أطفال مجهولي النسب في ادلب… معاناتهم واحلامهم

أطفال مجهولي النسب في ادلب… معاناتهم واحلامهم

كان عبد الله الحمود (32 عاماً) من مدينة الدانا يمشي سريع الخطى وسط الظلام في 10 شباط/ فبراير من العام الحالي، حين استوفقه صوت بكاء طفل في الجوار. توقف قليلاً وأشعل كشاف هاتفه الجوال لتفقد المكان، فوقعت عيناه على طفل بعمر شهر تقريباً، بلفافة بيضاء مرمي على جانب الطريق.
يقول الحمود لـ “صالون سوريا”. “لم أكن أصدق أن أحداً ما يمكنه أن يتخلى عن طفله، حتى رأيت ذلك بأمّ عيني”. ويضيف: “حزنت لحال الطفل الذي تبدو على وجهه آثار خدوش من مخالب قطط أو كلاب، وحملته بين ذراعي ومضيت به إلى المنزل، حيث قامت زوجتي بإرضاعه وتغيير ملابسه وأحاطته بالرعاية”. ويشير الحمود أنه قام في اليوم التالي بتسليم الطفل لمخفر الشرطة الموجود في البلدة للبحث عن أهله وذويه.
تزداد ظاهرة التخلي عن أطفال حديثي الولادة بشكل ملحوظ في مناطق محافظة إدلب، إذ يعمد أشخاص إلى ترك أطفال حديثي الولادة أمام المساجد أو في الحدائق العامة أو إلى جانب الطرقات، ويغادرون المكان، ليتم العثور عليهم واحتضانهم من قبل أسر مقتدرة، يوجد لديها رغبة في وجود فرد معها من خارج العائلة، علماً أن بعض الأطفال يتم العثور عليهم بعد أن يفارقوا الحياة نتيجة الجوع أو البرد. وكانت آخر حادثة فجر يوم الأربعاء 27 من تشرين الأول/أكتوبر، حين عثر شاب على جثة طفل حديث الولادة مرمياً قرب حاوية للنفايات في مدينة معرة مصرين بريف إدلب الشمالي.

اضطهاد مجتمعي
المرشدة الاجتماعية سلام عربو (34 عاماً) من مدينة إدلب، تعزو السبب الأساسي لتخلي البعض عن أطفالهم إلى الفقر والأوضاع المعيشية المتردية وعجز الكثيرين عن تأمين احتياجات أطفالهم وتحمل أعبائهم، إلى جانب التفكك الأسري، وتخلي بعض الأزواج عن أسرهم بعد سفرهم إلى خارج البلاد”. وتضيف العربو أن السبب الآخر هو “انتشار ظاهرة الزواج المبكر، وتزويج الفتيات من مقاتلين أجانب مجهولي الاسم والنسب، جاؤوا من بلدانهم إلى سوريا للمشاركة في القتال، حيث تضطر الزوجة تحت ضغط الأهل إلى التخلي عن أطفالها بعد مقتل الزوج، أو اختفائه فجأة، أو عودته إلى بلده، وخاصةً مع عجزها على رعايتهم والإنفاق عليهم، إضافة إلى أنّ هذا الطفل سيظلّ مجهول النسب وبدون أي أوراق ثبوتية”. وتشير العربو إلى سبب آخر وهو “العلاقات غير الشرعية أو تعرض بعض النساء للاغتصاب ما يدفعهن للتخلي عن المواليد، خشية تعرضهن للقتل أو العار المجتمعي”.
وتحذر عربو من “تفاقم تلك الظاهرة، وضرورة إيجاد حلول عاجلة لحماية الأطفال من الاستغلال والاضطهاد والتمييز المجتمعي الذي قد يتعرضون له باعتبارهم أطفالا لقطاء بحسب نظرة المجتمع”. وتشير أن الحلول “تكمن في عودة النازحين وتحسن الأوضاع المعيشية للأهالي، وتوعية الأسر بضرورة ترشيد الإنجاب، فضلاً عن ضرورة إطلاق حملات لرفع الوعي من أجل المساعدة في دمج هؤلاء الأطفال بالمجتمع”.

التبني “حرام”
ويقوم بعض السكان ممن يجدون هؤلاء الأطفال بضمهم إلى رعايتهم، لكنهم يواجهون مصاعب ومعوقات في تسجيل نسب هؤلاء الأطفال. جمال السلوم (39 عاماً) من بلدة أطمة الحدودية مع تركيا، بادر مع زوجته لكفالة طفل حديث الولادة تم العثور عليه على باب أحد المساجد في البلدة. وعن ذلك يقول لـ “صالون سوريا”: “بعد زواجي من ابنة عمي منذ 11 عاماً لم نرزق بأطفال، لذلك اتخذنا قرار تربية طفل تم العثور عليه في البلدة بداية عام 2021”.
ويشير السلوم أنه مازال “غير قادر على تسجيل الطفل على خانته، في دوائر النفوس المحلية التابعة لهيئة تحرير الشام، على اعتبار أنّ التبني محرّم في الدين الإسلامي، كما أنه غير قادر على التوجه إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية من أجل تسجيله خوفاً من الاعتقال”. ويضيف السلوم: “أخشى على هذا الطفل من المستقبل، لأنه سيبقى مجهول النسب، وسوف يعيش محروماً من حقوقه المدنية، من تعليم ورعاية صحية، ولن يتمكن من الحصول على أوراق ثبوتية”.

مركز “بيت الطفل”
أمام هذا الواقع ومع انتشار ظاهرة الأطفال مجهولي النسب، قام ناشطون بافتتاح مركز لرعاية هؤلاء الأطفال، وغيرهم ممن تخلت عنهم عائلاتهم بسبب الفقر والعنف الأسري. يونس أبو أمين مدير قسم إدارة الحالة في مركز “بيت الطفل”، يقول لـ “صالون سوريا”: ” مجهول النسب هو الطفل الذي عثر عليه ولم يعرف والده، أو الأطفال الذين لم يثبت نسبهم وليس لديهم معيل”. ويضيف: ” افتتحت منظمة “بيت الطفل” مركزاً لرعاية الأطفال المنفصلين عن أسرهم، والأطفال مجهولي النسب في مدينة سرمدا شمال إدلب، وقد وصل عدد الأطفال المسجلين ضمن المركز إلى 167 طفلاً، من عمر يوم واحد وحتى 18 عاماً، منهم من عملنا على لم شملهم مع أسرهم أو أسر بديلة، ومنهم من يقيمون حالياً في المركز، ويحصلون على كافة الاحتياجات من مأوى ومأكل وتعليم ورعاية صحية”. ويشير أن الطفل لحظة وصوله إلى المركز يتم تسجيله في سجلات المركز، وتحويله لقسم المأوى، ثم العمل على لم شمله مع أهله أو أقاربه أو أسرة بديلة ترغب برعايته .
ويبين أبو أمين أن المركز يضم 20 موظفاً، “يقدمون الرعاية والدعم نفسي والتعليم، ويعملون في توفير جو ملائم ومناسب للأطفال، كما يعملون على دعمهم نفسياً بهدف إخراجهم من الضغوطات النفسية الصعبة”. ويؤكد أن المركز يتلقى “تبرعات فردية شحيحة لتغطية نفقاته، رغم حاجته الماسة لتأمين دعم يكفي لفترة مناسبة للمستقبل، لأن حالات الأطفال مرتفعة الخطورة، ويحتاجون لرعاية طويلة الأمد وبالأخص الأطفال حديثي الولادة”.
كان الطفل حسن (10 سنوات) النازح من ريف إدلب الجنوبي إلى مدينة إدلب يبيت في العراء، حين صادفه أحد المارة، واتصل بفريق “بيت الطفل” الذين اصطحبوه إلى المركز لإيوائه وتأمين احتياجاته، والتواصل مع أسرته للم شمله، لكنه فضل البقاء في المركز.
وعن معاناته يقول لـ “صالون سوريا”: “بعد وفاة أمي بغارة حربية منذ سنتين، قام والدي بالزواج من امرأة أخرى، ثم سافر برفقتها إلى تركيا، وبقيت في رعاية عمي الذي يضربني باستمرار وأجبرني على ترك المدرسة والتوجه لمساعدته في ورشة تصليح الدراجات النارية، الأمر الذي دفعني للهرب من المنزل”. ويؤكد الطفل بأنه عاد إلى مقاعد الدراسة، ويتلقى الرعاية الكاملة في المركز، ويلعب مع بقية الأطفال ويتعاملون معه كأخوة”.
وعن أمنيته يقول:” أتمنى أن تعود أمي إلى الحياة، ونعود معاً إلى المنزل، لأنني أفتقدها كثيراً”.

جوازات السفر… ابتزاز لأحلام السوريين

جوازات السفر… ابتزاز لأحلام السوريين

تكاد لا تمرّ أزمة على رؤوس السوريين، إلا وتظهر أطراف خفية تقوم باستغلالها مادياً وتتمنى استدامتها إلى ما لا نهاية. آخر هذه الأزمات المتلاحقة هي المتاجرة بجوازات السفر مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة، قد تصل إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية أي قرابة (1000) دولار حسب سعر السوق السوداء، والتربّح من نفاذ صبر المضطرين للسفر خارج البلاد. الغريب في الأمر هو وجود تفاوت كبير بين الأسعار بين وسيط وآخر، ففي الوقت الذي حددت فيه وزارة الداخلية رسوم منح وتجديد وثيقة السفر للمواطنين المتواجدين داخل الحدود السورية، والحصول عليها بشكل فوري على أن يتم استلامها في اليوم ذاته، مقابل مبلغ مالي قدره 100 ألف ليرة، غير أن إبراهيم (31 عاماً) دفع تسعة أضعاف هذا الرقم للحصول عليه. يقول الشاب لصالون سوريا :”دفعت مليون ليرة سورية خلال أربع ساعات مقابل تجديد جواز السفر وأنا مضطر للسفر ولا وقت لدي للانتظار في طابور طويل يمتد لأيام وأسابيع وربما شهور، ريثما يأتي دوري”. دفع الشاب المبلغ بأكمله مسبقاً لأحد الوسطاء الذين يعملون في تيسير الأمور في الهجرة والجوازات. قام أولاً بدفع الإيصال من أحد المصارف العقارية ليكمل الوسيط إتمام العملية كلها. يتابع الشاب: “كل ما فعلته هو انتظار الوسيط في السيارة، وصلنا إلى مقر الهجرة في الساعة التاسعة صباحاً لتنتهي الإجراءات عند الساعة الواحدة ظهراً، لا أستطيع انتظار دوري، فقد حصلت على فيزا عمل في دبي ولن أخسر فرصتي في السفر من أجل مليون ليرة، كما أن الموقع الإلكتروني للوزارة لا يستوعب الأعداد الهائلة التي تقوم بحجز أدوارها، فهو يستوعب حوالي مئتي اسم بينما المتقدمين يفوق عشرة آلاف شخص يومياً، ما يؤدي إلى تعطيل المنصة الالكترونية، إلى جانب رداءة الانترنت في البلاد وانقطاع التيار الكهربائي لساعات “. يتابع محمد: “هناك العديد من الناس الذين يستغلون حاجة الآخرين للسفر، ويتخذونها فرصة حقيقية لسرقتهم علناً (على عينك يا تاجر). والمؤلم في الأمر أنه لا يمكنك ردعهم لأنك بأمس الحاجة إلى الجواز المجدد وعدم تفويت فرصة السفر التي نادراً ما تأتي”.
أما جمال فباءت جميع محاولاته بالتسجيل عبر المنصة الإلكترونية بالفشل، يقول لصالون سوريا: “حاولت لمدة 15 يوماً دون طائل كما ذهبت إلى مقر الهجرة وانتظرت هناك أيضاً لأيام عديدة، لكن بلا فائدة، عليك الذهاب من مساء يوم الجمعة لتتمكن من حجز دور في اليوم التالي، الازدحام خانق ولا يسعك وضع قدم هناك”. لذلك اضطر الشاب للاستعانة بأحد الوسطاء ودفع مبلغ 400 ألف ليرة سورية للحصول على وثيقة سفر جديدة متضمّنة إذن سفر. يختم بالقول: “ما في طريقة تانية للأسف، بيستغلوا حاجتك”.
بينما تخشى كاتيا من حدوث عملية نصب، خاصة أن الوسيط رفض البدء بالمعاملة قبل دفع نصف المبلغ، تقول الشابة العشرينية:” تواصلت مع أحدهم لإصدار جواز سفر لابنة أخي، طلب مني دفع 400 ألف ليرة سورية، على أن أدفع النصف قبل التسليم، بينما المبلغ المتبقي بعد يومين”، تشعر الشابة بعد الارتياح إذ تخشى أن تتعرض لتزوير أوراق الجواز أو التصرف بالوثائق الشخصية. تضيف: “هناك تفاوت كبير في الأسعار، أحدهم طلب مني ضعفي المبلغ المذكور، أخاف أن تكون الاوراق المستخدمة للجواز مزيفة، أو أن يساء استخدام الصور والهوية الشخصية التي ستبقى معهم لغاية يوم التسليم.. سأبحث عن شخص موثوق، هذا أفضل”.
الاستيقاظ في الثالثة فجراً لحجز دور
اعتاد السوريون على ممارسة رياضة الانتظار منذ ساعات الصباح الأولى، بدءاً من حجز دور للظفر بربطة خبز، وصولاً إلى ورقة بيضاء مكتوب عليها رقم يخولك الحصول على جواز سفر، كحال أم ملهم التي استيقظت فجراً لتتوجه إلى مقر الهجرة والجوازات في دمشق وتفترش حافة الرصيف متلحفة ببطانية سميكة تحميها بالكاد من البرد القارس، وعند سؤالها منذ متى وهي تنتظر؟ تجيب السيدة لصالون سوريا: “منذ الثالثة فجراً، وها قد اقترب دوري حيث اقتربت الساعة من 11 صباحاً”. لا تستطيع المرأة الخمسينية تكبّد تكاليف الوسيط ودفع مبالغ كبيرة، لذلك لجأت للخيار الأكثر تعباً وإرهاقاً وهو الوقوف لساعات طويلة، تقول: “بدي سافر لعند ابني بأربيل، ومو قدرتي أدفع مليون ليرة للجواز، خلص بنطر، تعودنا”.
كذلك هو سليمان الذي تحوّل إلى أسير للانتظار، حيث بات مرابطاً على باب الهجرة والجوازات لمدة 12 ساعة، حاملاً معه عتاد القهوة لتبديد الساعات الثقيلة ومحاربة النعاس، يقول : “أمكث هنا منذ الساعة 12 ليلاً، فيما وصل دوري عند 12 ظهراً بعد ترقب مديد “.
تعرّض إسحاق لعملية نصب محبوكة من قبل أحد المكاتب في دمشق، فالشاب المقيم في أربيل اتفق مع أحد الوسطاء على تجديد جواز سفره الذي أوشكت صلاحيته على الانتهاء، ووفق الرسم القنصلي المحدد عند منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر بشكل فوري ومستعجل للمواطنين السوريين ومن في حكمهم المتواجدين خارج سوريا يكلف قرابة /800/ دولار أمريكي، لكن الشاب دفع 1100 دولار، يقول: “لا يوجد في أربيل سفارة سورية، بل فقط قنصلية، وفي أغلب الأحيان يكون القنصل غائباً، لذلك نسقت مع أحد المكاتب في دمشق على تجديد الجواز مقابل مبلغ 1100
أي أنني دفعت 300 دولار أتعاب المكتب”. يشير الشاب إلى صعوبة تأمين النقود فراتبه لا يتجاوز 700 دولاراً، يقول: “اضطررت لدفع المبلغ لأتمكن من تمديد إقامتي هنا، بالكادر أتدبر مصاريف معيشتي وإرسال بعض المال إلى أهلي الذين هم بأمس الحاجة “.
يضع رماح (اسم مستعار) تسعيرة ثابتة غير قابلة للمساومة والتفاوض لإصدار جواز سفر وتجديده، وهي 300 دولار ضمن نظام الدور كرسوم تقبضها الحكومة السورية، فيما يقضم 300 ألف ليرة سورية كعمولة له، وعند مناقشته بالمبلغ، يجيب بسرعة كبيرة: “هاد الموجود، روح دور عحدا غيري يعطيك بسعر أقل”، مبرراً الأمر بثقة “السرعة المنجزة، حيث التسليم خلال يومين”.
3000 استمارة أسبوعياً
تصدر الهجرة والجوازات قرابة 3000 استمارة أسبوعياً، إذ يتم توزيع الأدوار يوم السبت فقط، لينتظر كل مواطن دوره حسب اليوم المحدد له وفق التسلسل الرقمي المحدد، وذلك حسب مصدر في الهجرة والجوازات رفض الكشف عن اسمه.
وفي 16 تشرين الثاني عام 2020 ، كشفت وزارة الداخلية السورية عن إيرادات تجديد وإصدار جوازات السفر للمغتربين “تم استيفاء أكثر من 21.5 مليون دولار من جوازات السفر المُصدرة للمواطنين السوريين المغتربين”، لافتة إلى أن عددها وصل إلى أكثر من 67 ألف جواز على نظام الدور، و1769 جوازاً على نظام المستعجل، وذلك حسب جريدة الوطن المحلية .
ووفق الصحيفة بلغ عدد جوازات السفر المنجزة داخل سوريا أكثر من 143 ألف جواز سفر بصفة الدور، و75714 بصفة المستعجل، حيث وصلت المبالغ المستوفاة منها إلى أكثر من 3.3 مليار ليرة سورية.

شبكات الطاقة الى سوريا…اختبار “المحرمات” والقواميس

شبكات الطاقة الى سوريا…اختبار “المحرمات” والقواميس

بعيداً عن الشعارات الكبيرة، هناك مشروع يتمدد بصمت وهدوء عبر «الحدود». أنبوب يحمل الأصدقاء والأعداء عبر «الخطوط الحمراء». قطار يخترق «المحرمات». مشروع يختبر القواميس.
الحديث هنا عن أنبوب «الغاز العربي» من مصر إلى الأردن، وشبكة الكهرباء من الأردن إلى سوريا.
إلى الآن، الأمر مفهوم. لكنهما يعبران أيضاً إلى لبنان. لا مشكلة إلى الآن، لكن واقع الحال أن الأنبوب يحمل غازاً إسرائيلياً من “الاعتدال” إلى معقل «المقاومة». أيضاً، الكهرباء القادمة من الأردن منتجة بغاز إسرائيلي.
هذا اختراق أول. الثاني أنه نظرياً على الأقل عليه أن يخترق أحد «المحرمات» الأميركية، أي «قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات قاسية على التعامل مع سوريا. هذا «العبور الحرام» تطلّب «استثناءات» من إدارة الرئيس جو بايدن، كانت قادرة على بعضها، ولم تكن قادرة على بعضها الآخر، طالما أن «الباب العالي»، أي الكونغرس، بالمرصاد.
جدل كثير أثير حول هذا المشروع لأسباب سياسية وجيوسياسية واقتصادية، وتنافس بين أميركا وإيران على «قلوب وعقول اللبنانيين والسوريين». وكان لا بد من فكّ شفرات كثيرة، سياسية وقانونية. فمصر والأردن يريدان المضي قدماً به، كلٌ لأسبابه. لكن لا بد من «غطاء قانوني أميركي». وجاءت رسالة خطية من واشنطن، لكنها لم تكن كافية كي تمدّ عمان والقاهرة شبكاتهما للغاز والكهرباء في الإقليم، مسترخيتين تحته. لم تجلب رسالة وزارة الخزانة الأميركية معها أجوبة شافية، بل طرحت أسئلة وتحذيرات بضرورة عدم التعامل مع أي شخصية أو كيان في سوريا مدرجين على عقوبات «قيصر» الأميركي، وضرورة عدم تقديم أموال إلى دمشق. «الضمانات الكافية» لم تصل. فما هو الحل؟
تنشر «الشرق الأوسط» اليوم خلاصات عن شبكات الغاز والكهرباء والأبعاد السياسية والاقتصادية لها، بناء على معلومات من مسؤولين إقليميين ومن دراسة لـ«معهد واشنطن للشرق الأدنى»، شارك فيها خبراء ومسؤولون سابقون، بينهم كاثرين بوير وبن فيشرمان وديفيد شينكر وأندرو تابلر، الذين عملوا في مجلس الأمن القومي والخارجية في إدارتي الرئيسين دونالد ترمب وباراك أوباما:

عودة الى الجذور
أدت الأزمات الاقتصادية والأمنية والإنسانية المعقدة في لبنان إلى ترنح البلاد على حافة الكارثة على مدى عامين، حيث أصبحت المواد الغذائية الأساسية باهظة الثمن. وفي خضم هذا الركود، أصبح انقطاع التيار الكهربائي أمراً معتاداً، وبات البلد «مشلولاً بسبب السياسات الضيقة وسوء الإدارة والفساد، التي تسببت جميعها في انهيار قيمة الليرة اللبنانية». وقد أدى الارتفاع المحلي المقابل في أسعار الوقود المستورد إلى الحد من وصول المستهلكين إليه، ثم إلى انهيار شبه كامل في توليد الكهرباء.
ومن أجل «سد فجوة الطاقة وكسب القلوب والعقول»، حسب البحث، أطلق «حزب الله» جهوداً لاستيراد الوقود الإيراني والمنتجات النفطية من سوريا، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة وحلفاءها العرب لعرض «خطة منافسة وأكثر تعقيداً بكثير، تتضمن تزويد لبنان بالكهرباء والغاز بصورة متزايدة عبر كابلات الكهرباء وأنابيب الغاز التي تمر عبر سوريا»، اعتقاداً بأن هذا الخيار «أكثر استدامة للبلاد والبيئة من خطة «حزب الله» – ولمنع اقتراب لبنان من حافة انهيار الدولة والابتعاد أكثر عن الفلك الإيراني».

خطة بعنصرين
تشتمل الخطة عنصرين رئيسيين: الأول يتعلق بالأردن الذي يقوم بتوليد ونقل الكهرباء الفائضة إلى لبنان عبر سوريا، والثاني يشمل إرسال الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب من مصر (وإسرائيل) إلى الأردن، ثم إلى سوريا، وبعدها إلى لبنان، لاستخدامه في محطات الطاقة. وأعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية الأردني عن الخطة بعد اجتماع عقده مع نظيريه اللبناني والسوري في 28 أكتوبر (تشرين الأول)، حيث إن المكون الأول من الخطة سيوفر للبنان – نظرياً – 400 ميغاواط من الكهرباء يومياً (150 ميغاواط بين الساعة 12 صباحاً والساعة 6 صباحاً، و250 ميغاواط لبقية اليوم)، رغم أن تقريراً لاحقاً أشار إلى أن الأردن لن يوفر سوى 250 ميغاواط في اليوم. ويواجه لبنان حالياً نقصاً في الطاقة الكهربائية يقدر بـ1500 ميغاواط في اليوم. لذلك، لن تحل هذه الخطة الأزمة بالكامل، بل سوف تغطي ما بين 15 و30 في المائة من فجوة الطاقة الحالية، وتزيد إمدادات الكهرباء اليومية في لبنان بنسبة 35 إلى 60 في المائة.
ووفقاً للبيانات الواردة من الأردن، أنتجت المملكة فائضاً من الطاقة الكهربائية بلغ نحو 2800 غيغاواط/ساعة في عام 2020، وتحولت إلى أكثر من 300 ميغاواط في اليوم. وبالتالي، يمكن تحقيق الهدف المتمثل بـ400 ميغاواط في اليوم من خلال الفائض الأردني الحالي، استناداً إلى أرقام عام 2020، رغم أنه من المرجح أن تكون واردات الغاز إلى الأردن مطلوبة لتزويد المملكة بالقدرة الاحتياطية. من جانبهم، أشار مسؤولون سوريون إلى أن تكلفة إصلاح الخطوط في سوريا المتصلة بالشبكة الأردنية تصل إلى 5.5 مليون دولار.

غاز إسرائيل
لجعل هدف إنتاج 400 ميغاواط مستداماً، تشمل الخطة زيادة كميات الغاز من مصر إلى الأردن لتعويض الغاز الإسرائيلي الذي عادة ما يذهب إلى الأردن. وقالت الدراسة: «سيتم بعد ذلك تحويل الغاز الإسرائيلي إلى سوريا، نظراً للتوجه الحالي لخط أنابيب الغاز العربي، وهي شبكة إقليمية تمتد من شبه جزيرة سيناء المصرية، عبر الأردن، وعبر أجزاء من سوريا حتى شمال لبنان». ولا يزال من غير الواضح كيف سيتم تحويل الغاز باتجاه لبنان، بسبب الوضع المعقد لترابطات الغاز القائمة بين سوريا ولبنان. ولكن هناك صفقة يشاع أنها قد تشمل الغاز الإسرائيلي الذي يذهب إلى سوريا، في صفقة مقايضة للغاز السوري عبر الأنابيب إلى لبنان. ولا يزال عدد من التحديات التقنية واللوجيستية والسياسية التي تواجه هذه الترتيبات قائمة من دون حل.
شهد العقد الماضي العديد من التغيرات في صورة النفط والغاز والكهرباء في شرق البحر المتوسط. وتبقى مصر اللاعب الأكبر، حيث تم اكتشاف حقول كبيرة للنفط والغاز، وأخرى في مرحلة الإنتاج على اليابسة وفي البحر. لكن اكتشافات إسرائيل الخاصة بالغاز منحتها استقلالية الطاقة والفائض لتصدير الغاز الطبيعي إلى كل من الأردن ومصر. وكانت سوريا قبل الحرب الأهلية منتجاً كبيراً للنفط والغاز الطبيعي، مع قدرة محدودة للتصدير.
«خط الغاز العربي» شيد بالأساس لتصدير فائض الغاز المصري إلى الأردن وسوريا، مع خط فرعي إلى لبنان، واحتمال توسيع نطاقه إلى جنوب تركيا. ويبدو أن هذه هي البنية التحتية القائمة التي يمكن الآن استخدامها لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى الأردن وسوريا، ومن ثم إلى لبنان، في حين يستخدم الغاز المصري للاستهلاك المحلي، أو يصدر كغاز طبيعي مسال على ناقلات إلى وجهات مختلفة في جميع أنحاء العالم.

أسطورتان… وقرار
منذ بدء الحديث عن الصفقة، قيل إن الغاز «مصري المنشأ، لكن هذا الوصف مضلل وأسطورة. قد تدفع مصر ثمن الغاز في البداية، وبالتالي يمكن وصفها بأنها الجهة المالكة، لكن أغلب الغاز، أو كله، سوف ينشأ من حقل ليفياثان البحري في إسرائيل»، حسب الدراسة.
والأسطورة الثانية هي أن الغاز سيأتي عبر خط الغاز العربي، الذي تم تشغيله في الأساس في عام 2003، ويبدأ من مدينة العريش شمال سيناء، حيث تتقاطع الخطوط من مصر وإسرائيل. ووفقاً للخطة الأولية، فإن خط الأنابيب تبلغ طاقته السنوية حوالي 10 مليارات متر مكعب، وكان المقصود منه إمداد محطة توليد الطاقة في مدينة العقبة الأردنية وثلاث محطات لتوليد الطاقة في سوريا ومحطة لتوليد الطاقة في لبنان بالغاز. ومع ذلك، يقول مطلعون في مجال الصناعة إن «الغاز المتدفق إلى الأردن عبر خط الأنابيب مصدره إسرائيل، أو على الأقل مزيج من الغاز الإسرائيلي والمصري».
وعلى مدى العقدين الماضيين تقريباً، تسببت الأزمات السياسية في مصر وسوريا ولبنان في انقطاع تدفق الغاز، الأمر الذي أدى إلى إعادة النظر في «خط الغاز العربي». وكان أهم تغيير هو قرار الأردن الاعتماد على الغاز الإسرائيلي بدلاً من الغاز المصري. وقالت الدراسة: «منذ عام 2020، عندما بدأ إنتاج حقل ليفياثان في إسرائيل، تدفق الغاز الإسرائيلي بواقع 3 مليارات متر مكعب سنوياً عبر خط أنابيب يمر عبر إسرائيل، ويعبر إلى الأردن جنوب بحيرة طبرية مباشرة، قبل أن يتقاطع مع خط الغاز العربي. ومن هناك، يتدفق الغاز جنوباً على مسافة بضعة أميال إلى محطات الطاقة الأردنية شمال عمان».
وكانت مصادر أردنية قالت إن الغاز يتم إمداده عبر خط أنابيب منفصل عن خط الغاز العربي، يتجنب على ما يبدو تدفق الغاز الإسرائيلي عبر خط الغاز العربي. غير أن معدي الدراسة لم يؤكدوا الموقف الأردني.
كما أن الجانبين السوري واللبناني نفيا أن يكون الغاز إسرائيلياً. وقال الخبراء: «في النهاية، قد تتقبل سوريا فكرة مرور الغاز الإسرائيلي عبر أراضيها. ومن الناحية النظرية أيضاً، يمكن ضخ كميات إضافية من إسرائيل إلى خط الغاز العربي في شمال الأردن، حيث يذهب بعضها جنوباً إلى محطات الطاقة الأردنية، وبعضها يتجه شمالاً إلى سوريا. ولكن، لكي يكون هذا الترتيب تجارياً، يجب أن يكون قابلاً للتطبيق لمدة خمسة عشر عاماً تقريباً، في حين تقترح الخطة الحالية المزيد من الإصلاح قصير الأجل لمساعدة لبنان وجذب سوريا بعيداً عن إيران».

التمويل… ومصالح
تشير المناقشة العامة الحالية حول كيفية تغطية تكاليف الإصلاحات الضرورية ورفع طاقة خطوط النقل الأساسية إلى أن البنك الدولي قادر على توفير الأموال اللازمة. وحسب المعلومات، فإن روسيا ضغطت على أميركا لتحريك هذا الملف لدى البنك الدولي. لكن هذا يثير على الفور مسألة من يسدد ثمن الكهرباء في لبنان، حيث خلت خزانة الدولة، والمواطنون يعانون الضائقة المالية القاسية حالياً، ويتحملون أعباء دفع تكاليف اللوازم المنزلية حتى في أفضل الأوقات. ومن دون إجابات مُرضية على هذه الأسئلة، لن يكون لدى البنك الدولي التطمينات اللازمة بأن المشروع سوف يكون مجدياً من الناحية التجارية.
وتمتد مسألة التمويل أيضاً إلى دفع ثمن الغاز. وحسب الدراسة: «لن تقوم شركة شيفرون والشركات الإسرائيلية التي تملك حقوق الإنتاج الخاصة بحقل ليفياثان، بتوريد الغاز من دون سداد، وذلك في المقام الأول من مصر. ولن ترغب القاهرة في تمويل المستخدمين اللبنانيين المحليين الذين ليست لديهم نية تذكر، أو لا يريدون بتاتاً، سداد فواتير الكهرباء الخاصة بهم». وكان أفيد بأن البنك الدولي سيدفع ثمن الكهرباء المرسلة إلى الشمال أو الغاز الموجه إلى لبنان. لكن الدراسة تقول إنها «فكرة مستبعدة للغاية»، الأمر الذي يعزز فكرة تمويل عربي للمشروع، وأن هذا ضمن الاتصالات العربية مع دمشق وبيروت.
من وجهة نظر إسرائيل، تقول الدراسة إن الموافقة على تزويد سوريا ولبنان بهذا الإمداد من الغاز الإسرائيلي «ستكون بلا شك فائدة مشروطة أو مرجوة من حيث العلاقات السياسية». وتضيف: «من شأن ذلك المساعدة في منع انهيار الدولة، الذي من شأنه أن يفيد حزب الله وإيران». كما أن «التوغل الإيراني في جنوب سوريا يعني أن منطقة الحدود الثلاثية هي بالأساس منطقة قتال»، الأمر الذي يفسر الدعم العلني الروسي والضمني الغربي لتمدد روسيا جنوب سوريا. كما أن عجز لبنان وإسرائيل عن التوصل إلى حل وسط بشأن حدودهما البحرية المشتركة يرجع في الأساس إلى تضارب المطالبات باحتياطيات النفط والغاز.

ماذا عن سوريا؟
بعد مرور 11 عاماً من بدء الحرب في سوريا، يؤجج مزيج من الإنهاك والبراغماتية الاقتصادية نزعة متزايدة بين الدول العربية لإعادة تأهيل النظام السوري وتطبيع العلاقات مع دمشق. وورثت إدارة بايدن من سابقتها ما كان من نواح كثيرة يعد سياسة سورية طموحة، سعت إلى «الضغط على النظام وحلفائه لتبني تسوية تفاوضية للحرب». وكما قال السفير جيمس جيفري، الممثل الخاص للشؤون السورية، أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي عام 2018: «لن تكون هناك مساعدات أميركية في إعادة إعمار سوريا، كما لن يكون هناك دعم أميركي لبلدان أخرى تساعد في هذا الأمر، في ظل غياب عملية سياسية ذات مصداقية في جنيف ضمن سياق عملية 2254 التي تؤدي بلا تغيير إلى دستور جديد، وانتخابات حرة ونزيهة تشرف عليها الأمم المتحدة، وانتقال سياسي يعكس إرادة الشعب السوري. وفي حين نحافظ على وجودنا في سوريا لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش، فإننا ملتزمون أيضاً بالهدف الاستراتيجي المتمثل في انسحاب جميع القوات التي تقودها إيران من كامل الأراضي السورية».
وفي ظل هذه السياسة، لم تثبط الولايات المتحدة جهود إعادة إعمار سوريا فحسب، بل ثبطت أيضاً جهود العواصم عن إقامة علاقات دبلوماسية أوثق مع دمشق، في محاولة لإبقاء الرئيس السوري بشار الأسد معزولاً سياسياً.
وقد شكلت هذه التدابير، فضلاً عن مجموعة من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واستهدفت النظام، بما في ذلك التدابير المنصوص عليها في «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، والذي دخل حيز التنفيذ في يونيو (حزيران) 2020، جوهر الضغط غير العسكري ضد النظام السوري.
وقالت الدراسة: «ربما كانت سياسة الولايات المتحدة متماسكة، لكنها لم تكن ناجحة بصفة خاصة. لا شك أن الأسد ظل معزولاً إلى حد كبير خلال إدارة ترمب، لكن النظام، بدعم من روسيا، كان قادراً على تحمل الضغوط الدولية وتجميد أي تقدم ذي مغزى في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254».
وركزت أغلب المشاركات الإقليمية الأخيرة مع دمشق على خطة الطاقة المدعومة من الولايات المتحدة في لبنان كبديل عن الإمداد الإيراني. فالخطتان المطروحتان، الأولى لنقل الكهرباء الأردنية عبر الأبراج السورية، والثانية لنقل الغاز المصري (أو الإسرائيلي) بواسطة خط أنابيب عبر الأردن وسوريا، ستفيدان دمشق اقتصادياً. ومع ذلك، فإن إدارة بايدن تدعم هذه المساعي، «بيد أن الرؤية التي تتمتع بها الأردن ومصر والإمارات بالنسبة إلى سوريا تتجاوز إلى حد كبير مناورة الطاقة في لبنان».

هجوم أردني
في الآونة الأخيرة، اتخذ الأردن بعض الخطوات الأكثر بروزاً للتطبيع مع سوريا، حيث استضاف العديد من الاجتماعات مع كبار المسؤولين السوريين، وجرى اتصال بين الرئيس الأسد والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الذي نقل وجهة نظره إلى الجمهور الغربي بأنه، لأسباب اقتصادية ولأسباب تتعلق بالموارد، لا يمكن للأردن أن يتجاهل جاره القريب، وأن اللاجئين السوريين في المملكة الهاشمية الذين يزيد عددهم عن 650 ألفاً يشكلون عبئاً خاصاً يتطلب تفاعلاً أكثر نشاطاً مع دمشق.
وفي حين أن بعض التفاعلات الرسمية بين عمان ودمشق كانت مخصصة للأمن، ركزت الغالبية العظمى منها على المسائل الاقتصادية. ولسبب وجيه. وبحسب البنك الدولي، بلغت البطالة في المملكة نحو 25 في المائة، مع ارتفاع البطالة بين الشباب إلى نسبة «غير مسبوقة» وغير قابلة للاستمرار، بلغت 50 في المائة. وفي الوقت نفسه، لا تزال المملكة تتعامل مع التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 1.5 في المائة في عام 2020.
بالنسبة للأردن، تشكل استعادة العلاقات الاقتصادية مع سوريا إمكانات اقتصادية كبيرة، سواء من حيث التجارة أو عبور السلع إلى تركيا وأوروبا. وحتى الآن، كان لإعادة فتح الحدود الأردنية مع سوريا تأثير محدود على التجارة. ومع استمرار فرض العقوبات الصارمة، أعرب رجال الأعمال الأردنيون عن عدم رغبتهم في استعادة العلاقات الاقتصادية لما قبل الحرب. ومع ذلك، يمكن أن يكون لإعادة إعمار سوريا في الأجلين المتوسط والطويل تأثير كبير على الأردن.
لكن جذر الدعوات لإعادة دمج سوريا هو سياسي أكثر منه اقتصادي، عبر عودة دمشق إلى «الحاضنة العربية»، لاعتقاد البعض أن هذا بمثابة تأكيد «العروبة» السورية، وإبعادها عن إيران «الفارسية». كما تندرج تركيا ضمن محرضات بعض الدول العربية على إعادة تأهيل الأسد. وفي اجتماع للجامعة العربية في مارس (آذار)، انتقد وزراء عرب بشدة تدخل تركيا في سوريا، ودعوا إلى انسحاب القوات التركية من البلاد. لكن الأيام الأخيرة بدأت تطرح أسئلة وعلامات استفهام حول قدرة دمشق على قطع علاقاتها بطهران بعد أكثر من 40 عاماً من الشراكة الاستراتيجية، في وقت تقيم دول عربية حوارات مع أنقرة.
وحتى الآن، لم تشر مصر أو الأردن إلى أن اهتمامهما بدعم مبادرة الطاقة التي تقودها الولايات المتحدة يرتبط بإحباط المزيد من التوغل الإيراني في بلاد الشام، لكنهما قدما دعما لخطة التصدير إلى لبنان عبر سوريا. وفي الصيف الماضي، تحدث الملك عبد الله عن تجنب حدوث «كارثة إنسانية» في لبنان يمكن أن تشعل أزمة لاجئين جديدة، في حين قال رئيس الوزراء الأردني إن المملكة سوف «تستجيب بكل ما في وسعها لإخواننا في لبنان». وعلى هذا المنوال، أعرب وزير البترول المصري طارق الملا في سبتمبر (أيلول) الماضي عن «حرص مصر على تخفيف أعباء الشعب اللبناني والمساهمة في دعم لبنان واستقراره».

أميركا والعقوبات
وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن السؤال السياسي المباشر هو ما إذا كان يمكن نقل الكهرباء، وربما الغاز الطبيعي، عبر الأراضي السورية دون انتهاك العقوبات الأميركية على دمشق، بما في ذلك عقوبات «قانون قيصر». وتنتقل الكهرباء في جميع أنحاء المنطقة عن طريق مشروع الربط الكهربائي في البلدان الثمانية: الأردن، ومصر، والعراق، وسوريا، ولبنان، والأراضي الفلسطينية، وليبيا، وتركيا. ولكن، بدلاً من استخدام خطوط نقل منفصلة، تضم هذه المجموعة ترابطاً بين الشبكات الوطنية. وقالت الدراسة: «تقوم شبكة الكهرباء السورية بتشغيل عدد كبير من المنشآت المدنية والأمنية في جميع أنحاء البلاد. لذلك، في حين أنه يمكن من الناحية النظرية تخصيص الكهرباء التي تدخل سوريا من الأردن للمستشفيات أو غيرها من المواقع الإنسانية على طول العمود الفقري الغربي من البلاد، لكن الشبكة تغذي بشكل مباشر عدداً لا يحصى من مرافق الاحتجاز التي استهدفها قانون قيصر نصاً وروحاً على حد سواء. كما أن شبكة الكهرباء السورية، تقوم بتشغيل القواعد الجوية والمروحيات التابعة للحكومة، فضلاً عن منشآت الأسلحة»، الأمر الذي يعني «خرقاً للعقوبات»، ما يعقد تفاصيل الصفقة حتى لو كان ممولها البنك الدولي أو عبر مقايضات عينية، إضافة إلى احتمال مساهمة مؤسسات حكومية سورية مثل شركة النفط المدرجة على قائمة العقوبات.
وبعيداً من ملف العقوبات، يبقى السؤال ما إذا كانت الفوائد التي تجنيها دمشق، مالية كانت أو غير مالية، تأتي ضمن مقايضة لـ«تحفيز النظام» على تقديم تنازلات بينها تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» و«عبر الخطوط» من خلال قرار من مجلس الأمن بموجب تفاهم أميركي – روسي، رعاه مبعوثا الرئيسين فلاديمير بوتين وجو بايدن في جنيف ويعملان على تمديده في 10 من الشهر المقبل.

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

نصيحة للسوريين من مهرب ليبي

نصيحة للسوريين من مهرب ليبي

جمعتني الصدفة منذ بضعة أيام بصديق أيام الدراسة الجامعية وهو في طريقه إلى الإدارة العامة للهجرة والجوازات في دمشق لتجديد جواز سفره، فبادرت بسؤاله: “أين تنوي الرحيل والعالم كله أقفل أبوابه بوجهنا باستثناء الدول الفقيرة والمعدمة؟”. فأجاب وهو مزهو بنفسه: ” لا هناك طريق مضمون إلى أوروبا عن طريق ليبيا. يمكنني السفر عبر “أجنحة الشام ” من مطار دمشق إلى مطار بنغازي ومن هناك إلى طرابلس حيث ينتظرني أحد المهربين وهو سيتكفل بوصولي إلى ليبيا.
تابع صديقي أن صديقا مشتركا بيننا سافر بنفس الطريقة وهو حاليا في ايطاليا سعيدا مع عائلته، وان صديقا أخر سينطلق الأسبوع القادم بنفس الوجهة ، وبحرقة قلب تابع: “أوربا بأسرها لاتعني لي شيئا، ولكن أبحث عن مستقبل يشعر فيه أبنائي بالأمان والحياة الكريمة ففي هذه البلاد يبدو أن الأفق مسدودا على كافة الأصعدة ،والأمور تزداد تعقيدا يوما بعد يوم”.
ودعت صديقي على أمل أن يكون القادم أفضل.

عصة القبر
رغم توقف الحرب في أغلب المناطق السورية، لاتزال غالبية الناس يفكرون بالهجرة بحثا عن ظروف اقتصادية ومعيشية أفضل في ظل انعدام أبسط مقومات الحياة. يختارون ليبيا كجسر عبور إلى أوروبا، ذلك بسبب موقعها الجغرافي وقربها من القارة العجوز، كما شكل الصراع المسلح فيها وغياب القانون وضعف حراسة الشواطىء عامل جذب للمهربين لاستخدامها كنقطة انطلاق.
مصطفى شاب سوري من محافظة درعا وصل ليبيا بداية العام الحالي هربا من الخدمة الإلزامية، لكن لم يحالفه الحظ حتى الآن بالوصول إلى أوروبا. في المرة الأولى، عثر على سمسار للهجرة غير الشرعية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وعده بضمان الوصول إلى أوروبا، لكن تم اصطياد المركب بمن فيه من قبل خفر السواحل، وتم الإفراج عنه بعد دفعه فدية بقيمة الف دولار اميركي.
رغم ذلك، لم يعلن توبته، بل اتصل بذويه في سوريا، مجددا وطلب منهم بيع السيارة العائدة ملكيتها لوالده ليعيد الكرة، مؤكدا لهم أن المهرب السابق “ابن حرام ” وأنه تعرف على أخر “يخاف الله”.
أما ليلى التي تعيش في ضواحي مدينة دمشق، ودعت أخاها منذ أشهر متوجها إلى أوروبا عبر ليبيا لكن أخباره انقطعت ولا تعلم حتى اللحظة هل هو في عداد الأموات أم الأحياء. تقول والألم بعتصر قلبها: “لا أخ لنا سواه. والدي توفي في الحرب، ووالدتي مريضة قلب، ونحن أربع بنات. بعد تخرجه من الجامعة عمل في إحدى الشركات ولكن الأجور المتدنية في البلاد لاتكفي لسد احتياجاتنا مع الارتفاع المخيف للأسعار، لذلك قرر الهجرة بحثا عن واقع معيشي أفضل له ولعائلته. حاولت الاتصال مع مهاجرين ولاجئين في ليبيا لأعرف عنه شيئا ولكن دون جدوى”.

مهرب 5 نجوم
” أبو بكر”، هو أسم مستعار لسوري الجنسية مقيم في ليبيا يصنف نفسه في مواقع التواصل الاجتماعي كأحد أبرز المهربين في الساحة الليبية من حيث السعر المقبول وضمانات الوصول. يقول لـ “صالون سوريا”: “أتكفل بالمهاجر من لحظة وصوله لمطار بنغازي حيث يكون بانتظاره سائق ينقله سواء كان وحده أو مع عائلته، إلى طرابلس وعندما يكون الوقت مناسبا سيبحر المركب من مدينة زوارة التي تبعد عن العاصمة طرابلس حوالي 100 كلم ، ثم إلى ايطاليا وتستغرق الرحلة حوالي 12 ساعة في البحر وتكلفة الراكب 2500 دولار”.
لا يخلو حديث ” أبو بكر” من إطلاق تطمينات لجهة أنه لايغامر بالمهاجرين، فهو لن يسير المركب إن كان البحر هائجا حتى لو استدعى الأمر بقاء المهاجرين بضيافته لأشهر في طرابلس، موضحا أن مسافة الخطر تتراوح بين 3 و4 ساعات حيث يتمركز خفر السواحل وبعد اجتيازهم هذه المسافة سيكون المركب بأمان، مؤكدا أنه سيرافق الركاب حتى اجتيازهم منطقة الخطر وبأن في المركب سائقا ماهرا ومعه “جي بي اس ” وجهاز اتصال ثريا.
ومن باب الدعاية أكد أن بضيافته حاليا في طرابلس ثلاث عائلات سورية إضافة إلى شباب وأرامل وأطفال يريدون الهجرة، وهو بانتظار الوقت المناسب للانطلاق بهم. وفي نهاية الحديث أرسل فيديو لمهاجرين ادعى أنهم وصلوا بلد المقصد عن طريقه، مطالبا بحذفه بعد المشاهدة. ولدى السؤال إن كان يقوم بدفع رشاوى لخفر السواحل حتى يغض النظر عن المركب رفض الإجابة، باعتبار أن عمله كمهرب يقتضي السرية التامة حول خطط الهروب.

لا موسم للهجرة حاليا
جهاد البراغيثي، وهو سائق ليبي الجنسية، يقوم في كثير من الأحيان بإيصال قادمين من سوريا إلى طرابلس حيث الوجهة الرئيسية إلى “الفردوس الأوروبي”. يبدي استغرابه عن السبب الذي يدفع السوريين للموت المجاني بالبحار، تاركين حياتهم رهينة لسماسرة ومهربين رغم الكثير من التحذيرات والكوارث التي لحقت بمن سبقهم، مؤكدا انه كل من حاول السفر بشكل غير شرعي، إما لقي حتفه في البحر أو تم احتجازه من قبل خفر السواحل ومنهم من عاد لبلده أو استقر وعمل في ليبيا خاصة أصحاب الحرف والمهن الحرة وان نسبة قليلة ممن حالفهم الحظ ووصلوا إلى الشواطئ الأوروربية.
وأشار البراغيثي الى أن موسم الهجرة ينشط في الصيف وحاليا هناك خطورة كبيرة من البحر. ورغم ذلك يستمر المهربين بنشاطهم الدعائي للهجرة لان مايهمهم هو الحصول على المال غير أبهين بحياة البشر، ملمحا إلى أن من يخدع السوري هو أخوه السوري،ناصحا بأن ليبيا بلد يمكن العمل فيها وتأمين حياة كريمة لعائلة المهاجر دون أن يعرض حياته للمخاطرة فالأجور تتراوح بين 300 و500 دولار للعمال، بينما أصحاب الحرف يتقاضون مبالغ أكبر.

خيبة… ولاتوبة
لايتوقف المغتربون السوريون في ليبيا الذين هم على دراية تامة بخفايا الأمور من إطلاق التحذيرات لكل سوري يفكر بالسفر في رحلات المقامرة ومنهم سعيد درويش وهو صاحب مطعم يعيش منذ فترة طويلة في ليبيا. يقول: “نحن السوريين أصبحنا سلعة للبيع عن طريق سماسرة سوريين يعملون لصالح المهربين. نركب البحر وفي نهاية المطاف يتم تسليمنا لخفر السواحل الذين ينهالون علينا ضربا حتى ندفع لهم المال مقابل الإفراج عنا”. يتابع: “هناك سوريون يعملون بتهريب البشر قاموا بشراء مراكب بقيمة 30 ألف دولار للمركب الواحد وسعته حوالي 500 راكب وعلى سبيل المثال إذا كان المهرب يتقاضى من الراكب 2500 دولار ويعطي للسمسار500 دولار مايعني انه في كل نقلة يربح المهرب (صاحب المركب ) مليون دولار والسمسار250 ألف دولار ، وفي حال كان هناك أكثر من نقلة يقوم المهرب برمي المهاجرين على أقرب شاطئ أو يسلمهم لخفر السواحل بالتواطؤ المسبق بينهما، ويعود ليأخذ النقلة الثانية”، مؤكدا أن المهرب والسمسار لن يتوقفا عن الترويج للهجرة غير الشرعية لأن الأرباح تفوق الخيال، و لتستمر اللعبة يقوم خفر السواحل بغض النظر عن مركب واحد من بين 100 راكب، وعند الوصول إلى الشواطىء الايطالية يصورون الركاب على أنهم سعداء بالوصول والنجاة ويتم بث الفيديو عبر صفحات التواصل الاجتماعي للترويج وتشجيع الناس لارتكاب نفس الحماقة.

إحصاءات القهر
لاتوجد أرقام دقيقة للأعداد الحقيقية للمهاجرين السوريين الذين وصلوا فعليا إلى أوربا عبر ليبيا، غير أن وسائل إعلام تحدثت في أب (اغسطس) الماضي عن سبعة عشر سوريا لقوا حتفهم نتيجة غرق قارب لاجئين في البحر المتوسط أثناء توجهه من شواطئ ليبيا نحو الأراضي الإيطالية، وأن سبب الغرق هو الحمولة الزائدة، حيث كان على متن القارب الذي لا يتجاوز طوله الـ9 أمتار نحو 86 شخصاً لاجئاً ، واعترف المسؤولين عن الحادثة بتقاضيهم مبلغ 5آلاف يورو من كل شخص مقابل نقلهم تهريب من ليبيا إلى إيطاليا.
واستنكر المرصد الأورومتوسطي الممارسات غير الإنسانية التي ترتكبها السلطات الليبية بحق مئات من المهاجرين السوريين المحتجزين في سجونها، وبحسب المرصد، فإنّ قوات خفر السواحل الليبية ألقت القبض خلال الصيف الماضي 800 شاب سوري أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا عبر البحر المتوسط انطلاقًا من الشواطئ الليبية، واقتادتهم إلى أربعة مراكز احتجاز في العاصمة طرابلس. وأشار المرصد أن محتجزين سابقون أبلغوا عن تعرّضهم لمعاملة مهينة شملت الضرب بأنابيب بلاستيكية، وعدم توفير طعام مناسب سواء من حيث الكمية أو الجودة، إضافة إلى توفير مياه غير صالحة للشرب ولمرتين يوميًا فقط. ويضطر المحتجزون لدفع مبالغ مالية تصل إلى أكثر من 1000 دولار أميركي، لقاء إخلاء سبيلهم عبر من يعرفون بـ”السماسرة” الذين يتلقون تلك الأموال باتفاق يبرم بينهم وبين مدراء السجون ومراكز الاحتجاز.
سارعت للاتصال بصديقي الذي تدور برأسه الفكرة، لأحدثه بما جمعته من معلومات حول مخاطر الهجرة إلى “الفردوس الأوروبي” عبر ليبيا، محاولة إقناعه بالعدول عن الفكرة…لعل هناك احتمال مستقبل أفضل في هذه البلاد.

.

استئجار شقة بدمشق… حلم مستحيل

استئجار شقة بدمشق… حلم مستحيل

يبحث أحمد عن منزل للإيجار ضمن الأحياء العشوائية في منطقة “المزة 86” منذ أكثر من عام، لكن محاولاته للحصول على شقة مفروشة وبسعر مناسب باءت بالفشل، بعد أن ارتفعت الإيجار الشهرية بما يفوق قدرته على تحملها، على الرغم أن الشاب ذي السبعة والعشرين ربيعاً يجني “دخلاً جيداً” من عمله في القطاع الخاص.
ويرغب أحمد بهذه المنطقة، كما يذكر لـ”صالون سوريا”، لتمتعها بخدمات أفضل من مناطق الريف الدمشقي نسبياً، بخاصة عدد ساعات التغذية الكهربائية، وقربها جغرافياً من مكان عمله في مركز المدينة.
بعد مرور 10 سنوات على الحرب، قفزت إيجارات المنازل إلى مستو قياسي جديد، في ظل تضخم جامح عام في الأسعار، وتدهور في سعر صرف الليرة السورية أمام سلة العملات الأجنبية وازدياد نسبة الفقر بين المواطنين.
وتضاعفت بدلات الإيجار هذا العام مقارنة بالعام الفائت في المناطق السورية المختلفة، ووصلت إيجارات المنازل في منطقة “الشيخ سعد” بالمزة جنوب دمشق إلى أكثر من 600 ألف ل.س شهرياً (الدولار الاميركي يساوي ثلاثة الاف ليرة)، مع صعوبة في توفر شقق الإيجار نتيجة الاكتظاظ السكاني. وتراوحت البدلات في الأحياء العشوائية لمنطقة المزة ما بين 200 و600 ألف ل.س شهرياً بحسب مساحة المنزل وإكسائه.
وتتفاوت الأسعار بشكل حاد ما بين منطقة وأخرى؛ إذ يقترب بدل الإيجار للشقة المفروشة وذات الإكساء الجيد في المزة – فيلات غربية وفي تنظيم كفرسوسة من حدود 30 و40 مليون ل.س سنوياً.
وفي منطقة جرمانا بريف دمشق -ذات الكثافة السكانية المرتفعة- يبدأ الإيجار من 150 ألف ل.س للشقق غير المفروشة وذات الإكساء البسيط؛ بينما يبلغ إيجار منزل مفروش مؤلف من غرفتين وصالون ما بين 350 و700 ألف ل.س.
وفي عام 2014 فرضت السلطات السورية شرط الموافقة الأمنية المسبقة لإبرام عقود الإيجار، وغالباً ما يستغرق استخراجها وقتاً، وربما تأتي النتيجة بالرفض في حالات كثيرة، إلا أن وزارة الداخلية أصدرت قراراً في عام 2018 تضمن إجراء تعديلات على عقود الإيجار ومنها إلغاء الموافقة الأمنية، على أن يسجل المسـتأجر وصاحب العقار العقد في الوحدة الإدارية المختصة أو في “مركز خدمة المواطن” المخول تسجيل عقود الإيجار.
وصدر في آذار (مارس) الماضي القانون رقم 15 لعام 2021 الخاص بضريبة البيوع العقارية، والتي تُحدَد بمعدل من القيمة الرائجة استناداً إلى الوصف المالي للعقار، وصرّح وزير المالية كنان ياغي لـوكالة الانباء السورية الرسمية (سانا) في وقت سابق أن قانون البيوع العقارية الجديد يهدف إلى تحقيق العدالة ما أمكن بين المكلفين، ومعالجة التهرب الضريبي في مجال بيع وشراء وتأجير العقارات الذي يؤدي الى فوات المنفعة والإيرادات على الخزينة العامة للدولة؛ بينما ربط خبراء اقتصاديون ارتفاع بدلات الإيجار وأسعار العقارات عموماً بالقانون سابق الذكر والضرائب الجديدة الواردة فيه التي لم تكن موجودة سابقاً؛ إذ تضمنت الفقرة ب من المادة 16 الآتي:
ب- استثناء من الأحكام الناظمة لضريبة دخل الأرباح الحقيقية تخضع العقارات السكنية المؤجرة للسوريين وغير السوريين وفق أحكام القانون رقم /10/ لعام 2006 والقانون رقم /20/ لعام 2015 لضريبة دخل بمعدل (5%) خمسة بالمئة من بدل الإيجار السنوي الوارد في عقد الإيجار، على ألا تقل ضريبة الدخل عن /0,0003/ ثلاثة بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر، وتزاد القيمة الرائجة للوحدة العقارية السكنية المشار إليها بنسبة (25%) خمسة وعشرين بالمئة في حال تأجيره مفروشاً.
لكن مدير عام “هيئة الضرائب والرسوم” منذر ونوس استبعد في تصريح سابق لصحيفة “الوطن” المحلية، مساهمة الضريبة الجديدة برفع قيم الإيجارات، موضحاً أن معدل الضريبة للعقارات السكنية هي 5 بالمئة من بدل الإيجار السنوي المصرح عنه في العقد، بمعنى أنه في حال كانت أجرة المنزل 100 ألف ليرة سورية شهرياً، فالضريبة على الإيجار هي 5 آلاف ليرة فقط شهرياً تحصل بشكل سنوي، يتحملها المؤجر لكون القانون ألزمه بدفع الضريبة عند تأجير العقار والحصول منه على الإيراد.
وقدّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في جلسة لمجلس الأمن الدولي الأربعاء 27 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90% من إجمالي عدد سكان البلاد، يضطر كثير منهم إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.
يبدي أحمد تخوفه من ارتفاع تكاليف المعيشة، وبخاصة السكن، بعد أن أصبح استئجار منزل لائق في أحياء العاصمة المنظمة يسيراً لطبقة صغيرة من المواطنين السوريين فقط.

في أي عام أعيش؟

في أي عام أعيش؟

ولدت في ثمانينيات القرن الماضي لأسرة متوسطة، تعيش من راتب معيلها الشهري. قضيت طفولتي بين شوارع مدينة ساحلية صغيرة وصخور قرية نائية في اعالي الجبال. بيت في المدينة وآخر ريفي مع بستان كبير كان جنتنا الصيفية.
كلها كانت بتدبير والدي الموظف الحكومي العتيق. ورغم محدودية الدخل، كان كل شيء مؤمنا لنا تقريبا نحن أبناؤه السبعة. كلنا على مقاعد الدراسة حتى دخولنا الجامعة وتخرجنا منها. مصاريفنا مقدور عليها، لا ينقصنا شيء سوى بعض الكماليات الممكن الاستغناء عنها.
قضيت شبابي كله بين عشريتي الألفية، الأولى والثانية. والآن، لدي عمل الخاص ودخلي الذي يفترض انه خرج من إطار المحدود، لكن هذا الدخل يتسرب قبل ان انتهي من التفكير في تأمين اللوازم وسد النواقص، الحاجات الأساسية قبل الكمالية. العاملون معي، أسرتي الثانية اشتدت عليهم ضغوط الحياة ولم تترك لهم سوى خيار السفر.
المنطق يقول مع مرور الزمن و التطور الذي طرأ، يجب ان يكون الأمر افضل من قبل، لكنني كل يوم احسد أبي. اربعة عقود، يفترض أنني تقدمت فيها إلى الأمام. المس مع مرور كل ثانية فيها كم تراجعت للخلف.
انني واحدة من ملايين صار المستقبل وراءهم. كيف يمكن ان اعيش اليوم بلا ماء ولا كهرباء ولا وقود للمواصلات الا بتكاليف تفوق قدرتي على البقاء! التفكير بزيارة الطبيب هم، وتأمين تعليم الابناء قضية كبرى. شراء مستلزمات المعيشة صخرة تجثم على صدورنا، واشعال شمعة في الظلام صار ترفا. هل سأقضي ما تبقى من عمري و انا ألعن الظلام لان تكلفة الشمع تفوق ما في جيبي؟
هل بت امام خيارين اما ان أغادر خارج الحدود او اغادر خارج الحياة؟ انا أحب الحياة واحب ان اكمل طريقي فيها فوق أرض تعنيني كل ذرة من ترابها وغبارها. كيف احل هذه المعادلة ؟
نريد ان نستمر. نريد ان نبقى. نريد ان نعمل. نريد ان نقضي أعمارنا فيما يفيدنا ويفيد الآخرين لا ان نفنيها في اللهاث وراء سراب لا يمكن ان يتحقق. نريد ان نبقى هنا. أعيدوا لنا بلادنا التي نشعر باغتراب عن كل ما فيها.
نحن أبناء النور لا يمكن ان نحيا في العتمة. حين امشي في العتمة لو لدقائق قليلة، المس انني عجوز في الثمانين تتمسك بما حولها وتحاول التقدم ببطء وهي تفتح عينيها عن آخرها ولا تكاد ترى، ترعبها فكرة السقوط والكسر والرضوض فلا طاقة لاستطباباتها ومعالجتها.
نريد ان نحيا شبابنا بحيوية، لا بعجز. نريد قوانين واجراءات داعمة لا محبطة مقيدة.
نريد من القائمين على القطاعات المختلفة ان يبتكروا وسائل تعيننا على الإنجاز و البناء، لا ان يتفننوا في إعاقة كل ما نقوم به، لأن تفكيرهم لا يسعفهم و يجربون بنا مرارا و تكرارا حتى يتأكد فشلهم. نحن لسنا فئران تجارب، نحن لسنا “هامستر”، إننا بشر.
كتبت هذه في أواخر ٢٠٢١ ، و كل المعطيات تقول اننا في ١٩٤٠. افيدوني في اي عام نعيش؟

* صورة، محمد الرفاعي، أ ف ب