by فراس غصون | Apr 6, 2025 | Cost of War - EN, Culture - EN, بالعربية, Articles - EN
عن Ayrout’s Listوالهويّة الجامعة
نسمع من النّاجين في بانياس حكاياتٍ عن شيخٍ يشبه ليام نيسون، حلّ لغز عبور النّهر، مع ضبعٍ وذئبٍ وعلويّ.
وعن نصف جيرةٍ أنقذت نصف طفلٍ وأعادته إلى أمّه، تُناغيه نصف مناغاةٍ، وتُرضعه نصف رضعة.
كما يصلنا احتفاء الضّحايا بالإعتراف بهم كضحايا، وامتنانهم لجيرانٍ ما كذبوا ما رأوا. جيرانٌ صادف أنّهم -وفقط في هذه البلاد- بهالاتٍ فوق رؤوسهم وأجنحةٍ على ظهورهم.
ونقرأ بعد المجازر، بمعرض الشّهادات البائسة على الهويّة الجامعة، كيف مثلاً ليس لأحدهم متبدّلٌ عن سُفرة الآخر، عن البلد لضرورات المائدة، عن لذّة عرق العلويّين مع شنكليش التّركمان، يقول سكارى. ثمّ عن زيجاتٍ بين الجماعات السّوريّة، وعن أطفالٍ خلاسيّين وفيهم هُجنة، تسمعهم شتاءً يُحمحمون مثل عمومتهم، وفي الرّبيع يُغرّدون كما أخوالهم.
«كان يا ما كان، وثارت العصافير البيض، وثورتها -ككلّ ثورةٍ-كانت هي الشيء ونقيضه. وانضمّ إليهم عصفورٌ أسود، فأحبّوه خاصّةً، وميّزوه وأفرطوا في تدليله. لكنّ هذا أحرج العصفور الوافد، وشعر أنّه ضيفٌ وأنّه طارئٌ، فطار.»
ما أكثر ما يبيض في هذه البلاد!
البلاد الآن ضعيفةٌ كالزُّلال، تحتاج من الكل أن يرعاها، أي أن يؤجّل سؤاله: أيّ مسخٍ تُرى سيخرج من هذه البيضة؟
ثمّ ما أكثر ما يبيض في هذه البلاد! لا أتتبّع سقطات أحدٍ، وليُعن الله كلاًّ على كلٍّ، لكنّي ما ظننتُ أنّ أمر خيار النّاس يصير إلى هذا! فمن قال اليوم أنّ السّفه قد يُلتمس فقط بين الرّعاع دون العقلاء فقد كذب.
احتشد الجمهور، وجيء بعازف مزمارٍ خائبٍ يُرقّص ثعباناً عملاقاً بألحانٍ نشازٍ تقشعرّ منها الجلود وتشمئزّ منها القلوب، كما في الحديث. وحين همّ النّاس بالمغادرة اكتشفوا ورطتهم، بأنّ عليهم أن يُكملوا عرضاً لا آخر له، بل ويطنبوا في استحسان أداء العازف الفاشل، ويحمّسوه متشوّقين ملحّين آنسين مستمتعين، لأنّه لو توقّف عن العزف، نهشهم الثّعبان.»
ربّانيّةٌ كفرض عينٍ ومُسلّيةٌ كرحلات الصّيد
والله لست أعلم أيّها أحقّ بالنّدب، القرى التي أحرقوها، أم تلك الّتي خرجوا منها؟
استعرتُ منك يا ربّ وقُلتُ: “إذا دخلوا قريةً أفسدوها”، مع أنّهم ليسوا ملوكاً، لا ولن يكونوا. والعاقل -سيّما النّوع الذي يُقطع بالسّكّين- يحذرهم.
ثُمّ أنت يا ربّ كعادتك، تغيب حيث لا يُنتظر منك ذلك. لا تقل لي كانت مجزرةً منطقيّةً، وأنّ حرب 14 سنةً كانت مجرّد فتيلٍ، لا تُعزّيني بتهويدة: كان يمكن أن تكون الإبادة أوسع! لا لن أنام.
ليس هو السّؤال اليوم عن إراقة الدّم، لا عن إباحته، بل عن تسجيعه. إنّهم يسجعون في الدّم يا الله.
والمنسيّون في تلك القرى عاتبون عليك، كان الرّجل منهم لا يمدّ رجليه بحضرة جليسه، كانت الجدّات يستنشقن أحفادهن. مدَّ خنصرك لأقاطعك، أنا يكفيني بغزوات عبادك -وهم يقتلون لكسر ملالةٍ- موعظةً إن اتّعظتُ، واسمع هذه لك يا ربّ:
«جاء رجلٌ يتعبّد، فوجد طابوراً طويلاً على باب المعبد، لكنّه لمح غير بعيدٍ خمّارةً غير مزدحمة.
بتلك البساطة، يتحدّد إيمان أو كفر الرّجال الّذين لا يُحسنون الوقوف في الطّابور.»
هي وطنٌ نهائيٌّ لو الأبقار تغرّد
يقف إدوارد نورتن بدور مونتي بروغان في فيلم 25th Hour أمام مرآة الحمّام ويقول:
اسمعوا أيّها الأغبياء في الجماعات والقوميّات والأديان والمذاهب والأتباع والموالي والشّيع، وكلّ من تعصب لأحد تتمسّحون وتتبرّكون بظنّيّة الهويّة، مع قطعيّة الحياة المتعذّرة بينكم، وفراديسكم متحاربةٌ وهي ليست أصلاً على هذه الأرض. اطرحوا عنكم كلّ أملٍ، فالبلاد قد اختارت عليكم، ولستم فيها بأثبت من دبابيس على الخريطة. أنتم خطرٌ ، وفروقاتكم صار لا يُجدي فيها مبردٌ أو فرشاة. يجب أن يُحجر عليكم لعدم الأهليّة، وأن تفصل بينكم الحواجز، بحيث لا يأكل أحدكم أطفال الآخر، أو ينزو على امرأته.
أخوة؟ لولا خجلي من عربيّتي لقلتُ: وحدها حديدةٌ محماةٌ بوسعها أن تؤاخيكم.
«انتهى الاقتباس».
«يُحكى أنّ الأبقار كانت تغرّد ابتداءً، ورُوي عن رجلٍ من أبناء آدم، حلفت له امرأته: أنا عليك حرامٌ حتى تُنهي فلاحة الأرض. فصار يضرب الثّور حتّى جأر.»
by وداد سلوم | Feb 9, 2025 | Culture - EN, Reports - EN, العربية, بالعربية, All Reports, Articles - EN
حاولت السينما السورية إضاءة الواقع وأثر الحرب الطويلة على الناس والبلاد، فكان هناك ما انتجته المؤسسات الرسمية وكان هناك في المقابل ما اعتمد على مؤسسات مدنية وجمعيات أو جهود المخرجين بشكل مستقل.
يتناول المخرج السوري حسام حمو في فيلمه فطام وهو أيضاً من إنتاجه وتأليفه، عينة من الأسر السورية في الداخل (اللاذقية) والتي وصلت كغيرها إلى حالة من انعدام الأفق وفقدان الإمكانيات، ما دفع جيل الشباب عموماً إلى الهجرة حتى كادت البلاد تفرغ من شبابها وذلك سواء هرباً من وقائع الحرب أو من قبضة السلطة الأمنية والتضييق على الحريات، أو هرباً من أداء الخدمة الإلزامية التي صارت كابوساً على جيل الشباب كله، أو للبحث عن عمل في الفترة الأخيرة.
وفطام فيلم قصير لا تتجاوز مدته 27 دقيقة وقد عرض في مهرجان فاميك للفيلم العربي في فرنسا، وسيعرض في مهرجان أفلام البحر المتوسط (كان – ميلان – أثينا) ومهرجان الإبداع العربي في مصر ومهرجان داكا السينمائي في بنغلادش ومهرجان سينمانا في سلطنة عمان.
زمن الفيلم القصير هو سهرة عائلية تجمع أسرتين على العشاء بينما يتجهز الابن للسفر الذي يصبح أمراً واقعاً بعد اتصال السائق الذي سيقله. لتصبح تلك السهرة آخر ما يحمله الشاب من ذكريات وكأنه العشاء السوري الأخير له.
سهرة عائلية بسيطة تعكس حياة السوريين جميعاً من تلك العتمة التي تطغى على كل الحياة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي بينما في الحقيقة تلك الظلمة تعشش في الحياة العامة وتصبغها، وكيف يسارع الجميع عند وصل التيار لشحن كل الأجهزة من البطاريات والموبايلات التي صارت نافذتهم الوحيدة على العالم وصلة الوصل مع أحبة في الطرف الآخر من الجغرافيا، لكن زمن وصل التيار القصير يجعل كل هذا غير ممكن.
في هذه السهرة البسيطة يتجادل الآباء في السياسة ويمتد النقاش بينما يكتفي الآخرون بالاستماع غالباً لأن البعد بين الكلام النظري والواقع بات شاسعاً ولا يمسهم أو يعبر عن الحالة التي يعيشونها. خاصة وقد تطور الحديث إلى الانتماء ومفهوم الهوية، بينما في الواقع يشهدون جميعاً تمزيقها عن كثب، حيث في الطرف الآخر من الطاولة شاب سيغادر بعد ساعات إلى المجهول.
يذكر أن لحسام حمو فيلمان، “سبات” المنتج عام 2023 والحاصل على ثلاث جوائز عالمية منها جائزة لجنة الافلام الروائية العربية في مهرجان البحرين السينمائي ومدته 13 دقيقة، و الثاني فيلم “فراغ” ومدته 7 دقائق وهما فيلمان يعتمدان على الموسيقا أكثر من الحوار لكنهما حسب قوله يشكلان مع فيلمه الجديد فطام مشروعاً واحداً هو رؤيته للواقع السوري المهترئ والمتردي قبل سقوط النظام والشخصية السورية التي وسمت بالفقدان على كل الأصعدة فقدان العائلة وفقدان الأمل وفقدان الحب.
وقد اعتمد في فيلمه الجديد فطام على شخصيات خارج الوسط الفني لكن بعضهم من مثقفي مدينة اللاذقية إذ قامت بدور الأم الكاتبة القصصية مي عطاف وقام بدور الأب الكاتب والرسام عصام حسن وشاركت أيضاً سوسن سليمان الراهب وكانت الشخصيات بشكل عام في دورها الأول. يقول المخرج إنه كان حريصاً في اختياره لهم وفق معايير معينة وإن دافعهم للعمل كان إيمانهم بالفكرة والمشروع الذي يقدمه.
رغم أهمية أفكار الحوار لا يتوقف المشاهد عنده إذ تأخذه تعابير الوجوه والتعليقات التي ترمى خلال ذلك إلى عالم الشخصيات الحقيقي الذي يلتقطه بسرعة، حيث يعيش الجميع حالة الترقب ثم الحزن والانتظار في وداع الشاب الذي حزم أمتعته، الموسيقا التي تكمل حالة الانتظار وتمنح البعد العميق لهشاشة الإنسان بينما نجد الرجال عالقين في النقاش السياسي والفكري سنرى أن النساء يتفاهمن ويتبنين رأياً واحداً بشكل غير متفق عليه.
وهذا يأخذنا إلى معاناة الأم السورية الواحدة التي تتجلى فيها محنة البلاد التي وصلت إلى القاع أو الجحيم وكأنها إنانا (عشتار) في رحلتها إلى العالم السفلي بعد أن وصلت إلى الدرك الأسفل بسبب واقع المعاناة جراء فقدها لأبنائها وعالمها وحريتها، وهو ما يعبر عنه حسام حمو صراحة إذ يقول إن الفيلم مستوحى من أسطورة هبوط إنانا إلى العالم السفلي.
والعالم السفلي عالم الأموات هنا أبعد من الموت الجسدي إنه المجاز حيث يتحول الفرد إلى مجرد جسد على قيد الحياة.
في بداية الفيلم نرى الأم في الحمام وقد نسيها الأبناء في العتمة مستسلمة لواقع الظلام في أكثر الأماكن انعزالاً في الحياة الشخصية ودون أي رد فعل وكأنها في القبر وحين ينتبهون لذلك و يشعلون لها الضوء تبدو كأنها في عالم آخر ثم تبدأ بخلع زينتها وأساورها وأقراطها وغسل وجهها وكأنها (إنانا) في رحلتها إلى العالم السفلي حيث يتم تجريدها وبشكل تدريجي من زينتها كشرط لدخولها إليه، وتنفذ صاغرة بعد ان بدأت رحلتها تلك، تخرج مي عطاف (الأم) بعد ذلك ساهمة عن كل شيء حولها فتعيش غربتها الخاصة وانفصالها عن الحياة وكأنها الأمهات السوريات كلهنّ وربما سوريا التي تعيش غربتها بين أبنائها.
وبينما تدور النقاشات والأحاديث في السهرة تقوم الأم (إنانا) باستحضار الذكريات من ماضي العائلة وذكرياتها مع ابنها الذي سيذهب بعد حين في هجرة لا تستوعبها حد الإنكار فهي لا تستطيع احتمال هذا الانفصال عنها إذ لم تزل كأي أم ترى أبناءها بعين الأمومة صغاراً يحتاجون الرعاية، فتنتبه إلى صحنه وتناول طعامه، في الوقت الذي سيغادر بعد حين إلى المجهول، وهو ما يأخذنا إلى عنوان الفيلم “فطام”، والذي يبدو هنا فطاماً قسرياً مزدوجاً في ابتعاد روحي ونفسي عن الانتماء الطبيعي للأم البلاد.
تدور الكاميرا في البيت فنرى الباب المقفل والأبواب المغلقة كتعبير عن حالة العزلة والوحشة المحتشدة في حياة الأشخاص حيث اللاأفق يحكم حياتهم جميعاً وكأن السفر صار هو الحل او النافذة الوحيدة المفتوحة على الحل.
يمتد إنكار مي عطاف (الأم) للواقع ولسفر ابنها الذي صار شاباً، فحين الوداع تصعد على كرسي لتعانقه لتحتفظ بذلك الموقع المشرف من الأعلى وكأنها تتحايل على الزمن الذي جعله شاباً أطول منها وتدس في جيبه مالاً إضافياً مستذكرة أيام الطفولة والخرجية التي يأخذها الأولاد من الأهل، بينما تتردد أغنية التهويدة مع أمي أصحو وأنام كأنها تشبع روح الأم المتشبثة بأبنائها والتي تريد المغادرة معهم فالمكان دونهم ليس مكاناً، كأنه ذلك العالم السفلي الذي وصلته مرغمة فهو ليس عالمها ولهذا ربما أراد المخرج في إشارته تلك إلى سحب المشاهد نحو الأمل بالقيامة التي ترافق عودة إنانا إلى عالم الأحياء وانتصارها على عالم الموت والجحيم وانتظار تلك العودة .
يسجل لحسام حمو أنه استطاع إدارة الممثلين في ظهورهم الأول والوصول للمشاهد مع جدل متقن لعمق الفكرة والتماس المباشر مع معاناة السوريين جميعاً.
by أسامة إسبر | Feb 4, 2025 | Cost of War - EN, Culture - EN, العربية, بالعربية, Articles - EN
بين اللطم المشهديّ في الشوارع “ولبّيك يا حسين” إلى “أعزّنا الله وأذلّكم”، و”الشام عادت إلى أهلها أمويّة أمويّة رغم أنف الحاقدين”، وفي ظلّ حملةٍ أمنية متبّلة، في بعض تصريحاتها، ببهارات الانتصار الطائفية، ومشهدية صارخة لمعاملة الآخر المعتقل كحيوان وإجباره على النباح أو العواء، وفي غياب شكل تمثيليّ واضح للحكم في سورية، تأفل بلاغة المهزومين، الذين يُخْتزلون بكلمة فلول، وتسود بلاغة المنتصرين، الذين يحكمون شفوياً ببلاغة المنتصر على غيره. تُمْحى شعاراتٌ، وتُطْلقُ شعارات جديدة ، تُزال المساحيق عن هويّات، وتنفضُ هويات أخرى عن نفسها غبار الكبت والتهميش وتستيقظ، لكنّ الثقافة التي تقود الحياة هنا لم تتغيّر من حيث الجوهر، كمثل جدران المدينة التي وقعت في شبكة هندسة عمارة عشوائية في متنها وهوامشها. وفيما تنبري الأقلام للحديث عن “نظام الأبد” وسقوطه، وما بعده، يطلُّ وجه المدينة المعماريّ المدمّر في بعض أجزائه، والمتآكل والمتسخ والمتشقق، على مجهولٍ يصعب اكتناهه، وتبقى مرحلتها الانتقالية طحيناً يحتاج إلى من يعجنه كي يخبز رغيف التمدّن والمواطنة، ويقدمه على مائدة الحاضر بينما تستيقظ ثقافة الاتباع المقموعة وتكشّر عن أنيابها.
اختُزلت دمشق في السياسة وصراعاتها، في الدين وتمذهباته، في الانقلابات والتهميش والتفرد بالسلطة والأيديولوجيات الإلغائية الأحادية، في التنكيل الأمني والبراغماتية المزدوجة، وغابت دمشق الثقافة والمواطنة والحرية والديمقراطية، لكن دمشق ليست سياسة فقط بل جيل جديد مختلف من الشبان والشابات جائع للحياة الكريمة، هي ماض وحاضر ومستقبل وعمارة واجتماع وحداثة وتخلّف وتقدّم ورجعيّة وسلفيّة وراديكاليّة، هي سنة وشيعة وعلويون وأكراد وشركس وأرمن وتركمان ومسيحيون ودروز وإسماعيليون، وهي أيضاً علمانيون ويساريون وقوميون وسلفيون وأصوليون ومتدينون غير مسيسين وملحدون وصوفيون وبشر عاديون لا يُصنّفون في هذه القوالب، وهي شعراء وسينمائيون ومسرحيون ونحاتون ورسامون وصحافيون ومفكرون وموسيقيون ورياضيون ونساء يناضلن من أجل قضايا النساء وجمهور متعطش إلى أن يعيش حياةً مدنية، أن يتنفّس هواء الحرية، التي حُرمَ منها على مدى عقود.
قضى حزبُ البعث على الثقافة، وقاد الدولة والمجتمع إلى الخراب. وفي ظلّ نظامه العسكريّ لم يعبر في سوريا وزيرُ ثقافةٍ واحد صنعَ ثقافةً حقيقيةً، ولم يعبر وزير تربيةٍ بنى مدرسة حقيقية، أو وضع مناهج تواكب العصر وتطور المعرفة، ولم يُعيّن وزير دفاع انتصر في معركة حقيقية، أو وزير إعلام صنع صحيفة حقيقية تستحقّ القراءة، أو يمكن تُقارن، على سبيل المثال، بالصحف اللبنانية الرائدة. ولم يستقل أي من هؤلاء احتجاجاً حين لم يحدث ذلك. كانوا كلهم قابلين بالوضع القائم ومتنفعين من سلطة الوظيفة. وكان السوريون، الذين يحملون فكراً مغايراً، ينشرون في صحف خارج البلاد، والقراء الحقيقيون يهرّبون ما يقرأونه لأن مدينتهم لم تكن مدينة ثقافة، كانت مدينة سياسة مراقبة أمنياً، ومفصّلة على مقاس “القائد الخالد” ووريثه. وفي هذه الظلال كانت دمشق تخون المدينة كتمدّن وتحضرّ وانفتاح وعمران، تتوسع عشوائياً وتزدحم وتضيق بسكانها، وتنتقل من هوية قسرية إلى أخرى في إعلانات استعراض القوة والهيمنة على شاشة السياسة. ونسمع اليوم عبارات وتصريحات مفخّخة مفادها أن دمشق عادت إلى أهلها، فهل الأهل الذين عادت إليهم ديمقراطيون ومنفتحون يؤمنون بدولة المواطنة أم أيديولوجيون ومذهبيون، لا يجسّدون دولة المدينة، ولم ينتظموا بعد في شكل حكم يعكس التنوع والتعدد السوري؟
ثمة من يصوغ في دمشق سرديةَ صراعٍ بين هويتي الغالب والمغلوب، ويشحنها بالأيديولوجيا، وكلتاهما قسرية ومستعادة، ماضوية وسلفية، لا وجود فيها للآخر، المُخوّن والمكفّر. تتواشجُ هذه السردية مع قبح الهوية المعمارية، ذلك أن جمال العمران في دمشق موضع شبهة، ليس فيها فنّ عمارة يمنحها هوية جمالية، كما أن خصرها مطوّق بأحزمة بؤسٍ من بيوت مرتجلة وعشوائية مخالفة بُنيت بين عشية وضحاها، ومهددة حتى بالهزات الخفيفة على مقياس ريختر.
في كتابها (حياة وموت المدن الأمريكية الكبيرة) الصادر سنة ١٩٦١ تحدثت جين جاكوبس (١٩١٦-٢٠٠٦) عن هوية المدن، ودعت إلى تصميم معماريّ أكثر عضويةً للمدينة يتمحور حول الإنسان لأنّ هوية مدينة ما ليست نتاج هندسة عمارة مهيبة، أو تصميمات تذكاريّة فحسب، بل تُبنى من خلال التفاعلات اليومية لسكانها. وتحدّث باحثون آخرون عن مدن تتوحّد فيها البشرة البيضاء مع السمراء، ويتجاور مطعم إثيوبي مع آخر ياباني وصينيّ وعربي ومكسيكي وإيطالي، ويتجاور معبد بوذيّ مع مسجد أو كنيسة أو كنيس، وهناك أيضاً البار والمقهى، ويعيش في المكان الملحد والمؤمن واللاأدري، والراديكالي وغير المكترث بهذا كله، وتسير المرأة محجبةً أو سافرة دون خوف. وتولد في المدينة حياة شارع حية، بوجود جماعات متنوعة تنغمس في أنشطة يومية، تكوّن بذلك هويتها. فالتنوع الثقافي والعرقي والقومي والديني، في تجلياته الحضارية والثقافية المنفتحة والمعانقة للآخر، هو الذي يصنع المدينة، ودمشق لا قيمة لها إلا في إطار العناق بين ابن الريف وابن المدينة، ابن الشمال وابن الجنوب، ابن الساحل وابن الداخل، ابن البادية وابن السهول والجبال، وبين الكردي والعربي، وبين المسيحي والمسلم، ولا قيمة لها من دون خصوصية درزية وخصوصية إسماعيلية وخصوصية شيعية وخصوصية سنية وخصوصية مرشدية وخصوصية علوية وخصوصية مسيحية، شرط ألا تتعدى هذه الخصوصيات حدود الإيمان والعلاقة بين الذات وخالقها، وألا تفرض نفسها على الآخر من خلال السياسة القمعية. وهذا لا يتحقق إلا في دولة مواطنة، تمثل الفروق، وتحميها، وتنطق باسمها من أجل مصلحة الجميع.
إن دمشق خلطة قابلة للتطوير مفتوحة على مزيد من التنوع وهذا ما يمكن أن يمنحها هوية جمالية وثقافية وحضارية استثنائية، وبسبب هذه القوة الحضارية الكامنة فيها لم تصمد الدكتاتورية العسكرية، ولن تصمد الدكتاتورية الدينية، ولهذا لم تصبح مدينة للطم، كما لن تصبح مدينة أموية بالمعنى الأيديولوجي. لن تكون دمشق النقية الصافية التي لوّثها غبار الأرياف، الذي تحدثت عنه جمعيات أرستقراطيي دمشق، الذين كانوا يعيشون في منازل فخمة ويرتادون الفنادق والمطاعم الفاخرة ويظنون أن أفقهم هذا هو المدينة الحقة. إن ما يمنح دمشق عظمتها هو هذا الخليط العجيب، الفسيفساء السورية الإبداعية، التي يجب أن تصنعها الآن بالمعنى السياسي والثقافي، ذلك أن الهوية مستقبل وليست ماضياً، إبداع ينطق بمكونات الحاضر، ويقودها نحو أفق جديد من الانسجام، وليست استعادة لشكل من الماضي. وإذا كان لونٌ قد طغا على آخر في لعبة السياسة، وبفعل الاستبداد ودكتاتورية الأسد العسكرية المتوحشة، التي قامت على التغول الأمني، فإن لوحة دمشق بحاجة إلى إعادة رسم بألوان متعددة تعكس تنوعها الثقافي الفريد. ولهذا لن تكون دمشق سنية ولا علوية ولا شيعية ولا مسيحية ولا درزية ولا إسماعيلية، لأنها القلب الذي يجب أن ينبض بهذا التعدد كله، وبمن يصنعون لوحتها الفريدة في شكل حكم متطور وديمقراطي، ما يزال حلماً، شكل حكم يحتضن المواطنة الحقة، المحمية بالحقوق. وإذا كانت دمشق ستعود إلى أهلها يجب أن تعود إلى أهلها مواطني دولة المواطنة والقانون، إلى من يجعلون منها مدينة فريدة بتعددها وألوانها الثقافية، تزهو بين الأمم، لا إلى أهلها المفرغين في قوالب مذهبية وأيديولوجية أحادية التوجّه والبعد، لهذا يجب ألا يُنظر إلى دمشق كمدينة مكتملة تعيش في الماضي، يمكن أن تُسْرَج وتُلْجَم مذهبياً، أو ”نوستالجياً“، بل بوصفها مشروعاً مفتوحاً على البناء والتطوير المتواصل في أفق الحرية.
لقد دمّر عنف السلطة الاستئثاري بكرسي السلطة دمشق على الصعيد العمراني والاجتماعي، ولهذا تحتاج إلى علاجٍ في غرفة العناية الفائقة لأبنائها المؤمنين بها كمدينة للجميع، وإعادة نظر في هويتها كمدينة معمارياً، ذلك أن نظام البعث لم يكن يهمه إلا ”تماثيل القائد الخالد“ وتماثيل ابنه، ولم يصرف على الارتقاء بجمال العمران، وحين ثار عليه ريفها دمّره دون رحمة. وما يبدو جلياً في دمشق هو تشوهها المعماري واتساخها وضيق شوارعها وتخلخل بيوتها وغياب أفق التنفس والمواصلات المريحة والحياة الكريمة. أما في دمشق القديمة على سبيل فليس هناك انسجام جمالي بين العمارات، وتهيمن عليها النزعة التجارية الاستهلاكية، وتحولت البيوت القديمة فيها إلى مطاعم وحوانيت وبارات. ويفتقر القسم الحديث من دمشق إلى تناغم معماري، إذ تختلط المباني التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية مع العمارة العثمانية والمباني الحديثة من حقبة ما بعد الاستقلال، ما شوّه وجزأ هويتها المعمارية.
ما يريده السوريون عموماً في النهاية هو مدينة جميلة ونظيفة يسودها التمدن وتزدهر فيها الثقافة والصحافة الحرة ويسكنها المواطن، ابن دولة المواطنة، التي يتم فيها تداول السلطة ديمقراطياً بانتخابات نزيهة، مدينة لا تختزل أبناءها في طوائف، ولا تقولبهم في توجهات سياسة أو مذهبية أحادية، وتحرس حريتهم كي يعاودوا رسم هويتهم الفردية، وابتكار انتماءاتهم في هذا الضوء. بالتالي لا شيء إلا فضاء الحرية هو الذي يسمح للذوات التي تعكس التعدد والتنوع الثقافي بأن تكبر بنفسها وبمنجزها وتتناغم حضارياً وسياسياً وثقافياً، وتبدع وجودها المدنيّ، وتبني المؤسسات والمعايير الاجتماعية المشتركة، وأنظمة التعليم التي تعزز الهوية المدنية وتنتقل من الإنسان المتمذهب والمفرغ في قوالب إلى الإنسان المتمدن، العام، المتجاوز للحدود العشائرية والطائفية والعرقية، والمتمرد على القوالب التي يفصّلها عميان الأيديولوجيا.
by Noura Aljizawi | Jan 31, 2025 | All Reports, Articles - EN, Culture - EN, Reports - EN, Reviews - EN
In a world marred by conflict and displacement, the concept of ‘home’ takes on profound significance. Dr. Ammar Azzouz, a Syrian British architect, delves into the question, “What does it mean to lose home?” in his exceptional book, “Domicide: Architecture, War and the Destruction of Home in Syria.” Through this work, he provides a bold analysis of the ongoing crisis in Syria, focusing particularly on the city of Homs, a microcosm reflecting the challenges faced by a nation torn apart by war.
At the heart of Dr. Azzouz’s exploration lies the thought-provoking concept of ‘domicide’, encapsulating the deliberate destruction of homes during the conflict. ‘Domicide’ embodies the suffering of those whose homes have been decimated by the ravages of war. Azzouz takes readers through the pain and anguish experienced by those uprooted and whose dwellings have been ravaged, all within the context of Homs—a city they hold dear. Homs, being the third-largest city in Syria and referred to as ‘the capital of the revolution’ during the uprising, mirrors the broader struggles of a nation grappling with post-conflict challenges. It serves as a lens through which to examine the intricate process of reconstructing lives, homes, and communities.
What distinguishes ‘Domicide’ is Dr. Azzouz’s intimate connection to his subject. Hailing from Homs himself, he infuses his analysis not only with academic rigor but also with a deeply personal understanding of the emotional landscape. Homs transcends being just a case study; it becomes a part of the author’s identity, lending authenticity and resonance to his words that are both tangible and profound.
The book offers a comprehensive exploration of the Syrian crisis, focusing its lens on Homs. Core to the text is the notion of ‘domicide,’ resonating powerfully within Homs, a city affected by the complex interplay of wartime and peacetime dynamics. Azzouz effectively challenges conventional paradigms of displacement, destruction, and reconstruction analysis.
By entering the narrative on the concept of ‘home,’ the book investigates the profound ramifications of domicide on internally displaced residents and Syrians scattered across foreign lands. Through this lens, the author transcends surface-level assessments of monumental site destruction, considering the intricate realm of physical and sociocultural trauma—the visceral aftermath of being uprooted from cherished abodes.
This work examines not only the process of rebuilding lives, dwellings, and sanctuaries within and beyond Syria’s borders but also presents a holistic view of the ordeals faced by those forcibly torn from their homes by conflict. Furthermore, the book shines a light on overlooked aspects of everyday existence during the conflict, highlighting the resilience and everyday struggles that often fade into obscurity when viewed solely through the refugee-focused lens.
Azzouz’s meticulous exploration within the context of Homs poses a stark challenge to the dehumanizing impact of citywide destruction—a trauma experienced both in peacetime and conflict. Amidst the wreckage and the subsequent journey of reconstruction, the author underscores the need to prioritize communities within these efforts. The narrative advocates for a pivotal shift, one that encompasses the narratives of refugees and also those who tenaciously uphold their cities amidst the tumultuous backdrop of conflict and rebuilding.
Azzouz’s immersive narrative takes readers deep into Homs, capturing its essence both before and during the tumultuous events of 2011. Through his skilled storytelling, he introduces the concept of ‘domicide,’ illustrating its impact through the lens of ‘slow violence.’ This perspective adds a haunting layer to the narrative as it becomes evident that the destructiveness experienced by Homs transcends wartime, extending into times of ‘peace.’
Homs’ history of suffering extends beyond conflict. Azzouz traces the city’s evolution from subtle waves of slow violence to the intense, radical destruction defining the post-2011 era. This pattern of violence dates back decades, with the city’s traditional homes and cultural heritage systematically erased under the guise of modernization and development. The city’s architectural legacy and cultural identity eroded, replaced by towers, governmental buildings, and car parks. The removal of ancient trees exacerbates the loss of Homs’ historical memory.
In this evolution, the battle extended beyond physical structures. The city’s identity-shaping trees, like Acacia in Al-Ghouta Street and Palm in Hamra Street, fell victim to peacetime ‘domicide.’ Uprooted and replaced with foreign trees, this transformation occurred without the consent of the people, leading to what Suad Jarrous, a Syrian writer and journalist, termed the ‘assassination’ of Homs’ urban heritage in the name of modernization. The redesign seemed to prepare the city for war, “making these streets wide enough for tanks, and to clear the views from the trees for the snipers to kill.”
Significant changes in Homs began with proposed projects in 2007, part of the former governor Mohammed lyad Ghazal’s vision. However, these plans, known as ‘The Homs Dream,’ were controversial and led to social, cultural, and environmental upheaval. The project aimed to replace parts of the city with high-rise buildings, attracting Gulf investors and erasing the city’s fabric. Homsis called it the ‘Homs Nightmare.’ Grassroots groups and impacted communities opposed the transformation that would replace their lands with golf clubs and skyscrapers, leading to demonstrations and a rejection of the project.
The first sparks of the uprising ignited in Homs in March 2011. Protests organized by grassroots activists and dissenters echoed their yearning for ‘Freedom, Dignity, and Justice.’ However, it was the collective resistance that defined the revolution, with the ‘New Clock Square’ embodying the collective strength to reshape the city. On April 18, 2011, thousands gathered peacefully for a sit-in at the square, which turned into the ‘Clock Massacre,’ resulting in loss of life and disappearances.
Attempts to reclaim this symbolic space were violently suppressed, particularly after April 2011. The regime’s strategy shifted, gradually dividing the city into pieces by obstructing roads and limiting movement, “space was weaponized. As divisions restricted people’s movement, each neighborhood started to become like a city within the city.” Violence reshaped the city irreversibly, and divisions transformed into cement walls and checkpoints, segregating neighborhoods. The war zone expanded into a siege, denying access to aid and medicine. The obliteration of homes became a tool of forced displacement, erasing communities.
Years of siege followed by forced displacement shattered the city’s fabric, dislodging people from their homes and erasing identities. A once-familiar city became disorienting, inducing a sense of exile even among those who chose to remain. This feeling of estrangement isn’t confined to those forcibly displaced; even those who stayed in Homs share this sentiment.
The discourse on conflict-induced displacement in Homs overlooks critical perspectives. The international focus often fixates on historical sites, overshadowing the voices of those who lost their homes. Internally displaced people (IDPs) are similarly marginalized. Furthermore, there’s a tendency to perceive the destruction as an isolated incident, ignoring its orchestrated nature.
Forced displacement and losing ‘home’ have profound emotional implications. The interplay of community, neighborhood, and personal connections becomes disrupted. This intricacy is challenging to express, as ‘home’ encompasses our families, emotions, and fears. In the words of Zankawan, a forcibly displaced woman from the old city of Homs, every form of loss is a tragedy.
Amidst the journey of thousands migrating toward Old Homs, the desolation is palpable, leaving an indelible imprint on the psyche. Hanan, a pseudonym of an exiled Syrian Palestinian architect, provides an account that encapsulates the visceral experience of displacement, where the familiar fabric of a once-vibrant community morphs into a ghostly echo of what was. Amidst the ruins, memories remain unattainable artifacts, forever etched in the mind.
A central question surfaces: “How to resist forgetting?” Azzouz delves into the challenges faced by displaced Syrians as they strive to preserve memory and narratives. Memory projects emerge as a means of fighting to remember and not forget. The book raises questions about how memory can withstand time, conflict, and manipulation. The regime’s attempts to “erase the memory of the war and pretend that nothing has happened”, through narrative manipulation and memorials are scrutinized.
Preserving the memory of struggles should be woven into the urban fabric and cultural essence of Syria’s cities. Syrians in exile actively resist forgetting, safeguarding their history, and reconstructing their identities. Through various rituals, traditions, and artistic expressions, they uphold symbols of home, such as the New Clock Tower. These rituals and traditions include ceremonies to commemorate significant events in the city’s collective memory, like the sit-in in Homs’ New Clock Square. This sit-in not only holds immense historical significance but also gave the New Clock Tower a symbolic value as a representation of the sit-in in Homs’ New Clock Square and the collective peaceful struggle of Homsis to reclaim this symbolic space and their right to be heard. These gatherings serve as a powerful means of sharing stories and experiences, strengthening bonds within the community, and reaffirming their connection to their homeland. Some exiled Syrians also express their feelings through paintings or sculptures that feature the New Clock Tower, a prominent landmark in Syria, as a symbol of their longing for home. Initiatives dedicated to preserving memories play a pivotal role in supporting these efforts.
Azzouz examines construction projects unfolding in Syria even before the resolution of the war. He perceives an unbroken chain of domicide spanning periods of tranquility and conflict. The Syrian government introduced contentious legislation, Laws No 10 and No 42, threatening the property rights of those forcibly uprooted. A new phase of assault on inhabitants’ existence emerges through reconstruction, it is a “war of a different kind”. This new dimension compounds the affliction imposed on the populace.
Amid these circumstances, the ‘Homs Dream Project’ casts its shadow. Proposals driven by political and economic elites aim to reconfigure Homs’ urban layout, social fabric, and cultural identity. The justification often hinges on viewing the city as a “dead body”, warranting the construction of contemporary markets and hotels as replacements. This stance prolongs the pattern of domicide, both preceding and following the conflict. Throughout these deliberations, marginalized communities find their voices absent from the discourse.
‘Domicide’ is more than a book; it’s a call to action that beckons readers to engage with the narrative as participants in a movement. This movement seeks to reclaim home, rebuild lives, and rewrite the shattered story of a nation. Dr. Azzouz’s words transcend the pages, inspiring us to ask not just “What does it mean to lose home?” but also “What can we do to reclaim it?” Embarking on a reading journey through the pages of this remarkable work, readers will find themselves not only as a witness to a story but also as an agent of change. The book’s emotional depth is coupled with a compelling roadmap for the future, where small steps amass into transformation. This roadmap urges us to unite, bridging the divide between those who have fled and those who remain, architects and communities alike, in order to construct a Syria that belongs to all.
In the end, ‘Domicide’ is a symphony of emotion and intellect, a testament to the power of scholarship to ignite action, of words to guide us through darkness, and of memory to shape a brighter future. This book is a must-read for anyone who believes in the resilience of the human spirit and the potential for change. Dr. Azzouz’s work inspires readers to not only understand but also actively participate in the journey of reclaiming home.
Note: reposted from UntoldStories
by لمى ناظم مهنا | Jan 25, 2025 | Culture - EN, العربية, بالعربية, All Reports, Articles - EN
تُعَدّ سوريا من البلدان الغنية بتنوعها الثقافي والفني، وبعد سقوط نظام الأسد، تبرز الحاجة إلى مناقشة مستقبل الفن التشكيلي في سوريا وتحدياته وآماله في ظل المتغيرات السياسية المرتقبة.
الادعاء بأن نظام الأسد كان راعياً للفن والفنون بمعزل عن الرقابة هو جزء من زيف النظام الذي تمحور حول تقديم نفسه كمجسد للصورة العلمانية والديمقراطية. وفي حين أنه كان يزعم أنه يدعم الفنون، كان الواقع عكس ذلك. فقد خنقت الرقابة الحريات العامة وحرية التعبير، ما أسهم في خلق مناخات خنقت الإبداع وحدت من تطلعات الفنانين. وأحدثت هذه التناقضات بين الادعاءات والواقع الكئيب تأثيراتها السلبية على الحركة الفنية.
سألنا الفنانة رولا بريجاوي عن الرقابة التي فُرضت على الفن التشكيلي خلال فترة حكم النظام السابق، فقالت إنه لم تكن هناك رقابة مباشرة على الأعمال الفنية، ولكن كان هناك منع لوجود موديلات إنسانية عارية. وترى بريجاوي أن أي نظام قادم يمكن أن يفرض رقابة، إلا أنها تعتقد بأن الفن يمكنه تحقيق التواصل مع المحيط الاجتماعي بطرق متعددة وبأدوات متنوعة، ما يجعل الرقابة غير فعالة في النهاية.
قدم النحات سهيل ذبيان رأياً مخالفاً وأكد أن الرقابة كانت قائمة وصارمة، مشيراً إلى أن الفنانين كانوا يواجهون رقابة أمنية مشددة، حيث كانت صالات العرض تحتاج إلى موافقات أمنية قبل إقامة المعارض، بل وقد مُنع عدد من الفنانين من عرض أعمالهم. يبرز هنا الاختلاف في الرأي بين بريجاوي وذبيان، إذ تعبر بريجاوي عن تفاؤل أكبر بشأن قدرة الفن على التكيف، بينما يؤكد ذبيان على الصعوبات الكبيرة التي واجهت الفنانين في ظل النظام القمعي.
يدور نقاش مشروع حول مستقبل الفنون البصرية في سوريا، وخاصة النحت والرسم، حيث يتبنى البعض آراء شرعية تحذر من وجود التماثيل وتصوير المخلوقات الحية. فالرأي الشرعي الذي يعتبر الأصنام محرمة، وجد صداه في تحطيم عدد من تماثيل شخصيات تاريخية في عدة محافظات سورية بعد سقوط نظام الأسد. علاوة على ذلك، يُعد تصوير الإنسان والمخلوقات الحية موضوعًا مثيرًا للجدل يستوجب النظر إليه بعناية في السياق الثقافي والديني.
في هذا الإطار، من المهم فتح الحوار بين الفنون والتفكير الشرعي، ما قد يسهم في إيجاد توافق يسمح بتطور الفنون ضمن المعايير الثقافية والدينية المقبولة. وأوضح الفنان سهيل أن الفن لا يمكن أن يزدهر في بيئة فكرية تضيق عليها الحدود، مع التأكيد على أن الثقافة الفنية تتعرض للتقليص في ظل تلك التيارات.
علاوة على ذلك، عبر ذبيان بثقة عن رأيه بأن التطرف ليس له مستقبل في سوريا، وهو ما يعكس قناعته بأن المجتمع السوري يتجه نحو تغييرات إيجابية تفتح آفاقاً جديدة للفن والثقافة.
تعتبر رؤية بريجاوي لمستقبل الفن التشكيلي إيجابية، حيث تتطلع إلى أن يلعب الفن دوراً هاماً في بناء ثقافة حيوية ومجتمع إنساني خالٍ من آثار العنف والقمع. بينما أعرب الفنان محمد أبو زينة عن قلقه من أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية قد تجعل الفن التشكيلي يبدو كترف بعيد المنال بالنسبة للعديد من الناس.
لكن سهيل ذبيان يعتقد أن التحولات السياسية المقبلة قد توفر فرصة أكبر لحرية التعبير، ما يعزز من مستقبل الفنون البصرية في سوريا. التاريخ يؤكد أن الفنون تتأثر بالتغيرات السياسية، ووجود مناخ حر للتعبير الفني سيساهم في تطوير التجربة الفنية.
تناول الفنانون الثلاثة تأثير المناخ السياسي على الفن التشكيلي، وأشار محمد أبو زينة إلى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي السيء، مثل الفقر والافتقار إلى الدعم، قد يحدان بشكل كبير من تطلعات الفنانين وقدرتهم على الإنتاج الفني، فالفنان وفقًا له، يحتاج إلى بيئة مُشجعة وتوافر الموارد لإبداع أعمال جديدة .
وفي هذا السياق، أعربت رولا بريجاوي عن قلقها حيال تأثير التغيرات السياسية على فرص الفنانين في التجريب والإبداع. إذ قد يؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى عرقلة حركة الفنون، حيث يواجه الفنانون صعوبة في تنظيم المعارض أو الوصول إلى جمهور أوسع. ورغم الظروف الصعبة، ترى بريجاوي أن هناك دائمًا إمكانية للإبداع ، حيث يمكن أن تجد الفنون طرقًا جديدة للتعبير عن نفسها حتى في الأزمات.
أما سهيل ذبيان، فقد أعرب عن تفاؤله بأن الفترات الانتقالية يمكن أن تساعد في إحياء الفن، مشيرًا إلى أن التاريخ يبرهن على أن الفنون عادة ما تزدهر في أوقات التحولات الكبرى. وأكد أنه مع وجود تغييرات سياسية إيجابية، يمكن للفنانين استغلال الفرص لبناء مشهد فني أكثر حيوية وتنوعًا، ما يُعتبر مؤشرًا على انتعاش الثقافة الفنية في البلاد.
في المجمل، يُظهر الفن التشكيلي في سوريا أنه يظل مرآة للمجتمع، تتأثر بتغيراته السياسية والاجتماعية، بينما تبقى الآمال قائمة في أن تعود هذه الفنون لتغذي المشهد الثقافي وتساهم في التغيير الاجتماعي المنشود.
يبقى مستقبل الفن التشكيلي في سوريا مرتبطًا بشكل وثيق بمسعى المجتمع نحو الحرية والتغيير. فبينما قد تواجه الفنون تحديات كبيرة، فإن لديها القدرة على التأقلم والنمو في ظل أي ظروف، ما يجعلها عنصرًا حيويًا في عملية إعادة بناء الهوية الثقافية للمجتمع السوري. يترقب الفنانون عهداً جديداً من الإبداع والتعبير الفني، ويأملون في أن يصبح الفن رافداً حيوياً لبناء سوريا المستقبل.
by عمر الشيخ | Jan 17, 2025 | Culture - EN, Roundtables - EN, العربية, بالعربية, Articles - EN
“أكثر قصصي قسوة هي أقل قسوة من الحياة العربية المعاصرة، وأنا لا أستطيع وصف السماء بجمالها الأزرق متناسياً ما يجري تحت تلك السماء من مآس ومجازر ومهازل.. صدّقني الأسطورة أصبحت أكثر تصديقاً من واقعنا المرير” بهذا التوصيف العاصف يلخص الكاتب السوري زكريا تامر (1931) تجربته الإبداعية، وهو واحد من أبرز الكتّاب في سورية والعالم العربي.
يتميز أدب زكريا تامر بأسلوب مكثف ومقاربة لاذعة تضع القارئ في مواجهة مباشرة مع دهشة غير متوقعة تخفيها تفاصيل نصوصه الشهيرة. ويتسم بمزيج متوازن من النقد السياسي والاجتماعي، مع ميل واضح للنقد السياسي باعتباره محوراً أساسياً في العديد من قصصه، كما يتضح في أعماله مثل “ربيع في الرماد”. مع ذلك، لا ينفصل النقد السياسي عن النقد الاجتماعي في أدبه؛ فالسياسة والمجتمع في أعماله متشابكان بشدة.
البدايات الأدبية والانتشار الثقافي
تنبض قصص زكريا تامر بتوتر دائم بين الألم والأمل، مصاغة في حكايات قصيرة مكتظة بالدلالات والرموز، تعالج قضايا جوهرية كالقمع، الفقر، الحرية، والموت. يُطلق على أسلوبه لقب “الضربة القاضية”، حيث تنتهي قصصه فجأة بعبارات قاسية أو مفاجئة تترك القارئ في حالة من التأمل أو الصدمة.
يتسم أسلوب زكريا تامر بالاقتصاد اللغوي والرمزية العميقة، حيث يوجز العالم في عبارات مكثفة تحمل دلالات متعددة. لغته تبدو بسيطة في ظاهرها، لكنها غنية بالإيحاءات، مما يجعل قصصه قابلة للفهم من قبل القارئ العادي، ومؤثرة بعمق لدى القارئ المتمرس.” برع زكريا تامر في خلق عوالم سريالية تعكس قسوة الواقع، حيث وظّف السخرية السوداء لكشف عبثية الحياة تحت وطأة الاستبداد. رموزه المتنوعة-كالحيوانات والأطفال لم تكتفِ بتجسيد القهر، بل عكست توقاً للتمرد. هذا التداخل بين الألم والأمل جعل نصوصه تجسيداً فنياً فريداً. وفي مقال موسعة عن حياة الكاتب أعدها الباحث “عبد المتين” برر كيف أن زكريا تامر “كسر الحواجز في القصة التقليدية السائدة، وفتح آفاقاً جديدة وصوتاً منفرداً في هذا المجال.”
بعد تركه الدراسة عام (1944)، غاص زكريا تامر في ميادين الحياة العملية، حيث شكّلت تجربته كنجار وحداد في دمشق عمقاً إنسانياً انعكس لاحقاً في تصويره لمعاناة الفرد في قصصه. عمل في مصنع للأقفال في حيّ البحصة بدمشق، قضى سنوات هناك يحتك بتلك العوالم القاسية التي أكسبته مرونة وخصوصية في اللغة تحطمت على ضرباتها الفنية تابوهات المجتمع من عادات وتقاليد مغروس في الخوف من الزعيم مهما كان تمثيله المجازي في الحياة، أب، معلم، مدير، رئيس، سلطة، أفكار.. وسواها من التابوهات التي تسعى لقمع الإنسان.
في أواخر الخمسينيات تحديداً عام (1957) من القرن المنصرم، كرّس تامر حياته للقصة القصيرة. بدأ يكتب وينشر في الصحف والدوريات الثقافية، وكان صديقاً مقرّباً من الشاعر السوري الراحل محمد الماغوط، والذي قدمه لمنابر جعلته على السكة الصحيحة للانتشار، فسحر القرّاء بلغته الخاصة منذ تلك اللحظة.
الأسلوب الفني والرمزية في أدب تامر
وفي العام (1960) بدأ زكريا تامر بنشر قصصه في كتب، كانت أول مجموعة له بعنوان “صهيل الجواد الأبيض”، تتألف المجموعة من (11) قصة تسلط الضوء على حياة الإنسان تحت وطأة التعذيب النفسي، وتُعد من أبرز أعمال زكريا تامر في القصة القصيرة. وبحسب بحث نُشر في مجلة “فكر الثقافية” بعنوان “تجليات صراع الإنسان في صهيل الجواد الأبيض”، حلّل هذا البحث صراع الإنسان تجاه الوجود والعدم، والحقيقة والزيف، كما يكشف عن شعور الإنسان بالعدم والزيف في العصر الحديث ومحاولاته لإنقاذ نفسه من هذا الشعور بحسب قصص تامر تلك. من أجواء المجموعة: “الإنسان الكامل مزيج من القذارة والنبل”، و “أتمنى لو أحطم جبهتي وأمحو بدمها الدموع من الأرض.”
بعد مضى ثلاث سنوات على عمله الأول، أصدر زكريا تامر عمله القصصي “ربيع في الرماد” عام 1963. وجاء في دراسة نقدية بعنوان “ربيع في الرماد لزكريا تامر: تحليل نصي” نشرت في مجلة قلمون، العمل يتميز بتصوير مدينة خيالية تمزج بين الأمل واليأس، حيث يعكس العنوان نفسه جدلية الحياة والموت عبر “الربيع” و”الرماد”. يعتمد زكريا تامر على بناء سردي فريد يرتكز على شخصيات بلا أسماء محددة، مما يعزز الشعور باللايقين والتأويل المفتوح. نقتبس من هذا الكتاب “قالت الأميرة: الدموع في العينين أجمل من الوجه الضاحك. قال المهرّج: الفاجع أن يبكي القلب بعينين جافّتين.”
بقي زكريا تامر لسنوات يتابع الحياة المتقلبة سياسياً في بلده سورية حتى نهاية الستينيات، بعد أن وضع حزب البعث في سورية يده على الحكم أصدر عام (1970) مجموعته القصصية “الرعد” وتضم 18 قصة قصيرة تجسد بعمق تعقيدات النفس البشرية وتتناول صراعاتها اليومية، والتي وصفها الناشر بأنها “همسات تدور في أروقة الحياة تحدث بأنها ستغدو صراخاً يعلو كرعد ينبأ بصيحة المظلومين والمقهورين”، ومما جاء في دراسة نقدية استشهدت بقصص هذه المجموعة وكانت بعنوان “تجليات التراث في قصص زكريا تامر” ونشرتها (جامعة تشرين السورية): زكريا تامر يوظف التراث العربي والإسلامي في قصصه، بهدف إعادة صياغة الواقع والتعبير عن قضايا الحاضر من خلال عدسة الماضي. التراث يظهر في قصصه كأداة للمقارنة بين الأمجاد القديمة والانهيارات المعاصرة، مما يبرز التناقضات الحادة بين الماضي والحاضر. مثلاً يظهر طارق بن زياد في قصة “الذي أحرق السفن”، حيث يتحول حرق السفن إلى إدانة ضمنية للبروقراطية والفساد الحديث. فيما يظهر عمر المختار كرمز للبطولة التي اغتيلت في ظل قمع القوى الاستعمارية وظلم الأنظمة. أما الشخصيات الشعبية مثل الشاطر حسن وجحا، توظف لتعكس واقع المجتمع بتعبير ساخر ومؤثر.
في عام (1973) أصدر تامر مجموعته القصصية “دمشق الحرائق” التي كانت امتداداً لخط محاكاته النقدية في التعبير عن الألم الإنساني مسلطاً الضوء على قضايا الظلم الاجتماعي، وقهر المرأة، والفقر، والجوع، والقمع السياسي، عبر سرد خيالي ممزوج بالواقعية من خلال 30 قصة قصيرة، يستعرض الكاتب معاناة الأفراد في ظل التقاليد الصارمة والسلطة القمعية، موضحًا تأثير الخرافات والموروثات الثقافية على المجتمع، مما جاء في تلك القصص “في دمشق، كل شيء يحترق: الأحلام، الحب، الضحكات، حتى الصمت نفسه يشتعل”، و “ليس هناك ألم أقسى من أن ترى العالم من حولك ينهار وأنت عاجز عن الصراخ”.
حضور أدبي عابر للحدود
وفي عام (1978) أصدر زكريا تامر مجموعته “النمور في اليوم العاشر”، والتي تسلط الضوء على الشخصيات التي تعيش تحت وطأة الظلم والخوف، لكنها تسعى دائماً لمقاومة الواقع بأساليبها الخاصة. في قصة “النمور في اليوم العاشر”، يروي عن نمر يتحول تدريجيًا إلى كائن خاضع بعد تعرّضه للترويض. هذه القصة، كغيرها من أعماله، تعكس بوضوح نقده العميق لأنظمة القهر والسيطرة. وفي حوار منشور مع تامر بمناسبة حصوله على جائزة سلطان العويس عام (2001) يقول تعليقاً عن القصة الأشهر في هذا الكتاب: “النمر يا عزيزي هو الحيوان الوحيد الذي يستطيع أن يعود الى طبيعته الحيوانية في أيّة لحظة مهما حاولت أن تدعي ترويضه واستئناسه في السيرك مثلاً.. لذلك فإن قصة النمور في اليوم العاشر تعني في المقام الاول أن الإنسان العربي سيعود إلى طبيعته الإنسانية الحقة ليصلح الأوضاع العائلية، والدليل على ذلك ما يحدث في فلسطين المحتلة الآن”.
شغل زكريا تامر مناصب بارزة في المؤسسات الثقافية السورية، منها رئاسة تحرير مجلات “الموقف الأدبي” و”أسامة” و”المعرفة”، بالإضافة إلى عمله كرئيس قسم الدراما في التلفزيون السوري ومساهمته في تأسيس اتحاد الكتاب العرب. أثارت افتتاحياته الجريئة في مجلة “المعرفة” جدلاً واسعاً، خصوصاً تناوله قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية، ونشره مقتطفات من كتاب “طبائع الاستبداد” لعبد الرحمن الكواكبي، ما أدى إلى استقالته في (1980) بعد استدعائه للتحقيق. عمل أيضاً في وزارتي الثقافة والإعلام، وترك سوريا في (1981) ليستقر في بريطانيا حيث واصل نشاطه الأدبي والصحفي.
الجوائز والتكريمات
أصدر زكريا تامر العديد من أعماله الأدبية عبر دور نشر مرموقة، حيث نشرت دار رياض الريس كتب “نداء نوح” في لندن عام (1994)، و”سنضحك” في بيروت عام (1998)، و”الحصرم” عام (2000)، و”تكسير ركب” عام (2002)، و”القنفذ” عام (2005). كما صدر كتابه “أرض الويل” عن دار جداول عام (2015)، و”ندم الحصان” عام (2018).
كما أبدع تامر في أدب الأطفال منذ عام (1968)، وقدم مجموعة من الأعمال التي تحمل رسائل تربوية وإنسانية، منها “الحمامة البيضاء” و”لماذا سكت النهر” و”نصائح مهملة: عشرون قصة للأطفال”، وغيرها. امتاز بأسلوب يمزج بين الخيال والواقع بلمسة خاصة لم يسبقه إليها أحد، مما يعزز خيال الأطفال ويثري قدرتهم على التفكير النقدي. تُرجمت قصصه إلى عدة لغات، مما يعكس انتشارها وتقديرها عالمياً، حيث استقى مادتها من الطبيعة وعالم الحيوانات، محوّلاً القصص إلى أدوات تعليمية محببة وقريبة من عالم الطفل.
وجه آخر للإبداع
حصد زكريا تامر العديد من الجوائز والتكريمات تقديراً لإسهاماته الأدبية، منها جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في القصة والرواية والمسرحية عام (2001)، ووسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة عام (2002). كما نال جائزة بلو ميتروبوليس الماجدي بن ظاهر للأدب العربي عام (2009)، وجائزة ملتقى القاهرة الأول للقصة القصيرة في العام نفسه. وفي (2015)، حصل على جائزة محمود درويش للحرية والإبداع، ما يبرز مكانته كأحد أبرز كتّاب القصة في العالم العربي.
تمكن زكريا تامر من تجاوز الحدود الثقافية ليصبح جسراً أدبياً يربط بين العالم العربي والمشهد الدولي، حيث تُرجمت أعماله إلى لغات عديدة، مقدمةً نموذجاً إنسانياً شاملاً عن الحرية وكرامة الإنسان، فقد تم ترجمة أعماله إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، ليصبح صوتاً عربياً عالمياً يعبر عن قضايا الإنسان بجرأة وعمق. لاقت مجموعته “Tigers on the Tenth Day” استقبالاً نقدياً واسعاً في الأوساط الأدبية الغربية، فيما حظيت قصصه باهتمام أكاديمي في جامعات عالمية، حيث اعتُبرت نموذجاً متميزاً يمزج بين الرمزية والواقعية السحرية. لم يقتصر تأثيره على الترجمات، بل امتد إلى ظهوره في أنثولوجيات أدبية مرموقة مثل “Modern Arabic Short Stories”. وُصف تامر بـ”كافكا العرب”، حيث ألهم بأسلوبه المكثف والسريالي كتّاباً عالميين مهتمين بالحرية ومقاومة الظلم. كما عززت مشاركاته في مهرجانات دولية ومقالاته المترجمة حضوره في المشهد الثقافي العالمي، مما أهّله لنيل جوائز مثل جائزة بلو ميتروبوليس للأدب العربي. برموزه الإنسانية الشاملة، مثل النمر والطائر، استطاع تامر تجاوز الحدود الثقافية، ليصبح أدبه رسالة عالمية عن الحرية وكرامة الإنسان.
*تنشر هذه المادة ضمن ملف صالون سوريا حول “المنعطف السوريّ“