by طارق علي | Jun 26, 2020 | Culture - EN, Uncategorized
للمسرح والفن تأثيرٌ مباشرٌ على بناء ثقافة الأمم، فكما يُقال “أعطني مسرحاً أعطك شعباً”. وفي الحالة السورية قد لا يعرف كثيرون أن سوريا أطلقت أول مسارحها على يد رائد المسرح العربي، أبو خليل القباني السوري، في عام 1871، وهو صاحب الفضل الأول في سقاية بذرة الحركة المسرحية انطلاقاً من سوريا، لتصل إلى كل بلدان العرب لاحقاً.
قوبل القباني بالرفض حيناً والتكفير أحياناً أخرى، لكنه في النهاية انتصر وصار رواد مسرحه بالمئات لكل عرض حسب ما تخبرنا به الوثائق المحلية، وليس المجال هنا متاحاً للخوض في تفاصيل مسرح القباني، ولكن الإشارة إليه واجبةً لنقول أين وكيف تأسس المسرح السوري، الذي غاب لسنوات بعد وفاة رائده ومؤسسه، حتى شهدت الشام لاحقاً تأسيس أكثر من 30 فرقة مسرحية وموسيقية، أبرزها المسرح القومي في عام 1959 والذي نقل المسرحيين من الهواية إلى الاحتراف، وصولاً إلى مسرح الشوك الستيني.
مسرح الشوك
في ستينيات القرن الماضي أسس الفنان عمر حجو مسرح الشوك، ليضم لاحقاً خيرة فناني المسرح، في محاولة منهم لتصحيح ما يمكن من التردي الذي وصل إليه حال المجتمع، مؤمنين أن الفن طريق للخلاص، ومن بين أعضاء هذه الفرقة كان: “دريد لحام، رفيق السبيعي، ياسين بقوش، طلحت حمدي، ناجي جبر، مظهر الحكيم، هدى شعراوي وغيرهم كثر”.
جميعهم حاولوا ترميم آفات المجتمع، قد يكون الظرف الزماني وقتها لعب دوراً إيجابياً في مساعدتهم، وقد حالفهم النجاح أحياناً، ولكن العبرة في الاستمرار، وهذا المسرح قُتل لصالح الدراما التلفزيونية وثورة الشاشة الصغيرة، الشاشة التي دخلت بيوتنا عنوةً، وقولبت أفكارنا من حيث ندري ولا ندري، حتى صرنا عبيداً في طور النمو لثورة التكنولوجية التي وصلت ذروتها النسبية/المؤقتة بعيد عملية استمرار لتطوير ملامحها الهجومية والتي لم تتوقف، حتى اليوم.
الدراما السورية – صعوداً
تعتبر الدراما السورية سباقةً عربياً في دخولها على خط الإنتاج شبه المنظم، فالبداية كانت مع عام 1960، ومع انطلاق التلفزيون السوري انتقل إليه رواد المسرح، ولعلّ أول ظهور كان مع الممثل “نهاد قلعي”، يرافقه “دريد لحام، رفيق السبيعي”، إذ كان “قلعي” يقدم برنامجاً كوميدياً باسم “سهرة دمشق”.
أما العمل الدرامي الحقيقي فكان في ذات عام البداية، تحت اسم “تمثيلية الغريب”، يتحدث عن الثورة الجزائرية وأبطالها ومجرياتها، من بطولة “ثراء الدبسي، وياسر أبو الجبين، وبسام لطفي”، ومن إخراج “سليم قطايا”.
وكذا أخذت الدراما طريقها في الصعود بلا توقف، فكانت شخصية “غوار” لصاحبها “دريد لحام”، هي بذرة ما قد جاء بعدها، الشخصية التي شكلت مكوناً للذاكرة العربية في أعمال “كصح النوم” و”حمام الهنا”، وهكذا انهمرت الأعمال السورية بعد السبعينات دون توقف، وأبرزها في تلك الحقبة كان “الحب والشتاء”، “عطر البحر”، “القيد”، “طرائف أبي دلامة”، “الدولاب”، وغيرهم؛ ولعل عراب تلك المرحلة بإجماع معاصريها كان المخرج “غسان جبري”.
المرحلة الثانية – صعوداً
في هذه المرحلة نظمت الدراما نفسها أكثر، وامتلكت مفاتيح تأسيس النجاح المستديم، معتمدة على شخصيات بإمكانها رفع سوية الصنعة، كمثل شخصية غوار ومعه مرايا ياسر العظمة، السلسلة التي استمرت حتى منتصف الحرب السورية تقريباً.
المرحلة الثالثة – بطولة نجدة أنزور
في تسعينيات القرن الماضي، دخل الشاب نجدة اسماعيل أنزور إلى ساحة العمل الفني الحقيقي، المخرج الذي يقول عنه النقاد أنه صنع نقلةً تاريخية في تاريخ المهنة، تجلى ذلك في عمله “نهاية رجل شجاع” عام 1994، حيث قام الرجل المستند على خبرة عملياتية بإدخال سمة جديدة لنوعية الإخراج التقني والبصري والصوري، ومع العمل المذكور وبعده “إخوة التراب” و”الموت القادم إلى الشرق”، اخترق المخرج أبواب المنازل العربية ودخلها بالجمال الفني.
وإلى جانبه كان للمخرجان بسام الملا وهاني الروماني رغبتهما في منافسة الدراما المصرية، والتي أخذت تتفوق عربياً، لأسباب عدة، لا مكان لذكرها هنا، فالملا تخصص بالبيئة الشامية، والروماني أخرج العمل الخالد “حمام القيشاني”، وكلاهما ترك بصمة، لكن الدراما المصرية ظلت متفوقة لناحية الانتشار في زمن ذاك العمل وظروفه.
الكوميديا والدراما السورية – المرحلة الذهبية
في أواسط التسعينات لمع نجم الفنان “أيمن زيدان”، كعراب للكوميديا خاصة ً في عمله “يوميات مدير عام” سنة 1995. وشهدت هذه الفترة نجاحات لم تتوقف كخالدة ياسر العظمة سلسلة “مرايا”. وبعد بداية الألفية الجديدة، تربع الفن السوري على العرش؛ فصارت الصنعة أقرب لحرفة يجيدها السوريون، ويملكون تكتيك تحريك كرتها في الملعب؛ فالموسم الرمضاني في كل عام، أصبح الشغل الشاغل لأقلام النقاد، فما يصنعه أهل الاختصاص صار مدرسة تُدرس وقطعاً نادراً من عملة صعبة اكتشفها المحليون بالاجتهاد.
الغرور الدرامي
“الفن ابن بيئته، ومحيطه، ومعاناته”، هذه المقولة لا تنطبق على النجم السوري الذي انسلخ عن مجتمعه، وصار جليس برجه العاجي؛ فالشهرة إلى جانب الثراء وفيض النجومية، جعل منه آفة فكرية متعالية على مواطنيه، أكثر منه مرشداً وعارفاً وناصحاً.
كيف لا يكون ذلك، وقد صار النجم بحكم التبدلات تاجراً، لم يعد النص يهم الكثيرين، صار الأجر هو المهم، وبالمحصلة فإن أي عمل كان يصنع سيضيف لرصيدهم آلاف المعجبين، الغرور هنا قضى على المعايير؛ فالفنان السوري صار يعتبر نفسه هو المجتمع، لا المجتمع هو، وتالياً هو معصوم وصاحب إنجاز مهما بلغ سوؤه. لذا كان الأمر عاملاً أدى لتراجع السوية الفنية، لقدرات الفنان أولاً، وللنص ثانياً، وللعمل ثالثاً.
الاستثناء قائم هنا، وبشدة، فالبعض حافظ على سويته الأخلاقية والفنية، لكن الجمع يلغي الاستثناء، ولو كان ظلماً.
الانحدار الفني، خسارة المجد
الدراما التي وصلت قمتها، انهارت اليوم، فهاجرت رؤوس الأموال الممولة، وهاجر معها كثير من الفنانين السوريين،؛ فضعف التسويق والمردود عاملان جوهريان في التراجع، ولكن المشكلة هنا أن الدراما التي لطالما تحايلت على الممنوعات سائرة على حد الخطر، باتت اليوم تتمتع بهامش حرية واسع لم تحاول استثماره بمهنية، فسقطت معه إلى هاوية قد يصعب انتشالها منها.
الحرب فعلاً قد فعلت فعلتها، ولكن التحدي القائم هو ألا تعيد هذه الدراما إنتاج المشهد الإخباري السوري، مع العمل على ألا تنفصم عن الواقع المعاش، أكان اقتصادياً أم سياسياً، كأن تحاول مثلاً أن تقدم عملاً اجتماعياً كهدنة منظمة بين العقل الإنتاجي والعقل الاستنتاجي، ففي مؤلف “دراما النار والقلق” وهو بحث أكاديمي أصدره الناقد الصحفي “ماهر منصور”، يرى أن أقل من ربع الإنتاج السوري جاء محاكياً للحرب الحالية، وكذا في سنوات الحرب الأولى، كان هناك سنوياً 4 إلى 5 أعمال بيئة شامية، وهو أمر مطلوب للتسويق العربي.
كما أن الاصطدام السياسي والعسكري مع كثير من الدول العربية، جعل حصارهم للدراما السورية أمراً واقعاً، فتوقفت الكثير من الشركات المنتجة عن العمل، على حساب ولادة شركات أخرى هربت باتجاه أعمال عربية مشتركة، وهي عملياً لا تقدم مادةً فنيةً خالصةً أكثر منها ترفيهيةً مبهرةً بصريةً ببذخٍ إنتاجي مبالغ به.
الدولة السورية عملت ربما على ألا تحارب الصنعة في بعض الزوايا، فسمحت بإنتاج أعمال تُحاكي مواقف حساسةً في جسد الملف السوري، كالتظاهرات مثلاً، ولكنها في زاوية أخرى، جعلت من مؤسسة عريقة كمؤسسة السينما، وقفاً على مخرجين متنفذين، يحق لهم ما لا، ولن، يحق لغيرهم، في سابقةٍ، نسفت معها مدرسة لحام والماغوط، أصحاب المنجز السينمائي الخالد، “الحدود”.
by Ahmad Hafez | Jun 9, 2020 | Poetry - EN, Uncategorized
” بعد أن تَسقط الفراشة، يختلج اللَّهب قليلاً ثم يشبُّ. قشعريرةُ الندمِ تمرينٌ منشِّطٌ لكلِّ قاتِل.”
مزّقتُ الصفحتين. إنّ ما أكتبه قُرب الموقد بعيدٌ عن الشِّعر بُعدَ المتنزّهِ عن الغريق.
نُسقى العتمةَ بجرعاتٍ دقيقة. تتوسع الأحداق لتلبّي وظائفَ أخرى غير الرؤية. نحوم حول النيران لا لنَدفأَ بل لنطارد الأخيلة ونراقص أنسام الذكرى. تَخْدَرُ أيدينا بين الأزرار والشاشات كي نَقْنع أنّ الجلوس ارتحالٌ والظلامَ معرفة. تكتسب أصواتنا، يوماً بعد يوم، بحّةَ الأسرى الرتيبة، مترددةً في المجال المتوسط بين غمغماتِ الناجين من الزلزال وصراخِ المجروفين بالسيل.
تخجلنا الفرحة حين يعود التيّار، نكاد من شدة التقوّس أن نسجد لوليِّ نعمة الكهرباء. نكتشف أن أيامنا مقسومة بين شوطين: التزاحم على الخروج من الكهف كي نلعن وحشتَه، والتباري على العودة إليه لإكمالِ زخرفتِه.
ثم نتناسى. لدينا غرائز لا تلبَّى إلا في النور، وأخرى لا بدَّ من تأجيلها كي تستعر وتُسْكِر حين يعمُّ الظلام.
إننا مصفوفون على الحبال، مدهونون بكل ألوان الطيف. فلْيَعرِضْ محرِّكُ الدمى ما يشاء.
لكنْ. هناك، في الشارع، تحت المصابيح تصطخب الحقائق.
تَطمر الجبّالةُ آخِرَ بستانٍ، لينهضَ البرج مسوَّراً بالنباح، متباهياً بما جنتْهُ السياط.
يومئ الصائغ للسيدة الواقفة خلف الميزان أن تخلع إسوارةً أخرى، وهو يهاتف الشبحَ الممسك بخناقِ ابنِها.
تنهال الملامات على عامل الفرن لأنه انشغل عن تقليب الفطائر باستقبال من جاؤوا يهنئونه بماجستير الهندسة.
ستقول يا صديقي: ( إن هذا بعيدٌ أيضاً عن الشِّعر، إن الشعر كشفٌ للغامض وصبوةٌ إلى البعيد وارتقاءٌ للمطلَق.)
أزِحْ هذا السقفَ المطبق عن أضلاعي، واسرحْ ما شئتَ في براري الصوَر.
اغمرني بالنور، وهنيئاً لك اللَّهوُ بشبّابات الظلام.
جِدْ لي ينبوعاً أرتمي فيه، ومبارَكةٌ عليك مواويلُ الظمأ.
by Susan Ali | Jun 1, 2020 | Poetry - EN, Uncategorized
زجاجة
مومسٌ أنا
أصعد بيتي
بأنفاس مركب يغرق
اللسعات النيئة
الليل المغرم بالضحايا.
أيها الشمع الحر في موتك
هل أنرت لي هذه السلالم؟
في قلبي رجل ميت
وفي عيني أهلي
وها هو المهرّب العجوز
بسن منخور وشعر أحمر
يريد رقم جواز سفري كي أعبر
وأنا أريد أن أشرب
أريد أن ألبس
أريد أن أكتب.
أيتها الظلال المغشوشة
علميني كيف أصل النبع
وفي دمي ألف جثة
وألف إناء مكسور
علميني أيتها الأعماق
كيف أموت دون فقاعات.
أحبك أيها الليل المضني
وأحب رائحتي تحت إبطك
لكنني أريد ان أحبو
أن ألمس البهجة من جذورها
كيف تتسلق الضوء
ثم تتنشر دخانا رماديا بين الصخور….
الدمع البني
الخريف يقبلني
وفمكَ الإفريقي يقطع قرطي الأزرق.
كان للرصاصة مأوى في قلبي
ان للوسادة تفاح بين نهديَّ
وكان للجدران أم وأب يدقان صورهما مع لحمي
فأنا يتيمة ووحيدة وبلهاء
أفتح نافذتي لأعدائي، للمجانين
ثم أمرض من وجع الحنين.
الآن وأنا ألعق أصابع قدميكَ
وأنا أمارس الجنس مع دمعكَ البني
لم يعد في قفصي الصدري أثر للسنونو
والمناديل في ظهري ذابت مع صفير القطارات.
لقد تركتُ بيتي
وهجرتُ سيرتي قبل أن تصير قفلا
ودّعْتُ أصدقائي قبل أن يقتلوني
ورسمتُ سكينا في الهواء
وها هو المساء يا جسدي
طاولة خشبية تطل على الفناء
الفناء الذي أرغب أن يمحو ضالتي
بيوت وشجرة صنوبر
ورجل يحب أن يرى عيني بالأبيض والأسود.
انتظار
تعال إليَّ
أنا شهيةٌ هذا المساء
وأشعر بأن القمر بين فخذي
يضيء دون دموع.
إنها الحواس المؤجلة لبناء الكوخ
لزرع سنديانة
لقبلة على حافة النهر
أتدري في أي حانة تعيش أعشابي الضارة؟
هل تعلم عن دقات عظامي في العتبات؟
عن لسان رطب ملّ تخيلاتي؟
أرجوك تعال إليّ هذا المساء.
لن نتزوج
لن نشعل شمعة
لن أقلب ألبوم صوري فوق قدميك.
أريد فقط
أن أفتح لك هذا الباب
وأراك تعبر العتبة
تعبرني
وتدخل بيتي.
البيانو
شجرة الميلاد في بيت عازف البيانو تضيء الشرفة
والشرفة تضيء نفسها.
عازف البيانو نائم الآن
وأضواء الشجرة تحتفل وحيدة
بتكرار وحيد
بمرور سنة جديدة
فتات نجمة ومطر وعيني
هيه أيتها الشرفة كم عمرك
هل لديك أطفال
من أين مدينة أتيت
ما اسم أمك
هل يؤلمك هذا الشارع كما يؤلمني الحنين؟
أيتها الشرفة
هل نام عازف البيانو قبل أن يضاجعك؟
أيتها الشرفة
أزيلي هذه الثياب المعلقة على حبل الغسيل
وأنا سأتعرى أمام النافذة الآن.
تعالي كي أمص حزنك إلى أن تنهاري وتسقطي
حتى أعود وألملم حطامك في حطامي وأصير شرفة
وتصيري امرأة تهوى تصوير حمالة نهديها على حبل الغسيل.
يا شرفة عازف البيانو
تعالي وصيري امرأة
وأكون أنا حطامك العالي
حافة لسجائر عازف البيانو وكلبه المسن
وزهرة الصابر الميتة تلك.
*تنشر هذه المادة بالتعاون مع جدلية.
by Gassan Nasir | May 29, 2020 | Culture - EN, Uncategorized
«سورية الدولة والهوية: قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري (1946-1963)»، عنوان كتاب جديد للكاتبة والباحثة الاجتماعية السورية الدكتورة خلود الزغير، صدر مؤخرًا عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” في الدوحة، وهو عمل يتميّز عن غيره من المؤلفات التي تناولت الدولة والهوية السورية من خلال قراءة رصينة لثلاثة مفاهيم هي (الأمّة والقوميّة والدولة الوطنيّة)، بكونه يندرج في سياق البحوث والدراسات العلمية الموضوعية، من خلال بحث مؤلّفته في الطروحات والمفاهيم المركزية التي قام عليها النقاش، داخل خطاب الأحزاب السياسية السورية التي تصدرت المشهد السياسي بعد الاستقلال التام لسورية عام 1946 حتى وصول اللجنة العسكرية لحزب البعث إلى السلطة في العام 1963، سواء الأحزاب التي وُجِدت في السلطة أو التي كانت في المعارضة، انطلاقًا من أنّ أيّ قراءة في سؤال الدولة والهوية اليوم تحتاج إلى فهم الإشكاليات والظروف والسياقات التي تشكلت ضمنها الدولة السورية وهويتها في المراحل السابقة، خصوصًا أنّ السؤال حول وجود هوية سياسية – اجتماعية لسورية أو هوية وطنية سورية جامعة أمرٌ لا يزال مطروحًا.
تستهل الباحثة الاجتماعية مقدّمة كتابها، الذي جاء في (272 صفحة بالقطع الوسط)، بالقول: “إنّ تشكل هوية الدولة السورية منذ إعلان أوّل استقلال لها في المؤتمر السوري العام في 8 آذار/مارس 1920 إلى اليوم إحدى القضايا المركزية في السجال السياسي والاجتماعي والفكري؛ فبعد قيام الكيان السوري الحالي، برزت على الساحة السياسية هويات أيديولوجية متعددة ارتبطت من جهة في ظروف الصراع الدولي والإقليمي على مناطق النفوذ في المنطقة، ومن جهة ثانية كانت هذه الهويات امتدادًا لتيارات سياسية – فكرية عالمية شكلت آنذاك نماذج ملهمة للحراك السياسي في سوريا والعديد من دول العالم، كان الأنموذج القومي الاشتراكي أبرزها”. “الزغير” بيّنت في السياق، أنّ أجواء الحريات السياسية والفكرية وطبيعة النظام شبه الديمقراطي القائم منذ بداية الأربعينات وحتى أواخر الخمسينات سمحت بأن “يبلور كل تيار سياسي نظريته حول أهمية الأمّة ومكوَّناتها الأساسيّة، وبأنّ تدخل هذه التيارات في سجال سياسي وعقائدي فيما بينها حول المفاهيم المتعلقة بالهوية”، مع إشارتها أنّه “على الرغم من تنوّع هذه الطروحات والمنظورات الفكرية، التزمت معظم التيارات بتعريف الدولة بالجمهورية السورية. لاحقًا، وخلال فترة الوحدة مع مصر (22 شباط/فبراير 1958 – 28 أيلول/سبتمبر 1961)، أصبحت الجمهورية السورية جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة، حيث تحوَّلت هوية العروبة إلى واقع عملي بعد أن كانت شعارًا ونظرية”. لافتة إلى أنّه “بعد إعلان حلّ الوحدة، لم تتخيلَّ حكومة فترتي الانفصال عن “الهوية العربية”، وحوَّل اسم الجمهورية السورية إلى الجمهورية العربية السورية، في محاولة لنفي تهمة الانفصالية عنها، وإثبات التمسك بالهوية “القومية العربية”..”.
“الزغير” لفتت في مقدّمتها إلى أنّ “الاطلاع على أدبيات النخبة السياسية السورية ووثائقها في المرحلة بين عامي 1946 و1963، يبرز الحضور القوي والمتكرر لمفهوم (الأمّة) ولمفهوم (الهوية)، من دون أن يعني ذلك الاشتراك أو الاتفاق على تعريفهما. بل إنّه وعلى العكس من ذلك، يشير إلى اختلاف جليّ في فهم وتعريف كل حزب أو تيار سياسي لهذه المصطلحات؛ حيث يبدو مفهوم (الأمّة) واحدًا من أبرز المفاهيم الني جسدت إشكالية وعي السوريين بهويتهم، ليس من فجر الاستقلال فحسب، بل منذ عصر النهضة حتى اليوم. وإذا كانت ظاهرة الأمّة قد شكلت، في العموم، قضية موضوعية ومنطلقًا للنقاش حول التحوَّلات التي عاشتها المجتمعات منذ الحرب العالمية الثانية، وحول العولمة والنظام الدولي وصراع الحضارات، فإنّها بقيت في سوريا مسألة مطروحة للنقاش داخل بعض التيارات حين يتم تناول علاقة الأمّة بالدولة، والهوية الوطنية، ونظام الحكم ومستقبل الصراع السياسي.
- التباس المفاهيم مع نشوء الدولة المعاصرة..
تضمن الكتاب تسعة فصول، بحثت ضمن رؤية تحليلية هادئة وقراءة جد عقلانية، جملة من التساؤلات مثل: “هل سورية المعاصرة جزء من كل أكبر، أم دولة – أمّة، أم تجميع لهويات وأجزاء مختلفة؟”، و”هل ساهم عدم إنجاز الدولة الوطنية الحديثة القائمة على العقد الاجتماعي بشكل تام وفعلي والذي يؤسّس لدستور يتوافق عليه الجميع، إضافة إلى حالة الالتباس النظري حول مفاهيم الوطنية والقومية والدولة في الوعي السياسي السوري، بأن يبقى مفهوم الأمّة وهويتها مفهومًا إشكاليًا ومتبدلًا من تيار سياسي إلى آخر؟ وبالتالي، لأن تبقى مسألة الهوية والانتماء الوطني موضوعًا للانقسام والتناحر بين الأحزاب السياسية منذ الاستقلال وحتى اليوم”.
حمل أوّل فصل في الكتاب عنوان: “الهوية السياسية والإشكالية الجغرافية والاجتماعية”؛ وفيه بحثت المؤلّفة التناقض بين الجغرافيا والولاء السياسي، والمسألة الاجتماعية والمجتمع السياسي. كاشفة عن التحدّيات الداخلية التي رافقت نشوء الدولة السورية وأحزابها السياسية، وأبرزها؛ أوّلًا: الإشكالية الجغرافية المتمثلة في مسألة التناقض بين جغرافية الكيان السوري الناشئ في مطلع عشرينيات القرن الماضي والانتماء السياسي إليه.
ثانيًا: الإشكالية الاجتماعية المتعلقة ببنية المجتمع السوري من حيث طبقاته ونخبه السياسية، ودور المسألة الاجتماعية في تشكيل التوجهات السياسية لكل حزب.
أما في الفصل الثاني، الذي جاء تحت عنوان: “التحدّيات الخارجية للكيان الوطني السوري”، فتعالج “الزغير” التحدّيات الخارجية للكيان الوطني السوري والإطار الإقليمي والدولي الذي نشأ فيه، مفككة مفهوم الوطنية والانتماء الوطني الذي تشكل في ظل الموقف من الآخر الخارجي وبالتحدي معه.
فيما تقدّم المؤلّفة عرضًا تفصيليًا في الفصل الثالث، المعنون: “المؤسّسة السياسية والمؤسّسات المحلية التقليدية”، لبنية مؤسّسة الدولة، وإلى أيّ درجة شكّل المجتمع السياسي السوري ومؤسّساته دولة وطنية حديثة، وأثر الانتماءات فوق الوطنية أو تحت الوطنية في مؤسّسات سياسية (كالأحزاب والبرلمان مثلًا).
إلى ذلك درست الباحثة السورية في الفصل الرابع، الموسوم بـ “أثر الفكر القومي الغربي في التنظير لمفهوم الأمّة”، ما أحدثه الفكر القومي الغربي، وخصوصًا النظريتين الفرنسية والألمانية، من أثر في الأحزاب القومية التي بدأت تُنظّر لمفهومَي (الأمّة) و(القومية) اللذين طغيا على مفهوم (الوطنية). معتمدة في هذا الشأن حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي؛ بغية الكشف عن الإرث القومي الغربي في خطابهما النظري، وعلاقته بواقع ظهور هذه الأحزاب.
“بين الوطنية السورية والقومية العربية”، هو عنوان الفصل الخامس من الكتاب، وفيه تناقش المؤلّفة الازدواجية أو التأرجح بين مفهومي الوطنية السورية والقومية العربية في خطاب الأحزاب السياسية السورية، وإلى أيّ درجة يعكس هذا التأرجح إشكالية عدم التوافق حول تعريف الكيان السوري كدولة – أمّة، أو كقطر ينتمي إلى أمّة أوسع، إضافةً إلى الدور الذي تؤديه الظروف المحيطة وشبكة المصالح في تبدل استخدام هذين المفهومين.
فيما ناقشت وحلّلت في الفصل السادس، الذي جاء تحت عنوان “الأمّة واللغة”، علاقة الأمّة باللغة؛ ذلك أنّ لغة الضاد أدت دورًا مركزيًا في تشكيل الهوية العربية في العصر الحديث، إذ أنّ التيارات القومية العربية بَنَت تصوّرها للأمّة على أساس اللغة، التي هي المحدّد الأساسي والأوّل لكيان الأمّة؛ بناءً على أنّ وحدة اللغة هي محدّد وحدة الكيان القومي. باحثة في هذا السياق، “التصوّر اللغوي – التاريخي” عند ساطع الحصري، و”التصوّر اللغوي – الميتافيزيقي” عند زكي الأرسوزي، و”التصوّر اللغوي – السياسي” عند حزب البعث. وهي قبل هذا كله أكدت أنّ نضالات السوريين فرضت وحدة سورية في حدوها الحالية، ودعمت الرابطة الوطنية السورية، ما ساعد في إرساء مجال سياسي وفّر الفرص لبزوغ الأحزاب والكتل السياسية بتنوّعاتها المختلفة.
- التاريخ بوصفه مرجعيَّةً للأمّة وعامل وحدتها..
يتناول الكتاب في الفصل السابع، الذي ورد بعنوان “الأمّة والتاريخ”، تساؤلات أساسيّة مثل: “علاقة الأمّة بالتاريخ”، خصوصًا التاريخ الذي شكّل في خطاب الأحزاب السياسية السورية مقومًا أساسيًا من مقومات تكوين الأمّة من جهة، ومرجعيَّة فكرية وإرثًا تُبنى عليه الأمّة المعاصرة من جهة ثانية. دون أن تغفل في سياقٍ تحليلي، إلقاء نظرة على موقع التاريخ في خطاب الأحزاب السياسية بشأن الأمّة، ولا سيما على مستوى الوظيفة، وعلى مستوى الدور الذي أداه. وفي هذا الفصل تعالج المؤلّفة التاريخ بوصفه مرجعيَّةً للأمّة وإرثها، وعامل وحدة لها.
وتُخصّص الباحثة السورية الفصل الثامن، “الأمّة – الاقتصاد – الطبقة”، لتقارب علاقة الأمّة بالاقتصاد من منظور الأحزاب السياسية، خصوصًا أنّ حزبين فقط طرحا دور العامل الاقتصادي في تكوين الأمّة؛ هما الحزب الشيوعي، والحزب السوري القومي الاجتماعي. لتوضّح بالتحليل أنّ الجدل تصاعد بين اتّجاه يرى أنّ الأمّة العربية هي أمّة مُكوَّنة، وقد مثّل هذا الاتّجاه القوميون العرب واليساريون غير الدائرين في فلك السوفيات، واتّجاه يرى أنّ الأمّة ما زالت في طور التكوُّن وأنّها تبقى كذلك حتى تتحقق وحدتها الاقتصادية، ومثّل هذا الاتّجاه الماركسيون الشيوعيون العرب الدائرون في فلك السوفيات، في حين يرى اتّجاه مثّله السوريون القوميون الاجتماعيون أنّ الأمّة متكوَّنة وأنّها تمثّل وحدة تامة، لكنَّ بعثها يحتاج إلى ما سمّوه النهضة القومية الاجتماعية، وبناء المتحد القومي الاجتماعي.
أما في الفصل التاسع والأخير، وعنوانه: “الأمّة والدين”، فتحلّل “الزغير” علاقة الأمّة بالدين الإسلامي، وفي الاختلاف الفكري الواضح بين الأحزاب السياسية السورية حول مسألة وحدة الأمّة على أساس الدين، وحول علاقة الدين بالدولة والسياسة. فإذا كانت عقيدة العروبة قد استطاعت إيجاد نقاط تلاقٍ مع عقيدة الإسلام، فإنّ عقائد أخرى كالشيوعية والقومية السورية كانت أكثر جذرية في استبعادها العامل الديني، على نحو تكون فيه المؤسّسة الدينية في ما يتعلق بالمؤسّسة السياسية مؤسّسة محايدة، على الرغم من أنّ تلك العقائد قدّمت نفسها، أحيانًا، كـ “أديان” جديدة.
إنّ ما يحسب للباحثة السورية خلود الزغير في تجربتها البحثيّة هذه، هو عدم استسهالها للجانب البحثيّ والمعرفيّ في نتاجها، حيث لم تعتمد كغيرها ممن يعملون على جمع ما نشروه من مقالات وبحوث في سنوات خلت في كتاب، إنّما احترمت قدسيَّة العمل البحثي، ومنحت الدراسة ما تستحقه من جهد ووقت، فكانت النتيجة كتاب سيبقى أثرًا للباحثين السوريين والمهتمين بتاريخ سوريا المعاصر.
جديرٌ بالذكر أنّ خلود الزغير كاتبة وشاعرة سورية تقيم حاليًا في باريس، درست علم الاجتماع في جامعة دمشق 2002، ثم انتقلت إلى باريس في عام 2007، فحصلت على ماجستير من قسم اللغات، في جامعة السوربون الجديدة “باريس 3″، في عام 2009؛ ونالت في عام 2017 درجة الدكتوراه في علم الاجتماع من الجامعة نفسها في اختصاص علم اجتماع المعرفة. وكان أن عملت معيدة في جامعة دمشق خلال المدّة بين 2005 و2007، ونشرت مجموعة من المقالات والدراسات في مراكز الأبحاث والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية تتعلق بالوضع السوري المعاصر والراهن، وتحديدًا مسألتي الخطاب السياسي والهوية، إضافة إلى مؤسّسة الجيش السوري، وثورة شعبها منذ آذار/مارس 2011 وحتى يومنا هذا. كما ترجمت العديد من الأبحاث والمقالات من اللغة الفرنسية إلى العربية.
ولديها ثلاث مجموعات شعرية طبعت على التوالي في دمشق وبيروت وباريس.
by أسامة إسبر | May 28, 2020 | Poetry - EN, Uncategorized
نهايات
استيقظْ.
أَتَسْمَعُ صفيرَ القطارات في حلمكَ؟
استيقظْ
ثمة سفينةٌ في المرفأ
طائرةٌ في المطار
سيارةٌ أمام الباب.
استيقظْ.
حقيبتكَ قرب الفراش
حين تُمْسك بها يدكَ وترفعها
لن تمتلك الوقت
كي تتذكّر حياتك السابقة.
هكذا كانت الأصواتُ تتحدث في داخله
بلغاتها الكثيرة
في مدينةٍ يمرُّ فيها الآلافُ كلّ يوم
تُروى قصصُ الآلاف كل يوم
تصبح اللغة فيها بحراً
تندفع أمواج كلماته كل يوم
إلى نهاياتها في الزبد.
صوت الريح
ثمة شيءٌ في الحجر
يذكّرني بنفسي.
أحياناً يتحدّثُ معي
وحين أصغي
لا أسمع إلا صوتَ الريح.
حجر
حجرٌ رماه المدُّ فوق الرمال
وغسله الضوء بمائه.
لم يومئ لي
لم يفتح حديثاً معي.
كان غارقاً في صلابته
منشغلاً بهموم من نوع آخر.
تمنيتُ أن أريحه منها
أن أمنحه لحظة اعتراف
وأصبح كاهن لحظته
لكن الحجر لم يكترث
كنت أنا الذي شعر به
حميمياً، قريباً مني
كما لو أنني أعانقه وأصغي إليه
وهو يقول لي:
تمسّكْ
تمسك بما بين ذراعيكَ
طالما أنت تسير على هذه الشاطئ.
قبور الأبناء
نتدافعُ في نفقٍ.
الضوءُ كان هنا
أو هكذا ظننا
وحين لم نتبيّن طريقنا
شعرنا أن الظلام يخرجُ من أعيننا.
ويتغذّى بأنفاسنا.
أمامنا لم تبنْ منعطفاتٌ
كان الطريقُ مستقيماً كرمحٍ
أو كسبطانة بندقية
في نهايته
لا يلوح ضوء في الأفق
لا شيء ينتظر أو يغوي
وإذا كان هناك شيء
فهو هناك
لأنه هناك.
كنا نضع أيدينا في جيوبنا
كما لو أنا نتحسّس
ذكرى معدن
أودعنا فيه أرواحنا
وبقيت سبائكه في الخزائن.
وفي الأمكنة الخالية
حيث سبق أن تعالت أصواتُنا أو ضحكاتنا
كان الهواء مسكوناً بما صنعناه بأيدينا
ونحن نحفر قبور أبنائنا
الذين لم يولدوا بعد.
نسْر لحظة عابرة
-1-
حين يفردُ النَسْرُ جناحيه
يأوي إليهما الضوءُ
كأنهما وطنٌ.
-2-
لم أرَ النسور إلا حين
غادرتُ مَسْقط رأسي.
تمنيت لو أن عينيْ طفولتي
سافرتا في أفق أجنحتها.
-3-
أحياناً تضيقُ السماء
على جناحيْ النسر.
-4-
في سماوات صدْره
يحلّقُ قلبُ العاشق كنسرٍ.
-5-
الذين لا يفرحون لمن يمتلك جناحين
يعيشون في الأقفاص.
-6-
كنْ نسراً في فضاء حياتكَ
لا تتوقَّفْ عن التحليق
نحو الذروات التي في داخلك.
-7-
أحبُّ الذين يحلقون بأجنحة الكلمات
الألحان
الألوان
لأنهم يشحنون الفضاء
بضوء الأجنحة.
-8-
نَسْرَ لحظةٍ عابرة
أسمّي نفسي وأنا أحلّقُ إليكِ
في بدايات الحب.
-9-
في بدايات الحب
تكون السماوات بلا نهاية
وَعْداً بضوءٍ يُسْكر الجناحين.
شجرة النار
-1-
لا تفكّر الوردةُ لمن تمنح عطرها
لا تبيعُ ولا تشتري.
كذلك الأشجارُ والينابيع.
-2-
القلبُ المليء بالحب
لا يعيش في الصدر فقط
بل يخفقُ في الأشياء كلها.
-3-
لا يأتي الحب من الشرق أو الغرب
من الشمال أو الجنوب
من الأعلى أو الأسفل
يشرقُ من الأعماق
ويوزّع ضوءه على الجهات.
-4-
الشجرةُ التي صارت حطباً في الموقد
تولد أغصانُها وأوراقُها وتموتُ في ألسنة اللهب
التي تصنع شجرة النار.
أغصانُ شجرة النار لا تعرف أنها ستنطفئ
لا تعرفُ شيئاً عن الرماد
تعيش حياتها إلى النهاية فحسب.
لغة الأشياء
-1-
المصباحُ المطفأ
المتدلي من السقف
يضيء الظلمة.
-2-
الشمعة تذوبُ على طاولتي
تصنع أشكالاً.
ذوبانُها نحّات.
-3-
كلبٌ يعوي
يخرج صوت العواء من فمه
كما يخرج صوت الكلام
من فم خطيبٍ على المنبر.
-4-
اللوحة المعلقة على الجدار
بابٌ دخل منه الرسام إلى نفسه
اللوحة المعلقة على الجدار
باب غادرتُ منه نفسي.
بدايةُ طريق المنفى.
-5-
العناقيد المتدليةُ من الدالية سماءٌ سوداء
حين يأتيكَ جوهرُها في كأسٍ
يُوسِّع السماء الزرقاء.
-6-
حين أسوق السيارة
وأكون وراء عجلة القيادة
أشعر أنني حيوانٌ معدني.
-7-
ما الذي يجعل العينين تتوهّجان:
إعجابهما بالشيء،
أم رغبتهما بامتلاكه؟
-4-
هل رأيتَ جثة الفرح محنطة؟
أنا رأيتُ قوماً
صنعوا إلههم من الكآبة
وقدموا فرحهم قرباناً له.
-5-
رسمتُ اليومَ لوحةً بعينيَّ،
تأملت الضوء وهو يغمر جناحيْ طائر البجع،
أو راقبت طائر البجع يغمس جناحيه في محبرة الشمس
ويكتب قصيدة الرحيل.
-6-
غادرتُ مدينتي منذ تسع سنوات.
حين أنظر إلى الخلف أقول:
كانت حياتي تزهر أحياناً
وفي كثير من الأحيان كانت
كمثل الغبار الذي يتوضع على الأشياء.
-7-
أوراقُ نَعْيٍ فوق بعضها
المدينةُ جداريةٌ للموت.
-8-
حجرٌ على الشاطئ
أحياناً يستعير لمعانه من الماء والضوء
في أحيان أخرى يستعير لحافاً من الزبد.
-9-
شمعةٌ على الطاولة
لا تملك شيئاً تقدمه للنهار.
في سان فرانسيسكو
في سان فرانسيسكو
لم تعد القصيدة تتجوّل في الشوارع
لم تعد تجلس في المقاهي
أو تبتسم للمشردين
الذين ينامون على أرصفة لامبالاتها.
لم تعد تمضي لياليها في البارات
أو تسير فوق الجسور
وهي تطارد بعينيها الشعاع فوق البنايات.
لم تعد تنظر في عينيْ العالم
لم تعد تكترث بقراءتهما
لم يعد يهمها انتشال الكلمات
من الآبار
حيث تسقط الأشياء سهواً أو عمداً.
في سان فرانسيسكو
يمرّ الضوء كلّ يوم
كسائق قطار على خط ثابت
ينهي نوبته جيئة وذهاباً
والبشر يخرجون من الأبواب ويدخلون
موجةً بشرية لا تكفّ عن التجمع والتلاشي
في بحر العمل.
في شقةٍ ما
أو قبْوٍ ما
تدخّن القصيدة سيجارة ماريجوانا
أو تحقن وريدها
أو تُفْرغ زجاجةً أخرى
في محاولة يائسة لسبْر وحدتها
بين دفتيْ كتاب.
توابيت
رأيت التوابيتَ مصفوفةً
في الشارع فوق الإسفلت.
الأجسادُ التي في داخلها
تنتظرُ رحلتها الأخيرة في قطار الأنفاق.
من نوافذ الشاشات
من نوافذ الصفحات
من نوافذ الأحلام
تطلُّ التوابيت
وتعوم في ماء نهر الإنترنت.
الدروب الوحيدة المشغولة
هي دروب الجنازات
الطرق الوحيدة السالكة
هي الطرق إلى المقابر.
كان الموت هو النجار الوحيد في البلاد
يجلس في منشرته الكبيرة
واضعاً ساقاً فوق أخرى
يدخن سيجاراً من الجثث
وينفث الدخان كي يصنع سماءه.
اكتشفتُ صوتي
اكتشفتُ صوتي على شاطئٍ
ليسَ لطفولتي آثارُ أقدامٍ على رماله.
خطفَ عينيّ
ربّاهما من جديد
وأشعرني بأنني طفلٌ
يُصْغي إلى أنفاس الأشياء
ويقرأ أحلامها.
حينَ أرى بياض أمواجه يندفع
في الفضاء ويعلو
ثم تنهار صخورهُ الزبدية
وتعود إلى أسرّتها المائية
حين أرى البياض يفتح
باباً
بابا معلقاً
لا أستطيع أن أدخل أو أخرج منه
يشعرني أنني وحيدٌ
على طرقات رياحه.
ورقة صفراء
ورقةٌ صفراء
عروقُها حادّة وجافة
تتوزّع إلى اليمين وإلى اليسار.
في وسطها يسري خطٌّ
كجرحٍ في القلب.
تتقلّب وحيدةً في الريح
والخريف في أوجه.
شعرتُ بأني أنا هي
وذكّرتْ جسدي،
بخطوطه وشرايينه،
أنه هاربٌ من خريفه.
كانت قوة الريح الخفية
تحمل الورقة إلى فلواتها السوداء.
وكنت أسير في تلك اللحظة
كي أتبدد كلي بين ذراعيكِ
تقودني قوة الحب.
ورقةٌ صفراء.
وجسدٌ يتورّد وهو يفكّر بكِ
كأنه تاريخٌ من الورود المتفتحة.
جسد يرقُّ
يصيرُ لمسةً
يصير همسةً
يصير مطراً من القبل
أوراقَ رغبةٍ
في ريح الحبّ الخريفية.
العبور
لم يعد يُسْمَح للدم
بالإقامة مُدّةً أطول في الشرايين.
المدنُ عالقةٌ في رمال أحلامها المتحركة
في صحراء السياسة.
الأنهارُ التي تعبرُ الخريطة بريدٌ
يرسل عبْره الموت جثثه الكثيرة.
المحاربون يحفرون الأنفاق
في جسد المستقبل.
وغداً حين تُشْرق الشمس
ويلمع ضوءها فوق شواهد القبور
وفوق الطرق المزروعة بالألغام
لن نلمحَ إلا أنقاض الجسور
أو آثارَ خطوات مهاجرين
نجحوا في العبور.
امنح نفسكَ
امنحْ
امنح نفسكَ هذا الهواء
الذي ينقلُ العطر
الشعاعَ الذي يسافر
في عروق الأوراق
الوهْجَ الذي يصنعُ الشجرة.
امنحْ
امنح لخطواتكَ الطريق
الذي يقودكَ إلى دهشةٍ أخرى
بحراً يتقدّم كله
كي يفتحَ لك باب النهار.
تمشي على طرقاتك البحرية
ظاناً أنك موجة قادمة من ماضيك
غير أنك تتقدم بجبروت لحظتك
بكلّ ما أنتَ.
هل تسأل الموجةُ عن بداياتها
في سرير الزبد؟
امنحْ نفسك نافذة الأفق
وأصْغ لهدير المياه
كأنه موسيقا تعزفها لك
أراغن الزرقة.
امنحْ نفسكَ
ما تحب عيناك أن تراه
ما يخفقُ له قلبك
ما تتوثّب ذراعاك لعناقه
ولا تنظرْ وراء هذا
ولا تلتفت.
مثلك، أيها الجسد
لا اسمَ لكِ
لا اسم لك
ودوماً تولدين.
تتقدمين إلى الشاطئ
دون أن تحسبي المسافة
بين ولادتك وموتك.
لا تفكرين أن تكوني نبعاً
أو مصباً.
هكذا،
طفرةً
ارتجاجاً
في جسد الماء،
ولادة مفاجئة
تندفعين
كما لو أنك البحر والشاطئ
الجناح والصخرة،
السماء والأرض.
مأخوذاً بكِ أيتها الموجة
أعيش أحوالكِ في جسدي.
أقول: للعبور نكهةُ فجرٍ قادم
وهذا ما تقوله أيضاً
أزهار الربيع المسائية.
هذا ما يقوله شعاعٌ
يتفتح حولها متناثراً هنا وهناك
كأنه يريد أن يمنح نفسه في أزهار كثيرة
كأنه يقول:
أنا مثلكِ أيتها الموجة
مثلكَ أيها الجسد
لا أتوقّف عن العبور.
*تنشر هذه المادة بالتعاون مع جدلية.
by أسامة إسبر | May 17, 2020 | Culture - EN, Poetry - EN, Uncategorized
فوق المحيط
–١–
سأرشّ حول جسدكِ طحيناً
كما فعلَ أنكيدو حول جسد جلجامش
كي أتوهّج في شمس أحلامكِ
كي تشعري بطعمي
في لقمة الخبز في فمك.
فأنا أعيشُ في النار
التي تُنضجُ الرغيفَ الذي تأكلين منه.
–٢–
ليس الحبّ قصةً أرويها
فأنا لا أعودُ إلى الذكريات
ولا أفتحُ صناديق في زوايا غرفتي
كي أبحث عن رسائل قديمة
بل أترك باب حياتي مفتوحاً
كي تدخلي إلى الغابة
التي أعيش فيها وتبحثي عني
وهنا، إذا ما عثرتِ عليّ
سنزرع شجرة أخرى باسم الحب.
–٣–
بحثنا عن أيام أكثر راحة
عمّ يختصر المسافات بيني وبينك.
سافرنا في أذهاننا قليلاً
إلى أمكنة عشنا فيها
حين كنتِ تصعدين الدرج
وكنت أراقب خطواتك
وأخالهما في أوقات كثيرة
جناحين يرفعانك
وكنت أنظر إليهما يحلقان بك
ويتغلغل فيهما الضوء في الأعالي.
–٤–
كان الحب أحياناً
يصنع الفضاء ويوسّعه
يفتح أبوابه كلها ويزيح الستائر.
وفي أحيان أخرى
كان يوزع غيومه
يرعد ويبرق وتسقط أمطاره
وحينها نكون متعانقين
في صاعقة جسدية
تسقط فوق شجرة الرغبة.
–٥–
حين جاء الموت
لم يكن هناك حياة إلا في وجهكِ.
وحين جاء الظلام
لم يكن هناك وهج إلا في عينيك.
لم نلمح طريقاً آنذاك
كان المحاربون يعبرون على الدراجات النارية
وكنا نلمح التوابيت فوق كتفيْ
المدينة وهي تحني رأسها
في طريقها إلى المقبرة.
–٦–
في فجر أحد الأيام أيقظتْنا انفجاراتٌ
صنعتْ سماء من الدخان
وأصواتٌ خدشتْ لحم السماء بأظافرها الفولاذية.
غادرنا حينها البيت
أغلقنا الباب وراءنا
محونا أشياءنا وراءنا
لم يكن يتوهج في أعيننا
إلا ضوء الرحيل.
–٧–
وفي طائرة في الفضاء
شعرنا أننا ضائعان
أننا لن نصل إلى أي مكان.
كان كل شيء خلفنا يختفي في الدخان
وأيامنا القادمة
ضائعة في صوت المحركات العملاقة
فوق المحيط.
المدينة التي عشتُ فيها
السماءُ فيها سقفٌ لصالات العزاء
والضوء غبارٌ يتساقط، تنثرهُ الريح
على ملامح وجهها الممحوة.
نهرُها الذي يجفّ في جسدٍ متصحّر
حنجرةٌ من الرمل ترتّل الأناشيد لمطرٍ لا يهطلُ.
أما ليلها الذي يعشقهُ الشعراء فمبقّع
بأضواء تنطفىء الواحد بعد الآخر
ليس لأن الفجر قادم بل لأنها
لم تعد قادرة على التوهج.
الأشجار التي بقيت فيها
ضيّع الربيع طريقه إليها.
تعرفُ هذا كلماتٌ تخرج مذعورةً
من الأفواه في المقاهي.
يعرفُ هذا من يرى كلمات كاذبة
تخنقُ عناوين الصحف.
تعرف هذا أحلامٌ لا تتحقّق
وأعينٌ ترى من ثقوب في الحصار.
فوق حاراتها الملوّثة
حيث يتدفّقُ نَهْر الأسلاك
تبدو الشمسُ باهتةً ككرة قدم مغبرّة
شاطها أحدهم وبقيت عالقةً في الأعلى.
المدينةُ التي أمضيتُ فيها نصف حياتي
كانت دوما تفتحُ لي الباب
لا لكي أدخل إليها بل كي أغادرها.
ريح الخوف
–١–
شيءٌ ما يرجّ الكوكبَ
يرميه
في ريح الخوف.
–٢–
كان الكوكبُ دوماً
على حافّة الهاوية.
الغريب أنه لم يسقط.
–٣–
شوارعُ المدن خالية.
الموتُ ينتظرُ في الشوارع
في السيارات المركونة
على شواطئ البحار
على خشبة المسرح
في الأوراق الأولى للصحف
في البارات
والمدارس
في القبل والمصافحات
في عواء الكلاب الضجرة
وتصريحات السياسيين.
–٤–
سجادة الصلاة
تحلّ خيوطها
كي تصنع كمّامة.
الدعاء
لا يعثر على خشب
كي يصنع سلماً للصعود.
–٥–
أنشغلُ الآن
بترتيب المائدة
كي أجلس إليها
أنا والوحدة.
–٦–
الكأس الممتلئ أمامي
يشعر أنه فارغ.
يدي تشعر أنها
ليست يدي.
صرنا جسوراً
يعبر عليها الموت
وها أجسادنا تتدلى منتظرة
على أغصانها الذابلة.
–٧–
كما يعيشُ الموتُ في قبرٍ
يعيش في اللامبالاة.
في أيد لا تعرفُ معنى عناق
لا حاجة إليه.
–٨–
بما أنني خلف الجدران الآن
أحبّ أن أسأل نفسي:
ألم أكن خلفها من قبل؟
–٩–
العالم موحشٌ الآن
شوارعه مهجورة
والبشر يهربون من بعضهم.
واقعٌ أراد
أن يكون أكثر وضوحاً.
–١٠–
لو وُضع للجسد البشري تاريخ،
ماذا هناك غير الموت؟
–١١–
حتى في أوج شعوركَ بأنك نَفَسٌ عابر
حفيفٌ في أوراق أشجار اللحظات،
حتى لو كنت تعرف
أنك لا تستطيع التمسك
بأي شيء
ابْنِ، ابْن حديقة للفرح
وازرعْها بالورود.
–١٢–
لا أحب الدعاء
وإذا ما استمرت الحياة
حتى العكاز يمكن أن يكون
حفيداً، كما قال الهنود الحمر.
–١٣–
يسير البشر واضعين كمامات على وجوههم
نظراتهم قلقة
ثمة شيء ما يتربّص بهم في الخارج.
لكن في الأعين نفسها وهج
لا يمكن أن يطفئه أي شيء.
–١٤–
كان الشاطئ مهجوراً
خُيّل لي أن الأمواج والغيوم خائفة
وهي على حق إن كانت هكذا
تعرف أنه لا معنى لها
دون أعين تنظر إليها.
–١٥–
كان الشاطئ مهجوراً
والطيور قلقة.
كان صوت الريح مختنقاً
وهي تهب فوق دروب خالية.
هذا هو الجسد
١–
رغم أنه يتمنى ذلك أحياناً،
لا يستطيع الجسدُ
أن يصبح حجراً.
–٢–
الجسد موجةٌ
وفي غالب الأحيان
يكون البحر في داخله.
–٣–
تتجمّع الغيوم في السماء
وتلعب الريح بأشكالها وتبدّدها.
هذا هو الجسد.
–٤–
حين ييدأ الطريق ولا ينتهي
حين تبحر السفينة وتضيع البوصلة
هذا هو الجسد.
–٥–
في منقار النورس المحلق فوق الماء
كائنٌ بحري يتدلى.
هذا هو الجسد.
–٦–
اليوم، في مزيجٍٍ
من الأصداف والرمال
رأيتُ آثار أجساد قديمة.
–٧–
في الأعشاب التي تطلع
من شقوقٍ في القبور وحولها
يشير الجسد إلى طرقه.
–٨–
يولد الجسد أكثر من مرة في الحب
وبعد ذلك إذا اختار مسكناً
يكون عادةً الريح.
حين عشقتُ أول مرة
–١–
حين عشقتُ أول مرة
كانت قدماي تتسلقان الجبال وتهبطان السفوح
كالهواء الذي تميل فيه الأعشاب.
–٢–
حين عشقتُ أول مرة
كنتُ أرى نفسي بعينيها
وكنتُ معجباً بنفسي.
–٣–
حين عشقتُ أول مرة
شعرتُ أن الانتظار
ثمرةٌ يتقطّر عصيرها بين شفتيَّ الظامئتين.
–٤–
حين عشقتُ أول مرة
لم أعرف قلبي ولم يعرفْني
كما لو أنه خفقَ في صدرٍ آخر.
–٥–
حين عانقتُ أول مرة
لم أر ما كنت أعانقه ولم أر نفسي
كنا جسدين ضائعين في بعضهما.
–٦–
حين قبّلتُ أول مرة
شعرتُ أنني ضائع ولا يمكن أن يخرجني
من المتاهة إلا قبلةٌ أخرى.
–٧–
حين قبّلْتُ أول مرة
عرفت أن للشفاه وروداً تتفتّح
وأن لها عطراً ينتشر.
–٨–
حين عانقتُ أول مرة
عثرتُ على نفسي بين ذراعيكِ
وحين خرجتُ من بينهما ضعتُ من جديد.
–٩–
حين يعشق المرء
يعشق دوماً لأول مرة
كما لو أن الحب ينجبه كل مرة.
الطائر الطنان
–١–
حين يُحلّقُ الطائر الطنان
تُصْبح أجنحتهُ لامرئية.
هل يريد أن يتحوّل إلى هواء
أم لأنَّ الرحيق يُسْكره؟
–٢–
كما يعيشُ الطائر الطنان على رحيق الأزهار
أعيش على رحيق الكلمات
التي تهمسُ لي شيئاً.
–٣–
كان اللون الأخضر كثيفاً في ذلك اليوم
كانت الأشجار تنوء به
كأنها تتمنى عودة الضباب
كي يخفف من وطأته.
–٤–
العلاقةُ بين نسبة الرطوبة في الهواء
وسقوط الضوء على الطائر الطنان
هي ولادة قوس قزحٍ في ريشه .
–٥–
حين يسقط الضوء
على ريش الطائر الطنان
يهاجر من ذاته ويصبح آخر.
–٦–
ما الذي يجري لي؟
كلما رأيتُ جناحيْ الطائر الطنان
تمنيتُ لو أنهما على جسدي.
–٧–
يا مدينة ولادتي النائمة
فوق الشاطئ الصخري
لستُ طائراً طناناً
كي أحلّق نحو الأعلى والأسفل
كي أطيرَ جانبياً أو بالمقلوب
أو كي أحلّق مثله باتجاه الوراء
حين أحنّ إليكِ.
لا حاجة كي أفعل ذلك يا مدينتي
فأنت تعيشين في داخلي
والعلاقة بيني وبينك
تاريخٌ من الأجنحة
التي بلا فضاء.
على طرقي البحرية
الفجرُ ضبابيٌّ
على طرقي البحرية،
وصدْر المياه ليس رحْباً
كل شيء هاجعٌ
وراء باب عزلته.
الريح تسرعُ كأنها تنوي
العودة من حيث جاءت
والضوء يبهت
كأنه يفكر بالاحتجاب في مصدره.
شعرتُ بثقل وحْدتي
وبثقل الفراغ على جسدي.
ربما لن يغيبَ الضوء طويلاً
لكن هل سيكشفُ حين يأتي
غير ما حجبه الضباب؟
كانت المدينة تتقلب على سرير الأرق
تنتظر خبراً
يدلي حبله في الهاوية.