by الحسناء عدرا | Apr 12, 2021 | Reports - EN, Uncategorized
تعج المشافي الحكومية والخاصة في العاصمة السورية دمشق وباقي المحافظات بأعداد كبيرة من المرضى المقيمين تحت عناوين أو تشخيصات ومسميات كثيرة تندرج تحت أمراض القلب والهضم والصدر وسواها، لكن المفارقة العجيبة هو أن تسمية وباء العصر كورونا نادرة بين هذه التشخيصات.
بورصة كورونا في سوريا بقيت مستقرة ولم يتأرجح مؤشرها بأي مقدار يذكر رغم الدعوات المتكررة من قامات طبية لوزارة الصحة بتضمين احصاءاتها لمرضى العيادات والمراكز الطبية وإدراجهم فيها مؤكدين أن جميع العيادات الصدرية تراجعها يومياً أعداد كبيرة من المصابين بالفيروس دون أن تسجل في إحصائيات الوزارة.
إحصائيات وزارة الصحة لم يصل إجمالي عدد الإصابات فيها حتى الآن إلى 19500 حالة منذ بدء الجائحة في كانون الأول 2019، بينما لم يبلغ إجمالي الوفيات حتى الآن حاجز 1350 وفاة. فيما تحتل العاصمة دمشق العدد الأكبر في المؤشر اليومي للوزارة من حيث عدد الإصابات تليها اللاذقية ثم ريف دمشق وطرطوس.
وفي المقابل كشفت تقارير إعلامية أن عدد المصابين في عموم سوريا وصل إلى (126,873,312) فيما بلغ عدد المتعافين (102,278,049) ووصل عدد الوفيات(2,782,293).
يتندر السوريون على احصائيات وزارة الصحة ويتبادلون النكات عن أرقامها ويتهكمون لهول الفجوة في الأرقام المعلنة وما يوازيها في بلدان الجوار ومن بين هؤلاء هاني خليل (مدرس رياضيات) يكرر عبارته المفضلة قائلاً: “لايوجد كورونا في سوريا أقسم لكم” يقولها هاني مع ابتسامة متحسرة وبلكنة ساخرة ويبرر قوله بأن نسبة الأرقام الضئيلة المعلنة قياساً إلى عدد سكان البلد صغيرة جداً وتوحي بأن “لا كورونا في سوريا”.
لمس السوريون التناقض الكبير بين احصائيات الوزارة التي لاتثير أية مخاوف وبين الإجراءات الحكومية التي لم تكن لتصدر إلا نتيجة مخاوف محقة من تداعيات الموجة الثالثة لكورونا على السوريين؛ فالحكومة السورية اتخذت سلسلة من الإجراءات لمواجهة الموجة الثالثة كان في مقدمتها تحويل مشفى جراحة القلب في دمشق لاستقبال مرضى فيروس كورونا ووضعت مشفى الشرطة بتصرف وزارة الصحة لمعالجة المصابين بالفيروس.
وبين الدكتور أحمد عباس، مدير مستشفى المجتهد في دمشق في تصريحات إعلامية سابقة “أن الموجة الثالثة للوباء هي الأخطر من سابقاتها، حيث تضاعفت أعداد الإصابات بنسبة 200% منوها إلى أن نسبة الإشغال في قسم العناية المشددة في المشافي بلغت نسبة 100%.”.
تحركت وزارة التربية بعد أيام قليلة من هذا التصريح وعلقت الدوام في عدد من الصفوف الدراسية، لكن دون أن تذكر صراحة أن السبب متعلق بانتشار فيروس كورونا بل اكتفت بالإعلان عن إنهاء دوام مرحلة رياض الأطفال وعدد من صفوف مرحلة التعليم الأساسي وتركت الدوام لطلاب التاسع والمرحلة الثانوية. مع الإشارة إلى أن هذا القرار جاء بالتزامن مع تخفيض مخصصات البنزين للسيارات الخاصة ومادة المازوت للسرافيس. هذا وحذت وزارة التعليم العالي حذو الأولى التي أعلنت بدورها عن إيقاف الدوام في الجامعات لأسبوعين بدءاً من الاثنين الخامس من نيسان، فيما أعلن الفريق الحكومي في آخر قراراته بهذا الخصوص إيقاف العمل أو تخفيض عدد العاملين في الوزارات السورية بما لا يؤثر على الإنتاج والاقتصاد.
ورغم التحذيرات المتواصلة لاسيما مع وصول الفيروس المتحور إلى المنطقة، لايزال قسم كبير من السوريين لا يقتنع بوجود كورونا وينسبه إلى مؤامرات أو ألعاب سياسية. فيما يتعامل قسم آخر معه بلا مبالاة مركزين على اقتناص لقمة العيش التي أصبحت غاية في أيام عصيبة يعيشها الاقتصاد السوري بعد أن تردى إلى مستويات غير مسبوقة وبات يهدد الملايين بالفاقة والجوع.
ويكاد يقتصر ارتداء وسائل الحماية على شريحة صغيرة تخشى على نفسها إن صح التعبير أو تضع الصحة قبل لقمة العيش في مفاضلاتها، وهي في مجملها الفئة القادرة على تدبر أمورها في سوريا ويغيب هاجس لقمة العيش عن حساباتها إضافة إلى العاملين في المجال الطبي وعدد من أبناء الطبقة المخملية ممن يختارون الكمامات المفلترة بما يتلاءم مع ألوان ثيابهم ومنهم من حصل عليها بسبب طبيعة عمله في مؤسسات الدولة. ومن هذه الشريحة الصغيرة ناريمان التي تعمل في النافذة الواحدة ويراجعها الكثير من الأشخاص وتشارك تجربتها أنها لا تستطيع تحمل نفقة شراء الكمامات يومياً، لكنها تحصل على كمامة تضعها مدة سبع ساعات على وجهها ثم تغادر بها إلى المنزل.
وسائل الحماية الفردية وخاصة الكحول والقفازات باتت رفاهية غير مبررة ليس في مقدور شريحة كبرى من المجتمع السوري الحصول عليها. وهذه الشريحة هي ذاتها التي تتجاهل قواعد التباعد الاجتماعي فتتزاحم جموعها الغفيرة على الأفران وأمام صالات مؤسسات التجارة التي تبيع المواد الغذائية بالسعر المدعوم عبر ما يعرف بالبطاقة الذكية التي يتشاءم منها جل المواطنين وينسبون إليها قسطاً كبيراً من معاناتهم.
تحذيرات الدكتور نبوغ العوا (عضو الفريق الاستشاري لمواجهة الفيروس) لم تجدِ نفعاً رغم اجتراعه الحلول التوفيرية مثل اقتناء الكمامة القماشية القابلة للغسل كونها أقل تكلفة في نهاية المطاف على كاهل السوريين ما دفعه إلى مطالبة السلطات بالتشدد مع الأشخاص الممتنعين عن استخدام أساليب الوقاية وتغريمهم، لكن هذه الدعوات لم تلق أي صدى ولم تجد طريقاً إلى التطبيق عبر أي جهة حكومية.
المدرب الرياضي إسماعيل نزهة يشارك تجربته في النوادي الرياضية: “أنا شخصياً أدرب في عدة نوادي من الدرجة الأولى بدمشق ولم ألمس تراجعاً في عدد المشتركين في الفترة الأخيرة بل على العكس هناك إقبال واضح وخصوصاً مع اقتراب فصل الصيف ورغبة الناس بالظهور بمظهر رشيق بالملابس الصيفية التي تكشف أكثر عيوب الجسم”. وعن التدابير الوقائية ضحك المدرب خاتماً حديثه: “الحامي رب العالمين، الشعب الي ما أثرت فيه القذائف بدك يخاف من فيروس”، مشيراً إلى أن “الرعيل الأكبر من الرياضيين تخلى حتى عن وسائل الحماية الفردية وضاق ذرعاً بها”.
ومن ناحيته وصف الطبيب عصام محمود (اختصاص صدرية) الوضع في عيادته التي تقع غربي العاصمة قائلاً أنها: “تستقبل بشكل يومي مالا يقل عن خمسين مراجعاً وبعد إجراء الصور والتحاليل يتبين أن نحو ثلثي هذا الرقم مصاب بالفيروس”، مشيراً إلى وجود “نقص واضح في الصيدليات إن لم يكن ندرة لبعض الأدوية الأساسية في علاج المرض الناجم عن الفيروس وفي مقدمتها الأزيترومايسين، ناهيك عن ارتفاع أسعار الأدوية والكشوفات الطبية التي تجعل حسب رأيه المرضى يمتنعون عن زيارة الطبيب ويحاولون الاستشفاء بأنفسهم دون مراجعة الطبيب ما يجعل من المستحيل تقديم إحصائيات واقعية للجائحة في البلاد”.
بدوره، قال الطبيب مفيد كحيلة وهو متخصص بعلاج الأمراض الصدرية والتنفسية بأحد المراكز الطبية بمحافظة طرطوس: “إن العمل مضن في المركز وأن العيادة الصدرية لا تهدأ من كثرة المراجعين بعد تفشي الموجة الثالثة”، مرجعاً السبب في ازدياد الأعداد إلى العادات الاجتماعية والاختلاط في حفلات الزفاف ومجالس العزاء التي لا تنتهي. وتعليقاً منه على القرار الذي أصدرته المحافظة بمخالفة كل شخص لايرتدي الكمامة بمبلغ 50 ألف ليرة قال: “لم أسمع بمثل هذا القرار إلا عبر صفحات التواصل”، مرجحاً أن يكون الأمر شائعة فيسبوكية أو خبراً مفبركاً من صفحة ما تريد نيل الإعجابات أو أن القرار بقي حبراً على ورق ولم يتم الالتزام به.
أما الممرضة ديانا العاملة في الشعبة الصدرية في مشفى خاص بدمشق فتنقل أخبار أن الشعبة الصدرية بالمشفى مكتظة وأن إدارة المستشفى أوقفت العمل في عدد من الشعب الاختصاصية الأخرى وزودت غرفها بالمنافس لاستيعاب عدد أكبر من المصابين المقيمين وخاصة من ذوي الحالات الحرجة، مشيرة إلى أن إدارة المشفى تتعامل مع المرضى كزبائن مصنفين بنجمات على طريقة الفنادق بعد وصول تكلفة قضاء ليلة واحدة في العناية المشددة بالمشفى الذي تعمل به إلى أكثر من مليون ليرة سورية، في حين تصل تكلفة إقامة المريض في الغرف العادية إلى 700 ألف ليرة سورية .
تفاعل الكثير من السوريين بإيجاب عبر منصات التواصل الاجتماعي مع تحذيرات الأطباء من تفشي الموجة الثالثة للفيروس، وتشاركوا فيما بينهم باهتمام نصائح العوا خاصة عندما كشف في لقاء إذاعي إن السلالة الجديدة لفيروس كورونا تسبب 60 إصابة مقابل إصابة واحدة من السلالة السابقة وتكون أعراضها أقوى ويمكن أن تسبب الوفاة وهي شديدة على الأطفال بعكس ما كانت عليه السلالة السابقة التي كان فيها الأطفال مجرد نواقل للمرض.
أما عن اللقاحات فقد أعلنت الحكومة عن تلقيها جرعات من اللقاح من بلد حليف لم تسمه، وأن التطعيم سيكون حسب الأولوية، ولا سيما للكوادر الصحية التي تقف في الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس، لكن لا يبدو الشارع السوري مكترثاً بقضية اللقاح؛ فإعلان الصحة العالمية قبل أيام أن”إنتاج لقاحات أسترازينيكا لم يكن كافياً لتلبية الطلب العالمي مما أدى إلى تأخير توفير لقاح كوفيد 19 في سوريا”، لم يثر حفيظة السوريين بل بدا الكثيرون وكأنهم غير معنيين بالموضوع. تعلق سلمى غانم (طالبة جامعية في مجال اقتصاد) على الموضوع بالقول: “متل بعضا بيعطونا مناخد، مابيعطونا يصطفلو، هيك هيك البلد محاصر وماعم يوصلنا شي.”
فيما أشار محمود مخللاتي (طالب جامعي في مجال صيدلة) إلى مخاوف وهواجس تتعلق بأخذ اللقاح مشككاً في جدوى أخذه ضارباً أمثلة عن إحصائيات إشكالية وغير موثوقة تشير إلى أن اللقاح تسبب بوفاة عدد ممن تلقوه في أوروبا.
الآراء السلبية تجاه اللقاح جوبهت بآراء مضادة على صفحات التواصل التي سلطت الضوء على الموجة الثالثة محذرة من أن النسخة الجديدة من الفيروس لا تستثني الأطفال بل تجعلهم يعانون من الأعراض المؤلمة شأنهم شأن ذويهم الأمر الذي أثار المخاوف لدى الأهالي فتسابقوا لمشاركة المنشورات التحذيرية على صفحاتهم الشخصية على فيسبوك وعبر منصات التواصل الأخرى، لكن سرعان ما طغت الأزمات المعيشية من جديد على تفاعل السوريين على منصات التواصل بعدما اجتاحتها أزمات البنزين والكهرباء وتذبذب سعر الصرف وعادت عبارة “الله يفرّج” لتهزم جميع التعليقات ولتبقى صحة المواطنين تتأرجح في المجهول.
by Hadia Al Mansour | Apr 8, 2021 | Cost of War - EN, Reports - EN, Uncategorized
تقف الأرملة روعة السلمان (٤٠ عاماً) عاجزة أمام حالة ابنتها سلمى (٩ سنوات) والمصابة “بالساركوما العظمية” وهي نوع من أنواع مرض السرطان الذي يصيب العظام والأنسجة الرخوة، المرض يمتد بجسد ابنتها ولا سبيل لعلاجها بعد أن أغلقت كل السبل في وجه الأم البسيطة.
تقول السلمان بيأس: “الأعمار بيد الله، وقد فعلت ما بوسعي لأساعد ابنتي في الحصول على العلاج لكنني لم أفلح.” وتضيف أنها اكتشفت مرض ابنتها بعد أن راحت تشكو من ألم في قدمها، وبعد فحصها من قبل الطبيب المعالج وتحليل خزعة تبين أنها تعاني من مرض السرطان، وهي بحاجة لعلاج في تركيا، ولكن الأمر لم يكن “بتلك البساطة”، إذ تتطلب آلية تحويل المريض إلى تركيا مراجعة العيادات الخارجية لمشفى باب الهوى ثم الحصول على موافقة الطبيب بعد فحص المريض مع امتلاك المكتب الطبي حق رفض الإحالة التي لا يرغب بدخولها. وقد تكررت محاولات الأم وابنتها لدخول الأراضي التركية للحصول على العلاج المجاني وغير المتوفر في منطقتها إدلب لكنها لم تستطع ذلك بعد رفض إدارة معبر باب الهوى “المزاجية” السماح لها بالعبور.
حال الطفلة سلمى يشبه حال الكثيرات من مريضات السرطان شمال غرب سوريا اللواتي لا يجدن سبيلاً للعلاج من أخطر الأمراض على الإطلاق نتيجة نقص التجهيزات والأخصائيين والأدوية في الوقت الذي تفرض فيه تركيا قيوداً على دخول المرضى لأراضيها، إذ تم تخفيض عدد الحالات المقبولة يومياً من عشر إلى خمس حالات فقط من مختلف الأمراض المزمنة والحروق والحالات الطارئة المستعجلة.
تلعثمت كلمات صفاء الكشتو (٣٥عاماً) وهي تحدثنا عن مرضها حين قالت إن بداية مرضها كانت منذ أكثر من عام حين لاحظت ظهور كتلة تحت إبطها الأيمن، هذه الكتلة تبين بعد التحليل أنها ورم سرطاني وعلى الرغم من إجرائها لعملية استئصال للكتلة فهي عادت للانتشار في أماكن أخرى من جسدها بعد مدة بسيطة من إجرائها العمل الجراحي. حاولت الكشتو إيجاد وسائل للعلاج لكن عدم توفر العلاج الشعاعي في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة جعل أمر شفائها “مستحيلاً “، بينما لم تتمكن من دخول الأراضي التركية حالها حال الكثيرات من مريضات السرطان ولا حتى تأمين الأدوية المرتفعة الثمن وفق تعبيرها. تعي الكشتو أن تأخر علاجها سيؤدي بها لمصير مؤلم لكنها لا تعلم سبيلاً لتلقي العلاج بعد أن يأست من الشفاء مع انعدام الحلول المتاحة. وهي تحاول نسيان مرضها لتتمكن من متابعة حياتها، فهي لا تشعر بالألم إلا في لحظات الصباح حين تحاول النهوض من فراشها لتمضي يومها بعد ذلك بشكل طبيعي.
ورغم أن افتتاح مركز معالجة أمراض السرطان في إدلب من قبل الجمعية السورية الأمريكية (سامز) بالتعاون مع مديرية صحة إدلب شكل بارقة أمل لعدد كبير من مرضى السرطان شمال غرب سوريا غير أنه لا يوفر كافة أنواع العلاج لمريضات السرطان.
وعن المركز وعدد الحالات التي تراجعه شهرياً يحدثنا الطبيب ملهم خليل (٣٣عاماً) الأخصائي بأمراض الدم والأورام فيقول إن المركز يستقبل شهرياً أكثر من ٤٠ مريضة سرطان، ٢٠٪ منهن مريضات سرطان ثدي، والبقية تتنوع بين سرطانات الرحم والمبيض والكولون والليمفوما والدم. وأشار الطبيب الخليل لوجود نسب شفاء تام من مرض السرطان بعد الاستفادة الكبيرة من الجرعات الكيميائية والعلاج الهرموني والجراحة التي يقدمها المركز لمريضات السرطان. ويرجع الطبيب الخليل أمر الشفاء لدرجة المرض إن كان درجة أولى أم ثانية أم ثالثة، فكلما كانت مرحلة الكشف عن المرض أبكر كلما كانت الاستفادة أكبر، ويؤكد الطبيب الخليل أن الدرجة الرابعة من المرض قد تكون خطيرة جداً ولا يتوفر لدى المركز العلاج المتمثل بتقديم العلاج الإشعاعي والمناعي أو العلاج الإشعاعي المناعي وهو علاج “مكلف جدا”.
ويرى الطبيب الخليل أنه ليس هناك زيادة في نسبة مرض السرطان وإنما هناك زيادة بنسبة التشخيص لاكتشاف المرض وذلك لسببين غالباً؛ الأول زيادة الوعي لدى الأهالي نتيجة النشاطات التي تعتمدها منظمات المجتمع المدني بضرورة الكشف المبكر عن السرطان من خلال إطلاق حملات توعوية وتوزيع بروشورات وندوات وبرامج إعلامية في الصحف والإذاعات؛ والسبب الثاني هو وجود مركز متخصص ومجاني في إدلب ما دفع المرضى لزيارته والاطمئنان على صحتهم لدى شكهم في وجود أي كتلة أو ورم إذ لم يعد هناك إهمال لموضوع الكشف المبكر عن المرض لدى معظم الناس.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية يعد سرطان الثدي أحد أكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين النساء في جميع أنحاء العالم وأن نسبة ٪٥ لـ ٪١٠ فقط من حالات الإصابة تكون بسبب الوراثة. بينما يشكل العيوب الجينية إحدى الأسباب أيضاً، وحذرت الأخيرة من أن معدلات الإصابة بالسرطان في العالم قد ترتفع بنسبة 60% على مدار العشرين عاماً القادمة ما لم يتم تعزيز العناية بالسرطان في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وقالت وكالة الصحة الأممية إن أقل من 15% من هذه الدول تقدم خدمات شاملة لعلاج السرطان من خلال أنظمتها الصحية العامة، مقارنة بأكثر من 90% من نظرائها الأكثر ثراء.
سارة السعيد (٤٥عاماً) كانت ممن حالفهن الحظ لدخول الأراضي التركية والعلاج في مشافيها بعد إصابتها بسرطان الثدي منذ ثلاث سنوات، تقول السعيد أن الاهتمام بمرضى السرطان تراجع في تركيا في السنوات الأخيرة ولم يعد المريض يلقى الاهتمام والعناية بذات السوية السابقة: “فالمواعيد أصبحت بعيدة تحت حجة كورونا تارة والازدحام تارة أخرى إلى جانب منع دخول مرافقين مع المريض لمن هم فوق الثمان سنوات، الأمر الذي يزيد معاناة المرضى وخاصة كبار السن الذين يحتاجون لوجود أشخاص بالقرب منهم.” ودعت السعيد إلى دعم المشافي والمراكز الطبية في الشمال السوري ورفدها بالمعدات والأجهزة والأخصائين ومراكز التحليل والكشف المبكر عن السرطان لضمان إبقاء مرضى السرطان هناك وعدم تحملهم مشقة السفر والأعباء المالية الكبيرة للدخول إلى تركيا والعلاج فيها بعيداً عن عوائلهم وذويهم.
by Mohammad Wawi | Apr 7, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
انشغل العالم لعدة أيام بتعطل حركة الملاحة الدولية في قناة السويس نتيجة جنوح سفينة الحاويات العملاقة “إيفر جيفن”، ورغم تمكن إدارة القناة من تحرير السفينة أخيراً، إلا أن سورية كانت تئن تحت وقع أزمة صامتة بتأثير ما يحصل في مصر.
منذ أكثر من أسبوع تعاني البلاد واحدة من أسوأ أزمات النقل بين المحافظات نتيجة شح شديد في المشتقات النفطية وخاصة مادتي المازوت والبنزين، حيث تقطعت السبل بآلاف المسافرين يومياً مع ارتفاع كبير في أجور النقل سواء باستخدام التكاسي في المحافظة نفسها أو بالسيارات الخاصة المخصصة لنقل المسافرين بين المحافظات، ويتزامن ذلك مع بلوغ موجة انتشار فايروس كورونا ذروتها وإشغال مشافي العاصمة بشكل كلي تقريباً، بحسب وزارة الصحة.
بانتظار ناقلات النفط
قال رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس مؤخراً “كان من المتوقع أن تصل 4 ناقلات نفط في 25 الشهر الفائت لكن بسبب جنوح السفينة في قناة السويس تأخر وصول هذه الناقلات، ومن المتوقع أن نصل إلى انفراج خلال الأسبوع القادم. وبين عرنوس أن تكلفة ليتر البنزين على الحكومة 2100 ل.س و”نقوم ببيعه للمواطن بـ 750 ل.س” على حد تعبيره.
ومع شبه توقف لحركة البولمانات المخصصة لنقل الركاب، لجأ بعض المسافرين إلى استخدام سيارات خاصة وتختلف من محافظة إلى أخرى أجرة النقل فيها عن كل فرد، إذ تتراوح بين دمشق وحلب، على سبيل المثال، ما بين 30 و40 ألف ل.س.
ويشتكي أحد السائقين من صعوبة تأمين البنزين مع تخفيض المخصصات واضطراره للانتظار في طوابير مكتظة لساعات طويلة أمام عدد محدد من محطات التزود بالوقود. وذكر عامر (سائق سيارة خاصة) ، طالباً عدم ذكر اسمه الحقيقي، بأنه اعتاد على تعبئة البنزين المهرّب والذي يباع على الطرقات الدولية خاصة بين حمص وطرطوس، لكن سعر الليتر الواحد، قفز فجأة منذ أيام إلى أكثر من 2200 ل.س بالتزامن مع تعطل حركة قناة السويس.
وأعلنت “الشركة الأهلية للنقل” في إفصاح طارئ نشره موقع “سوق دمشق للأوراق المالية” أنها أوقفت نشاطها في نقل الركاب بين المحافظات بنسبة 95%، اعتباراً من 3 نيسان لحين استلام مخصصات مادة المازوت اللازمة للتشغيل، وحذّرت أن هذا الإجراء سيوقف الدخل الأساسي للشركة، الأمر الذي يترتب عليه خسائر مادية كبيرة، نتيجة عدم قدرتها على تغطية النفقات اليومية الثابتة والمقدرة بمبلغ 3 ملايين ل.س يومياً.
تخفيض مخصصات السيارات من المحروقات
أما في العاصمة في دمشق، فتعاني مواقف النقل العامة من ازدحام شديد لتوقف أغلب الميكروباصات ووسائل النقل العامة التي تعمل على خطوط دمشق وريف دمشق لتبقى التكاسي ووسائل شخصية أخرى الحل الوحيد المتبقي أمام الناس، يقول عمر “إن أجور التاكسي من البرامكة من قلب العاصمة إلى منطقة جديدة عرطوز بريف دمشق تضاعفت خلال أيام قليلة من 5 آلاف حتى 8 آلاف ليرة”. يضيف عمر “ليس بمقدور الكثير دفع هذا المبلغ، لذلك نعمد إلى استئجار تاكسي تتسع لأربعة ركاب مقابل 2000 إلى 2500 ل.س عن كل فرد”.
وكانت نشرت “وزارة النفط والثروة المعدنية” بياناً في 27 آذار الماضي، ألمحت فيه إلى أن تعطل حركة الملاحة في قناة السويس بسبب جنوح سفينة حاويات عملاقة وسدها للممر المائي الأهم في العالم، انعكس على توريدات النفط الى سورية وتأخر وصول ناقلة كانت تحمل نفط ومشتقات نفطية للبلد”.
وذكرت الوزارة في بيانها “ضماناً لاستمرار تأمين الخدمات الأساسية للسوريين من (أفران ومشافي ومحطات مياه ومراكز اتصالات ومؤسسات حيوية أخرى) فإن وزارة النفط تقوم حالياً بترشيد توزيع الكميات المتوفرة من المشتقات النفطية (مازوت – بنزين) بما يضمن توفرها حيوياً لأطول زمن ممكن”.
وأعلنت “محافظة دمشق” في 29 آذار/مارس الماضي خفض كميات البنزين للسيارات بنسبة 50% لتصبح 20 ليتراً كل 7 أيام. وأوضحت “محافظة دمشق” أن لجنة المحروقات فيها قررت خفض كميات تعبئة مادة البنزين للسيارات السياحية الخاصة والعامة (سيارات الأجرة) “نظراً لانخفاض عدد طلبات المحروقات الواردة إلى المحافظة”. وأصبحت الحصص المسموح للسيارات الخاصة تعبئتها هي 20 ليتراً كل 7 أيام بعد أن كانت 40 ليتراً، بينما يسمح للسيارات العامة بالتعبئة كل 4 أيام. ونقل المكتب الإعلامي للمحافظة عن نائب رئيس المكتب التنفيذي فيها أحمد نابلسي أنه سيتم إيقاف تزويد “الميكروباصات” (السرافيس) بكميات المازوت المخصصة لها كل يوم جمعة حتى إشعار آخر، والاكتفاء بعمل باصات الشركة العامة للنقل الداخلي وشركات النقل الداخلي الخاصة.
وأصدر رئيس مجلس الوزراء حسين عرنوس بداية نيسان (أبريل) الحالي بلاغاً يقضي بتخفيض مخصصات السيارات الحكومية من مادة البنزين لشهر نيسان الحالي بالنسبة للمجموعة الأولى الواردة في القرار رقم 16م. وتاريخ 7-3-2013 م بمقدار 100 ليتر للسيارة الأولى و25 ليتراً للسيارة الثانية و15 ليتراً للسيارة الثالثة حسب الحال. وبحسب البلاغ المنشور على صفحة رئاسة مجلس الوزراء على فيسبوك، تخفض مخصصات شهر نيسان الحالي من مادة البنزين بالنسبة لباقي السيارات الحكومية العاملة على البنزين بمقدار 15 ليتراً. وطبقاً للبلاغ فإن هذا التخفيض “يأتي في إطار استجابة الحكومة للظروف التي يشهدها سوق المشتقات النفطية بسبب الحصار والعقوبات الاقتصادية الجائرة المفروضة على البلد وبسبب الظروف الفنية والتقنية الطارئة التي أخرت وصول توريدات النفط والمشتقات النفطية ولاحقاً للتخفيضات المسبقة على مخصصات الآليات الحكومية من المشتقات النفطية”.
تعبئة البنزين عبر رسائل نصية فقط
وأعلنت “وزارة النفط والثروة المعدنية” في 5 نيسان عن بدء تطبيق الآلية الجديدة لتوزيع مادة البنزين وفق نظام الرسائل النصية القصيرة اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق ٦ نيسان ٢٠٢١، تعتمد الآلية الجديدة على إرسال رسالة نصية قصيرة تتضمن تفاصيل المحطة التي يتوجب التوجه إليها مع مدة صلاحية الرسالة.
إيقاف مؤقت للدوام في المؤسسات التعليمية والحكومية
وقرر “مجلس الوزراء” في4 نيسان توقيف العمل أو تخفيض نسبة العاملين في الوزارات والجهات العامة التي لا يؤثر إيقاف العمل فيها على النشاط الاقتصادي والإنتاجي بشكل مؤقت حتى تاريخ 15 نيسان 2021 وفق أسس محددة.
وأعلنت “وزارة التربية” في 3 نيسان الحالي إنهاء دوام مرحلة رياض الأطفال وصفوف مرحلة التعليم الأساسي من الصف الأول حتى الرابع الأساسي بدءاً من يوم الإثنين، مع اعتماد نتائج الفصل الدراسي الأول مع أعمال الفصل الدراسي الثاني (مذاكرات + الشفهي) معياراً للنجاح أو الرسوب. كما أعلنت تعليق دوام صفوف مرحلة التعليم الأساسي من الصف الخامس حتى الثامن الأساسي على أن تجرى امتحاناتهم خلال الفترة من 25 حتى 29 نيسان /إبريل 2021.
وفيما بخص الصفوف الأخرى قررت الوزارة استمرار دوام طلاب الصف التاسع الأساسي والمرحلة الثانوية بصفوفها كاملة في جميع فروعها وفق الخطة الدراسية على أن تجرى الامتحانات الانتقالية لصفي الأول والثاني الثانوي بمختلف الفروع خلال الفترة من 25 حتى 29 نيسان 2021م.
وعلقت “وزارة التعليم العالي” الدوام في الجامعات لأسبوعين بدءاً من يوم الاثنين، 5 نيسان ولغاية السبت 17 من الشهر ذاته. وأوضحت الوزارة أن القرار يشمل جميع الجامعات، حكومية وخاصة، إضافة إلى المعاهد.
كما علقت “وزارة التربية” دوام المعاهد التابعة لها (الصناعية والتجارية والاقتصاد المنزلي وتقنيات الحاسوب والرياضة والتربية الفنية والموسيقية) لمدة أسبوعين اعتباراً من يوم الاثنين 5 نيسان م ولغاية يوم السبت 17 نيسان عملاً بتعليمات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. بحسب مما نشرته الصفحة الرسمية لوزارة التربية على فيسبوك.
وأثّرت أزمة النقل على القطاع التعليمي، إذ كشف مدير التربية في اللاذقية عمران أبو خليل لتلفزيون الخبر المحلي في 29 آذار الماضي عن “إعفاء مدير مدرسة في البسيط لإيقافه الدوام الرسمي إثر عدم وصول المدرسين بسبب أزمة المواصلات “. وكان مدير مدرسة الدفلة التابعة لمنطقة البسيط في ريف اللاذقية أمر بعودة الطلاب من المدرسة بسبب أزمة المواصلات وصعوبة وصول المعلمين إلى مدرستهم. ورجحت مصادر إعلامية لـ”صالون سورية” أن صدور القرارات الحكومية الأخيرة مرتبط بشكل أكبر بواحدة من أسوأ أزمة نقل تمر بها البلاد وليس بسبب تفشي فايروس كورونا.
وتحدث مدير المشافي في “وزارة الصحة” أحمد ضميرية مؤخراً عن نقل عدد من الحالات المصابة بالفيروس وبحاجة إلى عناية مشددة من دمشق إلى حمص الشهر الماضي “بسبب إشغال أسرة العناية المشددة الخاصة بمرضى كوفيد-١٩ مئة بالمئة”. بحسب ما نقل عنه المكتب الإعلامي في وزارة الصحة على صفحة فيسبوك.
by هيفاء بيطار | Apr 6, 2021 | Cost of War - EN, العربية, Articles - EN
ثمة مواقف لا يمكن نسيانها وقد تبقى مطمورة في الذاكرة لسنوات لكنك تشعر أنها تزداد ثقلاً وضغطاً على أعصابك وترغب أن (تبق البحصة) كما يقولون.
عندما كنت أعيش في سوريا، كنتُ أسافر كثيراً إلى بيروت لأنني أطبع كتبي فيها ولأنني أعشق بيروت ولدي صداقات كثيرة هناك. وكنتُ أسافر من حدود العريضة (الحدود السورية اللبنانية بين اللاذقية وطرطوس أي الساحل السوري والحدود اللبنانية). وذات يوم كنت مسافرة إلى بيروت حيث كان لدي موعد مع السفارة الفرنسية لتقديم طلب فيزا إلى فرنسا لزيارة أهلي (كلهم في باريس)، وبصعوبة بالغة حصلت على الموعد (كان قد رُفض لي طلب سابقاً)، وككل سوري كنت أشعر بالرعب ما أن يصل التاكسي السوري الذي يضم الركاب إلى حاجز الأمن السياسي قبل الحدود بأمتار قليلة، كان الحاجز يسمى حاجز أبو (ع)، وكان السيد (ع) يُروع السوريين السائقين والركاب، وكل فترة يتحفنا بقرار لا نعلم سببه وهل هو قرار أصدرته الحكومة أن للسيد (ع) مطلق الصلاحيات لإصدار القرارات التي يريد دون أية محاسبة أو حتى محاولة للفهم. كان يوماً شتائياً من عام 2013 وكنت وحدي مع السائق (في ظروف المأساة السورية لم يكن أحد يسافر إلى لبنان إلا لموعد مع طبيب أو موعد مع سفارة، ولكن السائق اللطيف لم يقبل أن يأخذ مني مبلغاً كبيراً ارتضى أن أدفع أجرة راكبين فقط، وأخذ يشكو بأن سفرياته إلى بيروت قليلة جداً، ووصلنا حاجز الأمن السياسي المُرعب ورغم إيهام نفسي أنني متماسكة ولا مبالية ولست خائفة؛ فما أن طلب السائق هويتي وأعطيته إياها واتجه إلى المبنى شديد البؤس للأمن السياسي، حيث يحتشد باقي السائقين وهم يحملون هويات الركاب، ويدخل كل بدوره إلى المبنى حيث يستقبله عدة عناصر أحدهم جالس على كرسي وأمامه طاولة عتيقة ودفتر كبير جداً يسجل فيه اسم صاحب الهوية وكل المعلومات في الهوية. وجدتني أسحب سيجارة من علبة دخان السائق وأبدأ التدخين (وأنا لا أطيق التدخين). لجمت عقلي الذي سخر وأشفق علي ليثبت لي كم أنا خائفة. فالخوف السوري هو خوفٌ خام نرضعه مع حليب أمهاتنا. نُروع أطفالنا بقصص معتقلي الرأي الذين قضى بعضهم سنوات طويلة في السجون وبعضهم قُتل.
غاب السائق طويلاً في مبنى الأمن العسكري وبدأت دقات قلبي تتسارع ونزلت من السيارة وأردت دخول المبنى فمنعني عنصر موظف أن أدخل. وأطل السائق بوجه مكفهر مذعور وقال لي: “آسف دكتورة ممنوع تسافري إلى بيروت.” صُعقت وسألته: “لماذا؟” اعتقدت أن أحد كتبة التقارير كتب بي تقريراً، لكن السائق أخبرني أن كل السيارات التي ستسافر عن طريق العريضة ممنوعة من عبور الحدود وأن ثمة قراراً أصدره السيد (ع) بأن عليهم العودة من حيث أتوا وإن لم يعجبهم القرار يمكنهم السفر عن طريق معبر الدبوسية (أي المعبر الحدودي بين حمص ولبنان)! وتساءلت لماذا إذلال الناس بهذه الطريقة وهم من سكان الساحل، ولم عليهم إضاعة ساعات من وقتهم ومالهم حتى يصلوا إلى حمص ومعبر الدبوسية! لا يمكنك أن تسأل أبداً في سوريا خاصة المسؤول عن الأمن السياسي، ولا أعرف كيف امتلكت شجاعة التهور وخطفت هويتي من يد السائق وقلت له سأقابل السيد (ع)، فرجاني ألا أفعل وأن هذا خطر علي، لكنني كنت كالصاروخ مندفعة تجاهه. ورغم أن عدة عناصر من الأمن حاولوا منعي إلا أنني أصريت أن أقابله واقتحمت غرفته شديدة البؤس المؤلفة من أريكة عتيقة ومكتب صغير. كان لدى السيد (ع) عدد من الزوار الرجال، وكان منهمكاً في سحق عدة بيضات مسلوقات في رغيف خبز ووضع شرائح البندورة فوقها، وخلف مكتبه كانت صورة الرئيس تحتل الحائط. جلست قبل أن يقول لي “اجلسي”، ونظر إلي بدهشة وقال غاضباً: “خير!” شرحتُ له أن لدي موعداً مهماً في السفارة الفرنسية. فقال: “ألم يقل لك السائق ممنوع السفر ألم تفهمي الكلام هل أعيده ثانية!” وجدتني بحالة من الارتباك والتشوش الذهني ولا أدري ما الذي دفعني لأخرج بطاقتي بأنني اختصاصية في طب العيون ووضعتها على مكتبه دون أن أنطق كلمة واحدة. وفيما هو يمضغ سندويشة البيض، أمعن النظر في بطاقتي وأجفلت حين انتفض واقفاً وقال وهو يبتسم لي: “عيني ربك، عيني ربك أنت طبيبة عيون مثل السيد الرئيس.” ومسح يده اليمنى بقميصه ومزق قصاصة ورق من دفتر أمامه وكتب أنه مسموح لي بالسفر إلى لبنان وأعطاني القصاصة، لكنه أصر أن أشرب فنجان قهوة، وخفت أن يتراجع عن رأيه فقبلت دعوته تحت الإصرار. كنتُ أمسك فنجان القهوة بيد مرتعشة رغماً عني وباليد الأخرى أطبق بكل عزيمة وقوة على قصاصة الورق التي تسمح لي بالسفر إلى لبنان، وأثناء حديثنا اكتشفتُ أنه يتكلم الفرنسية بطلاقة رائعة، وأخبرني أنه قضى سنوات في فرنسا وأنه أحب فرنسية لكنها ماتت بالسرطان ويفكر أن يكتب قصة حبه العظيمة.
لم يصدق السائق أنني نجحتُ بإقناع من تتقصف الفرائص رعباً لمجرد ذكر اسمه السيد (ع) بالسماح بسفري لبيروت. وسألني: “شو عملتي دكتورة، كل السيارات لم تمر وكلها عادت من حيث أتت، فماذا فعلت؟”. أخبرته: “لم أفعل شيء لكن أنا محظوظة.” أصر السائق وسأل: “كيف يعني محظوظة؟” قلت له: “لا تكثر من الأسئلة لنعبر الحدود بسرعة لو سمحت.” ولاحظتُ أن السائق صار ينظر إلى بارتياب وحذر ولم يعد ينطق حرفاً. ورغم أني أسافر معه دوماً إلا أن السائق صار يخشاني، ربما لاعتقاده أنني أعمل مع أجهزة الأمن ومع السيد (ع).
هذه الحادثة التي أردت التقليل من قيمتها ودفنها عميقاً في ذاكرتي لطالما أيقظتني ليلاً لأسترد تلك اللقطة اللامعقولة (عيني ربك أنت طبيبة عيون مثل السيد الرئيس). وكنتُ أحس بألم وخزي وأنا أستعيدها وأتساءل أين العدالة! صحيح أنني فرحتُ عندما سمح لي السيد (ع) بالعبور إلى لبنان، لكن كان فرحي مجللاً بالخزي وأنا أرى العديد من السيارات ممنوعة من العبور وتعود أدراجها. السيد (ع) الذي يعرف الجميع أنه بقي لأشهر يمنع كل سوري من إدلب من دخول لبنان لأن أخاه استشهد في إدلب. السيد (ع) الذي كان يتلقى أفخم الهدايا من السائقين.
فرحنا نحن السوريين له طعم الحزن والقهر. الخوف السوري حالة تستحق الدراسة النفسية العميقة. أظن أنني محظوظة لأنني كنت محتارة بين اختصاصين، الطب النفسي وطب العيون، ولم أعلم أن اختياري لطب العيون سيكون كخاتم سليمان.
by Salon Syria Team | Apr 5, 2021 | Roundtables - EN, Uncategorized
انقلبت حياة أغلب السوريين على اختلاف توجهاتهم وطبقاتهم، في العقد الماضي، وتخللها العديد من المآسي كالقتل، والتهجير والنزوح والهجرة والخسارات التي لم تترك جانباً في حياتهم إلا وأصابته.
يكتب المهاجرون قصائد نوستالجيا عن الوطن، ويرد عليهم من بقوا فيه بأن ما يشتاقون إليه لم يعد موجوداً، فالقهر احتل الشوارع بدل طاولات المقاهي الصغيرة، وافترشت عائلات نازحة حدائق العشاق، وعبق الموت غطى على رائحة الياسمين وأزهار الليمون.
ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا توجد عائلة سورية واحدة بقيت حياتها كما كانت قبل عشر سنوات، سواء كانت تعيش تحت سيطرة الحكومة أو الإدارة الذاتية أو المعارضة المسلحة.
فبحسب برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة فإن ١٢.٤ مليون سوري وسورية يكافحون للحصول على وجبة رئيسية، أي ما يقارب ٦٠٪ من السكان.
وعدا عن الاحتياجات الرئيسية، هل يوجد أية عائلة لم تعاني من الوحدة والغربة وهي تحضر عزاء أحبتها أو أفراحهم خلف الشاشات الباردة؟ هل تستطيع أية عائلة أن تجتمع كاملة في الأعياد على مائدة كبيرة، دون تخطيط استراتيجي يتضمن آلاف الدولارات وتأشيرات دخول وبطاقات طيران وإذن سفر وإقامات وعشرات المعاملات الورقية؟
لتسليط الضوء على ما يشتاق له السوريون بعد عشرة أعوام قلبت بلدهم رأساً على عقب، يعد “صالون سوريا” طاولة مستديرة لمناقشة ذلك، ويدعو الكتاب والخبراء، إلى مناقشة المواضيع والقضايا التالية:
١- كيف ينظر السوريون في الداخل والخارج لحياتهم قبل عشر سنوات؟ وكيف تغيرت هذه النظرة بعد ما مروا به؟
٢- ما هي التغيرات التي لم يتوقع السوريون حدوثها على الإطلاق قبل عشر سنوات واضطروا لعيشها؟
٣- هل كان للسوريين هوية جامعة قبل عشر سنوات؟ ما الذي كان يجمعهم؟ وماذا حصل لهذه السرديات الجامعة الآن؟
٤- هل يمكن أن يتعايش السوريون في المستقبل؟
٥- ما أكثر ما يشتاق إليه السوريون في حياتهم السابقة؟
٦- ”كنا عايشين“ عبارة خلافية بين أطراف النزاع السوري، فبينما يؤمن بها البعض، يراها آخرون مهادنة للندم على طلب الحقوق والانتفاضة، فهل ”كنا عايشين“ حقاً؟
٧- هل كان النسيج الاجتماعي متماسكاً فعلاً قبل عشر سنوات أم مجرد مظاهر سطحية للعيش المشترك؟
يتطلع فريق ”صالون سوريا“ لاستقبال المواد لمناقشة هذه الأسئلة.
ستنشر المواد الواردة تباعاً وتفعل روابطها:
الفقد: كلمة لن نجدَ غيرَها
لشو بتشتاق “رزق الله عسنة الـ٢٠١٠”
كيف سيتعايش السوريون: هوية جامعة أم هويات متعددة؟
الجيل الجديد في سوريا ومفهوم الانتماء إلى الوطن
by Hasana Saqbani | Apr 4, 2021 | Cost of War - EN, Roundtables - EN, Uncategorized
* تُنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا “المعاناة اليومية في سوريا“
تُشكل الحوالات المالية مصدراً أساسياً للدخل الشهري لكثير من الأسر السورية التي تعتمد عليها لتأمين احتياجاتها المعيشية في ظل انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، إلا أن المعاناة تلاحق المواطن السوري حتى في استلام الحوالة المساندة التي يتلقاها من أقربائه في الخارج اذا أراد استلامها من خلال شركات الصرافة والتحويل المرخصة رسمياً أو حسب سعر الصرف الرسمي في ظل الإجراءات المتخذة لتقيد التحويل.
تُعد الحوالة المورد المادي الوحيد التي يحمي صاحبه من العوز بالنسبة لأشخاص كُثر داخل سوريا، كحال ماريا (41 عاماً) التي تسكن هي وشقيقتها في منزل مستأجر، وتشكل الحوالة المالية التي تتلقاها من أخيها المتواجد في ألمانيا السند الحقيقي في الفترة الراهنة حسب تعبيرها. تتحدث ماريا عن وضعها: “أعتمد بشكل كلي في تغطية نفقاتي على المبلغ الذي أتلقاه في بداية كل شهر من أخي الذي هاجر بسبب ظروف الحرب لأن المورد أصبح شبه معدوم، ليس لدي أي نوع من المدخول و لو أن الحوالة غير موجودة لا أعرف ماذا كنا سنفعل، أحاول الاقتصاد قدر الإمكان في النفقات وتدبير الأمور بحكمة لكي يكفي المبلغ لنهاية الشهر”.
وتوضح ماريا طريقة حصولها على الحوالة: “نتعامل مع أشخاص حيث يتم تحويل المبلغ بصورة غير رسمية وإرساله باليورو واستلامه بالليرة السورية، ويُحتسب المبلغ حسب سعر السوق السوداء مع أجور تحويل بين 3-5 في مائة، وهذه هي الطريقة الأنسب حتى لا أخسر جزءاً كبيراً من المبلغ بسبب القرارات العبثية التي يضعها أصحاب القرار لسلب مساعدات الناس من أقاربهم”.
من جانبها دانيا (26 عاماً) وهي خريجة كلية الحقوق تقول: “مجال دراستي يتطلب إذا دخلت المحاماة التدريب لمدة سنتين بشكل غير مأجور لذلك ليس هناك وارد مادي بشكل نهائي، أحصل على حوالة شهرية 400 ألف ليرة أحاول من خلالها تغطية المصاريف الشخصية، في الفترة الراهنة من له شخص خارج سوريا قادر على دعمه مادياً هو الشخص الذي يستطيع الشراء وتحريك السوق.”
وأضافت دانيا: “وضع الحوالات حساس في الفترة الراهنة فإما ارسال الحوالة بالطرق الرسمية وهذا يعني خسارة نصفها، فاستلام الحوالة يكون إما في الشركات الخاصة التي تسلم المبلغ على سعر 2200 ليرة سورية للدولار الواحد في حين السعر الحقيقي يصل لحد 4400 ليرة سورية بمعزل عن أجور التحويل التي تقارب 10 بالمائة من المبلغ الإجمالي، أو الاعتماد على أشخاص تعمل في هذا المجال وأجدها خطيرة لأني لا أعرفهم بصورة شخصية، لذلك نعتمد على استلام الحوالة المالية عن طريق الأقارب لاعتبارهم أضمن، فترسل كأمانة مع شخص يكون في زيارة إلى دمشق”.
السعر الرسمي يبدد موارد مهمة للعملة الأجنبية
المسؤولية تقع على عاتق المصرف المركزي لإيجاد آلية يوحد من خلالها السعر مع السوق السوداء لتعود الثقة ويتم التحويل بالطرق الرسمية حسب ما أوضحت الدكتورة منال شياح وهي دكتورة في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق وأضافت: “لاشك أن الحوالات المالية تشكل دعامة وإفادة للبلد ولكن ما يحدث على أرض الواقع أنه عندما يتم التحويل المالي إلى سوريا يتم التحويل بالسعر الرسمي ويصل إلى الناس بصورة أقل بكثير من السوق السوداء، لذلك معظم الحوالات لا تدخل بصورة رسمية وإنما بالطرق غير المباشرة أو التهريب، لذا يجب إيجاد آلية لرفع سعر الصرف الرسمي أو إحداث مقاربة في سعر الصرف بالنسبة للحوالة، لكي لا تهرب الناس من التحويل الرسمي، وبالتالي يبدد موارد هامة من العملة الأجنبية”.
تشير الشياح إلى الفوارق الكبيرة في أسعار الصرف: “سعر المصرف المركزي لدولار الواحد 1250 ليرة، السعر الذي يصل للمواطن عن طريق شركات الحوالات الخاصة 2200 ليرة سورية، والسعر في السوق السوداء ما بين 4400 و 3700 ليرة للدولار الواحد مما يجعل الفوارق كبيرة جداً، لذلك يعتمد المواطن على طرق مختلفة مثل التحويل عن طريق المبادلة بين الأقارب في خارج وداخل سوريا، أو عن طريق أشخاص تمتهن تحويل الأموال بين البلدان حيث يتم دفع المبلغ بالعملة الأجنبية في الخارج ويصل بالليرة السورية حسب سعر الصرف في السوق السوداء، وفي كلتا الطريقتين القطع الأجنبي لا يدخل سوريا ولا يستفيد منه البلد بصورة نهائية، ويتم اللجوء لها لتفادي السعر الرسمي القليل والخسارة الناتجة عنها.”
قرارات المصرف المركزي غير صائبة
وعند الاستفسار عن أسباب عدم اتخاذ أي إجراء برفع سعر الصرف المركزي لتتمكن الناس من الإرسال عبر الشركات الرسمية، أشارت الدكتورة الشياح إلى أن: “ارتفاع سعر المصرف المركزي إقرار بانهيار الليرة السورية، وفي الحقيقة الانهيار الاقتصادي حاصل ولكن الكثير من المسؤولين وأصحاب القرار ليس لهم مصلحة برفع سعر الصرف لأنهم مستفيدون بشكل كبير. حالة الشلل الاقتصادية مرتبطة بالفساد المنتشر، سنبقى نعاني إلى أن نتخلص من الفساد، كل يوم نسمع بقضية فساد بمليارات، عندما نتخلص من الفساد ستكون القرارات الصادرة عن البنك المركزي صائبة وفي مصلحة البلاد”.
كما تشير الشياح إلى ضرورة رفع إجازات الاستيراد لـ 2500 ليرة وتوضح: “بين سعر المركزي وسعر السوق يوجد فرق 3500 ليرة فهؤلاء الأشخاص مستفيدون كثيراً لذلك يتم وضع عراقيل لكي لا تذهب الأرباح الطائلة التي يحصلون عليها. الفساد والاحتكار هما المعياران للحصول على إجازات الاستيراد لسلع أو مواد معينة في سوريا، فالاستيراد يكون على سعر الصرف 1250 ليرة والبيع على سعر 4500 ل.س وبالتالي تحقيق أرباح هائلة ليس من مصلحة المستفيدين من رفع سعر المصرف المركزي، فجميعهم أصحاب سلطة وبمكان صنع قرار.”
تجاوزت نسبة الفقر في سوريا 90 في المائة وحالة الشلل في الأسواق كبيرة، فالدعم عن طريق الحوالات يشكل طوق النجاة لكثر، نسبة الأشخاص التي تعتمد على الحوالات في نفقاتها تُقدر بحوالي 30 في المائة من السكان. يجب اتخاذ قرار برفع سعر التحويل في مجال الحوالات، وخاصة أنها مصدر موثوق بالنسبة للمواطن تفادياً لحالات النصب التي تحدث وللاستفادة منها في اقتصاد البلاد، وكذلك تعديل تسعيرة إجازات الاستيراد وخاصة أن الاستيراد للتجار يتم بسعر المركزي ويحصل عليه المواطن بسعر السوق السوداء، على عكس الحوالات التي ترسل له بالعملة الأجنبية ويستلمها على سعر الرسمي و يبقى المواطن الفقير هو الخاسر دائماً.