”الأمير الأبيض“ يهجر موائد الجزيرة السورية

”الأمير الأبيض“ يهجر موائد الجزيرة السورية

لعقود خلت، لم تخلو وجبات فطور أهل الجزيرة السورية من القيمر (الگيمر) باللهجة المحلية، كما يعرف أيضاً بـ“الأمير الأبيض“، فهو طبق رئيسي وتقليدي على مائدة الفطور.

 والقيمر هو قشدة حليب الثيران الدسمة ويعد وجبة غذائية دسمة ولذيذة، وغالباً ماكان يقدم مع العسل، قبل أن ترتفع أسعاره لينضم إلى قائمة الأطعمة المحرمة على أغلب السوريين، أذ أصبحت هذه الوجبة التقليدية حلمًا لمحبيها، وأصبح بعضهم يأكلها في المناسبات السعيدة فقط.

يقول الحاج عمران وهو أحد باعة القيمر في مدينة “الحسكة” لـ”صالون سوريا“ أنه ورث المهنة عن والده منذ طفولته، وهو لازال يعمل بها لكنه يتخوف من اندثارها ”بسبب ارتفاع أسعارها، إذ وصل ثمن الكيلو الواحد منه إلى الثلاثين ألف ليرة سورية” بحسب قوله.

والقيمر هو طبق ترحيب أهالي الجزيرة السورية بضيوفهم القادمين من المحافظات الأخرى، وبه تتزين مائدة العرسان صباحاً، كما اعتاد الأهالي تقدميه مع بعض الحلويات مثل “الكنافة” و”البقلاوة”.

التكلفة تفوق المكسب

الجدة “أم لؤي” تبلغ من العمر٦٦ عاماً وهي تعمل في صناعة القيمر وبيعه للمحلات في سوق الحسكة منذ سنوات، تشارك الحاج عمران تخوفه من اندثار مهنة الأجداد، بعد رفع مالكي الجواميس أسعار الحليب الذي يصنع منه المادة.

تقول أم لؤي إن العديد من النساء تركن لقمة عيشهن من صناعة وبيع القيمر، لأن التكلفة صارت أكثر من المكسب مضيفةً ”;كل شهر يرفع باعة حليب الجواميس أسعارهم، ونحن الصانعات نضطر لرفع أسعارنا لتجار السوق الذين يشتكون من قلة الطلب، وفوق هذا، يضطر الكثير من أصحاب الجواميس لبيع مواشيهم لعجزهم عن تحمل نفقة تربيتهم بسبب ارتفاع أسعار العلف“.

كانت أم لؤي تحضر للمحلات التي تتعامل معها، أكثر من عشرين كيلو من القيمر يومياً قبل عدّة سنوات، أما الآن فيعتبر بيعها لأربع كيلو من القيمر ”إنجازا عظيماً“ كما تقول. ويبلغ سعر هذه الكمية من القيمر بسعر الجملة خمسة وعشرين ألف ليرة، ” ولو خصمنا ثمن الحليب مع تكلفة الغاز المنزلي، وأجرة المواصلات فإني أكسب من كيلو (القيمر) خمسة آلاف ليرة سورية، أي بمعدل عشرين ألف ليرة وهي لا توفر لي ولأحفادي ثمن كيلو لحمة” تختم أم لؤي.

ومن جانبه يشير لطفي سعيد، وهو تاجر قيمر قديم في سوق الحسكة لـ”صالون سوريا، إلى أنه كان يبيع في اليوم أكثر من 200 كيلو قيمر لمحلات صناعة الحلويات والعائلات، مضيفاً “أحيانا كنا نطلب كميات إضافية لنسد حاجة السوق بسبب زيادة الطلب، لكن الحالة الاقتصادية المزرية وارتفاع سعر صرف العملة الأجنبية أمام الليرة السورية ساهم في خفض الطلب على المادة اليوم“.

ويبلغ سعر كيلو القيمر اليوم حوالي ثلاثين ألف ليرة سورية، وعزا إبراهيم السعدي، وهو تاجر مواد غذائية في السوق الشعبية بمدينة القامشلي، تراجع بيع القيمر وغيابه عن موائد يوم الجمعة والمناسبات السعيدة إلى غلاء أسعاره، معللاً أسباب تراجع المهنة إلى تأثرها بالأزمات الاقتصادية التي تضرب البلاد إلى جانب ارتفاع أسعار الوقود والأعلاف والتسويق، وندرة المياه التي تحتاجها تربية الجواميس بسبب موجات الجفاف وقطع مياه الأنهار من قبل الحكومة التركية.

ذكريات الماضي 

تستذكر الجدة عنود طقوس تصنيع القيمر وتجهيزه مع جاراتها في حي الطي بمدينة القامشلي قبل انطلاقهن للسوق وبيعها لتجار المادة.

وتقول الجدة السبعينية أنها كانت تحلب جواميسها قبيل غروب الشمس، لتبدأ بعدها صناعة القمير، وعن طريقة صناعته تشرح ”تغلي الحليب الدسم في أواني كبيرة وعريضة ترفع على نار هادئة، ويحرك بمعلقة خشبية تحريكًا مستمراً، ثم تغطى أواني الحليب المغلية بقطعة قماش نظيفة مخصصة للعملية ، ويغطى جيداً بغطاء سميك ويترك حتى صباح اليوم التالي“.

وتتابع: “بعد رفع الغطاء نجد أن الطبقة الدسمة الدهنية قد ارتفعت على سطح الحليب وتحولت إلى القيمر، فنقطعها بالسكين بخطوط متساوية ونجمعها بانتظام، أما الحليب الذي بقي في أسفل الأواني، فنصنع منه اللبن والجبنة بعد إعادة غليه من جديد”.

بعد الإنتهاء من صناعة القيمر منزليا، اعتادت عنود على الانطلاق مع ساعات الصباح الأولى باتجاه السوق مشياً على الأقدام، مصطحبة كميات كبيرة مما صنعته يديها من ”فطور الملوك“ على حد وصفها.

عودة النساء إلى الأسواق الدمشقية

عودة النساء إلى الأسواق الدمشقية

تعتبر حركة الأسواق دليلًا مهمًا على تعافي الاقتصاد أو تراجعه. وغالبًا ما يتم رصد عمليات التسوق في الأسواق المركزية والأسواق الشعبية المشهورة أو المتخصصة ببيع مواد وسلع محددة، لقراءة حركة السوق الحقيقية واستنتاج القيمة التبادلية النقدية الفعلية، وحركة السلع حسب الطلب عليها وحسب نوعها، وعمليات البيع والشراء بصورة دقيقة وقابلة للتحليل والاستنتاج.

تماهى السوريون والسوريات مع الأسواق حتى باتت جزءًا من ثقافتهم اليومية، فأكسبوها أهمية وجدانية استشرافية وتقييمية خاصة، وأطلقوا عليها صفات بشرية مثل: “السوق ميت، السوق بارد، السوق شاعل نار، السوق مكسور، السوق حلو، السوق مليان حياة، السوق عم يغلي غلي، السوق بيبكي..”

يمتدح غالبية الناس ميزة الرغبة في ارتياد الأسواق وحب التسوق التي تتمتع بها غالبية النساء وخاصة المدينيات. بعض الباعة يكره عملية المفاصلة التي تقوم بها النساء لشراء حاجياتها، وغالبية التجار وخاصة في محال بيع الجملة وفي الأسواق الشعبية المشهورة بدمشق مثل العصرونية وسوق الحميدية وسوق تفضلي يا خانم، يمزجون ما بين الكلام اللطيف لترغيب النساء بالشراء وما بين تقديم النصائح بجدية محترفة تساهم في إقناع النساء بشراء مادة محددة من بائع محدد، وربما يصير عنوان المحل المذكور وجهة شبه دائمة لتلك السيدات.

في سوق العصرونية الدمشقي الشهير والواقع خلف قلعة دمشق مباشرة، ازدحام كبير، شاحنات صغيرة تنقل البضاعة من وإلى السوق والحركة الأبرز هي إفراغها في داخل السوق. تختلط خطوات الزبائن وخاصة من النساء مع إطارات الشاحنات وبأصوات سائقي عربات التحميل اليدوية، ازدحام يبدل الصورة العامة لحركة الأسواق خلال الأعوام الماضية التي اتسمت بإغلاق المحال باكرًا، وضعف حركة المتسوقين والمتسوقات. لقد لجم الخوف وواقع النزاع كل الفعاليات اليومية المعتادة، حتى التسوق تحول لمخاطرة كبيرة ألزمت الناس على التزام بيوتهم، أو الاكتفاء بشراء الضروريات فقط من أقرب منافذ للبيع. عدا عن تأثر بضائع كثيرة بالكساد والتوقف شبه التام عن شرائها مثل مواد البناء وأطقم الزجاج والقماش وخاصة أقمشة الأعراس والمناسبات العائلية والحفلات والاحتفالات بالأعياد وسواها.

لكن رغم الازدحام الظاهر فقد تبدل المشهد جليًا، في عمقه ودوافعه وفي مجرياته اليومية، والأهم أن انخفاض نسبة الأرباح ساهمت بفرض سعر شبه رائج محدد للبضاعة في غالبية المناطق التي كانت تشهد تباينًا كبيرًا في الأسعار.

على اسفلت الرصيف يفرد عدد من الباعة بضاعتهم، تقترب النسوة لتشتري، ثمة نظرية متعددة الأركان تبرز هنا: أولها أن البيع على البسطات يتم بسعر أقل، بذريعة أن البائع لا يدفع إيجارًا أو نفقات لمحله ولا أجور عمال مساعدين؛ وثانيها أن من يفترش الأرض الآن هو تاجر سابق خسر محله أو تجارته واضطر للبيع هنا، وبالتالي فإن الشراء منه قد يكون جبرًا لخواطره المكسورة أو دعمًا له على خساراته المتتالية والمؤلمة؛ وثالثهما أن المفاصلة هنا أسهل وربما أكثر قابلية للنجاح.

اعتاد السوريون والسوريات على شراء أطقم كاملة متسلسلة الحجم حتى للمصافي والأدوات البلاستيكية، لكن كل شيء قد تغير، وخلو البيوت من الأساسيات غير قابل للترميم أو التعويض، حتى البائع يسهل حركة البيع ليكسب أكثر وليضمن بيعه لعدد أكثر من القطع التي يتركز الطلب عليها، حيث يفرد الطقم كاملًا، لكنه يعرض فرصًا لبيعه بالمفرق ولكل قياس سعر. اللافت هنا هو قلة الطلب على الأحجام الكبيرة، تراجع بيعها بشدة والتزم المتسوقون /ات بشراء عدد أقل ومقاسات أصغر حتى من الأطباق وكؤوس الماء والطناجر والمقالي والمماسح وأدوات التنظيف.

ترتبط عملية شراء قطع محدودة وبأحجام صغيرة بقلة السيولة المالية أولاً، وبتفتت العائلات ثانياً، لدرجة غابت تقاليد اجتماع العائلة كاملة حتى على سفرة شهر رمضان بصورة شبه نهائية. تفرقت العائلات، صغرت البيوت وضاقت المساحات القابلة لاحتواء أثاث المطبخ، تعبت الأمهات من الحزن والقهر ومن الأمراض المزمنة ووجع الرحيل وفقدان البيوت والسكن المشترك وبدلات الإيجار المرتفعة. كل شيء بلغ أقصى حدوده من الهشاشة ومن القسوة في نفس الوقت، وعندما تجتمع الهشاشة مع القسوة تغيب غالبية التفاصيل الجامعة والمرضية والمريحة حتى لو كانت دزينة كاملة من الأطباق المقتناة برضا واكتفاء.

ثمة مقولة شبه عامة تقول: أن النساء يذهبن للتسوق ويعدن بخفي حنين، تسوق مغلف بهدف آخر وهو الخروج من المنزل، للترفيه عن الأطفال أو مرافقتهم للسوق وكأنه مشوار، يطول وقته بسبب السير الطويل وأزمة المواصلات، قد يفوز الأطفال بالبوظة أو بسندويشة شاورما أو فلافل أو بطاطا مقلية، لكن الأم تعود راضية رغم تعبها لتقول: “يا حرام الأطفال محبوسين بالبيوت، يرجعوا من السوق على النوم مباشرة لأرتاح من نقهم وطلباتهم غير قابلة للتحقيق.”

عادت النساء إلى الأسواق لكن الأسواق لم ولن تعود! في سوق الصالحية عدد كبير من المحال المغلقة، قرر أصحابها إغلاقها واختزلوا العملية بعبارة: الإغلاق أوفر، يكفي خسارات!

بائع الملابس الداخلية القطنية في شارع الحمراء وهو سوق مشهور، يقول مشبعاً بالغصات: “بالأمس فتحت المحل من التاسعة صباحاً، ولم تأت الرزقة حتى الساعة الثامنة إلا ربعاً، عندما جاءتني سيدة تعيش خارج سورية واشترت كمية من الألبسة الداخلية أمنت لي قوت يومي وطلبات المحل ليوم واحد، اليوم.” تحاول سيدة مفاصلته، يغضب ويقول لها شبه صارخ: “الساعة الثانية بعد الظهر! لم أسترزق بليرة واحدة، وأنت تفاصليني بأسعار ألبسة إن عدت لطلبها وترميم غيابها سأدفع أكثر من نقودك التي ستدفعينها اليوم.”

في حركة الأسواق ملامح غادرة وغير دقيقة، الازدحام لا يعني التسوق ولا البيع، والأيدي الفارغة من الأكياس لا تعبر إلا عن عجز واضح، حتى الأكياس المحمولة والممتلئة بسقط المتاع والاحتياجات اليومية هي مرآة للواقع الحقيقي، لا بد من استبدال ما انتهى عمره وأصبح خارج الخدمة، إنها الضرورة فقط.

يتفق الجيران في ثلاثة مبان متجاورة على التسوق من سوق الهال الواقع في حي الزبلطاني الواقع في قلب مدينة دمشق متوسطاً ساحة باب توما وساحة العباسيين، يتفقون على تسوق يومي ولكن بالجملة ويتبادلون الخضار والمعلبات واللحوم على قلتها والطحينة والأجبان والألبان كل حسب حاجته. الفرق كبير جدًا بين أسعار سوق الهال وبين أسعار المواد ذاتها في الدكاكين القريبة، الحكم على باعة الدكاكين بالطمع والتجبر بات أمرًا غير دقيق أبدًا. يُعاني باعة المفرق من كلفة المواصلات والتخزين وخاصة في البرادات بعد أن باتت الكهرباء بحد ذاتها مجلبًا للخسارات الكبيرة وغير القابلة للتعويض ومن الضرائب المتصاعدة بأشكال متعددة.

في سوق الطبالة، يغير محمود من ترتيب محله، يدير ظهر البراد الكبير إلى واجهة المحل ويعلق عليه لافتة للبيع، يصير المحل ومحتوياته مجرد واجهة ضيقة، فبعد امتناعه عن بيع الأجبان والألبان بسبب تلفها لمرات عديدة، تضاءلت بضاعة المحل، واقتصرت على المواد الجافة، ونظرًا لأنه يسكن بعيدًا عن محله فقد وضع فراش اسفنجي في المنطقة المفرغة منه والتي أصبحت خالية بشكل موجع ومخيب ولا شيء متوفر لملئها، وقال أنه نام هنا لمرتين بسبب انقطاع المواصلات.

تتغير حركة الأسواق في مواسم الأعياد، يتزايد الشراء والبيع، غالبية الأموال هي دعم من الخارج، والخارج هنا العائلة، بعض الأصدقاء والصديقات الراغبين أو القادرين على المساهمة، إضافة إلى بعض “أهل الخير”! وعبارة “أهل الخير” هي عبارة موجعة جداً، أي خير هذا الذي أصبح غير متاح إلا على نفقة الآخر وربما الغريب. تتسع حركة البيع والشراء وحركة ارتياد الأسواق، لكن ثمة إجماع على أن هامش الربح لا يكفي لصمود أحد لا الباعة ولا المشترين، وإن كانت العائلات تصر على شراء سراويل جينز لأنها عملية ويمكن مرافقتها بأية بلوزة أو قميص، لكن تبقى قضية الأحذية هي مفتاح العجز الواضح على تفاقم الحاج وتعقيدات تحديد ملامحها أو إمكانيات النفاذ منها نحو حلول أكثر وفرة وأكثر عدلاً. 

نعم باتت الأحذية قضية، ثمة بضائع كبيرة وكثيرة منها، لكنها رديئة بالعموم، والجيد منه سعره غالٍ جداً، بضائع تستوطن بسطات عملاقة تكفي لملء محال بكاملها، لكنها مفروشة على البسطات وعلى العربات، في البرامكة وفي الصالحية وفي باب توما، أينما سرت تصدمك وفرة الكميات من كل شيء، تبدو الأحذية جميلة ومرتبة وتلائم الموضة الدارجة، لكن في الوقت نفسه تتزايد الأقدام الحافية والأقدام التي تخرج أصابعها من مقدمات أحذيتها والكعوب الذائبة وشحاطات البلاستيك.

ما بعد الحروب، تتحول الوفرة في الأسواق بحد ذاتها إلى أداة نزاع، من يستحق ومن هو قادر على الشراء! لكن سؤال الجودة والجدوى مفقودان، لأنه وبكل بساطة لا يمكن تحققيهما في ظل مداخيل كذرات الغبار وفي ظل احتياجات تتضاعف كل يوم.

سؤال الجودة لا يليق بالحرب، ولا بأسواق بالغة الهشاشة وعلى شفا الانهيار، وجيوب عاجزة رغماً عنها وعن أصحابها. 

وإن عادت الأسواق فمن يعيد الاكتفاء، وإن عاد المتسوقون والمتسوقات فمن يعيد جدوى البيع والشراء كتفصيل حيوي ومتوازن في تفاصيل الحياة!

من يعيد للسوق حيويته وتفاعله وصفاته الإنسانية التي تربطه بأهله وناسه وصناعه والفاعلين فيه! 

هذه المادة منشورة في جدلية

Intersections of Anti-Migrant Racism and Misogyny in Turkey: An Interview with Feminist Activist Irem Kayıkçı

Intersections of Anti-Migrant Racism and Misogyny in Turkey: An Interview with Feminist Activist Irem Kayıkçı

In the context of an ever-deepening economic crisis and entrenched political authoritarianism, the political ground for anti-migrant racism in Turkey is widening. The figure of “the migrant” has provided a common fertile ground against which various political positions have been able to mobilize, and which has helped to galvanize the ascent of far-right nationalism. Social media is one of the platforms where such racism is expressed, provoked, and escalated, often pushed by government-backed troll accounts. During the religious bayram holiday in May this year one such social media attack targeted the presence of young male migrants of various nationalities in central parts of Istanbul city, who were spending their holiday on the islands, the beaches, or the historical attractions of the city.[1] Accusations were made that migrant men were disturbing women and recording videos of them to upload online. In the previous weeks various other unverified videos claiming to show migrants disturbing women had been disseminated across social media and news outlets. Various political figures took the opportunity to attack the presence of migrants by claiming they posed the threat of sexual harassment and represented a danger to women.     

In response, on 22 May more than seven hundred women and dozens of women’s organizations based inside and outside Turkey signed a statement, entitled “Women’s Solidarity Knows No Borders,” opposing the use of the discourse of “women’s safety” to fuel racist attacks against migrants in the country. In the context of the government’s withdrawal last year from the international Istanbul Convention to combat violence against women and rising cases of femicides and gender-based exploitation, their statement drew a direct link between patriarchal violence and racism, misogyny, transphobia, and homophobia. They wrote, “while war, destruction, and massacres are carried out for the sake of imperialist dreams, the real culprits of violence committed by men, unemployment, and the economic crisis are hidden.” The statement continues:

We expose this hypocrisy, which targets migrants by marking them as perpetrators of harassment, rape, abuse, and violence, and describes our experiences as problems created by migrants and refugees. This hypocrisy in question ignores the male-dominated system, which is the main cause of the systematic violence committed by men which we are subjected to, and constitutes an inseparable ring of aggression against our struggle for an equal, free, and non-violent life.

The text was met with a backlash on Twitter, provoked in part by troll accounts but also from those across the political spectrum who took issue with this feminist position. These responses display a range of anti-migrant, and anti-feminist, perspectives, including by those who claim the statement was “against women’s rights”; a “harbinger of sharia law”; and even that it represents “bourgeoisie women defending the migration policies of the EU and the capital’s [sic] demand for cheap labor.” These perspectives provide a valuable insight into the various ways in which racism is legitimized and reproduced, in part through the manipulation of other marginalized identities and a flawed understanding of how race, class, and gender are intersecting and reinforcing.

This interview with Irem Kayıkçı, one of the authors and signatories of the text, gives some further details about the context in which the text was written by drawing out some of the deep entanglements of sexism and racism in Turkey, particularly in public spaces.

It should be noted that the use of the term “migrant” in this context itself arguably reflects some of the sticky processes through which racialization is currently occurring in the country. There are a huge range of experiences of different migrant populations in the country (internal and external) related to nationality, class, gender, sexuality, and religion, which bring various degree of vulnerability. While men from Afghanistan and Pakistan were among those accused of harassing women and targeted by racist campaigns on social media, the use of the word “migrant” (göçmen) in the current conjuncture, whether in political rhetoric, media reports, or on social media, particularly by those taking an “anti-migrant” position, is generally understood to mean “Syrians.” This conflation between the “Syrian” and migrants of other nationalities is one of various mechanisms, including criminalization and illegalization, through which racist discourse is reproduced. Since Turkey is not a signatory to the 1967 Protocol Relating to the Status of Refugees, it has a geographical limitation which only confers the legally-recognized “refugee” status on people coming from Europe. Individuals fleeing other countries, who may be categorized as refugees under international law, are not legally recognized as refugees in the country. Syrians are uniquely legally registered under the status of temporary protection.

The use of the word “migrant” in the following interview therefore refers to international migrants who have travelled to Turkey for various reasons, from those fleeing war and persecution to economic crises; and also LGBTQI+ migrants who have fled to Istanbul city from various other parts of the country because of homophobic persecution.[2]

 Helen Mackreath (HM): What was the “Kadın dayanışması sınır tanımaz!” text issued in response to?

Irem Kayıkçı (IK): The “Women’s Solidarity Knows No Borders” text was signed by more than seven hundred women and eighty-two women’s organizations who oppose the spread of racist, sexist attacks, threats, and increasing chauvinism against migrants, especially that of recent weeks which has been using the discourse of “women’s security.” We published a joint statement which says “No to racism, discrimination, hostility, and fueled hatred against migrants. We are on the side of the migrants.”

HM: Could you outline the perspective from which you wrote the text?

IK: We are witnessing how racism and sexism are increasing simultaneously with the increase in the number of migrants coming to Turkey, especially after the Syrian war and the Taliban’s coming to power in Afghanistan, and that they go hand in hand.

Expansionism maintained by states through military policies is displacing millions of people. In addition, migration is being experienced more frequently and intensely as a result of wars, the global food crisis, the ecological crisis, and the economic crises experienced in different forms from country to country. On the other hand, rising right-wing populist policies and administrations around the world are fueling anti-migrant hostility. They have a tendency to put the blame for every problem such as the economic crisis, unemployment, poverty, and even femicides, harassment, and rape on migrants.

The Justice and Development Party (Adalet ve Kalkınma Partisi, AKP) government, which has been in power for twenty years in Turkey, lost its capacity to govern, got stuck in the mire of domestic and foreign policies, and condemned millions of people to hunger and unemployment with their daily hikes and high inflation rates, so it sought another argument to cover up the causes of their problems. Their argument was anti-migration. Although hostility towards migrants is not new, they are being turned into a useful tool for intra-state cliques in order for Erdoğan to institutionalize his one-man regime and similarly, the right-wing coalition that plans to come to power. Although the racist and chauvinistic policies prevalent in Turkey are always ready to produce such a tool, the chaotic environment in the country is now ready to produce more excuses for hostility towards migrants. 

The basis of the joint statement we signed outlines the hypocrisy of one of these excuses. Harassment, rape, and violence committed by men against women are systematic and universal. To these we are arguing that they are carrying out a conscious policy by ignoring the basis of the problems we are experiencing, using statements such as “concern for the safety of our women and girls” as an excuse to blame migrants again. Regardless of whether they are migrants, every male perpetrator of physical, psychological, digital, etc. violence towards women takes courage from the normalization of lawlessness and impunity policies in Turkey.

The text was written to highlight the hypocrisy which ignores the systematic nature of violence committed by men, which releases the perpetrators of femicide, harassment, and rape every day, and the increasingly misogynistic rhetoric produced by the government.

HM: What have the reactions to the text been? It received some negative social media attention, including from trolling accounts, which were attempting to use “feminist” arguments to attack its position.

IK: As we expected, the reactions to the text and the threats against the signatories came without delay from these male-dominated circles and accounts. Every discussion on the causes of the above-mentioned problems without an analysis of heteropatriarchy and capitalism turns into attacks against women, feminists, and women’s organizations. In recent months, arguments such as nationalist feminism or Turkish feminism have started to spread more, especially from accounts and people known to be close to politicians and groups that feed on right-wing, racist, and nationalist codes.

HM: How are the entanglements of misogyny and racism manifesting themselves in Turkey? 

IK: Patriarchy is constantly reproduced everywhere, from our homes to our workplaces, from the public sphere to the media, and this is of course not independent from the policies of the political power.

Femicides are committed regularly, and most of the murders are committed by relatives, partners, or acquaintances of the women. Men killed at least 280 women in 2021, and there were 271 suspected female deaths. Since January 2022, at least twenty-two femicides have been committed every month, and suspicious deaths of women have been increasing. We know that none of the murders of women were “unsolved” or “suspected.” Men and violence committed by men are constantly in the background of those women who are portrayed as having committed suicide. Even a man you don’t know on the street can say, “I was bored, I was depressed” and kill you with a samurai sword and say, “I chose her because she is a woman and because I see her as being weak.”

The perpetrators of femicide, harassment, rape, and child abuse are usually released by the men-dominated judiciary. They think, “Nothing will happen to me…I’ll stay in prison for a month or two.” The AKP government’s exit from the Istanbul Convention at midnight [in March 2021] and the effective implementation of Law No. 6284, gave more encouragement to the perpetrators. Women who are subjected to violence and who want to take or extend a protection order are either turned away from police stations or law enforcement forces complicate the process and cause women to give up. 

The state is also trying to punish women’s associations with various excuses, close them and criminalize them. Purple Solidarity, Rosa, We Will Stop Femicide Platform are some of these associations. Political operations against every women’s organization that empowers the women’s movement in Turkey continue in their harshest form. The political power is trying to realize its hostility towards the women’s movement and women by using the judicial mechanism as a political stick. Patriarchal and state violence go hand in hand.

Racist attacks, on the other hand, manifest themselves mostly in workplaces, neighborhoods, on public transport and social media. Migrants, who are seen as a cheap labor force, are mostly squeezed into gecekondu neighborhoods.[3] They do not have the right to free movement, or easy and equal access to education and health. In recent months, there have been increasing attacks on migrants, who have been targeted by a group of right-wing groups, politicians, and troll accounts.[4] As a result of these attacks, which have increased since last summer, three young Syrian people were burned to death in December 2021 and we started to hear news of a murder or attack happening on a weekly basis. Racism is practiced in different forms against migrant men and women. Against men, they say, “Why didn’t they stay and fight in their own country?” or “They are harassing and raping our women.” Against women, they say, “They’re seducing men” or “They’re giving birth to too many children.” 

At the beginning of May, a short film, Silent Invasion, was released on YouTube which propagated the message that “Syrians will take over Turkey.” Victory Party Chairman Ümit Özdağ announced on his Twitter account that he had ordered the project, that he approved the script, and that they covered the production costs. Neither he, the journalist who produced the film, nor anyone who committed a hate crime on social media was punished and no sanction was imposed on them.

HM: What is the situation of migrant and refugee women in Turkey and how are they understood and positioned in relation to other feminist perspectives? 

IK: As of 31 March 2021, the number of registered Syrians under temporary protection in Turkey increased by 9,421 compared to the previous month, reaching a total of 3,665,946. Of these, 1,737,502 (47.4%) are children between the ages of 0-18. The total number of children and women aged 0-18 is 2,596,643 (70.8%) (mülteciler.org.tr, 2021).

According to the figures, as of the end of 2020, there are 3.6 million Syrians, 170,000 Afghans, 42,000 Iraqis, 39,000 Iranians, 5,700 Somalis, and 11,700 refugees and asylum seekers from different countries in Turkey (according to UNHCR, The UN Refugee Agency, 2020). As of mid-2020, Turkey hosts approximately four million refugees. According to the information given by the United Nations High Commissioner, Turkey is the country that hosts the highest number of refugees in the world.

It is possible to say that women and LGBTI+ migrants constitute the most vulnerable part of this population.[5] The problems experienced by women migrants include: being unregistered/undocumented, insecure and low-wage employment, forced marriage or being married informally as a second wife, being forced into marriage at a young age, not learning the language and thus not being able to adapt to social life. There is a lack of complaint mechanisms and a lack of information from public institutions about their rights. Of course, we need to look at all of these problems within the framework of gender inequality. Amnesty’s report on Syrian refugees who took refuge in Turkey sheds light on the main problems which women migrant’s experience. Andrew Gardner, Amnesty International Turkey Researcher, stated in the 2014 report, Struggling to Survive: Refugees from Syria in Turkey: 

The situation is even worse for female migrants. Women migrants, who can only find employment at a cheaper rate than men, are not only exposed to more economic exploitation, but also psychological and sociological, they can be victims of various forms of violence and oppression that includes all kinds of abuse from harassment to rape, from being deported to being discredited through immorality and prostitution, and which harms human dignity. 

The government is constantly trying to create the “other” which today is migrant women and LGBTI+ persons. In addition to the policies which can exploit them, from their labor to their bodies, they have now accelerated their policies to intimidate migrants through threats of deportation, impunity for human rights violations, and attacks against Turkish women and LGBTI+ movements.

The feminist movement in Turkey gives strength not only to Turkish women, but also to migrant women and LGBTI+ persons. In the face of differentiated, deepened, and enriched needs, it is seeking to meet all of them. This is a women’s movement that discovers the new, rich organizational forms that will integrate the interests and needs of women, and guarantees these with the experiences it has accumulated on the streets for years. In this context we can say that the practice of solidarity with migrants, which has become more urgent in the last period, and especially with migrant women and LGBTI+ persons, has taken a more consolidated place on the agenda of the feminist struggle. That’s why, for now, the “Women Solidarity Without Borders” text is open to signatories. Meetings and forums, where we started to talk more intensely about our needs, demands, and suggestions; how we could make this solidarity network more widespread and secure; and how we can run a campaign process in both the short and long term, are gaining momentum.

HM: The question of public space, who has access to it and how it is organized and used, is a very critical one for anyone interested in questions of social equality and justice. How can we understand public space in Istanbul as being constitutive of gender and racism in terms of how different people are able to experience it? 

IK: Istanbul is the city in Turkey with the most cosmopolitan structure and history. In a country where gender inequality, heterosexism, discrimination, and now the economic crisis are so intense, Istanbul mirrors the everyday problems we are experiencing. The AKP government, which has ruled the country for twenty years and held the majority of Istanbul municipalities until the 2019 local elections, has done its best to construct and transform public spaces. All the opportunities and natural beauties of the city that should actually belong to the public are arbitrarily used for the benefit of the state, legislative, and judicial organs, and also offered to capital and the circles that supports them. With this government, Istanbul continues to change in very fast and intense ways, through concretization, the destruction of nature, and thus the alienation of people from nature and the neighborhoods they live in. The poor people, migrants, and the most oppressed segments of society, who constitute millions, are squeezed into gecekondu neighborhoods and left to more poverty. The vast majority of workers in formal and full-time jobs are sentenced to the minimum wage, and millions of workers are even working below the minimum wage.

As in the rest of Turkey, the vast majority of women in Istanbul have to work in informal, flexible, and insecure jobs. With the rapid increase in the inflation rate in the last year, women became poorer and more excluded from employment. According to the Disk-Ar May report, female unemployment was broadly defined as 30%, which remains the highest category of all unemployment types. The public sphere is now more precarious and insecure for women who are forced to find jobs in gendered workplaces, and especially for migrant women. With the normalization of the lawlessness and violence policies in the country, the male-dominated structure of the public sphere can reproduce itself more easily on the streets, in public transport, and in the workplace. Many women living in Istanbul can no longer find a house or shelter according to their own budget. They either have to live in very bad houses, far from humane living conditions, or they have to go back to their family home. The situation is much worse for women who want a divorce or want to flee domestic violence. These women are imprisoned in the cycle of violence because they do not have access to the right to shelter. 

Women feel more insecure on the streets: they cannot reach places they want or their homes because the public transport hours end early, and they cannot even walk wherever they want because most of the streets are unlit. Perpetrators of harassment, rape, and femicide are not punished. Of course, attacks on migrants also give this message of being in the public sphere: “Look! This is what happens to you if you go out: we beat, abuse, rape, and nothing happens to us.”

In Istanbul, one of the cities that experienced the harshest attacks of neoliberal policies, public kindergartens are not opened, there are not enough day-care centers, women’s shelters are not opened, and the health services that the government has been proud of for years have completely collapsed. The guards who were assigned to make the streets and the public safer through the guard law enacted two years ago work as the government’s militia and carry out special policies in the districts and neighborhoods where social opposition, migrants, and LGBTI+ persons live. They might raid your house just because you’re transgendered. If you are a migrant worker and earn money by hawking on the street and selling fruit, for example, they can confiscate your counter. 

HM: Relatedly, racism, class, and gender are intersecting and constituted within spaces. How is identity politics currently being manipulated, in discussions of public space and otherwise, as a means of further stoking social antagonism?

IK: Discrimination and marginalization carried out over identity politics have always been at the forefront of the arguments used in Turkey. The discriminatory policies, attacks, and unsolved murders, which were directed particularly against Kurds and Alevis since the 1990s, are now being aimed at LGBTI+ persons, migrants, and women in a similar way. 

For example, at the beginning of the pandemic, the Presidency of Religious Affairs and reactionary and conservative groups targeted LGBTI+ persons as being the cause of the pandemic. And to give an older example, there was a minister of state who said that the reason why unemployment and poverty rates were so high after the 2008 economic crisis was because women were participating in employment. The continuity of these policies and the increase in its dosage has led to the murder of more women, LGBTI+ persons, and migrants, and more usurpation of rights. 

HM: What needs to be done to create public spaces which are open and safe for all, including women, migrants, LGBTQI+ community, workers, the disabled?

IK: I will answer this question from the perspective of the concrete strengths of the women’s struggle. The women’s movement must also transform into a political power through the sphere of influence it has created and the legitimacy it has captured on the streets, with a feminist policy that combines different nuances. 

There is a need for a women’s movement that will focus on the enormous opportunities and possibilities of the political atmosphere we are in right now, and that does not just get stuck in opposition to power. Of course, in order to gain social freedom for all oppressed segments, it is necessary to knit and organize the meeting of all social dynamics. There is a need for a programmatic unity and to walk with a common goal that will voice concrete demands that move beyond the current politics and upcoming presidential elections, from a place that will not just be stuck in the urgent needs of the present but have a wider vision. 

Democratic mass organizations that can act together in unity include feminists, women, LGBTI+ persons, migrants, and of course the working class. It is possible to weave a common line of struggle that supports and sympathizes with each other with the knowledge that the patriarchal capitalist order offers us nothing but death and exploitation. Sometimes this can show itself as a student movement that strengthens the struggle for ecology, sometimes it can be a feminist movement that empowers workers’ resistance, or it can emerge as a

movement of retirees claiming their right to shelter.

The article is published on Jadaliyya

معاناة مرضى السرطان…ألم وتكاليف باهظة

معاناة مرضى السرطان…ألم وتكاليف باهظة

توفيت والدة خورشيد بعد صراع مع مرض سرطان الرئة في أحد فنادق دمشق  ذات الـ 3 نجمات، فالسيدة الستينية اضطرت للانتقال من مدينتها القامشلي إلى العاصمة لتلقي العلاج اللازم، يقول  ابنها:” في بداية الاشتباه بالورم قصدنا أطباء منطقتنا لكننا واجهنا مشكلة نقص عددهم إضافة لعدم توفر التحاليل المناعية والهرمونية اللازمة، لذلك جئنا إلى الشام“.

وعن هذه الرحلة يقول خورشيد “هي رحلة المعاناة بدءا من ساعات السفر البري الطويلة التي وصلت لعشرين ساعة، مما انهك جسد أمي وزاد من أوجاعها،  ثم مشقة تأمين سكن، حيث اضطررت إلى حجز غرفة في فندق لضمان عدم انقطاع الكهرباء، ووصلت أجرة اليوم الواحد إلى أكثر من 33 ألف ، أي قرابة مليون ليرة سورية شهريا للمنامة فقط، يُضاف إليها تكاليف الطعام والشراب، أما عن تأمين الدواء فكان مكلفا وصعبا للغاية، خاصة أنني قررت علاج والدتي على نفقتي الخاصة“.

هافال جاء من الحسكة برفقة شقيقته الصغرى قاصداً أحد أطباء الأورام الذي ذاع صيت في العاصمة، يشرح عن معاناة أخته للوصول لدمشق قائلاً :” تشعر شقيقتي بالوهن الشديد لمدة يومين بعد كل جرعة، ولأنني لا أستطيع تكبد نفقات العلاج، قصدت مستشفى البيروني، فالعلاج هناك مجانا”، لكن تكاليف السكن المرتفعة في العاصمة والتي تصل لـ300 ألف ليرة في العشوائيات، تمنعه من البقاء في دمشق، ولأن رحلة الطائرة تصل لـ400 ألف ليرة للراكب الواحد، لا يبقى أمام هافال وشقيقته من خيار سوا النقل البري الشاق.

ارتفاع كبير بحالات السرطان 

الدكتور دانيس محمود حاج إبراهيم، دراسات عليا في أمراض الدم والأورام في مدينة القامشلي، يشرح لـ“صالون سوريا“ أسباب ارتفاع حصيلة المرضى بأمراض السرطان في المنطقة، ويقول :”السبب البيئي هو المتهم الأول بازدياد الإصابات، فرغم أن لعامل الوراثي دور كبير، لكنه ثابت، أما حالات الانتشار الكبيرة فبدات منذ عام 2014، والعامل البيئي هو المتغير والدخيل، ما يفسر ازدياد حالات الإصابات بأمراض السرطان“.

ويضيف الدكتور إبراهيم “الاستخدام المتزايد للمولدات الكهربائية وتسرب مادة المازوت إلى مياه الشرب، تعد سبباً مباشراً لانتشار الأورام السرطانية“، ويشير إبراهيم إلى أن سرطان الثدي يعد من السرطانات الشائعة لدى النساء في المنطقة، بينما سرطان الرئة منتشر بين الذكور بالدرجة الأولى.

و ازدادت نسبة السرطانات بحسب الإحصائيات الحكومية بنحو 3% منذ عام 2014. في الوقت الذي تواجه فيه سوريا نقصاً حاداً في أعداد الأطباء المتخصصين في أمراض الدم والأورام، إذ لا تتجاوز عدد هؤلاء الأطباء في المنطقة الشمالية الشرقية العشرة، بحسب الدكتور ابراهيم.

مراكز العلاج المجانية السورية

يوجد في سورية عدة وحدات داخل مستشفيات حكومية تعنى بعلاج مرضى السرطان، وعن ذلك يقول  طبيب الأورام في مشفى ابن النفيس طارق العبد لـ”صالون سوريا“: ” تعد البيروني المستشفى الوحيد المخصص بالكامل لأمراض السرطان بكافة أنواعها، وهو مجهز بكافة أدوات التشخيص والعلاجات الكيماوية والشعاعية والأدوية، بينما تضم المستشفيات الأخرى وحدات وشعب مخصصة لعلاج بعض أنواع السرطان كأمراض الدم، مثل مشفى ابن النفيس  التي تحتوي شعبة للأورام، إلى جانب شعب  في مشفى تشرين و المجتهد والمواساة والأسد الجامعي في العاصمة دمشق“.

و يوجد أقسام للأورام وأمراض الدم في مشفى زيد الشريطي في السويداء، ومشفى حمص الوطني والباسل في طرطوس، وتشرين الجامعي في اللاذقية، وابن رشد والرازي في حلب.

ووفق كلام العبد أن “هذه المشافي لا تقتصر فقط على تحديد مصدر الورم و تغطية أكثر من 80% من الخدمات العلاجية، بل تصل إلى التشخيص في حالات الاشتباه بوجود كتلة معينة واستشارة فريق الأطباء ثم تحضيرهم والبدء بالخطة العلاجية في حال التأكد من وجود ورم”.

ويشير طبيب الأورام إلى “الصعوبة والجهود الكبيرة المبذولة في سبيل تأمين أدوية علاج السرطان سواء شعاعيا أو مناعياً أو كيماوياً  أو هرمونياً“.

ويلفت العبد إلى تسجيل حوالي 17 ألف حالة إصابة سرطان تشخص سنويا في سورية.

الزجاج، الحرير، النول والطباعة اليدوية مهن يدوية سورية على طريق الزوال

الزجاج، الحرير، النول والطباعة اليدوية مهن يدوية سورية على طريق الزوال

على الطرف المقابل لمنطقة باب شرقي بدمشق القديمة، يقع معمل أحمد الحلاق “أبو محمود”، الذي يعمل به بنفخ وتشكيل الزجاج اليدوي منذ عشرات السنين.

يبلغ عمر معمل “أبو محمود” تقريباً مئة وخمسين عام، وهو يعمل به مع أخيه منذ حوالي خمسين عام، في مهنة صناعة الزجاج التي ورثاها عن والدهما.

أبو محمود في معمله الدمشقي

أغلق المعمل قبل عدّة أشهر بسبب نقص مادة المازوت التي تعد مادة أساسية في مهنته، يقول أبو محمود لـ”صالون سوريا”،”عملية إعمار الفرن تكلف الملايين ويجب أن يستمر بالعمل 24 ساعة، لأن الزجاج الموجود فيه يجب أن يكون على درجة حرارة عالية جداً ولا يبرد، وفي حال برد وتم إعادة صهره يتكسر ويعطل الفرن، وهذا ما حصل بالتحديد”.

بعد وعود من وزير الصناعة والأمانة السورية بتامين المازوت وإعادة تشغيل فرن الزجاج وتأهيله، مقابل تدريب حرفيين جدد على هذه المهنة، عاد العمل إلى العمل “لكن تدريب الكوادر لا يكفي دون سوق لبيع المنتج، فكل الطلبات لدينا موجودة بشكل خارجي وليست ضمن سوريا، قبل الأزمة كان هناك طلب داخلي حوالي 40 إلى 50 بالمئة اليوم الطلب قليل جداً” يقول أبو محمود، مستدركاً “في المقابل يجب أن نعطي سر هذه المهن للمتدربين الجدد بسبب الوضع الحالي، كنا في السابق لا نعطي سر المهنة، إذ كانت محصورة بعائلة القزاز، عائلة والدتنا وهذه العائلة تركت المهنة ونحن استمرينا فيها حتى أصبحت تُنسب لعائلة الحلاق”.

حرير دير ماما

“سوريا كانت توزع الحرير على دول الجوار وأوربا أيضاً، وخيط الحرير السوري مميز جداً حاز على عدة جوائز على مستوى العالم ولايشبه الحرير الصيني أو الهندي” تقول الفنانة التشكيلية عفاف النبواني المهتمة بمتابعة صناعة الحرير التي تحاول النجاة برغم كل الصعوبات.

تقول النبواني لـ”صالون سوريا”: “تُعرف منطقة دير ماما بريف حمص بغناها بشجر التوت وهو منتج رئيس لتربية دودة القز، لكن قلّ الاعتناء به، ونتيجة الحاجة للمادة بات سكان المنطقة يقطعون شجر التوت ويزرعون عوضاً عنه ليمون وزيتون، لأنه أسرع إنتاجاً”.

أجبر نقص شجر التوت المهتمين بتربية القز وإنتاج الحرير، لقطع مسافات طويلة إلى القرى المجاورة حوالي 3 كم لشرائه، فهو غذاء الدودة الرئيسي. هناك أيضاً عدة مراكز زراعية حكومية في اللاذقية، وحماة لبيع الشرانق للمربين، أبرزهم مركز “حاموش رسلان” في طرطوس المركز الرئيس الذي يوزع دودة القز، بعد تسجيل دور يستغرق أشهر للحصول على علبة من 11 غرام تُعتبر كمية كافية لإنتاج نحو 30 إلى 40 كيلو من الشرانق.

ولا تتوقف الصعوبات التي تواجها مهنة صناعة الحرير، عند تربية دودة القزّ وانتظار مراحل الشرنقة ليتم بعدها تحرير الخيط وإنتاج الحرير الطبيعي على النول اليدوي، فهناك أسباب أخرى بحسب النبواني منها، “كساد القطع التي تنتج بأسعار تتراوح بين 350 – 400 ألف ليرة سورية للقطعة الواحدة أي حوالي 100 دولار أو أقل، وبالتالي هناك صعوبة باستمرار هذه المهنة وأيضاً شراء شرانق للمرحلة التالية.

النبواني ترى أن استمرار تعامل الحكومة بهذه الطريقة مع هذه المهنة سيؤدي بالضرورة لزوالها “لأن البيوض الموجودة قليلة، وسلالة الشرنقة الذهبية موطنها سوريا وحوض العاصي، إذ باتت غير موجودة ولا يوجد استيراد، إضافةً إلى عدم وجود سلالات محصنة وقلة عدد المربين”، بحسب قولها.

النول في حلب

طلبت وزارة السياحة في السنوات السابقة من الحرفيين وأصحاب المهن اليدوية إخلاء الأسواق الأثرية في مدينة حلب لترميمها من قبل الأمانة السورية للتنمية، ومنها سوق خان الشونة. أخرج حينها علي خصيم مع ولديه، المشهورين بحرفة النول اليدوي.

في ذلك الوقت طلب خصيم من وزارة السياحة وبالتعاون مع الحرفيين بالتعهد بترميم الخان على حسابهم الشخصي بدلا من خروجهم من السوق، كون أضرار بعض المحلات بسيطة، لكن الوزارة رفضت ولم يعودوا حتى الآن، يقول خصيم لصالون سوريا: “المبيعات موجودة طبعاً ولكن خارج البلد وبصعوبة، وندرب اليوم حوالي عشرين حرفي من الجنسين للحفاظ على هذه المهنة بعد انتقالنا إلى مكان آخر”، مشيراً إلى أن الدعم الذي قدمته الجهات الحكومية للحفاظ على هذه المهنة غير كاف، وما أبقاها حتى الآن هو جهد فردي من قبل عائلة خصيم للحفاظ على هذه المهنة واستمرارها، وحرفة النول اليدوي مهنة لاتزال مستمرة منذ أكثر من 60 عام.

حماة.. الطباعة اليدوية على القماش

تُعتبر الطباعة اليدوية الحموية من الحرف التي عرفتها سوريا قبل الميلاد، وما تزال تمارس لغاية اليوم بالوسائل البدائية ذاتها، وتستخدم فيها عناصر طبيعية بالكامل، كقماش الخام القطني المحلي والألوان الأربعة “الأسود، أحمر، أزرق، أخضر،” المستخلصة من مواد نباتية منها خشب الورد وقشر الجوز والرمان.

أدّت الحرب السورية لتراجع الطلب على هذه البضاعة نتيجة توقف السياحة، الأمر الذي دفع أصحاب ما تبقى من مشاغل الطباعة التقليدية الحموية إلى هجرة حرفتهم “لعدم جدواها الاقتصادية” بحسب ما قالته الكاتبة الصحفية سعاد جروس، التي تهتم بالتعريف بهذه الحرفة من خلال مبادرة فردية أطلقتها لإنعاش المشغل الوحيد المتبقي في حماة.

تقول جروس لصالون سوريا “: للأسف لم يتبقى من أصل عشرات المشاغل التي كانت في سوريا عام 1950 إلا مشغل واحد في حماة هو مشغل “حوا” ولولا شغف صاحبه بحرفته لتوقفت أيضاً، بعد ندرة الطلب عليها منذ بداية الحرب بسبب توقف السياحة”.
و يستغرق تحضير ألوان ومواد الطباعة اليدوية اكثر من شهر بطرق تعد أسرار الحرفة، والخشب المحلي الذي تحفر عليه الوحدات الزخرفية المتنوعة باليد، وأغلبها رسوم موغلة بالقدم تشير إلى الحضارات التي تعاقبت على الأرض السورية، فالحرفي الذي ورث المهنة أباً عن جد يطبع تلك الرسوم على القماش وفق تصاميم تعتمد على تكرار الوحدات الزخرفية بأسلوب يميز عمله عن غيره.

وعن مبادرتها تقول جروس “هي محاولة لتوسيع خيارات استخدام الطباعة اليدوية التقليدية التي كانت تستخدم حصراً لتزيين مفارش الطاولات والوسائد، وتمكنت المبادرة بالتعاون مع فنانين تشكيليين وخياطين تقليديين من ابتكار تصاميم ملابس ولوحات وحقائب تنسجم مع روح الطباعة اليدوية بقوالب الخشب، مستلهمة من الأزياء التراثية، وهي تمتلك قيمة مضافة كونها مصنوعة من مواد طبيعية لنكون وليفاً للبيئة والإنسان التي يعبر عنها وصف (ولفي)، أي الوليف اللطيف الذي تغنت بها أغانينا التراثية للتعبير عن الألفة كعلاقة أكثر ديمومة واستقرار من علاقة الحب والعشق”.

سوق أبهة.. “دعم شكلي فقط”

خلال السنوات السابقة عملت الأمانة السورية للتنمية على خطوة للحفاظ على هذه المهن التراثية، عبر تجديد بعض المحلات الخارجية للتكية وتسويق بعض المنتجات تحت مسمى “أبهة” ولكن بأسعار باهظة، توجهنا إلى رئيس لجنة سوق المهن اليدوية بدمشق عرفات أوطه باشي، للحديث عن هذا الموضوع وعما إذا كانت هذه الخطوة مجدية، لكنه رفض التحدث معنا بحجة أنه غير مخول للحديث عن الموضوع لحين الانتهاء من ترميم السوق، ولكن في حديث سابق لأوطه باشي العام الماضي لموقع رصيف 22، وصف تجربة “أبهة” بغير الناجحة، قائلاً: “الأمانة عملت كوسيط لا أكثر، وكانت تأخذ تعب وشغل المهن التراثية، ورأينا ما لديهم: عصير وصابون، هذا عيب. لدينا مهن تراثية هامة وعلينا دعم الحرفي، ومن الآخر أي دعم لغير الحرفي لن يصل إليه”. 

وأضاف آنذاك: “وإن كانت الأمانة السورية تهدف للحفاظ على التراث السوري، بإمكانها أن تجمع أصحاب المهن في التكية الكبرى مثلاً، أي ضمن كامل المنطقة التي تحتوي قاعات أخرى غير مكتملة، وبهذه الحالة يصبح السوق جامعاً للتراث المادي وغير المادي. المادي هو مكانية التراث، وغير المادي هي المهن التراثية، من دون أن تضع الأمانة موظفين، لأننا نريد أن يكون الاهتمام للحرفيين، وأن يكون الدعم لهم، أما غير ذلك فهي تجارة باسم الحرف التراثية”. 

أوطه باشي عبر عن أسفه خلال حديثه للموقع ذاته عن المبالغ الكبيرة التي صرفتها الأمانة لتنفيذ ديكور جديد للمحلات، وهو مجرد استبدال للقديم الذي كان أفضل، بينما كان بالإمكان أن توجه الأمانة تلك الأموال للحرفيين، ومن يريد أن يقدم دعماً حقيقياً عليه أن يلمس الوجع”.

شوارع دمشق تفيض بدموع أطفالها

شوارع دمشق تفيض بدموع أطفالها

“الله يحميك بدي حق أكل لولادي. الله يخليلك شبابك بدي ثمن دوا لإمي. أبي بحاجة عملية ساعدني. الله يخليك بدي حق خبز. منشان الله اشتري مني. عمو اشتريلي سندويشة. عمو بس بدي ميتين ليرة. الله يخليك بدي ثمن حليب لإبني. اجبور عني الله يجبر بخاطرك”. تلك بعض عبارات “الاستجداء” التي سمعتها من نحو عشرين متسولا ومتسولة (نصفهم من الأطفال) صادفتهم خلال جولةٍ قصيرة في بعض شوارع دمشق، وهم ليسوا سوى قلة من المتسولين الكثر الذين يظهرون في وجهك أينما اتجهت، بل ويتبعونك في كثيرٍ من الأحيان وهم يستعطفونك دون ملل. ولو أردت تلبية طلباتهم فستحتاج لميزانيةٍ ماليةٍ خاصة.
ولا يكتفي المتسولون باستجداء المارة في الشوارع بل كثيراً ما يدخلون إلى المطاعم والمقاهي ليستجدوا الزبائن أو ليعرضوا بضاعتهم البائسة التي يخفون تسولهم خلفها. فخلال جلوسي مع صديقي في أحد مقاهي الرصيف اقتحم جلستنا، التي استمرت لساعة، أكثر من عشرة متسولين، قاطعوا حديثنا بعبارات تسولهم، من بينهم: عجوز تجمع إيجار منزلها، طفلٌ يبيع العلكة، رجلٌ مُسنٌّ يردد بعض الأدعية، سيدة تتسول ثمن دوائها، أُخرى تجرُّ عربة شابٍ مُقعد، طفلٌ يريد ثمن وجبة طعام، طفلة تبيع الورد، أُخرى تبيع البسكويت.. الخ. وطوال الوقت كان النادل يحاول طرد المتسولين الذين كانوا “يتطفلون على زبائن المقهى” بحسب تعبيره، لكن جميع محاولاته كانت تبوء بالفشل، فما أن يذهب أحدهم حتى يعود الآخر في مشهدٍ يُدمي القلب ويستجلب الحزن إلى جلستك التي تحاول من خلالها أن تُرفِّه عن نفسك.
وعند أبواب بعض المطاعم الفاخرة، ستجد من يمسحون السيارات وينتظرون من أصحابها أن يدفعوا لهم أي مقابلٍ لقاء عملهم، الذي قد لا ينالهم منه حتى كلمة شكر، بل كثيراً ما يتعرضوا للطرد والتوبيخ.
وإلى جانب شكله المعتاد بات التسول يتخذ أشكالاً جديدة، إذ كثيراً ما يستوقفك بعض المارة العادين، الذين لا تبدو عليهم مظاهر التسول، ليطلبوا منك، بكل لباقة واحترام ودون أي توسل أو استجداء، ثمن علبة دواء أو وجبة طعام أو أجرة وسيلة مواصلات أو حتى سيجارة. وقد يقترب منك أحدهم، وأنت تقف أمام محلٍ لبيع الفطائر أو الحلويات، ليطلب منك أن تُطعمه شيئاً مما اشتريته.

جزء من الشوارع
منذ نحو أربع سنوات وبشكل شبه يومي يُشاهد أبو محمد (60عاما) جالساً على ذات الرصيف في ساعات المساء، واضعاً أمامه بضعة علب أدويةٍ فارغةٍ ليتسول من المارة ثمن الأدوية التي يُعالج بها مرضه المزمن. وعلى بعد مئات الأمتار منه يجلس رجلٌ خمسيني لساعاتٍ في مكانه، الذي اعتاد الجلوس فيه منذ نحو خمس سنوات، كاشفاً عن ساقه المقطوعة التي خسرها نتيجة الحرب ليستجدي استعطاف المارة.
وبين حين وآخر، تظهر في أماكن مختلفة إمرأة مُسنّة ذات ظهرٍ مُقوَّس، تسير بخطى متثاقلة مستعينةً بعكاز يسند جسدها المتهالك، وقد تجدها أحياناً جاثية على ركبتيها أو جالسة على قارعة الرصيف مسندة ظهرها إلى جدار ما, فيما يصدح صوتها الشجي والقوي ببعض الأدعية والابتهالات الدينية التي تستعطف قلوب المارة الذين اعتادوا وجودها خلال السنوات الماضية.
وبشكلٍ شبه دائم اعتاد ثلاثة مراهقين أن يظهروا في عدة مناطق، بهيئات ومظاهر مختلفة، فأحياناً تراهم يتسولون وهم حفاة، أو تراهم يبيعون العلكة والورد، أو يقفون على أبواب المطاعم والمقاهي، وقد تراكمت على ثيابهم أوساخ الشوارع التي ينشطون فيها، مذ كانوا أطفالاً، وكأنها منزلهم الوحيد، فيما ترى ملامحهم تتبدل يوماً بعد يوم، وهم يتحولون من الطفولة إلى المراهقة.
هؤلاء الأشخاص هم بعض من آلاف المتسولين الذين حفظهم الناس مذ أصبح حضورهم مشهداً مألوفاً واعتيادياً في الشوارع التي باتوا جزءاً من تفاصيلها، حتى يمكن ملاحظة غيابهم عنها في بعض الأحيان.

مع ساعات الصباح الأولى، تنشط حركة النساء الفقيرات القادمات من الأرياف واللواتي أصبحن جزءاً من المشهد اليومي للأرصفة التي يفترشن عليها بضاعتهن المرتجلة ليكابدن عناء العمل الشاق، فيجلسن لساعات طويلة في ظروف البرد ويتحملن مجادلة الزبائن ليتدبرن لقمة عيشهن المريرة بعد أن أصبحن المعيل الأساسي لعوائلهن. ذلك المشهد لم يكن مألوفاً لدى الشارع فيما مضى، وتعتبر هذه الأعمال غريبة على نساء المجتمع الريفي، بل كانت سابقاً حكراً على الرجال.
وتتنوع أنواع البضاعة المباعة وفقاً للإمكانيات الاقتصادية المتاحة، حيث تبيع أم محمود، القادمة من إحدى قرى غوطة دمشق، الأجبان والألبان ومشتقاتها، التي تُحضِّرها من الحليب الذي تشتريه يومياً من بعض المزارعين، فيما تبيع البيض البلدي الذي تجمعه مما تنتجه دجاجاتها ودجاجات جيرانها. وعلى رصيف آخر تبيع أم خالد، التي تجلس وسط أجواء الإزدحام الخانق، بعض منتجاتها المنزلية كالزيتون والمخللات والمربيات والخل، بالإضافة للزبيب والتين المجفف وورق العنب. فيما تبيع سيدةٌ مسنّة تجلس على مقربة منها بعض أنواع الحشائش والخضار الورقية، التي تزرعها في أرضها الملاصقة لمنزلها.
وإلى جانب البسطات المعتادة، ظهرت في الآونة الأخيرة بسطات بائسة وغريبة تفضح حجم معاناة من يقف خلفها ليبيع أي شيء يمكن بيعه، من بينها بسطات تبيع المعونات الغذائية (بقوليات، حبوب، معلبات، زيوت، منظفات، شاي، أرز وغيرها) التي تقدمها بعض الجمعيات الإغاثية والخيرية. فيما تنشط عربات صغيرة تبيع بعض أنواع الخضار والفاكهة بكمياتٍ قليلةٍ ومحدودةٍ تكشف حجم رأس المال البسيط لدى البائعين. وإلى جانب ذلك ستجد من يفرد على الرصيف مجموعة ثياب وأحذية مستعملة يبدو أنه جمعها من بعض المتبرعين أو من أناس تخلوا عنها، أو تجد أيضاً من يفرد بعض الأواني المنزلية المستعملة بما فيها الصحون والكاسات والفناجين والملاعق، بالإضافة لبعض التحف القديمة، والتي يبدو أنها جُمعت من بيوتٍ عدة.

في ساعات الليل، بات من المألوف أن ترى من ينام على الأرصفة وداخل الحدائق في معظم أحياء دمشق والمناطق المحيطة بها. وفي كثير من الأحيان قد تعبر أقدام المارة محاذاة جسدٍ ما حتى تكاد تتعثر به. وسنكتفي هنا بذكر بعض المشاهدات التي رُصدت ليلاً في مدينة جرمانا.
على أحد الأرصفة ومع ساعات الليل الأولى يفرش رجلٌ ستيني تحت جسده بعض الكراتين وأكياس الخيش، يتغطى ببطانيتين ويضع حقيبته كوسادة تحت رأسه ويَغطُّ في نوم عميق، غير عابئ بما حوله. أخبرنا بعض المارة أنه لا يمتلك منزلاً ويعمل في أعمال متفرقة ليتدبر قوت يومه.
على بعد نحو مئتي متر منه، أوقفني صوت فتى خلال سيري في الشارع: “عمو قديش الساعة”. اتجهت لمصدر الصوت، فوجدت الفتى ممدداً على الرصيف قرب فتىً آخر، في جو من العتمة الدامسة التي تحجبهما عن أعين المارة، وقد كانا يستعدان للنوم.
مشهد آخر لثلاثة أطفال يفترشون رصيفاً آخراً ملتحفين بعض البطانيات المهترئة. يتسامرون ويضحكون قبل أن يخلدوا إلى النوم وكأنهم جالسين في غرفة نومهم. وحين مررت بجوارهم أوقفني أحدهم ليطلب بعض السجائر.
وفي الشارع ذاته، كان طفلان يداعبان بعض الكلاب الشاردة، يطعمانها بقايا الفطائر التي اشتراها لهما بعض العابرين. وعلى الجهة المقابلة للطفلين، يجلس شابان قرب حاوية قمامة ويشعلان داخل تنكة فارغة بعض الأخشاب والكراتين ليحظيان ببعض الدفء، فيما يأكلان بعض حبات البطاطا والبصل التي يقومان بشوائها داخل التنكة.
وليس ببعيد عنهما صادفت طفلاً يبكي بحرقة ومراراة. لقد سرق بعض الأطفال المتسولين منه ما جناه طيلة اليوم ولا يمكنه العودة إلى بيته خالي الوفاض. ذلك حدثٌ كثيراً ما يتكرر مع أطفال الشواع. بعض المارة الذين تعاطفوا مع الطفل جمعوا له مبلغاً من المال حتى توقف عن البكاء وعاد إلى بيته.
مشاهد درامية تَحفَل بمئات التفاصيل المؤلمة والمؤثرة، تجرح بصرك وتُمزِّق قلبك وأنت تعاينها كل يوم. شوارع وأرصفة وحدائق باتت مسرحاً لحكايات الفقراء والمتسولين والهائمين على وجوههم، تعكس سيناريو الواقع المرير الذي خلفته آثار الحرب وما تبعها من ظروف اقتصادية مزرية جعلت أغلبية السوريين يعيشون تحت خط الفقر.