظمها من قبل أطباء غير اختصاصين بجراحة التجميل وأحيانا من قبل ممرضين (ذوي خبرة في مساعدة أطباء التجميل سابقا)، مضيفا: “كثرت التشوهات التالية لعمليات التجميل بسبب هذه الظاهرة من عدم ضبط هذه المهنة النبيلة ،هناك إقبال شديد جداً على افتتاح مراكز تجميل من قبل تجار همهم الوحيد الربح فقط مستغلين وسائل الدعاية والتواصل الاجتماعي دون ضابط أو رقيب ،ليس للرابطة أي دور في ضبط ممارسة المهنة فدورها علمي فقط وتقع مسؤولية ضبط المهنة على عاتق وزارة الصحة”. بدوره، نشر الدكتور بيهس رقية وهو طبيب اختصاصي جراحة تجميلية عبر صفحته على “فيسبوك”، قائلا: “المبالغة بالتجميل وإجراء عمليات قبل وقتها والاجتهاد غير العلمي “كعين القطة وغيرها ” والتعدي الرهيب على هذا الاختصاص واستعراض عضلات” الفيسبوك” وأبواقه أساء لسمعة هذه المهنة داخلياً وخارجياً في الوقت الذي يجب أن يكون التجميل حقيقياً ومبينياً على أسس العلم والطب”.
حالة مرضية الدكتورة رشا شعبان الأستاذة في علم الجمال بجامعة دمشق (قسم علم الاجتماع ) بينت في تصريح لصحيفة محلية أن من ابرز الأسباب التي تجعل المرأة تتجه إلى عيادات ومراكز التجميل هو “الغزو الثقافي الذي يروج لقيم جمالية تديرها سوق رأسمالية عبر الإعلان وتسويق منتجات جمالية ما نتج عن ذلك تسليع لجسدها وفق ما تروجه الشركات التجارية عبر إجراء عملية تجميلية لنموذج معين يقارب بعض الممثلات الشهيرات”. وترى أنه خلال ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد ازداد الإقبال من قبل البعض منهن لإجراء عمليات التجميل لأن المرأة أصبحت بحاجة أكثر للرجل الذي اتجه للحرب أو الهجرة ، وأن نسبة النساء طغت على الرجال وتكاد تصبح العلاقة وفق قاعدة العرض والطلب ما يعني أن العلاقة وصلت إلى أدنى مستوياتها وأصبحت المرأة تعرض أحسن ما عندها في عرض مفاتنها وأعضاء جسدها بالطريقة التي يريدها الرجل . وأشارت إلى أن المبالغة في ارتياد المرأة العيادات وإجراء العمليات المتكررة يعني أن الحالة “مرضية”، بل أصبحت كلعبة «الدومينو» تبدأ بعملية وتضطر لتتم العملية الأولى لكون المواد لها فعالية لفترة محددة وفي كل مرة تكون غير راضية عن شكلها، وتالياً تصبح حالة مرضية أكثر حتى لو كانت جميلة لأنها أساساً بداخلها غير راضية عن أنوثتها أو شكلها لضعف ثقتها بنفسها، وتؤيد د. شعبان إجراء التجميل في الحالات التي تتطلب ذلك مثل حالة تشوه ما أو حروق تستدعي إجراء عمليات كهذه. وتؤكد على دور التربية منذ الصغر للمرأة على أساس أنها ستصبح طبيبة ناجحة في المستقبل بدلاً من الغرس في عقلها أنها ستصبح عروساً جميلة وتكريس ثقافة الجسد، إضافة إلى عامل البيئة والمدرسة والمناهج، والنقطة الأهم الإعلام وإعادة النظر بالإعلام الذي يروج على أنها جسد لتصريف منتجات “البوتكس” والتركيز على دوره باتجاه التوعية ومخاطبة العقل والارتقاء به والاهتمام بغرس القيم الأخلاقية.
بعد انسحاب القوات الحكومية تدريجياً من مناطق عديدة من أنحاء البلاد، بينها ريف دير الزور الشرقي؛ غابت دوائر القضاء والمحاكم الحكومية والشرعية عن معظم هذه المناطق مترامية الأطراف منذ نحو 10 سنوات، الأمر الذي دفع الأهالي وسكانها للعودة طواعية ًالى القانون العشائري العرفي الذي يتيح أن تحل العدالة القبلية محل القوانين المدنية الوضعية عند اندلاع توترات ونزاعات. فالمنطقة خضعت لسيطرة جهات عسكرية إسلامية متطرفة وفصائل وقوات مسلحة تركت سنوات حكمها موجة من الخلافات والصراعات، وانخرطت فيها عشائر لفرض عرفها كبديل لنظام العدالة الاجتماعية ومحدودية تدخل السلطة أو الحكومة، لكنها وبعد مرور هذه السنين باتت تهدد الاستقرار والسلم المجتمعي نظراً لأن الولاءات العشائرية دعمت بشكل مستتر جهات عسكرية متناقضة بالحرب الدائرة في البلاد.
“الصلح خير” وفي إطار سعيها إلى إعادة ترميم العلاقات بين أبناء المنطقة وتعزيز التماسك المجتمعي، أطلقت خمس منظمات وجمعيات مدنية حملة بعنوان “الصلح خير” مناصرةً لتعزيز دور “لجان الوساطة المجتمعية” بريف دير الزور الشرقي، واستهدفت المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المدعومة من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وتشارك في الحملة جمعيات «ديرنا» و«فراتنا» و«سامه» و«ماري» و«إنصاف للتنمية»، وشكلت هذه المنظمات “لجان الصلح”، وتلعب شخصيات مجتمعية بارزة مثل رؤساء عشائر ووجهاء وقضاة وقانونيين دوراً فعالاً في التسويات العشائرية التي تصدر في بعض الاحيان أحكاما صارمة لمنع الفتنة والاقتتال العائلي لتجنب انتقام أبناء القبائل. وعن أهمية الحملة ودورها في دعم جهود وصلاحيات “لجان الصلح”، يقول الناشط أيمن علاو لـ “صالون سوريا”، إن الحملة مدعومة من “مؤسسة الشارع للإعلام والتنمية”، وهدفها حل الخلافات بين الناس بالطرق والأدوات السلمية، “لتخفيف حدّة تلك النزاعات ومنع تفاقمها لأن المنطقة شهدت فوضى سلاح وحروب كثيرة، بغية كسر دائرة العنف التي أحاطت بالمجتمع خلال السنوات الماضية”، ويرى بأن هذه المناطق ذات طابع عشائري وما يزيد من تعقيد الوضع وتأزمه غياب الدوائر والمحاكم المختصة بعد سنوات عجاف من الحرب. وأوضح بأن المنطقة كان يسودها العرف العشائري حتى بوجود القوات النظامية والسلطات الحكومية، ليزيد: “كان جلياً عندما تتدخل الدولة لحل خلاف عشائري تتصرف وكأنها جزء من المنازعات القبلية، بدلاً من السعي لإيجاد وسائل بديلة لمحاسبة المتورطين الأمر الذي قوض القضاء والحط من شأنه”.
منذ 3 سنوات تخضع هذه المنطقة لـ “مجلس دير الزور المدني” التابع لـ “قسد”، وشكلت بدورها مجالس قضائية وتشريعية لتحل مكان هيئات القضاء ودور المحاكم والسلطة المركزية، وقامت هذه الجمعيات بتأسيس “لجان الصلح” وتعمل منذ بداية العام الماضي ونجحت في حل العديد من النزاعات العشائرية ومشكلات تتعلق بقضايا معيشية في ظل نقص الموارد والأزمة الاقتصادية، الى جانب التدخل في حل خلافات تنظيم توزيع الكهرباء من المولدات الخاصة وتوزيع الماء بشكل عادل وتوزيع مادة الخبز على الأهلي منعاً لحصول أزمات غذائية. وأخبر أيمن علاو بأنها ساهمت بحل قضايا الخلافات الشخصية بين سكان المنطقة والنازحين من مناطق أخرى، وصولاً إلى المشكلات الناتجة عن حوادث المرور والابتزاز عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من القضايا التي تُقلق السلم والاستقرار المجتمعيين، لافتاً بأن أعضاء اللجان والمشاركون في “لجان الصلح” هم وجهاء وشيوخ عشائر ونخبة من القانونيين والمحامون وشخصيات فاعلة ممن لديهم خبرة في حل القضايا المجتمعية، ويمتلكون سمعة حسنة وطيبة بين الأهالي: “لجان الصلح لديها مكتب في كل منطقة وبلدة تشارك في كل منها سيدة وفتيات لوجود قضايا ومشاكل تتطلب حضور النساء إلى جانب الرجال لفهم حيثيات الدعوى”.
خلال أحد النزاعات نهاية فبراير (شباط) الماضي في بلدة غرانيج بريف دير الزور الشرقي على خلفية ثأر بينهما، دارت اشتباكات مسلحة عنيفة بين عائلتين من عشيرة الخابور العربية تسببت بوقوع ثلاثة مدنيين قتلى وعشرات الجرحى، وفرضت قوات الأمن الداخلي حالة من حظر التجول غير المعلنة خوفاً من وقوع المزيد من الإصابات، واستخدم الطرفان الأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية، واستنفرت قوى الأمن والقوات العسكرية التابعة لمجلس “دير الزور العسكري” لضبط الحالة وحقناً للدماء خوفاً من اتساع رقعة الاشتباكات لأن أبناء المنطقة أولاد عمومة تربطهم علاقات قرابة الدم. ونقل تركي وهو من أبناء عشائر العقيدات ينحدر من بلدة ذيبان بريف دير الزور الشرقي أن النزاعات العشائرية وقضايا الثأر هي أخطر الظواهر التي تهدد الاستقرار والسلم الأهلي في المنطقة، وقال: “كونها تقع دون تخطيط مسبق نتيجة قضايا تتعلق بالميراث أو انتقاماً لمقتل أحد أبناء العشيرة في وقت سابق، مشيراً الى أن ظاهرة الأخذ بالثأر أو الاقتتال العشائري موجودة قبل عام 2011، “النظام وقتذاك كان يتفرج على الأطراف المتقاتلة دون أن يحرك ساكناً لمنعها، بهدف أضعاف احدها ومحاسبة الثاني، أما اليوم تقف قوات (قسد) عاجزة ولا تتدخل خشيةً من سقوط مقاتليها”. وتنشب في هذه المناطق بشكل متكرر نزاعات مسلحة بين أبناء العشائر غالباً ما تتطور إلى معارك ضارية، وبفعل هذا العنف الذي يؤدي أحياناً إلى سقوط أبرياء وما يترتب عليه من عمليات ثأر عائلي، تقف القوات الأمنية على حياد خوفاً من الانتقام، ويقول المحامي سعيد القدرة وهو عضو في الأمانة العليا لـ(لجان الصلح) بأنهم يستندون لمزيج من العرف العشائري والقانون السوري التشريعات الدولية ذات الصلة ومواثيق حقوق الإنسان، وأكد في حديث الى موقع (صالون سوريا): “نعتمد على خبرات محلية وتجارب أعضاء اللجان ومعارفهم من وجهاء وأصحاب دراية بالعادات والتقاليد، فالهدف الاسهام في ترسيخ مبدأ الصلح ليكون سيد الأحكام”، ولدى هذه اللجان نحو 40 قضية حالياً منها تتعلق بالملكية والميراث وحدود الأراضي والعقارات ومنها اقتصادية وخدمية وقضايا الثأر والحق الشخصي، وخضع أعضاء اللجان لدوريات واستشارات لمعرفة حيثيات الدعاوي وكيفية حلها بالطرق السلمية. وتابع الخبير القانوني بأن الجمعيات المشاركة بالحملة تعمل عبر الورشات التدريبية واللقاءات الجماهرية وتوزيع منشورات ورقية ذات صلة، “نحض الأهالي وأبناء المجتمع المحلي التخلي عن العنف وترك السلاح واللجوء الى الحلول السلمية، والمحافظة على النسيج الاجتماعي الذي مزقته سنوات الحرب السابقة”، بحسب المحامي سعيد القدرة.
تبلغ مساحة دير الزور المحاذية للحدود العراقيّة نحو 33 ألف كيلومتر مرّبع، وهي تشكّل 18 في المئة من مساحة سوريا (البالغة 185 الف كلم مربع)، وجغرافية المحافظة باتت منقسمة عسكرياً بعد معركة الباغوز بشهر (آذار) 2019؛ تخضع جهتها الجنوبية وجزء من الشرقية ومركز المحافظة للقوات الحكومية الموالية لنظام الأسد، بينما تخضع المدن والبلدات المحاذية لضفة نهر الفرات الشمالية لسيطرة (قوات قسد)، وتدير المنطقة هياكل حكم محلية ومجالس مدنية وتشريعية خاضعة لـمجلس دير الزور المدني. وبحسب محمد المحمد مدير منظمة «إنصاف للتنمية» وأحد الشخصيات المشاركة في لجان السلم الأهلي، أن نحو نصف مليون شخص، استفادوا من عمل هذه اللجان بشكل مباشر، وتنشط “لجان الصلح” في مدينة هجين والقرى التابعة لها، وبلدات أبو حمام والكشكية بالريف الشرقي، وبلدة محيمدة والقرى التابعة لها، وبلدة جديد بكارة وما يتبعها، وبلدة البصيرة وما يحيطها من قرى. وقال لـ “صالون سوريا”: “عقدنا اتفاقات ومذكرات تفاهم مع المجالس المدنية والتشريعية التي تدير هذه المناطق”، كما يقوم فريق المنظمة بمراجعة القضايا التي يتم تدوينها لدى ديوان لجان الصلح): “ثم نعقد ندوات جماهيرية وورشات تدريبية، بهدف نشر أفكار تعزز القيم المجتمعية، واستخلاص العبر والحلول وطرحها على أكبر شريحة من المستفيدين”. ورغم ان اندلاع العنف العشائري ليس جديداً بهذه المناطق وأصبحت أكثر تكراراً وتجاوزت في بعض الأحيان السلطات الحاكمة لتسفر عن اشتباكات مع قوى الأمن والقوات العسكرية نفسها، ويقول أعضاء الجمعيات المنظمات والمجتمع المدني أن النزعة العشائرية أحد أعراض ضعف سيادة القانون والذي يعود الى ما قبل بداية الاحتجاجات المناهضة لنظام الحكم وانحساب القوات الحكومية، ويقول أحد الناشطين المدنيين: “هنا الانتماء للعشيرة يأتي قبل الانتماء للدولة أو المجتمع الذي نعيش فيه، اليوم نرى احتكاماً أكبر للعشيرة بحل المشاكل الحياتية للناس”.
“عيدي الحقيقي حين يعود ولدي من ظلام سجنه سالماً، وتراه عيناي قبل أن أموت”. بهذه الكلمات عبرت عائشة القصاص (46 عاماً) من مدينة معرة مصرين عن حزنها في عيد الأم بسبب بعد ولدها عنها، والمجهول الذي يكتنف مصيره، وتضيف: “كان ولدي في طريقه إلى جامعة حلب العام 2018 حين تم اعتقاله من قبل أحد الحواجز الأمنية، ومنذ ذلك الوقت لا أعرف مكانه أو مصيره أو الحال التي آل إليها، إن كان حياً أو ميتاً، فكيف للفرح أن يعرف طريقاً إلى قلبي!” وتشير الأم أنها وقعت فريسة للهموم والأمراض بعد اعتقاله، فهو لا يغيب عن ذهنها لحظة واحدة، وتضيف: “كان حنوناً وطيباً، يحتفي بي في هذه المناسبة، ويقدم لي الهدايا، ولكن ليته يعلم أن رؤيته هي أعظم هدية بالنسبة لي على الإطلاق .” ويكتسب عيد الأم رمزية كبيرة لدى السوريين من خلال اجتماع العائلة حول الأم للاحتفاء بها، لكن الحزن يخيم على الكثير من الأمهات في إدلب شمال غربي سوريا بسبب بعدهن عن أبنائهن الذين غيبهم الموت أو الاعتقال أو اللجوء، فلا تكاد تخلو أسرة من أم ثكلى، ليصبح العيد بالنسبة للأمهات يوماً لتذكر الأبناء المبعدين والبكاء على فراقهم، والحنين والشوق لرؤيتهم . سوسن حاج قدور(51 عاماً) من مدينة إدلب، تفتقد في عيد الأم أبناءها الذين أبعدهم عنها اللجوء. وعن معاناتها تقول: “بالرغم من أنني أم لأربعة أبناء، أعيش مع زوجي لوحدنا بعد أن تفرق أبناؤنا، فاثنان منهم يعملان في تركيا، وابنتي مع زوجها وأولادها في لبنان، وولدي الأصغر في ألمانيا، ولا يمكنني الاجتماع بهم ورؤيتهم إلا عبر الهاتف .” وتشير حاج قدور أنها تنتظر هاتفاً من أولادها في عيد الأم، وتراه يحمل لها بعض الفرح والمواساة، لكنه بالتأكيد ليس كافياً مقارنة بلمة العائلة وفرحها في مثل هذا اليوم كما اعتادوا سابقاً . جميع الأعياد من المنسيات لدى منى الدياب (49 عاماً) النازحة من مدينة معرة النعمان إلى مخيم قريب من الحدود السورية – التركية، بعد أن فقدت ولدها الأكبر في الحرب السورية، وتقضي عيد الأم بالبكاء والذكريات، ولا يسعها إلا الدعاء له بالرحمة، ولقلبها بالصبر والتحمل، وعن معاناتها تقول لصالون سوريا وهي تحتضن طفله الوحيد وتقبله باعتباره الذكرى التي تبعث في نفسها الصبر على فقدانه: ” كان ولدي في السوق الشعبي لمدينة معرة النعمان حين تعرض للقصف بالطيران الحربي عام 2019، فأصابت إحدى الشظايا ولدي وأودت بحياته”. وتؤكد أنها محرومة حتى من زيارة قبره، وتردف: “كنت أقضي عيد الأم بزيارة قبره، لكن النزوح يمنعني من ذلك اليوم”. كذلك أفرزت الحرب جيلاً من الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم في الحرب، وحرموا من الحنان باكراً، يشتاقون إلى حضن الأم ودفئها، وفلا يجدون ملاذاً سوى الاحتفاظ بصورة لها، أو زيارة المقابر، ليستعيدوا الذكريات الجميلة وآهات القلوب. رؤى العبسي (15 عاماً) من مدينة سرمين، تقضي يوم الأم مع أختها التي تصغرها بثلاثة أعوام بزيارة قبر أمهما، وتزيين قبرها بالورود والأزهار، وعن ذلك تقول: “لم يعد لعيد الأم مكاناً في هذا البلد الذي أنهكته الحرب .” وتضيف، وهي تغالب أوجاعها التي بدأت تظهر دموعاً على وجنتيها، ومستعيدة لحظات ستبقى في ذاكرتها: “فقدنا أمنا مع أخينا الصغير منذ ثلاث سنوات بإصابة حربية، وفقدنا معهما الحنان والسعادة في هذه الحياة .” وتقبع الكثير من الأمهات في مخيمات النزوح، ليكون التحدي الأكبر لهن هو جمع شمل العائلة، بعد استبدال البيت بخيام متهالكة، يقاسين فيها كدر العيش والحرمان من أبسط مقومات البقاء على قيد الحياة. الطفلة نور البلاني (12سنوات) نازحة من مدينة سراقب إلى مخيم في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي تقول بمناسبة عيد الأم: “كنت قبل النزوح أقوم مع أخوتي الخمسة بتزيين المنزل وإعداد الحلوى احتفالاً بعيد الأم، لذا نشتاق لتلك الذكريات الجميلة ونحن نعيش في هذه الخيمة الباردة”. وتضيف: “رغم النزوح والظروف المعيشية القاسية التي نعيشها، سأقدّم لأمي في عيد الأم وروداً، لا أملك المال لأشتريها ولكني سأقطفها من الحقل المجاور، وأقول لها كل عام وأنت بخير في عيدك .” المرشدة الاجتماعية نور الكيالي(36 عاماً) من مدينة إدلب تتحدث لـ “صالون سوريا” عن معاناة الأمهات السوريات بقولها: “يوم الأم الذي يحتفل به السوريون في 21 من شهر آذار من كل عام، هو مناسبة اجتماعية تجمع العائلة في أجواء حميمية، لكنه في ظل الحرب لم يعد مناسبة للفرح، لما عانته الأمهات وتعانيه من مصاعب وويلات وفقدان، حيث أصبح مجرد ذكرى وتمنيات بملاقاة الأبناء بعد فراق .وتبين الكيالي أن الكثير من الأمهات السوريات يعانين من الأحزان بسبب البعد عن أبنائهن المعتقلين أو المهجرين فلا تداوي جراحهن احتفالات ولا تخفف من آلامهن هدايا. وتلفت أن وسائل التواصل الاجتماعي غدت تؤدي دوراً في اختصار كثير من المناسبات الاجتماعية والدينية، وتقتصر على إرسال المعايدات والتهاني بطريقة إلكترونية خالية من المشاعر والعواطف . وتشير الكيالي إلى ضرورة تقديم الدعم والرعاية لكافة الأمهات، وخاصة أمهات الضحايا والجرحى والمعتقلين كأقل واجب يمكن تقديمه، كما أن إرضاءها وطاعتها والامتثال لأوامرها وتقديرها، هي واجب الأبناء تجاهها، ومحاولة رد الجميل لها قدر الإمكان، وخاصة عندما تكبر في السن . يطل العيد حزيناً على الكثير من الأمهات السوريات اللواتي يعشن تحت ركام هائل من الهموم والآلام والحسرات، يغالبن قهر البعد عن الأبناء والمنازل، وقسوة الحرب التي أطاحت بشباب سوريا وأفراح أهلها .
يتدفق الاستنزاف السوري للكفاءات والعقول، مع تزايد الطلب للهجرة، حيث باتت البلاد شبه فارغة من طاقاتها التي من الممكن أن يعوَّل عليها مستقبلاً للتعافي من آثار الحرب، في ظل تعامٍ حكومي مريب عن أهمية هذه الموارد البشرية والفكرية؛ بل بالعكس من ذلك، تنتهج الحكومة سياسة “التطفيش” مع عجزها عن تأمين الخدمات الأساسية والوظائف والدخول الكافية، ورعيها لعملية فساد منظم في كل قطاعات البلاد، في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة، خاصة مع الاستنقاع السياسي الحاصل، وغياب الأفق بأي تغيير أفضل في بلاد تحكمها احتلالات متعددة وتداعيات أمنية ومالية وعصاباتية كثيرة، كانت كفيلة بانهيار الأحوال المعيشية للسوريين بشكل دراماتيكي، لتصل نسبة الفقر الى 90%، وليعاني 60% من السوريين من انعدام الأمن الغذائي وفقا لتقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى مجلس الأمن حول تمديد آليات المساعدات الإنسانية العام الماضي، “وحتى هذه اعتادوا أن يصلهم منها الجزء الشحيح والردي بعد دخولها في دوائر الفساد”. حاملو الشهادات هم أكثر من يفكر بالهجرة، فهم يقارنون أنفسهم بمن هاجر منذ بداية الحرب، أو في الموجة الثانية للهجرة 2015، نادمين على تمسكهم ببلدهم، وقد تحولت حياتهم فيه إلى غربة، واغتراب عن أعمالهم. يقول حسام، وهو مهندس مدني، “بمرور الوقت تحولت إلى كائن غرائزي، همه كيفية تأمين الأكل والشرب في دوامة لا تنتهي على مدار ساعات اليوم، وصرت مجرد رقمٍ في طابور الخبز والمحروقات والسكر والرز والصرافات، وممزقا بين عملي الوظيفي صباحاً وعملي كمحاسب في مطعم مساء لتأمين قوت عائلتي… كيف تدرس ابنتي الجامعية بالبرد والعتم، وماذا ينتظر أولادي بعد تخرجهم؟ فقط أنتظر سعراً معقولاً لمنزلي يكفي تكلفة السفر”.
اكثر تضررا قطاعا الصحة والتعليم هما الأكثر تأثراً بهجرة الكوادر العلمية؛ فتدني الأجور هو أحد الأسباب التي تدفع الأطباء إلى الهجرة، بحثاً عن مستوى معيشي أفضل يتناسب مع مؤهلاتهم. ووجهتهم الخليج أو أربيل أو الصومال أو الدول الأوربية؛ فالأطباء السوريون في ألمانيا مثلاً، من غير الحاملين للجنسية الألمانية، يزيدون على 5200 طبيبة وطبيب، وهو أكبر عدد بين الأطباء الأجانب، وفقا لإحصائية أجرتها نقابة الأطباء الألمانية عام 2021 . الكارثة الأكبر على الصعيد الطبي هي النقص الحاد في أطباء التخدير، وقد دقت رئيسة رابطة التخدير في نقابة الأطباء، زبيدة شموط، في تصريح لجريدة “الوطن” أواخر 2021، ناقوس الخطر، حول الاستنزاف الكبير في أعداد أطباء التخدير، فعددهم بات 500 طبيب تخدير، بينما تحتاج البلاد إلى أكثر من 1500. والمتواجدون هم في سن 55الى 65، ولا يوجد سوى ثلاثة أطباء تحت سن الثلاثين. يتم التعويض عن هذا النقص بممرضين، بينما وجود طبيب التخدير أساسي في أي عمل جراحي، ما يزيد الخطورة على حياة المرضى. 70 بالمئة من خريجي طب الأسنان الجدد يهاجرون، حسب تصريح لنقيب أطباء الأسنان في اللاذقية، طارق عبد الله، إلى صحيفة البعث مؤخراً. يقول جورج، وهو طبيب أسنان، “إن الحكومة تفرض الضرائب العالية على مستلزمات المهنة، في ظل تدهور الوضع المعيشي، وصعوبة العمل مع انقطاع الكهرباء وغلاء كلفة البدائل… إنها ترى عملنا مجرد مهنة تجارية، وليس حاجة إنسانية”. قبل الحرب والأزمة السورية، وعلى مدى عقود، كانت جامعاتنا تعاني من غياب منظومة البحث العلمي والابتكار، وتدني نسبة الإنفاق على التعليم العالي، وعدم تناسب المستوى العلمي والمعرفي للكفاءات مع مستوى التطور التقني والاقتصادي، و تدني الدخل، وتوغل البيروقراطية والمحسوبيات، مما شكل دافعاً لهجرة الكثير من الكفاءات في السابق. وهذا ازداد سوءاً خلال الأزمة السورية، وانعكس على نوعية التعليم بشكل عام. فقد أعلن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في عام 2016، خروج سورية من مؤشر جودة التعليم، لعدم التزامها بمعايير الجودة في التعليم، حسب مركز دمشق للدراسات والأبحاث “مداد”.
أسباب نفسية خسر التعليم العالي حوالي 20 في المئة من أعضاء الهيئة التدريسية في مختلف الجامعات بسبب الهجرة، بحسب تصريحات وزير التعليم العالي السابق، عاطف النداف، عام 2017، وقد عزا هذه الظاهرة إلى “أسباب اقتصادية واجتماعية ونفسية مرتبطة بالظروف الراهنة،” خاصة مع انخفاض الأجور. ووفقاً لأستاذ بجامعة البعث “إذا رغب الأستاذ بشراء مرجع أجنبي لتطوير معارفه فهو يحتاج مبلغاً يعادل راتبه الشهري إضافة إلى القيود البيروقراطية في منح الموافقات وتدني أجور التأليف، هذا اذا لم نتكلم عن أجورنا الشهرية”. استبدل طلاب الجامعات أحاديثهم عن التنافس والتحصيل العلمي على مقاعد الدراسة، بأحاديث عن الطرق المتاحة للهجرة، في ظل التراجع في جدوى التحصيل العلمي؛ يحلم أحمد، وهو طالب علوم، بالهجرة: “لا أريد أن أمشي على خطا والدي الجامعيين في حساب وتقنين ما تبقى من رواتبهما الشحيحة، منذ الأيام الأولى من الشهر. بينما يقول علاء، خريج معلوماتية في الثلاثين من عمره، “تسرب مستقبلي من بين يدي بعد سنوات الاحتفاظ بالخدمة الإلزامية؛ أنا الآن عامل في مطبعة خاصة، نسيت مصطلحات البرمجة التي كانت فيما مضى تضيف هالة على حضوري، بت أخجل من نفسي ولا بد من الرحيل”. يعاني كثير من السوريين من مشكلة تأمين تكاليف الهجرة؛ فبعد أن يئست سناء، خريجة الفنون الجميلة، من إيجاد فرصة عمل جيدة، اتبعت دورات مهنية في فن الوشم، وبدأت تعمل في هذا المجال الذي يدر عليها دخلاً يضاعف ما يجنيه والداها الجامعيان، تريد السفر إلى دبي، لتعمل في هذا المجال، وتجمع المال اللازم لإكمال دراستها في إحدى الجامعات الأوربية، حيث تجد احتراماً للفن. تغيب الأرقام الرسمية لأعداد الشباب المهاجر، لتبقى الإحصاءات محصورة بتقارير المنظمات الدولية ودراسات مستقلة. أكدت دراسة صادرة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات (مداد)، بعنوان “هجرة الكفاءات والعقول السورية نزيف تنموي مستمر”، أن الموجة الكبيرة من الهجرة واللجوء إلى خارج سوريا منذ 2011، شملت لأول مرة شباباً وأطباء ومهندسين وعلماء وفنانين وأساتذة جامعات، وأكثر من 900 ألف سوري استقروا في ألمانيا حتى العام 2017، 40% منهم من أصحاب المؤهلات العلمية العالية، إضافة إلى أعداد أقل اتجهت إلى بقية البلدان الأوربية، والولايات المتحدة، وكندا.
خراب وذكرت الدراسة أن التقديرات الصادرة عن النقابات المعنية تشير إلى هجرة نحو ثلث الأطباء وخمس الصيادلة (أي 33% و 20% على التوالي)، اما اساتذة الجامعات ومن مختلف الكليات فقد بلغ 1220 أستاذا ، ويقدر عدد المهندسين بـ 8521 مهندسا على تنوع تخصصاتهم، وحملة الإجازة الجامعية (المجاز) تجاوز 21480، وهناك أعداد كبيرة جدا من الوافدين السوريين الى الجامعات العالمية للحصول على درجات الماحستير والدكتوراه وتقول الإحصاءات ان 70% منهم لن يعودوا الى سوريا. كما استطلعت دراسة لمعهد بحوث العمالة (IAB)، والمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، والمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية (DIW برلين) الكفاءة العلمية للاجئين السوريين الذين تقدموا بطلبات للحصول على اللجوء في ألمانيا ما بين 2013-2016، وخلصت إلى أن 40% حاصلون على الشهادة الثانوية فما فوق، و22% حاصلون على الشهادة المتوسطة. ليست الحرب وما تبعها من خراب هي الدافع الوحيد لهجرة العقول السورية، أورد الباحث السوري، محمد جمال باروت، أن سوريا تصنف من البلدان الطاردة للكفاءات العلمية، وتحتل المرتبة الأولى بين الدول العربية حسب مؤشر هجرة الأدمغة المعتمد ضمن منهجية قياس المعرفة للبنك الدولي بنسبة 2.3% للمؤشر المتدرج من 1 حتى 7 حسب التقرير العربي عن المعرفة لعام 2009. وقدرت دراسة لخبراء الهجرة والتنمية في الأمم المتحدة نسبة هجرة الكفاءات ومن هم في طور الكفاءات وفق مؤشر مستوى التعليم بأكثر من ثلاثة أخماس المهاجرين السوريين الى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD لعام 2000 وحسب مصادر الجمعية الطبية العربية الأميركية، إن عدد الأطباء السوريين في الولايات المتحدة الامريكية يفوق 6000 طبيبا من أصل 15 الف طبيب عربي، و 18 ألف طبيب مقيم في ألمانيا من أصل عدد الجالية السورية المقدرة ب 59 ألفا عام 2008. ولا تشمل الاحصائيات السابقة الكفاءات العلمية التي هاجرت إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث كانت تحدث هجرات نوعية للنخب العلمية بعضها لبضع سنوات. لن تتوقف هجرات العقول السورية، ليضاف “طابور” الانتظار على أبواب دوائر الهجرة والجوازات إلى “طوابير” اعتادوها مكرهين عله يكون الطابور الأخير قبل الخلاص. لكن، رغم الأمان الذي يتحدث عنه اللاجئون و “العيش الكريم” خاصة في الدول الأوروبية، فإن اختلاف الثقافة واللغة والنظام بين البلدين، إضافة إلى جائحة كورونا، أثرت على اندماج اللاجئين في المجتمع و سوق العمل، ما يعني ضياع سنوات من حياتهم دون العمل في اختصاصاتهم، لضرورة تعديل مستوى التعليم. يضاف إلى ذلك فترة زمنية ليست بالقصيرة للتدريب على العمل، مع تأخر سوريا في هذا المجال، وهذا يضيف صعوبات أخرى وخاصة للاجئين من الفئات العمرية الكبيرة. تحاول الحكومة الاستثمار في ملف اللاجئين، بعقد “مؤتمرات لعودة اللاجئين ” بدعم وتنظيم روسي، لترسيخ قناعة أن “سوريا آمنة”، الأمر الذي تنتج عنه مكاسب سياسية، للشروع بعملية إعادة الإعمار، في قطاعاته الريعية، واستغلال عقودها المربحة عبر شبكاته وأذرعه الاقتصادية داخل وخارج سوريا، متجاهلة أهمية الكوادر البشرية المدرّية والكفؤة، في ظل تعاميها عن موجات الهجرة التي حدثت وستحدث، والتي ربّما تحول سورية إلى دولة كهلة سكانياً. وبالتالي مواجهة نقص الكفاءات والإفادة منها عن طريق استيراد الكفاءات الغربية بتكلفة كبيرة؛ في دراسة للباحث الاقتصادي الدكتور عمار يوسف، أكد أن هجرة الكوادر تعدّ الخسارة الأكبر، لكونها شكلت نزفاً مركباً للاقتصاد الوطني يصعب تعويضه قريباً، إضافة إلى الوقت والمبالغ الهائلة التي تحتاج إليها لإعادة تأهيل كوادر جديدة. وتقدر الدراسة تلك الخسائر لنهاية 2016، بـ40 مليار دولار.
اللاجئ صرح مسؤول هولندي مؤخرا ان “اللاجئ السوري أفضل استثمار حصلنا عليه خلال هذه المرحلة “؛ فحوالي ٢٥٠٠ طالب سوري في الجامعات الهولندية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، من عدد أبناء الجالية، والذي يقارب المئة ألف، ونصف الجالية هم تحت الثامنة عشرة. أما الطلاب الذين سجلوا في المعاهد التطبيقية فيكاد يصل إلى ضعف هدا العدد. وقد دخل مجال العمل الأكاديمي نحو أربعين شخصا ما بين باحث وأستاذ جامعي وطالب ماجستير، وأطباء الأسنان بدؤوا بفتح عياداتهم، وأكثر من ١٠ بدؤوا العمل من بين ٧٠ طبيبا…وحصل عدد من الأطباء على فرص عمل في أهم المشافي، أو هم في طور التعديل، وكذلك عدد من الصحفيين. فيما تسعى بلدان و مجتمعات إلى التسابق في حيازة المعرفة وتوظيفها، وصولاً إلى القيمة المضافة العالية الناتجة عن الاستثمار في الذكاء الإنساني ومناجم العقول، بوصفهما ثروة لا تنضب، وأن يكون الإنسان وسيلة للتنمية وغاية لها في آنٍ معاً؛ فإن الحكومة السوريّة تسابق الزمن في هدر الطاقات الإنسانية وشل عقولها، ليصبح حال السوريين في الداخل أشبه بتعليق للكاتب السوري محمد الماغوط على المجموعة القصصية “النمور في اليوم العاشر” لزكريا تامر: “كنا ندرس يا أولادي من قبل، كيف يتطور المخلوق البشري في مناطق كثيرة من قرد إلى إنسان. والآن سندرس كيف يتطور المخلوق البشري في هذه المنطقة من إنسان إلى قرد. وأهله وحكامه يتفرجون عليه من النافذة وهم يضحكون”.
أجرى فريق #صالون_سوريا، دورة تدريبية عن الانواع الاعلامية والصحافة الحساسة للنزاعات والنوع الاجتماعي، خصصت للصحفيين/ات السوريين/ات المقيمين/ات داخل سوريا وخارجها.
شارك في الورشة صحافيون/يات من دمشق، ادلب، القامشلي ومدن اخرى وخارج سوريا. وساهم في التدريب صحافيون/يات واكاديميون/يات، من دمشق وخارج سوريا.
بسبب الظروف الصحية الراهنة، عقدت الدورة التدريبية أونلاين عبر تطبيق “زوم”، قسمت على ست جلسات خلال ثلاثة أيام، بين 11 و13 آذار/مارس 2022
تناولت الجلسات اساسيات الصحافة، التعامل مع المصادر أثناء النزاعات، الفرق بين الصحافة المكتوبة والمرئية، وحساسيات النزاعات، إضافة لجلسات حول الموضوعية والحساسية للنوع الاجتماعي وطرح قضاياه.
ادار هذه الجلسات مجموعة من الصحفيين/ات السوريين/ات المتخصصين/ات بهذه القضايا، وستتاح الفرصة للصحفيين/ات بعد التدريب للنشر مع موقع “صالون سوريا” كصحفيين/ات، وهناك فرصة المتابعة مع المدربين/ات لتطوير مهاراتهم/ن الصحفية.