“كان عمري اثني عشر عاماً حين اختطف والدي بداية الحرب في حمص، كان يعمل سائق تكسي، خرج من المنزل يومها ولم يعد، لم أكن سوى مجرد فتاةٍ في الصف السادس الابتدائي لعائلة فقيرةٍ مكافحة ودوني أختين صغيرتين. ظللنا ننتظر عودة والدنا طويلاً، حتى هذه اللحظة ننتظره”. تقول ريم عكاري بغصةٍ وتشرع ببكاء يكاد يبدو أنّه لن يتوقف، تفتح حقيبتها بحثاً عن منديل تجفف به دموعها، وتصمت قليلاً.
ما كانت لتهدأ حتى فتحت هاتفها وتنقلت قليلاً بين الصور فيه لتنهار بكاءً من جديد، استعرضت صوراً لوالدها قائلة: “يا ضيعان هالشبوبية!، أليس حراماً أن يرحل رجل كهذا؟ لا كشهيد ولا كجريح ولا بمصير معروف، فقط مفقود منذ 14 عاماً، لا جثمان له نشيعه ولا قبر له كي نزوه لنبكي هناك، فقط صورٌ كثيرة ظلّت من تلك الأيام التي كان يعود فيها للمنزل ليلاً ورغم إرهاقه يعانقنا ويلهو معنا قليلاً، هل عليّ الآن أن أشرح من هو الأب في حياة الإنسان، في حياة الأسرة، في دورة الكون بأكمله؟”
الفضل لوالدة جبّارة
وفقاً لريم، كان والدها يعيل أسرته بنجاح ويؤمن لها حياةً كريمة على الدوام قبل الحرب، ولكن مع غيابه تأخر كل شيء، ووجدت ربّة المنزل نفسها فجأة تعمل في تنظيف المنازل ومسح أدراج الأبنية والتعزيل. كان عليها أن تفعل كل شيء لئلا تجوع بناتها، ويمتنَ من الفقر والحاجة، لئلا تذلهنّ الحياة وتدلهنّ على درب الانحراف والأخطاء التي لا تحصى.
تقول ريم مؤكدة إنّه لا دور لها بما هي عليه الآن، بل كان كل ذلك بفضل والدةٍ جبّارةٍ كانت رجلاً وامرأة لسنوات عجاف طوال، خلالها كابدت وقاست وتحملت المشقة والمهانة، وبكدّ يمينها وعرق جبينها قاتلت لتحمي تركة زوجها من الأرواح الصغيرة، قاتلت وتمكنت من إيصالهنّ إلى برٍّ من الأمان الذي يعطي دروساً تنبئ عن قوة الإنسان.
صار عمر ريم اليوم 26 عاماً، تخرجت قبل سنوات بمرتبة الامتياز من كليّة الاقتصاد، توظفت سريعاً في أحد البنوك الخاصة، وتدرجت داخله في المناصب حتى صارت اليوم مديرةً لأحد أفرعه في المحافظات في خطة سيرٍ مهنية قد يكون القدر ابتسم فيها للفتاة قليلاً، لكنّ الكفاح كان مفتاحها.
دافعت عن مستقبلهنّ
لم تك والدة ريم تريد الحديث، السيدة الخمسينية التي تبدو عليها ملامح الشقاء ويحفر في وجهها تعب السنين، ترى أنّها لم تفعل معجزةً ولم تقم بعملٍ بطولي، هي قامت بدورها الذي أنجبت من أجله بناتها، هي دافعت عن مستقبلهنّ فقط.
تقول الوالدة: “وظيفة ريم وترقيها المهني غيّر حياتنا بالكامل، أعادني مرّة أخرى سيّدة للمنزل ولكن ليس دون عمل أيضاً، بل بأعمال لطيفة تناسب سني وتعبي، إذ صرت أحضر حلويات منزلية وأسوقها وأبيعها وهكذا، وكذلك ظلّت مايا أختها الأصغر منها وهي الآن في سنتها الرابعة في كلية الطب، أما الصغرى فهي نور، السنة القادمة ستتقدم لامتحانات الثانوية العامة، وهؤلاء الفتيات، لسن بناتي فحسب، لكنّهنّ شريكات دمعاتي وحياتي وكفاحي أيضاً، لم يخذلنني لحظةً أمام كلّ ما بذلت في سنوات من تعب.”
تبرأت من بناتها
قد تبدو قصة ريم، قصة سير حياتها قياساً بما عانته وما وصلت إليه مثالية، بل مغرقة في المثالية، وكمثل قصة ريم هناك مئات وربما آلاف القصص، لكن على الجانب الآخر من الحرب ثمّة قصص موغلةٌ في الظلام والقهر والتفكك المجتمعي الذي خلّفه غياب الأب عن العائلة.
من بين تلك القصص الموحشة قصّة عائلةٍ فقدت الأب في عام 2013 إثر العمليات الحربية المشتعلة بضراوة آنذاك في ريف دمشق، ولحقه ابنه الوحيد قتيلاً بعد عامٍ واحدٍ إثر التحاقه مقاتلاً بإحدى الفصائل المسلحة.
كان لتلك العائلة ثلاث فتيات أخريات، الكبرى في أربيل منذ عام 2016 عاماً تقريباً، الثانية هربت وتزوجت سرّاً وانقطعت أخبارها، أما الصغرى فقد سلكت درباً لا يتماشى مع الأعراف والتقاليد، تلك كلّها تفاصيل روتها الأم التي ظلّت تعيش وحيدةً في منزلها دون أن تتوانى لحظةً في القول إنّها تبرأت من بناتها.
لسنَ بناتي
تقول الوالدة خلال حديثها: “هنّ لسنَ بناتي، كنَ كذلك حتى قبل عشر سنوات أو أقل بقليل من الآن، قبل أن أخسرهنّ واحدةً تلوَ الأخرى، ألم من الممكن أن نعيش فقراء ولكن بشرف!، ألهذه الدرجة موت رجل العائلة أظهر ما بنفوسهنّ من قدرة على سلوك درب الانحراف والتمرد على الأعراف والقيم والمجتمع، والأهم، على قلب أمٍ ربتهنّ كلّ شبرٍ بنذرٍ! والله لم أبخل عليهنّ، وبعد وفاة زوجي وابني صنتهنّ برموش عينيّ وحاولت بطاقتي كلها أن أحافظ عليهنّ وأرفع رأسي بهنّ. لكننا ككل السوريين وصلنا اليوم الذي بكينا فيه من الحاجة والجوع والفقر وما من ربّ أسرةٍ يدق الباب ظهراً قادماً من عمله ليسند هذه الأضلاع المنكسرة.”
وتضيف: “آخر ما عرفته عن فاطمة ابنتي الكبرى أنّها تعيش مع رجلٍ عراقي في أربيل دون عقد زواج، وهناك تعمل في ملهى ليلي، حاولت وحاولت كثيراً التواصل معها ولكنّها لا تريد. اختارت حياةً مقرفةً كفيلةً بخفض رأس أعتى الأمهات، وما حصل معنا جعل عائلة زوجي تتبرأ مني وأنا التي لم أتزوج بعده لأربي البنات، وهـذه العائلة أصلاً لم تلتفت لنا في عزّ حاجتنا، ولكنّ الفضيحة تعم، والجميع يريد أن يحاسب الضعيف.”
وتتابع: “ابنتي الوسطى ميمونة هربت من المنزل وتزوجت سراً من رجل، علمت أنّها في حلب منذ مدّة، وكذلك لم أستطع الوصول إليها. أما الصغرى خولة فأنا بنفسي طردتها من المنزل ودمع الدنيا يعتصر في مقلتي، تلك الفتاة فضحتنا، كلّ يوم توصلها سيارة مختلفة للمنزل، وكل مرة تتلقى اتصالاً من رجل مختلف، وفجأة بدأت تظهر معها أموال وقطع ذهبية، فهمت كل شيء، طردتها وطردت قلبي معها. الشرف في تربيتنا قبل المشاعر، وانظر، كل ذلك لأنّ زوجي ليس هنا، لعن الله هذه الحرب ومن أشعلها ومن كان سبباً في موت كل سوري وفي خسارة بناتي”.
في السجن
خرجت هيفاء من السجن قبل أشهر وهو اسم مستعار لفتاة من دمشق وقد دخلته إثر حكم قضائي يتعلق بتعاطي وتجارة المخدرات والارتباط بأعمال جنسية وأخرى منافية للآداب المجتمعية. لم تكمل هيفاء عامها الخامس والعشرين، وبشعرها الأشقر وطلّتها البهية وأسلوبها الذكي في الحوار لا يمكن إطلاقاً أن تولّد انطباعاً أنّها اليوم سجينة سابقة.
بدأت قصة هيفاء حين قتل والدها في الحرب وصارت تعاني ظلم وتحكم زوجة والدها التي ظلّت تعذبها وتفتعل المشاكل معها إلى أن أجبرتها على ترك المنزل بعمر 19 عاماً، وفي هذا العمر كانت تبدو الفتاة صغيرةً، غضّة، ولا تملك خبرة في الحياة، وكانت طالبةً في السنة الأولى في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، ومن مقاعد تلك الكليّة بدأت رحلتها التي قادتها نحو السجن.
درب الجريمة
تروي هيفاء بشيء من الندم مجريات سنينها الفائتة: “في الجامعة تعرّفت على شلّة من الأصدقاء، نمت علاقتنا وتوطدت، كانوا نوعاً ما مرتاحين ومترفين على عكسي تماماً، صرت أشاركهم جلساتهم ولقاءاتهم حتى تلك المسائية. وخلال إحداها جرّبت لأول مرّة سيجارة الحشيش، والسيجارة جاءت بحبة كبتاغون، والحبّة جاءت بمخدرات أخرى”.
وتضيف: “صار يكثر جلوسنا في مقهى شبابي، هناك تعرف علينا صاحب المقهى واستغلنا في ترويج المخدرات مقابل المال، ولاحقاً استغلنا في أشياء كثيرة كالخروج مع رجال وتمضية أوقات، أعجبني الأمر، صرت أجني الكثير من المال وصرت مستقلة وسيّدة نفسي. والأهم أني ورغم كل ما أخطأت به وأعترف به اليوم ولكنّي حافظت على مسافة مع أولئك الرجال، مسافة تسمح باللمس وتمنع جعلي غير عذراء، فأنا تحديداً أعرف قدسية هذه الأمر، أخطأت كثيراً ودخلت في دوامات من المخاطر والقلق ولكني لا زلت عذراء، ولا أدري إن كان ذلك مهماً بعد كل ما فعلت”.
تنوي اليوم هيفاء استكمال دراستها، تقول: “نالني أقذر ما في هذا البلد واكتفيت”، تبحث عن عمل شريف بمردود جيد بعيد عن أيّ شبهة، تعتقد أنّها ستنجح، وتشير ضاحكة: “قد أعمل على تيك توك، البلد كلّها هناك، والجميع يجني أموالاً وحتى المشاهير، دون انتهاك للكرامة أو مخالفة للقانون”.
وتختم حديثها محملةً وزر كل ما مرّت به لرحيل والدها وسندها ولقسوة زوجته عليها، ولولا ذلك لكانت الآن خريجةً جامعية وتعيش حياةً مختلفة بالمطلق.
رجال ونساء
آلافٌ من القصص يمكن الحديث عنها في سوريا، عن عائلات بلد الحرب، لكلّ أسرة حكاية ووجع، لكنّ الأكيد أنّ الحرب كما دفعت بعائلات وأمهات لتقاتل لأجل مستقبل الأولاد، كذلك جعلت من أسر أخرى عرضةً للتفكك والضياع وانهيار قيم منظومة الأخلاق والأعراف.
لم يتناول هذا المقال حال الشباب بعد رحيل آبائهم، لأنّ حالهم في المجتمع السوري محكوم بشروط اجتماعية مختلفة عن النساء والتي تبرر أفعال الرجل فكما يقال في العامية: “يدبّر رأسه”، وإمعاناً في تنظيف صورته يُقال: “لا يعيبه شيء.” والجديد بالذكر أن مقالات مستقبلية يمكن أن تغطي الأبعاد الجندرية لتجارب الصبيان والشباب بعد غياب المعيل.
في عالمٍ باتَ مليئاً بالنجوم، نجوم السوشيال ميديا أو ما يسمّونهم صنّاع المحتوى، الخاضعين لخوارزميات و سياسات مواقعِ التواصل الاجتماعي، و آخرون يصنعُهم رعاةٌ مخلصون يروّضونَ تطور العقل البشري بحيثُ يظلّ القطيعُ بخير، نجوم تُبهر و تغيّر، و أخرى تعمي العيون، قد يكون رحيلُ أحد المُبدعين مناسبةً كي نبدأ بالحديث عن أعماله أو أقواله بموضوعيةٍ أو بعين النقدِ الحقيقية، بحثاً عن نجمٍ حقيقيٍّ احترق كي يضيء.
ميساء محمد فنانة تشكيلية سورية، من مواليد مدينة جبلة 1964، فُجِعَ مُحبّوها بخبرِ مرضِها في مكان إقامتِها في دبي أولاً، ثمّ غيابِها المُبكّر مؤخراً، كان مجتمعُ الفنانين التشكليين يتابعُ تجربتَها باهتمام، فقد قدّمت في مراحلِها الأخيرة سلسلةً من اللوحاتِ المتحفيّة كانت ثمرة تراكم خبرةٍ طويلةٍ في الرسم، و موهبة استثنائية في التعبيرِ عن مكنوناتِ النفسِ الإنسانيةِ عن طريقِ الخطّ و اللون. اللافت في تجربةِ ميساء هو تطوّرها الواضح باتجاه الواقعية التعبيرية، المبنيّة على امتلاكٍ حقيقيّ للرسم كأداةٍ مرنةٍ بينَ يدَيها، تشكّل من خلالِها وجوهاً ذاتَ طابعٍ سحريّ، و مناخاًغرائبيّاً، كأنّها تنقلُنا إلى عالمٍ موازٍ، شخوصُهُ تُشبهُنا، لكنّها تحملُ قدراً من الجمالِ و التصالحِ مع الذاتِ، يجعلُنا نقفُ أمامَها مشدوهين.
من الملفت أنّ ميساء لم تدخل تجربة الرسم بجديّةٍ إلا مع بداية الحرب السورية، ربما هرباً من أشباحِ الموتِ و الدمار التي سكنت البلاد، أو نتيجة شعور خَفيّ بنهايةٍ قد تكونُ وشيكة، ما جعلها تستخرجُ تلكَ الجوهرة التي طالما أهملتها في أعماقِها، و تعمل على صقلِها، “البحث عن الصمت، ملك الأطراف، حجر الدم، مقام الصبا، هناكَ أمل” هي عناوين لمجموعتها التشكيلية أو معارضِها التي أقامتها في كل من دمشق، دبي، زيورخ، و فينيسيا.
إنّها رسامة مشت بكلّ ثقةٍ صوبَ ذاتِها، فحفرت طريقَها حيثُ اتّجهت بوصلةُ قلبِها دونَ أن تتمكن منها مقولاتُ غيرها، ربما هذا سرّ تفرّدِها و أصالتِها، فهي لم تذهب إلى الخارج لتستورد مفردات، أو تعيدَ إنتاجَ تجربةٍ بعَينها، بل حفرت في روحِها و رسمت ما تُحب. و لأنّها أسّست أسلوبَها على ما يهوى قلبَها و يؤرقُ عقلها، كانت الشامُ حاضرةً في أعمالِها، هي التي شغلَها موضوعُ الهوية، حاولت أن تتمسّك بهويتها السورية التي شعرت أن الحربَ ستأتي عليها، فرسمتها، ” في لوحاتي لم أتعمّد العودة إلى الماضي، و لكن طبيعة الهوية هي التي تقودُني إلى ذلك، حاولت قدرَ الإمكان أن أكونَ وفيّةً لفكرةِ الجمال والرومانسيةِ العالية، التي اعتبرتها بمنزلةِ أدواتٍ لمواجهةِ عدو الثقافة و الهوية العربية التي مكّننا الفن التشكيلي من اكتشافِ كاملِ تفاصيلِها”. شخوصُها التي تطلُّ علينا من عالمٍ مُختلف، طفولي أحياناً و أسطوري أحياناً أخرى، ترتدي غالباً أزياء دمشق التراثية، التي يُقالُ إنّها تعودُ إلى تصاميم أزياء الملوك القدامى الذين عاشوا في دمشق أو تدمر،أفاميا، ايبلا، و أوغاريت، يذهبُ الشاعر و الناقد فاروق يوسف إلى ربطِ تجربتها بالفنان السوري نذير نبعة، فيما يخصّ طريقة معالجتِها للوجوه، والأجواء الشامية التراثية الباذخة، فالنساءُ بجمالهنّ الأسطوري، كأنّهنّ حفيداتُ الليليت وعشتار وإينانا والمجدلية و زنوبيا، يغنينَ مشهدها البصري و يمنحنَهُ بصمةً سوريّة خاصة.
و كما تستخدم ميساء الواقعية السحرية كي تأسرَ عين المشاهد، تستخدم كذلك الرمزية، فالحُلي والورود والغربان و السفن الورقيّة والزخارف الشرقيّة، كلّها أدوات تنقل مكنونات الفنانة وأفكارها، أمّا أداة التعبيرالأهم، التي تمنحُ لوحاتَها قوة تعبيريّة استثنائية فهي العيون، فإذا كنّا نريدُ أن نلجَ عالم ميساء محمّد، علينا أن نفهم ما تقولهُ عيونُ شخوصِها، فهي تتّسع كي تحيطَ بالواقع من كلّ الجهات، أحياناً تقفُ أمام العالمِ مذهولةً وأحياناً أخرى خائفة، لكأنّ هولَ المشهدِ جعلَها بكماء، وحدهُ بريقُ عيونِها يُفصحُ عما يدورُ في روحها، قد يكونُ بريق الوعي، أو حزن دفين يأبى أن يتدفّق ما يمنحُها سحرها الخاص، إنّ عيون ميساء محمد هي بحدّ ذاتِها موقف من العالم و وجهة نظر، تُعاتبُ و تُحبّ، تتأمّل، تحزن، وتفرح في نظرةٍ واحدةٍ، كأنّها لم تستطع أن تصرخَ في وجهِ الحربِ فحدّقت بها، وحين رحلت تركت لنا تلكَ النظرة الخالدة، لتجعلنا نتساءل و نتساءل، دون أن نتمكّن من سبرِ غورِ إحساسِها.
إنّها امرأةٌ من فصيلةِ النساء الساحراتِ، اللواتي منحتهُنّ الطبيعةُ مواهبَ استثنائية ليحاربنَ بها طغيانَ المجتمع، السحرُ هنا ليس بمعناهُ الشرير، إنّما هو السحرُ الذي يسخّر القوى الكامنة في الطبيعة من سبيل الخير، و إذا كانت ظاهرة ملاحقة الساحرات و السحرة قديمة قدمَ التاريخ، فإنّ أغلب النساء اللواتي اتُّهمنَ بممارسة السحر في العصور الوسطى في اوروبا، كنّ من المثقّفات والعالمات وصاحبات الفكر المتنوّر، ربما الفيلسوفة و عالمة الرياضيات هيباتيا التي قُتلت على يدِ حشدٍ من المتعصّبين في الاسكندرية عام 413م هي أول ساحرة معروفة تعاقبها السلطة الدينية.
تجلّى سحرُ ميساء فيما تجلّى في اللون، فقد استحضرتهُ في أعمالِها بكامل بريقه، ليساهمَ في تشكيلِ مشهدِها البصري الخاص، و منحِهِ بعداً غامضاً و شاعريةً مُختلفةً، فكان أن أظهرتهُ على العجينةِ اللونية للوجوه، فاقعاً، فاضِحاً شغفَها بالجسدِ الإنساني و مكنوناتِهِ، لقد حذت هنا حذوَ الانطباعيين في الابتعاد أحياناً عن المزج و إظهارِ تدرجات اللون على سطح اللوحة، كما اتكأت على المبالغة اللونية كطريقة في التعبير، اهتمّت ميساء بنضارةِ وصفاءِ ألوانها، كما استخدمت تلكَ المتكاملة والمنسجمة، لتمنحَ لوحاتها ضوءاً مختلفاً وبعداً سريّاً، لكأنّها هنا متأثرة بالفن الكنسي وكبار فنانّي عصر النهضة ، كما لجأت أحياناً إلى المبالغة في رسمِ أطرافِ نسائها، فتطاولت الأصابع و رقّت، ربما كي تحاكي رقّة الفنانة و سمو روحِها.
تنتمي ميساء إلى فئةٍ من التشكيلين السوريين الذين تمسّكوا بالرسم كقاعدةٍ لانطلاقهم في عالم الفن التشكيلي، فبحثوا عن أصالةٍ تشبهُهم دون الانخراطِ في تجربةِ النسجِ على منوالِ المدارس الغربية، فعلى الرغمِ من مقولات الحداثةِ و ما بعدها التي هيمنت على المشهد، صنعت ميساء حداثتَها الخاصة غير مكترثةٍ سوى بمقولاتِ روحِها، فعبّرت بطريقتِها عن فكر ومشاعر رسّامة أنثى، عايشت حقبةً من الحربِ و الهمجيّةِ ربما أودت بها في النهايةِ إلى مرضٍ و موتٍ مبكّر.
في وسطِ إحدى لوحاتِها المعجونةِ بتدرّجاتٍ رماديّةٍ، مساحة حمراء على شكلِ مستطيلٍ انفتحَت أطرافُهُ السفلى كأنّها دماءٌ تسيلُ، على هذه الخلفية جلست أنثى بثوبٍ أبيضٍ و بعينين هَلعتين، بطلة اللوحة تحضنُ إطاراً أحمراً مربوطاً في إحدى زواياهُ بشريطٍ أسود، أما داخل الإطار فتفاجئنا ميساء برسم بورتريه للأنثى الهلعة ذاتها المتربّعة في الوسط ، كأنّ البطلة تقفُ شاهدةً على موتِها، كأنّها تنعي نفسَها، هل تنبّأت ميساء هنا بنهايتها الوشيكة؟ هل كانت تعي ما ينتظرها من مصيرٍ سيحرمُها من ممارسة سحرها الخاص”الرسم”؟ لا نعلمُ حتى الآن مدى صدق نبوءة الشعراء و الرسامين، لكن و إذا كانت ميساءُ نجماً مرّ بسرعةٍ في عالمِنا فيبدو أنّها تركت أثراً سيدوم، يُقالُ إن بعض النجومِ التي لا يزال ضوءها ينيرُ ظلمتَنا هي في الحقيقة ميّتة، أن تكون نجماً حقيقياً يعني أن تتركَ وهجاً يدوم.
شق العود السوري طريقه نحو لائحة التراث الثقافي غير المادي الذي أدرجته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” عام 2022، وذلك لعذوبة صوته وصناعته اليدوية المتقنة الممتدة لعقود طويلة، ليلتحق بصناعة نفخ الزجاج كعنصر تراثي جديد. إلا أن تحديات صعبة تواجه حالياً صناع العود، بدءاً من تكاليفه وصولاً إلى تراجع حركة السياحة التي انعكست سلباً على ازدهار هذه الصناعة، بعد أن كانت تعتمد بجزء يسير منها على السياح ما قبل اندلاع الحرب السورية. التحديات والعراقيل بمساحة لا تتجاوز المترين تتسع لشخصين فقط، اضطر صانع العود أنطون طويل الانتقال مرغماً إلى محله الضيق بعد أن كان يشغل مساحة كبيرة في سوق التكية السليمانية، الذي احتضن أكثر من 60 حرفياً من حرفيي العود والزجاج المنفوخ والسيف الدمشقي والخط والحلي والأزياء الفلكورية لمدة 52 عاماً بمساحة تصل إلى 11 ألف متر مربع منذ عام 1972. حالة أنطون طويل ناجمة عن صدور قرار إزالة التكية عام 2022 التي كانت محلاتها بصيغة عقود إيجار لتتحول فيما بعد إلى عقود استثمار سياحية. يقول طويل عن تجربته: “ورثتُ صناعة العود عن أبي منذ قرابة ثلاثين عاماً حين كان موجوداً في التكية السليمانية التي كانت مجمعاً لحرفيي المهن اليدوية وملتقى لأقدم الملحنين السوريين.”
تسببت إزالة التكية السليمانية وترحيل الحرفيين منها بعد أن كانوا يشغلونها لأكثر من خمسين عاما، بأضرار معنوية كبيرة، لاسيما كونها تُعد نقطة استقطاب جذابة للسياح العرب والأجانب ولعموم السوريين الذين كانوا يقصدونها من مختلف المحافظات السورية. يضيف أنطون طويل: “أصبت بالإحباط والاكتئاب لمدة أربعة شهور، الانتقال من مكان كان يغص بالحرفيين ويعد معلماً سياحياً ضخماً في البلاد كنت قد اعتدت عليه لسنوات طويلة إلى مكان ضيق ليس بالأمر السهل على الإطلاق، شعرت بالخذلان، كان محلي يضم قرابة 300 عود، بينما هنا بالكاد يتسع لعشرة أعواد”.
بخسارة التكية السليمانية، خسر الحرفيون معها بوصلتهم السياحية الأولى ومصدر رزقهم الحيوي وشريانها النابض، إذ أحدثت عملية الانتقال الإجباري ضرراً مادياَ جسيماً، ليتحول من مكان له مريدون وعشاق لا يهدأ من الزحام ويشهد غلياناً واندفاعاً إلى الشراء، إلى مكان يعاني من أزمة شراء وضعف في منسوب الإنتاج. يشرح صانع العود الوضع أكثر: “تراجعت كثيراً وتيرة الإنتاج، وبالتالي حركة الشراء، هناك حيث الأعواد والمعدات تتسع في المحل، بينما هنا اضطررت إلى إيداعها عند أصدقائي في ورشات عملهم، ويصعب عليّ تشغيلها لغلاء الوقود بسبب استخدام المولدات في ظل انقطاع الكهرباء الدائم.” ويضيف: “كنا معروفين من قبل الأوربيين، حيث كنا نصدر لهم عشرات الأعواد شهرياً، لكن الأمر تغير بعد إزالة التكية، تم القضاء على الذاكرة التراثية”. إلى جانب ذلك، يجد صانع العود أنطون نفسه أمام عائق جديد وهو أجور النقل عبر شركات الشحن الدولية في حال فكر بالتسويق عبر الإنترنت، ما انعكس سلباً على حركة البيع للخليج وأوروبا. ويوضح صعوبة هذا العائق: يكلف شحن ظرف صغير إلى ألمانيا حوالي 150 ألف ليرة سورية، ما بالك بالعود الذي يأخذ وزناً وحجماً، أحاول التركيز على الزبائن الذين يأتون إلى هنا في زيارة خاطفة، المشكلة الحقيقية تكمن في أجور الشحن”. تعد ارتفاع أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعة العود السوري سبباً مباشراً في تضاعف ثمنه الذي وصل قرابة 700 ألف حسب مواصفاته، بينما كان يتراوح سعره قبل عام 2011 حوالي 5 آلاف ليرة سورية فقط. هذا الغلاء انعكس سلباً على كمية الإنتاج، ويشرح صانع العود أنطون طويل أكثر مصدر ارتفاع الأسعار: “غلاء مادة الخشب وهي أساسية في صناعة العود بالرغم من كونها محلية، إلى جانب الأوتار التي تعد من الأكسسوارات نستوردها من الصين التي تكون أيضاً مكلفة”. ويُعتقد أن جذور صناعة العود تعود إلى فترة حكم الأكاديين في العراق. وتمر عملية تصنيع العود السوري بمراحل عديدة تصل إلى 41 مرحلة كي يخرج بهذه الصورة الجمالية المتقنة وشكله الشبيه بفاكهة الكمثرى. وعن هذه المراحل، يشرح طويل: “يتكون العود من صندوق خشبي، يِصنع من أنواع مختلفة من الخشب، أهمها شجر الجوز الذي يتميز بعمره الطويل ويمنح الصوت عذوبة خارقة، فسجل عام 1879 أول عود مصنوع من الجوز في سوريا، بعد شراء كميات كبيرة من الحطاب، نقطع الخشب ونقوم بتجسيمه وفق مقاسات متنوعة تصل إلى 15 قطعة لنجمعها سوية وتصبح على هيئة صندوق خشبي مفرغ، كما تم إدخال خشب الأرز على الوجه السطحي للعود، ليتم شد خمسة أوتار في مشط الآلة الذي كان قديماً يصنع من أحشاء الحيوانات وتحولت إلى مزيج من النحاس والنايلون.”
يستغرق أنطون زمناً يتراوح بين العشرة أيام لغاية الشهرين في صنع العود، وذلك حسب التفاصيل المراد الاشتغال عليها من حفر وتنزيل الصدف وتلبيس الموزاييك وإغراقه بالزينة، ويوضح ذلك: “لكل عود خصوصية، حسب طلب الزبون، هناك من يفضل البدء بالعود التركي الذي يختلف عن العربي فهو أصغر بالحجم وأخف وزناً ويسهل حمله، بينما هناك من يفضل العربي ويتفنن بالزخرفة عليه.” إقبال على آلة العود لدى فئة الشباب لاتزال آلة العود الموسيقية التراثية تلقى إقبالاً لدى فئة الشباب السوري رغم تطور الآلات الموسيقية الغربية ورواجها مؤخراً. تقول ألين (19 عاماً) وهي تحاول أن تفاصل والدتها على سعر العود: “انتظرت انتهاء امتحانات الجامعة للبدء بدورة تعليمية على آلة العود التي أطرب لسماع صوتها، اشتريت الآن عوداً جديداً بالرغم من ثمنه الباهظ، سحرت بصوته عندما سمعته للمرة الأولى أثناء حفلة سهر لوالدي وأصدقائه”. لجأ عبد (30 عاماً) إلى أنطون لإصلاح الأوتار وشدها جيداً بعد أن أخذت بالارتخاء قليلاً، وقال لنا: أواظب على آلة العود التراثية منذ خمس سنوات تقريباً. اكتشفت صوت هذه الآلة مصادفة عند تدشين مطعم بدمشق القديمة وكان شقيق صديقي ضمن العازفين خلال الافتتاح.” ويُتابع حديثه: “العود متنفس جميل لي في ظل الضغوط الاجتماعية التي نعيشها، صوت الآلة جميل وعذب ينتشلك من الحاضر إلى بوابة الماضي وكأنك بزمن فريد الأطرش وعبد الحليم.”
بعد قطيعة استمرت اثني عشر عاماً، تعود العلاقات السورية السعودية من بوابة فتح الحج وقبول طلبات السوريين لأداء فريضته، على أن تنطلق رحلات الحجاج من مطار دمشق الدولي إلى مطار جدة، في إجراء قد يبدو أنه لن يكون الأخير وسيمهد لإعادة فتح السفارة السعودية في العاصمة دمشق وتوطيد العلاقات بين البلدين.
وكانت لجنة إدارة مصرف سورية المركزي أصدرت التعليمات الخاصة بتسديد عوائد الخدمات المترتبة على أداء مناسك الحج للعام الحالي ممن حصلوا على موافقة وزارة الأوقاف. وتنص التعليمات على إلزام جميع الراغبين بالحج الذين وصل عددهم قرابة 17500 شخص ممن استوفوا شروط العمر، بالإيداع النقدي بالقطع الأجنبي في الحساب المحدد من قبل وزارة الأوقاف لهذه الغاية لدى بنك البركة سورية بكل فروعه.
كلفة الحج تعادل راتب الموظف لـ 30 عاماً
تختزل الآية الكريمة “ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً” حال السوريين الراهنة إزاء تأدية مناسك الحج الذي بات حكراً على شريحة اقتصادية معينة وذلك بسبب نفقات رحلة الحج والتكاليف الباهظة. تقول السيدة الستينية التي كان يراودها حلم الحج منذ سنوات عديدة: “منذ اندلاع الحرب وأنا أتمنى زيارة مكة المكرمة، لم تسمح الأوضاع بسبب تعليق الحج، وعندما عادت الأمور إلى مجاريها أصبحت التكلفة باهظة جداً. الأغنياء فقط من يستطيعون دفع ما يفوق 100 مليون ليرة سورية، هذا رقم فلكي بالنسبة لأسرة سورية متوسطة الحال”. تؤيدها بالرأي فاطمة (48 عاماً) التي تجد أن الحج للمقتدرين مادياً، فلم يعد بمقدور الفقير تأدية فرائض دينه في ظل هذه التكاليف المرتفعة، فالأولوية للطعام والشراب وحبوب الدواء ودفع إيجار المنزل، تختتم حديثها بالقول: “النية موجودة، لكن الاستطاعة عدم”. أما جهاد (55 عاماً) فيرى أن التكلفة الخيالية للحج تعادل راتب الموظف السوري درجة أولى لمدة 30 عاماً، ما يعني أن الأمر مستحيل لأصحاب الدخل المحدود، ويضيف ساخراً: “صارت الكعبة رفاهية ففرضوا علينا جمركة، التضخم أثر على أركان الإسلام”.
بدورها، ترى نورمان (26 عاماً) أن المبالغ الباهظة غير المنطقية التي وصلت ما بين (85 ـ 200) مليون ليرة سورية كتكلفة رسمية لتأدية فريضة الحج من الأفضل أن تدفع لبناء المدارس أو كفالة اليتامى وإطعام الفقراء الذين هم أولى بالمال وتجوز عليهم الرحمة. يوافقها بالرأي عمار الذي يعتقد أن التبرع بهذه الأموال الطائلة للشرائح الأكثر عوزاً أو القيام بعمليات جراحية للمحتاجين قد يكون أكبر أجراً وإحساناً، بينما يجد الشاب الثلاثيني رامي أن يستثمر هذا المبلغ في مشروع شخصي له أو السفر به إلى أوروبا.
أصحاب الجيبة العامرة وحدهم من يحجون
في الوقت الذي يكابد فيه السوريون لتأمين لقمة العيش يومياً ويصارعون للبقاء في ظل تكاليف الحياة الباهظة، غير أن البعض منهم لا تشمله خريطة الفقر ولا حدود الجوع، لتجد الفئات الغنية نفسها قادرة على دفع مبلغ 6 آلاف دولار وفق سعر المصرف المركزي (13400 ألف ليرة سورية) بسهولة كبيرة، لنصبح أمام فجوة طبقية ساحقة. تكفل راتب بدفع مبلغ 125 مليون ليرة سورية لوالدته الستينية لتأدية مناسك الحج، وهي المرة الأولى لها، يقول الخمسيني وهو تاجر قماش في سوق الحميدية بدمشق: “هذا المبلغ يشمل تذكرة الطيران وحجز فندق 3 نجوم ووجبتي فطور وغداء ورسوم التنقل في الحرم، يفتدي المال خدمة الله وطاعته وهو فريضة من استطاع إليها سبيلاً، والحمد لله أنا مقتدر مادياً.”
يعترف عبد الخالق (58 عاماً) أن عمله في تجارة الطاقة الشمسية والدخل الشهري العالي الذي يجنيه يسمح له بتحمل تكاليف الحج، يقول: “لن أفوت الحج خاصة هذه هي المرة الأولى بعد 12 عاماً، سأعتبر نفسي أنني أخذت إجازة شهر كامل.” وقد دفع الرجل قرابة 185 مليون سورية مقابل خدمات مميزة وحجز فندقي 5 نجوم والترتيبات اللوجستية، ناهيك عن تكاليف التبضع التي سيتكبدها هناك.
تناوب الأشقاء الستة المنتشرون في أوروبا في على تقاسم مبلغ 6 آلاف دولار لإرسال والدتهم الخمسينية إلى الحج، حيث اقتطع كل واحد منهم جزءاً من راتبه لتكبد النفقات، يقول عثمان أحد الأخوة: “تشاركت مع أخوتي على اقتسام الكلفة وإسعاد والدتنا التي لطالما حلمت بهذه اللحظة، من غير المعقول أن نحرم أمنا من هذه السعادة، المبلغ ليس بكبير إذا قسم على الجميع، اختصر كل واحد منا بعض النفقات وأجلها للشهر القادم في سبيل تحقيق أمنية الوالدة.”
الحج بالنيابة
في ظل انعدام الدخل وتكاليف الحج الباهظة يلجأ بعض السوريين إلى توكيل شخص يعيش في السعودية للحج بالنيابة عن الآخر، حتى لو كان قادراً جسدياً لكنه عاجزاً مادياً، في محاولة لتقليص النفقات إلى النصف. هذا ما فعلته فادية (50 عاماً) التي فوضت صديقتها المقيمة في السعودية بالحج بالنيابة عنها مقابل دفع تكاليف بسيطة كالتنقل وشراء لباس الحج، وتشرح لنا تجربتها: “لا أستطيع أبداً دفع مصاريف الحج، طلبت من صديقة الطفولة الحج بالنيابة عني، ولم تمانع أبداً، حتى أنها عرضت استضافتي في منزلها، لكن بالرغم من عرضها السخي أجد نفسي عاجزة عن دفع تذكرة الطيران والفيزا، هذا حل جيد ومريح نفسياً ومادياً، إلى حين يرزقني الله والحج شخصياً”.
ويضيف المحلل الاقتصادي عابد فضيلة شارحاً الأمر أن الأثر الاقتصادي في تسيير أفواج الحج “عبء مادي على مدخرات الحجاج السوريين من القطع الأجنبي، لكنه في الوقت ذاته عبء محبب وشرعي ومرغوب على المستوى الاجتماعي، كما أن له آثاراً اقتصادية إيجابية تتمثل بالنفقات الاحتفالية التي تصرف عند عودتهم من الحج إلى بلادهم مثل كثرة الإنفاق على الضيافة والزينات والهدايا لصالح السوق السورية وإنعاشها”.
يواجه مربو الثروة الحيوانية عموماً، والأغنام على وجه الخصوص تحديات تهدد مصدر رزقهم نتيجة ارتفاع تكاليف التربية مثل الأعلاف والأدوية البيطرية، إلى جانب الجفاف؛ العدو الأخطر على الزراعة والثروة الحيوانية في البلاد.
يقول علي وهو مربي أغنام (عواس) في بلدة أبو الظهور بريف إدلب: “يزداد استهلاك الخروف للأعلاف كلما كبر، وبالتالي تكاليف تربيته الممتدة إلى 4 سنوات حتى يصبح كبشاً (فحل الضأن) أو نعجة”. ويضيف: “نُسّخر الأراضي للرعي في أوقات الحصاد، ومن لا يملك قطعة أرض هنا، يستأجر واحدة حسب الحاجة”.
تشكل الأعلاف عبئاً ثقيلاً على صغار المربين ممن يملكون بين 10 و15 رأساً؛ لذا يستعين بعضهم بالشعير أو بالخبز اليابس. ويصل سعر طن أعلاف النخالة أو خليط من عدة أنواع بين 4 و5 مليون ليرة سورية في الأسواق، بحسب ما يشتريه المربون.
ولا تتوقف مصاعب التربية على توفر الغذاء؛ بل يشكو مربو الأغنام في المنطقة قلة اللقاحات الأولية، وارتفاع ثمن الأدوية البيطرية الأجنبية حسب كل نوع وصعوبة تأمينها.
فصل الربيع
يمد الغطاء الأخضر النباتي في فصل الربيع الخراف بالغذاء، في حين يُقدم لها في الأيام العادية شعير وخبز وتبن في حال عدم توفر الأعلاف؛ بينما يزداد استهلاك العلف في فصل الشتاء لقلة الرعي، كما يتحدث الرعاة في ريف إدلب.
ويتشابه الأمر في ريف دمشق من حيث استثمار هذا الفصل في الرعي، وينوه المربي أحمد (معضمية الشام) إلى أن الرعي في المناطق الزراعية يعد حلاً في فصل الربيع على وجه الخصوص، حيث ينتشر الغطاء الأخضر، ويفضل بعض المربين استئجار أراض لكن بنسبة قليلة، لأن الراعي يرعى الأغنام في مناطق متعددة.
مصاعب متعددة
يربي أحمد أغنام “العواس”، وأخرى مستوردة من العراق. يعاني المربي من زيادة تكاليف التربية سنوياً بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، إلى جانب تصاعد تكاليف الدواء بالتزامن مع انتشار بعض الأمراض في هذه الفترة من العام. يقول المربي: “يحتاج الخروف حتى يزداد وزنه، ويصبح بعمر سنة إلى أكثر من 200 ألف ليرة شهرياً بشكل وسطي”.
وتعد “العواس” من أهم عروق الأغنام في الشرق الأوسط، ويتحمل الظروف البيئية القاسية، ويمكن أن يحقق معدلات إنتاجية جيدة عند تحسن الظروف البيئية من تغذية ورعاية في مناطق التربية التقليدية، بحسب الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية السورية.
ويعتمد أحمد على أنواع مختلفة من الأعلاف وبدائلها، مثل مادة التبن التي يبلغ سعر الكيلو الواحد منها ألف ليرة سورية، وهناك الشعير وقشور الفول والبازلاء اليابسة، ويصل ثمن الكيلو منها إلى 2500 ليرة، ومن الأنواع الأخرى خلاطات العلف التي قد تحوي نشاء وطحيناً ومادة النخالة بسعر سبعة آلاف للكيلو الواحد.
يقول أحمد: “أجلب هذه الأعلاف من القطاع الخاص، لأن مؤسسة الأعلاف الحكومية في مدينتنا توقفت عن العمل منذ عام 2011”. ومن جهة ثانية، يلجأ الراعي إلى بقايا الطعام والخضار.
يلخص أحمد مصاعب التربية بالحاجة إلى مكان أولاً، حيث تنتشر هذه الأماكن ضمن المناطق السكنية. من جهة أخرى، يصعب الذهاب نحو الأراضي الزراعية البعيدة نتيجة الخوف من السرقة، ومن المشكلات صعوبة توفير الأعلاف وارتفاع أسعارها، وأخيراً تعرض الأغنام إلى أمراض كثيرة، وعدم توفر الدواء اللازم لذلك بشكل دائم، أو توفره بسعر مرتفع.
ثروة في مهب الأزمة
بلغ العدد الكلي للأغنام في عام 2007 نحو 23 مليون رأس، ثم انحدر في 2017 إلى أقل من 14 مليون رأس، ليرتفع مجدداً إلى ما يقارب 17 مليوناً (تقديرات) في عام 2021، بحسب إحصائيات وزارة الزراعة.
وفي آذار الماضي، قدر مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة محمد خير اللحام نسبة انخفاض الثروة الحيوانية بـ 30% من قطيع الأغنام، وفقاً لصحيفة (تشرين) المحلية. ويذكر اللحام أن الإنتاج الحيواني يسهم بنسبة 36٪ من إجمالي الناتج الزراعي الذي يسهم بدوره بنسبة 39٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعرّضت سورية إلى موجات جفاف متتالية، وفي 2022، أشارت المهندسة رويدة النهار مدير السلامة البيئية في وزارة الإدارة المحلية والبيئة إلى أن البلاد تعاني من آثار تغير المناخ، حيث تواجه أسوأ موجة جفاف منذ سبعين عاماً نتيجة انحباس الأمطار في معظم المناطق، بحسب صحيفة (البعث) المحلية.
وسمح مجلس الوزراء على مدار السنوات السابقة بتصدير ذكور أغنام العواس والماعز الجبلي ضمن مدد محددة، وذلك وفق الشروط الصحية والفنية المحددة من قبل وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي.
يعيشُ اليوم آلاف السوريين في قبرص خوفاً اجتماعياً من فقدان فرصة العيش في الجزيرة، بسبب التحريض الذي يتعرض له المهاجرون السوريون الواصلون حديثاً إلى قبرص، والذين أعُيد معظمهم إلى لبنان بعد قرار مفاجئ اتخذته قبرص بخصوصهم.
“خلال الثلاثة أشهر الماضية، كان السوريون يصلون عبر البحر إلى قبرص من لبنان كلّ يوم تقريباً” هذا ما قاله رئيس جمهورية قبرص “نيكوس خريستودوليدس” خلال حوار منذ أيام مع “شبكة المحررين الألمانية (RND).
كما أكد أنّ “المهاجرين اليوم في قبرص يشكلون 7% من عدد سكان الجزيرة” وأضاف: “لم نعد قادرين على استقبال المزيد من اللاجئين السوريين، إنّها مسألة أمن قومي، ولذلك أخبرت الاتحاد الأوروبي بقراري حول تعليق طلبات اللجوء للسوريين في قبرص”.
وكان “خريستودوليدس” قد علّق دراسة طلبات اللجوء للسوريين في الجزيرة المتوسطية ليلة 13 نيسان/ أبريل 2024، وجاء هذا التحرك ضمن إطار الحملة الإعلامية التي شنتها السلطات الرسمية على المهاجرين السوريين الواصلين حديثاً عبر البحر، والذين تدفقوا بكميات كبيرة مقارنة مع الأشهر الفائتة، حيث أعاد خفر السواحل القبرصيّ بالتعاون مع السلطات اللبنانيّة، منذ أيام، حوالي خمسة قوارب تقلّ نحو 400 مهاجر سوريّ.
“خريستوذوليذس” قال: “إن هذا القرار مؤقت بانتظار إعادة تقييم وضع النظام السوريّ لإيجاد مناطق آمنة يمكن إعادة المهاجرين إليها” على حد تعبيره.
وأكدت منظمات حقوقية أن قبرص نفّذت خلال العام 2023 نحو (11 ألف) عملية إعادة قسرية وطوعية للمهاجرين.
وبحسب الإجراءات المعلنة، سيتمكن المهاجرون السوريون الجدد من تقديم طلباتهم، ولكن لن يتم دراستها، وسيتم بعد ذلك نقلهم إلى مراكز الاستقبال وتُقدَّم لهم مساعدات عينية؛ وهي الغذاء والإقامة، ولكن دون أوراق رسمية للإقامة. لن يحق لأولئك الذين يختارون مغادرة مركز الاستقبال الحصول على أي مزايا. بالإضافة إلى ذلك، لن يكون لهم الحق في الحصول على عمل خلال الأشهر التسعة الأولى من وصولهم.
واعتباراً من أكتوبر/تشرين الأول 2023، توجب على طالبي اللجوء الانتظار تسعة أشهر (بدلًا من شهر واحد) بعد تقديم طلب اللجوء قبل السماح لهم بالعمل. وأعرب في حينها مجلس اللاجئين القبرصي عن قلقه بأن ذلك من شأنه الدفع بالمزيد من الناس إلى العمل غير النظامي والعوز.
وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن “أعداداً متزايدة من طالبي اللجوء معرضون لخطر التشرد”، مشيرة إلى عدم كفاية الدعم الاجتماعي المقدم لهم.
وكان حزب فولت “Volt” القبرصي قد حذر من قرار الحكومة الأخير بتعليق فحص طلبات اللجوء المقدمة من المواطنين السوريين، واتهم الحزب في بيانه الحكومة بتغيير سياستها لكسر الصورة النمطية لها “دون أي تغيير جوهري”، وجاء في البيان أن “تعليق فحص الطلبات لن يكون بأي حال من الأحوال رادعاً لتدفق الهجرة من سوريا ولبنان”، مشيراً إلى أن “تعليق طلبات السوريين سيزيد الضغط على نظام إدارة اللجوء المثقل بالفعل، وسيتم وضع نصف طلبات اللجوء في الدِرج، لتواجهها خدمة اللجوء بعد بضعة أشهر، وفي ذلك الوقت سيكون العدد الإجمالي للطلبات المعلقة قد ازداد مرة أخرى بشكل كبير” بحسب البيان.
وقالت الحقوقية “كورينا ذروسيوتو” من مجلس اللاجئين القبرصي، وهو منظمة غير حكومية، للصحفيين: “إن هذا القرار لا يستند على أي أسس قانونية لاستبعاد جنسية معينة من طلبات اللجوء”. وأوضحت أنه تمت تجربة إجراء مماثل أثناء إدارة الرئيس القبرصي السابق “نيكوس أناستاسيادس”، لكنه فشل في تحقيق أي نتائج. وأضافت أن “هذا الإجراء تمت تجربته أيضاً عام 2022، في ظل الحكومة السابقة، ولم يأتِ بنتائج، كما أنه لم يقلل من وصول المواطنين السوريين”.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية؛ زار وفد قبرصيّ رسميّ، لبنان، لمناقشة سُبل التصدي لخط الهجرة البحريّة والذي ينطلق من السواحل اللبنانية عادة- نحو سواحل قبرص، ونتج عن ذلك تنسيق سريع في سبل الإعادة القسرية لقوارب المهاجرين السوريين.
وبحسب إحصائيات مفوضية اللجوء في الأمم المتحدة – قبرص حتى أيلول – سبتمبر 2023، فقد تقدم نحو (3357) سورياً بطلبات لجوء إلى قبرص، في وقت كان هناك نحو (9477) طلباً للجوء إلى قبرص معلقاً حتى عام 2022.
وأكدت السلطات الرسمية أن قرار رئيس جمهورية قبرص بتعليق دراسة طلبات اللجوء للسوريين، سيكون ساري المفعول على الطلبات التي قُدّمت خلال الـ 18 شهراً الماضية!
ويوم الجمعة 19 نيسان/ أبريل 2024، اكتشف رادار جمهورية قبرص البحري، قاربين في المياه قبالة “كيب جريكو” وعلى متنهما (141) شخصاً؛ (92) رجلاً و (12) امرأة و(25) طفلاً و (12) قاصراً دون ذويهم. تم استقبال الأشخاص الـ 138، وهم لاجئون من سوريا، ورجل من لبنان، ورجل وامرأة من فلسطين، من قبل سفينتين تابعتين لشرطة الموانئ والبحرية وتم نقلهم إلى ميناء لارنكا حيث تم تسجيل تفاصيلهم. قالوا إنهم بدأوا رحلتهم في 11 أبريل/ نيسان 2024، من لبنان بعد أن دفعوا في السابق ما بين 3000 و3500 دولار أمريكي لشخص مجهول، وتم نقلهم إلى مركز “بورنارا” لإيواء المهاجرين المؤقت في “كوكينوتريميثيا”. وكان قد وصل منذ 31 آذار / مارس حتى منتصف نيسان/ أبريل نحو (17) قاربًا يحملون (949) مهاجراً إلى قبرص، معظمهم من السوريين.
وفي تصريحات لوزارة الداخلية القبرصية، فإن هناك نحو 10000 طلب معلق، وقد تم تنفيذ قرار الحكومة القبرصية استناداً إلى “آلية أوروبية يتم تفعليها في حالات التدفق المتزايد للمهاجرين غير الشرعيين”. وفي تقرير سابق، أشارت الوزارة إلى انخفاض طلبات اللجوء وزيادة عمليات مغادرة المهاجرين خلال العام 2023. وبحسب البيانات، انخفض إجمالي عدد الوافدين في عام 2023 بنسبة 50% مقارنة بعام 2022. وعلى وجه الخصوص انخفض عدد الوافدين من الخط الأخضر وزاد عدد الوافدين عن طريق البحر بنسبة 355%. وبلغت طلبات اللجوء عام 2022 (21565) ومنها (4088) طلباً لسوريين. بينما عام 2023 بلغ عدد طلبات اللجوء (11617) وعدد طلبات السوريين (6148) طلباً.
وكانت المحكمة الإدارية للحماية الدولية قد تلقت (8377) قضية طعن بقرارات للاجئين، وبنحو (12300) طلب استئناف تتعلق بأجانب عُلّقت طلبات لجوئهم. وقد تمت معالجة (9818) قضية أمام المحكمة المذكورة، ولم تنجح إلا في خمسة وأربعين قضية، أي بنسبة 0.46%.
ويشار إلى أنه منذ عام 2020 إلى عام 2023، تم تسجيل زيادة بنسبة 472% في الطعون أمام المحكمة الإدارية للحماية الدولية. ومع ذلك، فقد تبين أنه في الفترة من 2022 إلى 2023، تم تسجيل انخفاض بنسبة 9٪ في الطعون. 76% من الطعون المسجلة تتعلق بمتقدمين من بلدان آمنة.
وتشير إحصائيات موقع “Eurostat” إلى أن عدد طلبات اللجوء المعلقة في قبرص حتى نهاية شهر كانون الثاني / يناير 2024 وصلت إلى (31615) طلباً، وقد تقدم خلال عام 2023 نحو (6155) سوريا بطلب لجوء في قبرص.
ومن بين هؤلاء الواصلين “عبد الكريم. ن” الذي لا يخفي تخوّفه من الترحيل رغم أنه “يعمل بالأسود” ولم يحصل بعد على أوراق تخوّله العمل والإقامة، فهو مثل آلاف الواصلين خلال العامين الماضيين “لم يأته الردّ على طلب المقابلة من أجل اللجوء” بحسب ما قاله.
فيما تحاول “دعاء. م” العمل من بيتها في بيع الأطعمة السورية عبر فيسبوك، وهي تعيل أبناءها الأربعة بعد أن قُتل زوجها في سوريا بريف دمشق عام 2014، وتؤكد: “لقد وصلت منذ خمسة عشر شهراً، وأعيش اليوم في لارنكا، ويذهب أولادي إلى المدرسة لأن أعمارهم ما بين 8 سنوات و15 سنة، لكنهم دون أوراق رسمية، ربما سوف يحصلون عليها فيما بعد بحكم اندماجهم في المجتمع، كما يحدث مع معظم الأبناء الذين يأتون مع عائلاتهم ثم يُنتزعون تدريجياً عبر المدرسة والعادات والتقاليد هنا، ليكونوا جزءاً من المجتمع المحلي. هذا لا يخيفني، ولكني أخشى ألا أستطيع إكمال الانتظار بعد تعليق طلبات اللجوء والعيش دون أوراق”.
وتشير “دعاء. م” في حديثها معنا أنها تقدمت منذ سنة بطلب لخدمة اللجوء في العاصمة القبرصية نيقوسيا، ولكنها ماتزال تنتظر رغم أن طلبها وُضع مع آلاف الطلبات في الدِرج ليذهب إلى الأرشيف حتى إشعار آخر.
ويعاني “علي ناصر” الذي يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً، من تشوّه في فمه نتيجة حادثة صعق كهربائي في الطفولة، وهو قد وصل إلى قبرص منذ أربعة أشهر فقط، ويعمل كصانع في محل للحلاقة، ولكنه لا يملك أوراقاً، يقول: “وصلت إلى قبرص وحدي، وأهلي ما يزالون في إدلب، ولكني بحاجة للمال، أعمل عند حلاق عربي هنا وأستطيع أن أتنكر كواحد من الزبائن إذا جاءت السلطات للتأكد من أوراقي، لأنه لا يحق لي العمل دون قرار من خدمة اللجوء بالموافقة على منحي حق الحماية الثانوية وكرت الإقامة”.
ولا تقدم قبرص أية امتيازات تُذكَر لتأهيل اللاجئين (…) ومعظم من يصل إليها يطمح بالحصول على أوراق ليكمل رحلته إلى دول أكبر مثل ألمانيا وهولندا وفرنسا لكن، قبرص في جميع الأحوال نادراً ما تمنح السوريين حق اللجوء “الكامل” مع “وثيقة السفر” وهذا ما يجعل اللاجئين السوريين يزدادون فيها، لأن مشكلتها الجوهرية هي منحهم إقامة بقصد العمل والسكن وهي لا تؤهلهم للسفر إلى أوروبا إلا باستخدام جوازات سفرهم السورية وهذا أمر شبه مستحيل بسبب تعقيدات التأشيرة والفيزا، وبمعنى أدق؛ يعيش اللاجئون السوريون في قبرص ضمن سجن كبير نسبياً، أما الآن، حتى هذا السجن بات اليوم مهدداً بالتضييق بعد قرار تعليق طلبات اللجوء والضغط على السوريين دوناً عن غيرهم!
لا بد من الإشارة أخيراً إلى أن قراراً مررته الحكومة القبرصية في نهاية العام الماضي ينص على تعديلات في قواعد التجنيس والتي بحسب منظمات حقوقية قد تم إقراراها دون استشارة المجتمع المدني إلى تشديد متطلبات الإقامة، وذلك عبر إدخال شرط “الدخول غير الشرعي إلى قبرص” كمعيار للحكم على “حسن سلوك” مقدم الطلب، الأمر الذي سوف يؤثر فيما بعد على اللاجئين والمستفيدين من الحماية الثانوية والأشخاص ذوي الإعاقة بخصوص استحالة حصولهم على الجنسية القبرصية، كما أن الأطفال المولودين من أبوين لاجئين سوف يواجهون احتمال انعدام الجنسية.