by Gassan Nasir | Feb 22, 2020 | Cost of War - EN, Culture - EN, Uncategorized
يضمُ كتاب «تسع عشرة امرأة – سوريّات يروين» للكاتبة والروائية السورية سمر يزبك المقيمة في باريس، الذي نستعرضه في مقالتنا هذه، مجموعة حوارات كانت أجرتها صاحبة «المشّاءة» مع خمس وخمسين امرأة في البلدان التي لجأنَ إليها: تركيا، فرنسا، ألمانيا، كندا، لبنان، بريطانيا وهولندا، وكذلك في الداخل السوري. غير أنها اختارت منها تسع عشرة شهادة فقط، بسبب الشبه المتكرر في تجارب النساء، والذي يُظهر جزءًا من الجحيم الذي قاومنّه بشجاعة في سوريا، التي شهدت في منتصف آذار/ مارس 2011 احتجاجات سلمية ضدّ نظام الاستبداد والطغيان، وهذا الجحيم هو جزء من الويلات التي عشنها ويعشنها النساء في العالم العربي وفي مناطق أخرى من العالم، فكانت الأولوية في الاختيار لمسألة التنوّع الجغرافي السوري، لتشكيل مشهديّة أوسع عما احتفظت به النساء من حكايات الثورة والحرب العبثية.
إلى الحفيدات: لم نغلق الباب وراءنا..
الكتابُ، الصادر عن “منشورات المتوسط” في ميلانو، والذي حررته صاحبة «لها مرايا» بأسلوب عابر للخط الفاصل بين الكتابة الصحفية والأدب الرفيع، والذي يحتوي بين دفتيه على شهادات دقيقة وموجعة للمشاعر والأحاسيس والمواجد، وحكايات بطولية لتسع عشرة امرأة من السوريّات، اللاتي عملنَّ مع بدء الثورة السورية كناشطات في تنسيقيّات الثورة، بدأته يزبك بإهداء مؤلم، يرسم ما آل إليه الحال السوري بعد نيفٍ وثماني سنوات من هذه الثورة المجيدة، اليتيمة، بعد أن اختطفها أصحاب الرايات السوداء والمشاريع الجاهلية المظلمة، إذ كتبت: “إلى حفيداتنا وأحفادنا: كنا نتطلع إلى قامة مستحيلة، اسمها العدالة، لم نغلق الباب وراءنا، ولم نتركه للريح!”.
اشتغلت صاحبة «طفلة السماء»، الشاهدة على ما حصل وما زال يحصل من دموية ووحشية ومعاناة وبؤس وفوضى في بلادها، والتي أسّست سنة 2012 في تأسيس مؤسسة «النساء الآن من أجل التنمية»، على توثيق الذاكرة السورية في كتابيها «تقاطع نيران: من يوميات الانتفاضة السورية»، و«بوابات أرض العدم»، ويشكل كتاب «تسع عشرة امرأة – سوريّات يروين» الجزء الثالث من شغلها على ذاكرة المغلوبين من أبناء وبنات بلدها النازف.
تقدم يزبك لكتابها التسجيلي/ الوثائقي بمقدمة ضافية، تُبيِّن فيها مسعاها، وأوقاتها في رحلة الآلام هذه. كاشفة فيها كيف ولدت فكرة الكتاب، إذ تقول: “بدأت الفكرة في منتصف عام 2015، عندما كنت أسافر بين المدن، وأدون حكايات السوريين الذين أصادفهم في المنافي. حصل هذا مصادفة، عندما التقيت أفراد عائلة سورية في أحد القطارات، وسمعت قصتهم ووجدت نفسي أكتب ما يروونه، ثم اكتشفت أنني أستطيع لمس سوريا البعيدة، من خلال هذه الحكايات. كان دافعي الأول هو اكتشاف سورية التي لم نعد نعرفها تمامًا”.
وتشدّد صاحبة «رائحة القرفة»، على أنّ هذا الكتاب الذي جاء في (280 صفحة من القطع الوسط)، هو أحد طرائقها في المقاومة، وجزء من إيمانها بدور المثقّفين والكُتّاب في تحمّل مسؤوليّتهم الأخلاقيّة والوطنيّة تجاه العدالة وإنصاف الضحايا، والتي يتجلّى أهم وجوهها في الحرب ضدّ النسيان.
تقول يزبك عن اشتغالها على هذا الكتاب/ الشهادة المكتوبة بالدم في زمن الفجائع: “ذهب هاجس السؤال عندي إلى مسؤوليّتنا كأفراد في تكوّن ذاكرة حقيقية وفعلية، مضادّة لتلك التي تسعى إلى تبرير الجريمة، ذاكرة قادرة على تثبيت سرديّة موازية تنصف قضيتنا العادلة، وتُظهر جزءًا من الحقائق ساطعًا وبليغًا”. مضيفة “لقد رأيت أنّ أساس البدايات هو التّحديق والبحث في صورتنا المُفترضة كهوية جمعية، وتفكيكها، ومكاشفتها. ببساطة كانت هذه الذّوات التي شكّلتها النساء جزءًا من ذلك البحث المحموم الذي قادني إلى التّحديق المهول في تلك الهوية”.
الاحتجاجاتُ التي تجاوزت التوقعات منها، وشملت أرجاء الأراضي السورية، فما كان مظاهرات، أدى إلى انتفاضة، أصبحت ثورة، حررت الكتابةَ من الكتمان، كما قال ذات يوم صاحب «السوريون الأعداء» الروائي السوري فواز حداد، جعل يزبك تحمل عدّة دفاتر صغيرة وهي تتنقل ما بين مدن العالم مدوّنة حكايات السوريين. راوية لنا: “كنت أصادف سوريين يعبرون المدن والقرى للوصول إلى وجهتهم في بلاد اللجوء. كنت أرى الخوف في عيون شبابهم ونسائهم، وذلك الفراغ الأبيض في تحديق أطفالهم”. لتخبرنا في السياق كيف أنّها في أحيان أخرى كانت تتعمد السفر لأماكن محددة للقاء الناجين من قوارب الموت عبر البحار ومن المجازر اليومية التي حولت حياتهم إلى جحيم أرضي.
أما وقد تجمعت حكايات كثيرة في جعبتها وجدت نفسها تفكر في رواية المقتلة، التي يحلو للبعض أن يسميها “انتفاضة” “ثورة شعبية” “زلزال”.. إلى غير ذلك، كما عاشتها النساء الثائرات لملامسة جزء من حقيقة التراجيديا السورية.
مرويات صادمة توثق لحظات الموت..
الكتابُ موجعٌ وصادمٌ، وهو وثيقة مهمة لتوثيق كاتبة وروائية جريئة، لا تعترف بالخطوط الحمراء، شهادات لنساء كنّ شجاعات وصادقات حتى في رواية “سقطات” الثورة، وكل من تاجر بها وليس النظام فقط، ما يجعل من تلك الشهادات الجحيمية، والتي يصعب تصديقها أحيانًا، سرديّات موازية لا تبرئ أيّ طرف مما حدث في سوريا، التي صارت أكبر مسلخ بشري في العالم في العصر الحديث.
من ميزات عمل يزبك الحسنة مواءمتها بين التنوّع الجغرافي للمناطق السورية، فهناك نسوة من اللاذقية وطرطوس، وأخريات من دمشق وريفها ودرعا والسويداء وحمص وحلب وحماة والرقة ودير الزور. وهي تقول في هذا الصدد: إنّ “الأولوية في الاختيار كانت لمسألة التنوّع الجغرافي؛ لتشكيل مشهديّة أوسع عن الذاكرة السورية”.
كذلك ثمّة تنوّع وتعدّد في المهن، التي شغلتها النسوة التسع عشرة، الناشطات في الحراك السلمي، اللاتي أصبحنَّ وهنَّ الضحايا المعنفات شاهدات على الكثير من أحداث ويوميات المقتلة طوال سنوات الثورة السورية.
نقرأ من الكتاب، شهادة لإحدى النساء اللاتي كنَّ في الغالب، في مواجهة الأهوال وأمام لحظات الموت، وما أكثرها تلك اللحظات الدائرة عبر أكثر من ثماني سنوات من عمر الثورة التي انتكست في المآل، جراء التدخلات المحلية والمؤامرات الإقليمية والدولية، شهادة جاء فيها: “في اليوم الأخير وقبل خروجي النّهائي من حلب، أردتُ إيصال معونات غذائيّة إلى مجموعة عائلات، كانت على وشك الموت جوعًا. كنتُ أركض في منطقة فيها قنّاصة، فرأيتُ سيّارة مشتعلة إثر قذيفة سقطتْ عليها، وفيها ناس يحترقون. لم أتوقّف لأُسعفهم، فقد كانوا موتى، وأنا أعرف أنّ هناك أطفالًا جائعين في انتظاري. عندما وصلتُ إلى مكان وجود العائلات، وقبل أن أُسلِّمها الطّعام، سقطتْ قذيفة فوقنا. في الدّقائق العشر الأولى، لم أرَ سوى الدّخان الأسود، ثمّ بدأ ما حولي يتّضح شيئًا فشيئًا من جثث وأشلاء. عشتُ من جديد! وقلتُ في نفسي: يا للكارثة! لقد عشتُ! أمضيتُ ثلاثة أرباع الساعة أبحث عن سيارة لنقل الجرحى. كان المصابون كُثُرًا. لن أنسى ذلك اليوم ما حييتُ! مات الجرحى أمامي، ولم أستطع إنقاذهم. كانوا أفراد عائلات جائعين، تحوّلوا فجأة خلال دقائق أشلاء متناثرة أمامي! حدث هذا في حَيّ “أغيور” في الشّهر الحادي عشر من عام 2016. حتّى الآن لا أصدّق كيف بقيت على قيد الحياة. لقد خرجت عشرات المرّات من تحت الأنقاض والرّكام وانتشلت جثث أصدقائي”.
ومن الأهوال المروعة التي تنقلها لنا إحدى الراويات في الكتاب واسمها رولا، وهي من حي “كرم الزيتون” في حمص، وهو حي غالبية قاطنيه من أبناء الطائفة العلوية، قولها: إنّ “أجهزة المخابرات تلاعبت فعلا بالسُّنَّة والعلويين، وفي حي كرم الزيتون ارتكبت مجزرة، في 12/03/2012. رأيت بيوتًا على مد النظر مدمرة ومحترقة، كان الخراب لا يوصف… لقد اختفى ما يقارب من خمسة وتسعين ألف شخص، الشبيحة هم الذين فعلوا ذلك، عرفت لاحقًا من أحد أقاربي أنّ هناك مكتبًا مهمته تنظيف الأمكنة التي سيدخلها الجيش، هؤلاء لم يكونوا من الشبيحة التقليديين، كانوا مدرَّبين على القتل… الرجالُ الذين يرتبطون بالمكتب والمرتبطون بالأجهزة الأمنية هم من ذبحوا الناس”.
أخيرًا، يبقى كتاب صاحبة «صلصال» وثيقة إنسانية عن الذاكرة الجمعية السورية، التي باتت تشكل حاضرنا المؤلم في أسوأ أحواله، والتي يراد لها أن تتلاشى في بلاد اللجوء التي وصل إليها من نجا من الجحيم السوري وحرب الإبادات الجماعية بأعجوبة.
سمر يزبك: كاتبة وروائية وناشطة حقوقية، ولدت في مدينة جبلة في الساحل السوري عام 1970. تحمل شهادة في الأدب العربي من جامعة تشرين”، اضطرت بدايات الثورة لترك سوريا، وهي تقيم الآن في منفاها في باريس، وتعمل منذ سنوات طويلة في مجال الصحافة والتلفزيون. نشرت مجموعتها القصصية الأولى في دمشق عام 1999 بعنوان «باقة خريف» ثم لحقتها بمجموعة أخرى بعنوان «مفردات امرأة» عام 2002. لتتجه بعد ذلك إلى كتابة الرواية ويوميات ثورة شعبها، فنشرت خمس روايات هي: «طفلة السماء» 2002، «صلصال» 2005، «رائحة القرفة» 2008، «لها مرايا»2010، و«المشّاءة» 2017.
وكان أن صدر لها عام 2008«جبل الزنابق “حكي منامات”»، وهو كتاب بين القص والشعر النثري، وفي عام 2012 أصدرت «تقاطع نيران: من يوميات الانتفاضة السورية»، ومن ثم «بوابات أرض العدم» 2015، وهما كتابان أقرب لأن يكونا مذكرات تسجيلية ليوميات الثورة السورية.
نالت يزبك العديد من الجوائز الدولية، منها: “جائزة “بن بنتر” الأدبية، والتي يمنحها (نادي القلم البريطاني) إحياءً لذكرى الكاتب المسرحي الشهير هارولد بنتر، وذلك مناصفة مع الشاعرة البريطانية البارزة كارول آن دافي عام 2012، وجائزة “أوكسفام” عن كتابها «تقاطع نيران..» عام 2013، وجائزة “أفضل كتاب أجنبي في فرنسا” عام 2016، عن كتابها «العبور: رحلتي إلى قلب سوريا الممزق»، الذي يحكي تفاصيل رحلة دخولها بشكل غير شرعي إلى سوريا في 2012 عبر تركيا والتي تلتها عدة زيارات متتالية كانت تزداد خطورة مرة بعد مرة.
by هيفاء بيطار | Feb 11, 2020 | Culture - EN, Uncategorized
أصبح منظر العشاق في الأزقة وعند مداخل البنايات المُعتمة وفي الحدائق البائسة في اللاذقية مألوفاً لكنه يثير استنكار الأكثرية من شعب المدينة (وأظن أن هذه الظاهرة منتشرة في سوريا كلها). لأن هؤلاء العشاق الذين لا مكان يلتقون فيه ليعبروا عن حبهم واشتياقهم لبعضهم سوى الشارع. فمهما كان الفقر قاسياً وقوياً في سحق كرامة الإنسان؛ فإن الحب أقوى منه، وهؤلاء الشبان (شباباً وشابات) في عمر الصبا والهوى والوله والحب، وكما يقول سمرست موم في مذكراته حين يُعرف الحب: بأنه مستوى الهورمونات في الدم. وهو تعريف رائع لأنه حقيقي جداً ودقيق جداً. ففي عمر الصبا (من العشرين سنة زائد عدة سنوات أو أنقص عدة سنوات) تكون الهورمونات الجنسية في أوجها. وهي بطانة الحب والشغف، والحياة رجل وامرأة، وجريمة أن نحرم الحبيب من لقاء محبوبته. و لا يجد هؤلاء العشاق (وغالبيتهم طلاب جامعيون) وسيلة للقاء سوى الشارع والحدائق ومداخل البنايات والأزقة المُعتمة، بسبب الفقر المدقع في اللاذقية (وسوريا كلها) إضافة للعقلية الإجتماعية المتشددة والظالمة للعشاق التي تعتبر أن لقاء العاشقين خطيئة وعار وقلة شرف.
وأظن أنهم وحدهم في سوريا غير متذمرين من قطع الكهرباء لأن الظلمة حنونة وتحميهم، لأن أجسادهم الفتية تقاوم البرد والمطر والظلام وتتشابك الأيدي المحمومة بالشوق وتتلاقى الشفاه في قبلات مشتاقة يصعب عليهم السيطرة عليها وعلى مشاعرهم الجامحة بالحب تجاه بعضهم البعض. تنظر الأغلبية لهم بإحتقار وتتهمهم بقلة الشرف (وتطلق عليهم خاصة على الفتيات) شتائم فاحشة تركز كلها على الانحلال الأخلاقي وانعدام الشرف. وأحب أن أذكر رواية عظيمة لنجيب محفوظ وأعتبرها من أهم الروايات العربية وهي رواية (السراب)، وهي تصلح أن تُعتبر كتاباً تحليليلاً في علم النفس للكبت الجنسي وآثاره على الشخصية، فبطل رواية السراب الطفل المدلل والثري والذي يعيش مع أمه ونادراً ما يلتقي والده (لأن الأم والأب مطلقان). هذا الطفل لديه عقدة الخجل ولا يلتقي بالجنس الآخر مُطلقاً (أي الأنثى) بحكم العادات والتقاليد الإجتماعية. ويلجأ إلى ممارسة العادة السرية ويُدمن عليها وتصير متعته الجنسية مُستمدة من جسده فقط، وحين يتزوج من شابة جميلة ومثيرة ورغم الحب الذي ينشأ بينهما فإنه لا يستطيع معاشرتها لأنه مُصاب بالعجز الجنسي نفسي المنشأ، لأن كل فيزيولوجية جسده تبرمجت أنه لا يحصل على المتعة الجنسية إلا بشكل انفرادي أي من العادة السرية وهو غير معتاد على لمس امرأة وممارسة الجنس مع امرأة. وتصمت الشابة وتتحمل تلك المشكلة وتبقى عذراء لأشهر، حتى يفاجئنا العظيم نجيب محفوظ بأنها حامل من رجل آخر، وبأنها عاشت علاقة مع رجل في السر وحملت منه. لست بصدد مناقشة هذه الرواية الآن، لكن لا يمكن التغاضي عن مشكلة خطيرة تهدد الشباب العربي بشكل عام (ويهمني هنا شباب سوريا) وهي الكبت الجنسي، وعدم قدرة شريحة كبيرة من الشباب والشابات على الزواج بسبب الفقر. واضطرارهما أن ينفسا عن مشاعرهما بأيه طريقة حتى لو أُهينت كرامتهما وأصبحا مثل قطط وكلاب الشوارع يتبادلان الغزل والحب في الشوارع ويتحملان نظرات الاحتقار من المارة إن لم يبادر البعض إلى تقديم شكوى لدى الأجهزة الأمنية المختصة بحماية الأخلاق في الوطن!
وكثيراً ما يُجرجر هؤلاء العشاق إلى الأجهزة الأمنية لأنهم يخدشون الحياء العام ولا يراعون العقلية المُحافظة السائدة. وتدفع الفتاة الثمن باهظاً إذ تُوصف فوراً بالمنحلة أخلاقياً والساقطة، وتراود عناصر من أجهزة الأمن أنفسهم للتحرش بالفتاة لأنها سهلة وبلا أخلاق كما حدث مع كثيرات. وأتعجب من هؤلاء الناس وهم الأغلبية كيف ينظرون إلى عشاق الشوارع تلك النظرة التحقيرية ويشمئزون منهم ويلعنونهم لأنهم لا يحترمون العقلية المحافظة السائدة (وإذا ارتكبتم المعاصي فاستتروا). بينما منظر رجل يبول في الشارع لا يخدش الحياء العام ولا يشتكي عليه أحد. ومنظر الشبيحة بسياراتهم المُفيمة (زجاجها غير شفاف) حين يترجلون من سياراتهم ويجلسون في أفخم المقاهي والمطاعم ويضعون مفاتيح سياراتهم المُفيمة ومسدساتهم على الطاولة لا يخدش الحياء العام. إن منظر مسدس لشبيح على طاولة في مقهى أو مطعم هو أكبر تهديد واحتقار للمواطن، وهو تهديد علني كأن الشبيح صاحب المسدس يقول للناس: أستطيع أن أطلق عليكم الرصاص بمزاجي وساعة أريد. والرسم السنوي للسيارة المُفيمة هو 500000 ليرة سورية أي نصف مليون ليرة. وتتكاثر السيارات المُفيمة بشكل كبير، فلو حسبنا كم من الملايين تدخل خزينة وزارة الداخلية بسبب تفييم السيارات لكان الرقم خيالياً، ولكان هذا أولى أن تصرفه الدولة على المساكين بتأمين فرص عمل لهم أو رفع الرواتب كي يُصبح الراتب راتب احترام وليس راتب احتقار.
لقد درستُ ثلاث سنوات في المعهد الطبي وكان طلابي شباباً وشابات بعمر الورود، ودرستهم قبل بداية الثورة السورية بسنوات ومع ذلك كانوا يائسين ومُحبطين لأسباب عديدة أولها أن الدولة غير مسؤوله عن توظيفهم! أي أنهم يتخرجون من الجامعة ويرمونهم في الطريق، ولأنهم فقراء وأهلهم غير قادرين على إعطائهم مصروفاً خاصاً، إحدى الطالبات قالت لي: لو اشتهيت قطعة حلوى لما تمكنت من شرائها. الارتفاع الخطير لنسبة تأخر سن الزواج (أو ما يُعرف بالعنوسة) ظاهرة تفرض نفسها على المجتمع العربي، لأن هؤلاء الشبان الذين يشكلون أكثر من 70 بالمئة من نسبة السكان سيضطرون للجوء إلى طرق عديدة ليلتقوا، ليعبروا عن مشاعرهم وليشبعوا غريزتهم.
وقد اطلعتُ مؤخراً على موقع بالغ الأهمية مُختص بما يُسمى الإجهاض الآمن، حيث تشرف على هذا الموقع عدة طبيبات وأطباء يردون على رسائل الفتيات المتورطات بعلاقات حب أثمرت عن حمل، لكن الزواج غير ممكن بسبب الفقر وبسبب انعدام الأمل وانسداد الأفق بأن هؤلاء العشاق يمكن أن يُوفقوا بعمل يؤمن لهم دخلاً محترماً ليؤسسوا أسرة وليعيشوا تحت سقف واحد. هذا الموقع تنهال عليه آلاف الرسائل يومياً من شابات عربيات يطلبن الطريقة للإجهاض الآمن، ويقوم المسؤولون عن الموقع بإرشاد الشابة الحامل لطريقة الإجهاض الآمن بإستعمال أدوية معينة. وكلفة الإستشارة الطبية عبر الإنترنيت 90 دولاراً. أين أنتم يا حماة الأخلاق! أين أنتم لو تطلعون فقط على هذا الموقع للإجهاض الآمن وترون تهافت الفتيات العربيات عليه، لأن الحب مشوه في بلادنا ولأن مفاهيمنا الأخلاقية زائفة ويُمكن اختصارها بعبارة: وإذا ارتكبتم المعاصي فاستتروا أي أن المعاصي مسموحة لكن المهم السترة.
ازدواجية الأخلاق ظاهرة تميز مجتمعاتنا العربية، يكفي تأمل الارتفاع الهائل في عمليات ترقيع غشاء البكارة واستعادة العذرية، هذا يدل أن أخلاقنا زائفة ولا يهم سوى المظهر. وقد أبلغتني إحدى أهم الناشطات في المجتمع المدني والتي تشرف على أكبر جمعية لإعانة النازحين أنها اضطرت بنفسها لكتابة رسائل إلى موقع الإجهاض الآمن لأن العديد من الفتيات الفقيرات وخاصة النازحات تورطن في الحمل ولا مجال لأن يتزوجن فالفقر المدقع يحول بين لقاء الحبيبن. أية مشاعر قهر وذل وانعدام كرامة تحسها تلك الشابة التي بدل أن تفرح أنها ستصير أماً وبأنها حامل من رجل تحبه فإنها تتخلص من هذا الحمل كما لو أنه سرطان، تشويه الروح والمشاعر الجميلة الراقية بالحب والرغبة هو ما يحصل لشبابنا العربي وخاصة في بلاد الحروب. وما أشكال الزواج الغريبة مثل زواج المتعة وزواج المسيار وزواج الفريند إلا تحايل على القوانين كي يتمكن هؤلاء الشبان من أن يعيشوا حبهم ومشاعرهم، ولأن هذا حقهم وهكذا خلقهم الله بهورمونات جنسية تعطي الفرح وتجسد الحب وتؤسس لأسرة معافاة.
أجدر بهؤلاء القيمين على الأخلاق والذين ينظرون باحتقار وقرف لهؤلاء الشبان العشاق (عشاق الشوارع) أن يتفهموا ظروفهم ويرأفوا بهم ويُشفقوا عليهم من قبلات الظلام والبرد الزمهرير والجوع والفقر المدقع. مجتمعاتنا العربية مجتمعات شابة، وهؤلاء الشباب والشابات هم من سيبنون المستقبل. فكيف سيتمكنون من بناء المستقبل وهم مهمشون يرمون بأنفسهم في البحر وفي قوارب الموت بحثاً عن لقمة العيش. بينما تزداد نسب العنوسة ارتفاعاً ويزداد بشكل خطير الحمل خارج مؤسسة الزواج ولجوء الفتيات إلى موقع الإجهاض الآمن. والأخطر أن النفوس تتشوه وتغرق في اليأس والإحساس باللاجدوى وانعدام الأمل. عشاق الشوارع ظاهرة خطيرة يجب أن يلتفت إليها المسؤولون لأن إحباط جيل الشباب سينعكس سلباً وكارثة على الوطن. ولأنني معنية حتى نقي عظامي بالمواطن السوري؛ فأنا أطالب باسم عشاق الشوارع بأن تهتم الدولة بهم وأن تنشئ لهم ما يُسمى ببنك للزواج (كما في دولة الإمارات) مثلاً حيث يُعطى هؤلاء قروضاً تساعدهم على الزواج كي تصون إنسانيتهم ولا يتحولون إلى عشاق الشوارع.
by SuzanAli | Jan 28, 2020 | Culture - EN, Uncategorized
تفكرين بسلّمٍ من حبّات الرّمان، من ضحكاتٍ بالأبيض والأسود، درجاتُه من بخار المدافئبين الجبال، تنزلين عليه إلى الأعماق، عندما تصلُ غيبوبَتكِ إلى الشمال، ترفعُ سمّاعة الهاتفبدلا عنكِ، وتقطعُ الكهرباء عن البيت، ثم تساعدُ النملة في حمل نتف الخبز، وتحاول ُمطولاأن تدخلَ معها في ثقب الزاوية.
توابيت في الأعماق، مستلقيةٌ على أريكتكِ تقلّدين أصوات الموتى، تُصلحين ضوء الولاّعة، ثمتوجهينه ببطء صوب صور الحائط، رَسمَكِ أصدقاءٌ كثيرون، مزجوا ألوانَهم كجنسٍ جماعيوصنعوا لكِ عينين.
في الصورة قرب النافذة، خلفَك الحربُ تشعل سيجارة.
تجلسين في الممر، ممرِّ بيتِكِ الطويل، تنكشين شعرَك بقلم الرصاص، وترسمين على قشرةرأسِك نصف قلب وسهم.
درفةُ شبّاك جارتِكِ في الطّابق العلويّ، بعد أن تُركت على عجل، صار صوتُها حفيفَ شجرِأوّل الخريف، يفكرُ بالرحيل مثلكِ.
في الريف البعيد، وراء الجبال، ربما تعيش امرأةٌ مثلُك، بينما تكتبين الآن وفي يدك تفاحةٌ،تصلح هي ساق طاولتها المعطوبة، وتحرق النمل الخارج من خزانتها المهترئة، تطفئالشمعة بإصبع قدميها ثم تنام.
أشتهي أن أكون أمّا أُرضع طفلي مساء، وأنا أشاهد نشرة الطقس وأتفقدُ الملابس البيضاءمن باب الشرفة فوق حبل الغسيل، على فخذي اليمنى منشفة مطوية لبقايا الحليب، وعلىالأخرى طفلي، ما سأحبّهُ إغماضةُ ذراعيَّ حول جسده، كأنه جنينٌ في رحمي.
لكني سقفٌ لأرملة آخر الجبل، زوّجت ابنتها في الأمس وها هي مشغولةٌ بترتيب وحدتها كمايليق بسوادها، السريرُ تحت النافذة والمذياع على الحافة، والخزانة تسدُّ باب غرفة النوم،غرفة النوم التي أجَّرتْها منذ يومين لامرأةٍ تشبهني.
أشتهي لو كنتُ ثقباً في حقيبة مشرّد، يطويني جيّدا ويغني، وعندما تمتلئ الأزقة بالغرباء مثله،يخاف عليَّ ويحرسني، لا أغيب عن نظره، يقطع غناءه تحت الجسر و ينظر إليّ، نحنتوأمان، كان يخبرُ صديقه على الهاتف أنّه يشبُهني، هو أيضا: ثقبٌ في هذا العالم.
لكنّي فردةُ حذاء ميّتة على سكة قطار، تدوسُني الإيماءات والخطوات والغرباء والقططالبرية وسحالي الظهيرة.
أشتهي لو كنتُ الحربَ، أشربُ زجاجة السُّم وأحقن رحمي بزيت الأرز.
هيّا لنشاهد فيلماً أيّها القنّاصُ البعيد المتكئ على بوز بارودتك
هل تحبُّ الأفلامَ الفرنسيّة؟؟
تلكَ التي تبدأُ بقبلة وتنتهي بانتحار
تعالي إلى شرفتي أيتها الرصاصات الطائشة
نثرتُ لكِ القليل من الحنطة والماء كي تتذكري.
اصمتوا جميعاً وتعالوا إليّ،
عندي أغاني الحصاد والأعراس
شايٌ وقهوة وأعشابٌ برية
عندي نبيذ من دمع الوادي
عندي من البهجة ما يكفينا كي نموتَ معاً.
وأنت يا حبيبي الحزين
فلتجئ على رؤوس أصابعك مع الحرب
سأغلي لكَ الزنجبيل وأفرش غطاء الطاولة البنفسجي
أحضِرْ بين حاجبيك ظلال القبور الطرية
سأنتظركم على الباب بفستاني القرويّ الطويل
وفي يدي جَرّة فخار
وعندما تقتربون وأسمع لُهاثَكم
ستزغرد فوق لساني كلُّ الجثث المجهولة
تلك التي لم يدفنها
لم يزرها أحد.
by لامار اركندي | Dec 26, 2019 | Cost of War - EN, Culture - EN, Uncategorized
أعلنت أنقرة حديثاً بدء العمل على إسكان مليون لاجئ سوري في مدينتي تل أبيض “كري سبي” ورأس العين “سري كانية ” شمالي سوريا وتقديم الدعم لإنشاء مناطق سكنية جديدة لهم في الشمال السوري.
وقالت وسائل اعلام تركية أن أنقرة عينت ولاة أتراكاً للمدينتين مهمتهما إنشاء وكالات محلية لتطبيق القانون في تل أبيض ورأس العين وإدارة حكمها، تزامنت مع تصريحات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على عدم وجود أية مطامع لبلاده في الأراضي السورية، في وقت أعلنت فيه الحكومة التركية على لسان وزير خارجيتها “مولود تشاووش أوغلو”، خلال مشاركته في أعمال منتدى “الحوار المتوسطي” في روما، يوم الجمعة أن حكومة بلاده لا تنوي الانسحاب من سوريا قبل تحقيق تسوية سياسية للأزمة في البلاد.
وتتعرض تركيا لانتقادات من الدول الغربية والعربية بسبب إطلاقها، يوم 9 أكتوبر الماضي، عملية “نبع السلام” شمال شرق سوريا ضد “قوات سوريا الديمقراطية”، حليفة واشنطن في الحرب ضد تنظيم داعش التي تسببت بقتل وجرح المئات من المدنيين بينهم أطفال.
وقدرت “الإدارة الذاتية” في بيان صدر عنها في 27 تشرين الثاني، عدد النازحين بـ 350 ألفاً من مناطق عملية نبع السلام، في حين انحصرت استجابتها لكل هذا العدد الضخم الذي أعلنت عنه، في إقامة مخيم “واشوكاني” قرب بلدة التوينة غربي مدينة الحسكة في بداية تشرين الثاني، وتخلي المنظمات الإنسانية عن دعم الفارين وأوضح الهلال الأحمر الكردي “أنه قد يتسع لنحو 3000 عائلة”. كما أعلنت عن إقامة مخيم آخر في بلدة تل السمن في ريف الرقة الشمالي لإيواء نازحي تل أبيض وريفها في 23 تشرين الثاني الماضي.
المسيحيون متخوفون
وبمساندة المدفعية التركية، تستهدف فصائل المعارضة السورية الموالية لتركية المناطق المدنية ومواقع قوات سوريا الديمقراطية في بلدة “تل تمر” الآشورية شمال غربي مدينة الحسكة وتشهد محاورها الواقعة في ريفها الشمالي معارك عنيفة منذ أسابيع على قرى ” القاسمية والعريشة والمحمودية ومناخ والدردارة”.
ويتخوف المسيحيون في تل تمر من احتلال تركيا والفصائل السورية الموالية لها من المعارضة السورية لمدينتهم وقراهم، وتعرضهم لمجازر يرتكبونها بحقهم، لا سيما بعد بدء مرحلة جديدة من الدوريات المشتركة بين القوات الروسية ونظيرتها التركية، حيث جرى تسيير دورية مشتركة بين الطرفين على اتستراد M4، وبحسب المرصد السوري وهي مجموعة رصد موثوقة مركزها بريطانية جابت الدورية الـ 13 قرية ليلان التي تسيطر عليها فصائل “الجيش الوطني” حتى صوامع عالية التي انتشرت فيها القوات الروسية قبل أيام، وصولاً إلى غرب بلدة تل تمر عند الأوتستراد الدولي، لتنتهي جولتها عند قرية غيبش وعادت الدورية التركية إلى ليلان، بينما تابعت الروسية طريق العودة إلى مطار القامشلي.
ولم تخف “نيمو سركون” سيدة أرمنية التقيناها وشقيقتها “ازنيف” النازحة هي الأخرى من مدينة “تل أبيض” مخاوفها من تكرار مجازر سيفو بحقهم والتي نفذتها الدولة التركية بحق المسيحيين في سنة 1915، وتشير السيدة السبعينية إلى نزوحها من قريتها “المحمودية” للمرة الثانية إلى مدينة تل تمر بعد اشتداد المعارك فيها وتضيف: “خرجنا بثيابنا التي نرتديها أنا وعائلتي وأخفينا صلباننا خشية أن نتعرض لاختطاف على يد مجموعات المعارضة التي تختطف المدنيين في تلك المنطقة”.
انتهاكات الجيش الوطني
وتحدثت المعلومات الواردة عن هدم الفصائل الموالية لتركيا للبيوت في ريف تل أبيض كقرى “كورمازات” الواقعة جنوب المدينة بالقرب من صوامع “شركراك” على طريق حلب-الحسكة الدولي شملت منازل المواطنين الكرد المهجرين بسبب عملية نبع السلام من أهالي القرية بالإضافة لمنازل عناصر في قوات سوريا الديمقراطية”، وعن عمليات خطف ومطالبات بفدية مالية على غرار سيناريو عفرين وعمليات إعدام ميدانية بحق المدنيين وطواقم طبية قتلوا بذريعة أنهم مقاتلون من وحدات حماية الشعب.
ورصدت منظمة سوريون من اجل الحقيقة شهادات عن اعتقالات جماعية نفذتها الفصائل السورية الموالية لتركيا في تل أبيض بحق المدنيين وبينت المنظمة في تقريرها أن فصيل “الجبهة الشامية” على وجه التحديد، قد استخدم أسلوب الإيهام بالغرق[3] و الشبح العكسي[4] وطريقة الدولاب[5] لانتزاع اعترافات من 80 مدنياً بينهم نساء تم اعتقالهم مؤكدة أن أدوات صلبة وحادة استخدمت لضرب أجساد المحتجزين، الذين تجاوزت عمليات تعذيبهم الست ساعات.
وقالت منظمة سوريون أن الجبهة الشامية احتجزت أهالي قرية السرد/الدادات ذات الغالبية التركمانية في أحد منازل القرية بينهم أكثر من 30 طفلاً وصادرت هواتفهم النقالة وبطاقاتهم الشخصية واستولى عناصر الجيش الوطني على سيارات المدنيين ودراجاتهم النارية واستخدمتها في العمليات القتالية. كما استولى فصيل الشامية بحسب تقرير المنظمة على أملاك المدنيين الكرد من منازل ومحال تجارية وعفشها وحول منازل الأشخاص المنضوين ضمن قوات سوريا الديمقراطية إلى مقرات عسكرية للفصيل وأماكن \سكن لعناصره.
وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان “إن مقاتلاً في قوات المجلس العسكري السرياني التابع لقوات سوريا الديمقراطية قتل وأسر أربعة آخرين خلال المعارك التي شهدتها ريف تل تمر بين “قسد” والفصائل الموالية لتركيا. وأكد المرصد أن الفصائل طالبت المجلس العسكري بمبلغ 40 ألف دولار لقاء الإفراج عن المقاتلين الأربعة، وتحدث عن اعتصام المدنيين أمام النقطة التركية بقرية “العلي باجلية” شمالي الرقة، الجمعة منددين بسوء الأوضاع المعيشية التي يعيشونها ورفضهم للانتهاكات التي ترتكبها فصائل ما يسمى بـ”الجيش الوطني السوري” في مناطقهم في تل أبيض ورأس العين وريفهما.
ورغم تحذيرات المنظمات الحقوقية والمحلية والدولية لتركيا من استمرار الفصائل العسكرية ارتكاب الانتهاكات والاعتداءات بحق الأهالي وممتلكاتهم، إلا أنها لم تتخذ أي خطوة لإيقافها أو محاسبتها، وسط اتهامات من أهالي المنطقة أن السلطات التركية موافقة ضمنيا على هذه الممارسات.
عناصر داعش في الجيش الوطني
وكشفت ” أزنيف” أنها شاهدت قبل فرارها من مدينة ” تل أبيض” بعد احتلالها بحوالى عشرة أيام عن مشاهدتها لمسلحين في الجيش الوطني كانوا من جيرانها لكنهم انضموا لتنظيم داعش الذي سيطر على تل أبيض في يوليو 2015وتضيف: “فيصل بلو المنحدر من مدينة تل أبيض انضم لتنظيم داعش وهو كان معروفاً لدى غالبية سكان تل أبيض لامتلاكه أراض زراعية وفيرة ومحطات لبيع المحروقات فيها، لقد عاد الى المدينة مجدداً باسم الجيش الوطني وكان أميراً لتنظيم داعش في تل أبيض. تعرفتُ عليه للوهلة الأولى حين خرج من سيارة جيب مصفحة مع عدد من جنوده حين طلبوا منا نحن المدنيين القلة الذين لم نتمكن الفرار حينها أن نكشف لهم عن العوائل والأشخاص الذين كانوا يعملون ضمن مؤسسات الإدارة الذاتية من العرب لكن بالنسبة للأكراد الذين نعتوهم بالملاحدة والكفرة فقالوا لنا :’عليكم إبلاغنا عن كل عائلة وشخص وحتى طفل كردي سواء أكان على صلة بالإدارة الكردية أولا فهؤلاء جئنا من أجل ذبحهم‘”.
وأضافت: “الداعشي ’بلو‘ نكل بالمدنيين في المدينة وأمر بذبح العديد من الأبرياء روج عن مقتله قبل ثلاث سنوات لكن ذلك كان كذباً فهو اليوم في تل أبيض”.
وتابعت: “لقد دمرت تلك الفصائل كنيسة الاستقلال التي كنت أواظب على أداء صلاتي فيها والقريبة من بيتي كما قال لي جارنا العربي الذي لازال في المدينة حين هاتفته قبل أيام وأحزنني أن الكنيسة باتت في حالة مزرية كما قال لي”.
المفوض الأعلى لشؤون “الشتات الأرمني” زاريه سينانيان قال في لقاء صحفي مع الصحافيين في العاصمة الأرمنية يريفان بأن القوات التركية تمنع أرمن مدينة تل أبيض من العودة إلى بيوتهم.
وبحسب الموقع الرسمي للإذاعة العامة لأرمينيا، فإن 3000 أرمني لا يزالون في شمال شرق سوريا وأُرغم بعضهم على مغادرة بعض المدن هناك إثر الهجوم التركي الأخير.
لم تكن “أزنيف” الوحيدة التي تعرفت على دواعش من أهالي المنطقة ممن انضموا بعدها للجيش الوطني فصهيب الحسن من المكون العربي والنازح من مدينة تل أبيض إلى الرقة شاهد هو أيضاً كما يقول في حديثه لنا: تفاجأت بـ”جاسم المحمد” الذي يعرفه العديد من أهالي المدينة وكان والده يمتلك شاحنة لبيع مادة المازوت ويرافقه في تجواله بين حارات وأفران وريف المدينة قبل دخول داعش لتل أبيض بأربعة أعوام وانضم لهم وكان ينكل بالمدنيين ويهدد بقتلهم حتى أنه اغتصب خمسة نساء من جيرانه بعد أن زج رجالهم في السجن. واليوم يعود ليحتل المدينة من جديد ويقيم فيها مع الفصائل المسلحة التي يعمل معها أولئك المؤتمرون بأوامر الرئيس التركي، فأردوغان منح هؤلاء الدواعش مدننا وأراضينا ليحيوا دولة الخلافة من جديد”.
وأفاد تقرير للمرصد السوري لحقوق الإنسان عن وجود عناصر من تنظيم داعش المتشدد في صفوف الجيش الوطني، تشارك إلى جانب القوات التركية في قتال قوات سوريا الديمقراطية في جبهات تل أبيض ورأس العين وتل تمر وعين عيسى.
وأكد المرصد حصوله على معلومات تفيد أن المقاتلين غيروا أسماءهم وانتقلوا إلى القتال في صفوف الجيش الوطني.
وكشف حزب سوريا المستقبل الذي فقد الأمينة العامة لحزبه “هفرين خلف” على يد مسلحي الجيش الوطني واتهم بقتلها قائد أحرار الشرقية “حاتم ابو شقرا ذو السجل السيء في تهريب قادة داعش من دير-الزور إلى تركيا عن تهريبه لعدد من مسؤولين في تنظيم عناصر إلى تركيا وأشار الحزب في مقال نشره على موقعه الإلكتروني الخاص عن سجل لعدد من مسلحي تنظيم داعش من عدة محافظات سورية ويتواجدون في تل أبيض ورأس العين تحت اسم الجيش الوطني.
نشطاء يوثقون
ووثقت مجموعة نشطاء إعلاميين من مدن شمال شرق سوريا معلومات عن مسلحي تنظيم داعش من السوريينوانتهاكات الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية الموالية لها خلال عملية “نبع السلام” والتي يواكبون نشرها عبر صفحتهم على الفيس بوك وتويتر باسم ” نشطاء روجآفا” والتقيتُ “بسردار سربست” وهو أحد نشطاء الشبكة الذي كشف عن توثيقهم معلومات عن سوريين انضموا للتنظيمات المتشددة ومنها تنظيم داعش وقال: “التقينا العديد من المدنيين الذين واكبوا حقبة سيطرة التنظيمات المتشددة كأحرار الشام وجبهة النصرة وتنظيم داعش على مختلف مدن وبلدات المنطقة الواقعة تحت سيطرة الأكراد، والعديد منهم تعرفوا على مدنيين من سكان مدينتهم وقراهم انضموا لأولئك المتطرفين ومارسوا انتهاكات بحقهم والعديد منهم هربوا إلى تركيا ومنها إلى مناطق المعارضة السورية وأصبحوا موالين لأنقرة تحت اسم الجيش الوطني الذي غالبيته مسلحون من تنظيم داعش واحتلوا عفرين وتل أبيض ورأس العين ويحاولون غزو تل تمر المسيحية ولدينا أسماؤهم وصورهم وفيديوهات ومعلومات كاملة عنهم أرسلناها لجهات دولية معنية لمحاسبتهم”.
وأشار سربست إلى تنسيق الشبكة مع العديد من المواقع الالكترونية المتخصصة في شؤون الإرهاب ونشرهم تقارير تكشف عن مسلحي داعش الذين يقاتلون إلى جانب الجيش التركي باسم الجيش الوطني في عملية “نبع السلام” ضد قوات سوريا الديمقراطية حليف واشنطن في حربها ضد داعش.
تغيير ديموغرافي
واتهمت الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا، في بيانٍ لها الحكومة التركية بالسعي لإحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة بعد سيطرتها على مدن وبلدات في الشمال السوري، خلال عملية “نبع السلام” التي شنتها مؤخراً ضد المقاتلين الاكراد.
وانتقدت الإدارة “صمت الأمم المتحدة” عن الممارسات التركية، واصفة السياسة التركية بـ “داعم للمشاريع الراديكالية بهدف خلق الفوضى، وتنفيذ أجنداتها في المنطقة”. وحذرا من كارثة حقيقية قد تخلقها ممارسات أنقرة في الشمال السوري، مضيفةً: “تركيا وبعد احتلالها لرأس العين وتل أبيض، وتشريدها لأكثر من 300 ألف مدني، تسعى إلى تغيير هوية هذه المناطق بشتى الوسائل والعمل على توطين لاجئين ممن لديها الآن والبالغ عددهم أكثر من 3 ملايين لاجئ بالتنسيق مع الأمم المتحدة”.
شراهة الأطماع التركية قد تلتهم مدناً أخرى كتل تمر والدرباسية والقامشلي وحتى الرقة ودير-الزور وسط صمت دولي وغض طرف قد يعيد تكرار سيناريو لواء إسكندرون وعفرين ومناطق درع الفرات وضمها لتركيا؛ فالخوف والقلق من المجازر ينتاب الأكراد والمسيحيين والعرب مع اقتراب توغل الجيش التركي وفصائل المعارضة الموالية لها في عمق مناطقهم وسط توقعات هجرة أعداد كبيرة منهم إلى أوربا بصفة دائمة بعد احتلال تركيا والفصائل السورية الموالية لها لموطنهم الأصلي شمال شرق سوريا.
by Mohammed Jalal and Naela Mansoor | Nov 7, 2019 | Culture - EN, Uncategorized
تنويه إلى أي قارئ قد تغويه التمارين اللغوية الهذيانية التي نقوم بها فيحسبها تحليلاً وتفكيكاً وفلسفة وسياسية؛ ضميرنا الحيّ يحتم علينا أن نقول لك إن اللغة تغوي بسهولتها كالماء، والحذر واجبٌ من الغرق أو التلذذ المتكرر بلا طائل. ليس الحال أن الإمساك بالكلمات وتعدادها وتصنيفها هو فكر، ولكنّنا نعتقد أن الإمساك بالكلمات التي تُؤذي ضرورةٌ أولية للتفكير بالعنف، ومن بين أنواعه العنف السياسي. ولغتنا الجميلة، ذات المعجم العملاق والخلّاق، تضم كل ما يمكنه جرحنا بعمق كذلك.
«نهيب» كلمةٌ مخيفة، يتلوها شخصٌ مخيفٌ على مواطنين خائفين، تدعوهم للشعور بالخوف من أمرٍ مخيف، قد يؤدي إلى عواقب مخيفة تتجاوز الجرعة اليومية الدائمة من الخوف: «الداخلية تُهيب بالمواطنين إلى ضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية في كل ما يحافظ على أمنهم وسلامتهم»، مصدر عسكري مسؤول: «نهيب بالإخوة المواطنين ألا يصغوا إلى الشائعات التي تروجها تلك التنظيمات الإرهابية»، «وزارة الداخلية تهيب بالأخوة المواطنين التقيد بالأنظمة والقوانين، وعدم اللجوء إلى استخدام مكبرات الصوت وبثّ الأغاني وإطلاق بعض الشعارات والموسيقا الصاخبة التي تؤدي إلى إقلاق راحة المواطنين».
يثير الدهشة مدى التصاق بعض كلمات اللغة العربية وجملها مثل هذه الـ«نُهيب» بنظام الأسد، تلازم بياناته الرسمية التي يضفي بها حضوره الثقيل على السوريين، وتخرج بشكل يومي من أفواه مسؤوليه؛ في تصريحاتهم الصحفية أو لقاءاتهم المباشرة. وكأن هناك قاموس للمعاني يوزعه النظام على مسؤوليه، يضم لغة النظام وكيفية استخدامها، وما يجب ولا يجب استخدامه من المصطلحات، كي لا يبقى أيّ مجال للإبداع والابتكار في التصريحات. وما يثير الدهشة أكثر هو سماع هذه الكلمات تصدر عن جهةٍ غير نظام الأسد، وكأن قائلها ارتكب خطأً لغوياً ما اقتضى تصحيحه، أو ربما هناك علاقة بينه وبين هذا النظام بطريقة أو بأخرى، فهذه المهارات اللغوية لا تأتي من فراغ، بل هي بحاجة إلى إعداد نضالي طويل.
الخطر المحدق
لدى سماع هذه الكلمة يتبادر إلى الذهن شخصٌ متجهمٌ يرتدي حلّة رسمية، يخاطبنا مؤنباً ومنبهاً وواعظاَ. صوته مرتفع، تتوالى كلماته بفصاحة وسرعة ثابته، وتظهر جلياً بينها الفواصل والنقاط وباقي علامات الترقيم. الإخوة المواطنون هم على الدوام «المُهيّب بهم»، عليهم «التهيّب» قدر الإمكان، وإن لم يستطيعوا فعليهم التظاهر بذلك، كي لا يصيب «هيبة» الدولة مكروهٌ ما، فنقع بما لا تحمد عقباه. الإخوة المواطنون عليهم الشعور دائما بأنهم فعلوا أمراً خاطئاً، أو ارتكبوا ذنباً، ولا داعي حتى أن يعرفوا ما هو. «المُهيّب بهم» عليهم الاقتناع بالعيش في عالمٍ دونيٍّ خارج أسوار الدولة، التي يُعدّ مجرد الاقتراب منها تعديّاً على «هيبتها»، وكلما زادت هذه الـ«نهيب» وتطورت طريقة تقديمها، كلما ازداد ابتعاد وخوف «المهيب بهم» من انتهاك هذه الأسوار.
«نهيب» من الفعل «هاب»، أي خاف وخشي. ورغم أنها أفعال داخلية تعبر عن مشاعر لا إرادية، لكن لا شيء لا إرادياً لدى نظام الأسد؛ حتى الحب والكره والخوف. فدعوات النظام المتواترة «للتهيّب» خلقت مع الزمن منعكساً شرطياً يُلزم «المهيب بهم» بالإحساس بخطرٍ ما محدقٍ، فلطالما كان لهذه الـ«نهيب» نتائجاً وخيمةً على عدد محدود أو كبير من الأفراد. هذا أبداً لم يكن صدفة، بل هي الوظيفة الحقيقية لهذه الكلمات؛ فلا يجب أن يُترك المجال «للمهيب بهم» كي «يهابوا» أو «لا يهابوا» كما يشاؤون، فكما أن على السوري أن يقرر أنه «يهاب»، عليه أيضاً أن يقرر بأنه «لا يهاب» خصوم النظام، الأمر الذي يتناسب عكساً مع «هيبته». وعليه أن يقرر أنه يحب ويكره على هوى الدولة، كما فعل وينستون في آخر صفحات رواية 1984؛ عندما اقتنع بأنه يحب الأخ الكبير، واستغرب المشاعر التي كان يُكنّها له في كل مراحل الرواية.
هي دعوة للناس «لتهاب» شيئاً ما «مهيب»، وهي أيضاً رتبةٌ ورثها صدام حسين من أسلافه، ذلك بعد أن تكرست «مهابته» في قلوب العراقيين، بخلاف حافظ الأسد الذي كان مُهيباً يحمل، دون غيره في سوريا، رتبة «فريق». أما المشهد «المَهيب»، فهو الذي نراه عندما يقتضي الأمر بعض الخشوع، أو ربما الحزن والحداد، تماماً كما كان «مهيباً» يوم موت حافظ الأسد ومن قبله ابنه باسل، ومشاهد التنافس في البكاء واللطم عليهما.
لدينا كذلك «المهيوب» قصي؛ مساعد رئيس الاستخبارات الجوية، وأحد ثلاثة عشر مسؤولاً في نظام الأسد موضوعون على قائمة العار الأميركية، و«المهيوب» علي؛ العميد والناطق باسم جيش النظام، والذي اعتدنا عليه وهو «يُهيب» بالإخوة المواطنين، كإحدى أبرز هواياته. كذلك هناك أسمر يا شب «المهيوب»؛ الذي غنت له سميرة توفيق. ولا يرد اسمه هنا لمجرد تشابهٍ في الأسماء، فهذا الوصف شرطٌ لازمٌ لكمال شخصية الرجل الشرقي الذي تتغنى به توفيق؛ الرجل نفسه الذي بنى هذا النظام على شاكلته؛ عنيف وغاضب وعاطفي ومعتدّ برأيه، و«مهيوب» بطبيعة الحال.
الكارثة المنتظرة
«نهيب، هيبة، يهاب، مهيوب…» مفردات تعبر عن عقلية تراتبية عميقة يستبطنها السوريون قديماً، قبل نظام الأسد، الذي بدوره كرسها منذ سيطرته على الحكم لتكون أحد ركائز سلطته. تقتضي هذه الحالة أن «يهاب» الجميعُ الجميع. على المواطنين أن «يهابوا» الدولة، والمدينة عليها أن «تهاب» الريف، والطوائف يجب أن تتبادل «المهابة» فيما بينها. الموظف عليه أن «يهاب» مديره، والمدير عليه أن «يهاب» مسؤول الفرقة الحزبية، الذي عليه أن «يهاب» عنصر الأمن. لم يجد النظام صعوبةً كبيرةً في تعميم حالة «الهيبة» هذه؛ لأن المجتمع الذي «تهاب» فيه الزوجة زوجها، والأطفال آباءَهم، والإخوة أخاهم الكبير، جاهزٌ للانتقال إلى مراحل أكثر تطوراً وتعقيداً من «الهيبة». أعيد إنتاج هذه الحالة في ظل نظام الأسد، بشكل أكثر تطوراً وتعقيداً لينتشر كالعدوى أمرُ الإفراط باستخدام مصطلحات «الهيبة» والتفخيم والتعظيم والتصرفات التي تضمن للأفراد الحفاظ عليها؛ كحمل السلاح واستخدامه في المناسبات الاجتماعية، وغيرها من الممارسات التي تخفي خلفها هزائم وانكساراتٍ وخيبات. التحدث بلهجة أهل الساحل على سبيل المثال هو إحدى طرق السوريين الأكثر ضعفاً وانكشافاً للحصول على قيمة مضافة من «الهيبة»، والاستماع لأغاني علي الديك ووفيق حبيب وغيرهم باعتبار شعبيتهم الكبيرة لدى رموز النظام تندرج كذلك في السياق ذاته.
«أُهبة» الاستعداد؛ من الكلمات المشابهة في شكلها ومعناها. سوريا دائما على «أهبة» الاستعداد لشيء، كحالة طبيعية أخرى نعيشها مع هذا النظام «المُتأهًب». الجيش وقوى الأمن دائماً على «أهبة» الاستعداد، والمواطنون كذلك يجب أن يكونوا على هذه الحال، من أجل تجاوز المنعطف التاريخي الذي نمرّ فيه منذ زمنٍ طويلٍ نكاد لا ندرك بدايته. و«أُهبة» الاستعداد وسمت السوريين في طبائعهم، فهم دائماً على أهبة الاستعداد للنجاة ووضع مخطط ب ومخطط ج ومخطط د موضع التنفيذ حين تأتي الكارثة المنتظرة أبداً، وأهبة الاستعداد توحي بشيءٍ لحظيٍّ يُحدث قطيعةً ما؛ غالباً قطيعة في زمان ومكان السوريين الاستثنائيَّيْن، قطيعة مستمرة متتابعة يقابلها أبد مستمر: الأسد للأبد.
الدولة كما الأب
«الهيبة» كذلك هي من مشتقات هذه الـ«نُهيب»، أو ربما الأمر هو العكس؛ فلهذه الدولة المسماة سوريا وشبيهاتها «هيبةٌ» هي أهم بكثير من الدولة نفسها، الأمر الذي يجعلنا نفهم ما الذي دفع بشار الأسد لأن يقول يوماً بأن لا مشكلة لديه مع المتظاهرين، بل مشكلته كانت مع الذين يصورون هذه التظاهرات وينقلونها للخارج، ويعتدون بذلك على «هيبة» الدولة التي لم يبق فيها حجر على حجر، ولم يعتدِ على «هيبتها» لا توريث للسلطة ولا توزيع أصولها على الأقارب والخلّان.
«التطاول على هيبة» الدولة كان أحد أبرز محركي مؤيدي النظام الذين أعطوا لها الحق بقمع من يخرج عن طاعتها، بذات الطريقة التي أعطوا فيها الحق للوالد بتأديب ابنه الخارج عن الأسرة وقواعدها، فالدولة كما الأب تعرف مصلحة أبنائها أكثر منهم، وبإمكانها أن تضربهم لتربيهم، والمشاكل التي تحدث يجب ألّا تظهر إلى الخارج؛ كي لا تنال من «هيبة» العائلة. الأب مهمته اتخاذ القرارات في هذه العائلة، دون الحاجة للرجوع لباقي أفراد الأسرة الذين لا يحق لهم الاعتراض، حتى لو كان القرار يقتضي تزويج أحد الأبناء أو البنات، أو المهنة التي عليهم اختيارها، والعديد من الأمور الشخصية الخاصة بالفرد. صورة الأب القائد عليها أن تزين جدران البلد؛ كما تزين صور الأب أو الجد جدران المنازل. هنا بالذات يكمنُ جنون اللغة الطغيانية؛ فالدالّ هنا مخيف، ولكنه يرتكز إلى مرجعياتٍ قريبة جداً؛ مرجعيات الأسرة والأب والعائلة والجماعة الأهلية.
هذا الخلط الفصامي بين الدولة وكل شيء يثير جنوننا وجنون غيرنا. أمّا النيل من «هيبة» الدولة، فتكاد تكون أكثر تهمة وجهت قضائياً للسوريين المعتقلين منذ انطلاقة الثورة عام 2011. أُدرجت رسمياً في النصوص القانونية وفي المحاكمات التي خضع لها موقوفون أمام مختلف المحاكم. والحال أن جزءاً مهماً وأساسياً في آلة القمع تلك هي عدم تحديد ماهية ما ينال من هيبة الدولة، كل شيء مفتوح ومبهم في الوقت عينه لتوجيه التهم، الإبهام يشل الحركة والمبادرة ويثير الذعر أكثر. الإبهام أكثر هيبة! منشور في فيسبوك أو عبارة على جدار، أو كلمة قالها صاحبها دون أن يلقي لها بالاً، الشكوى من الفساد والظلم والمطالبة بالحقوق، مجادلة موظفي الدولة ورفع الصوت بحضرتهم، الاعتراض على قانون أو تشريع أو تعيين؛ كلها أمور تنال من «هيبة» دولةٍ نال من حدودها عدة دول وجيوش.
الإبن العاقّ
في محاولة أخرى يائسة لتفكيك غموض وهيبة «الهيبة»، تساءلنا بسذاجة: هل يمكن لمن تُوجه له هذه التهم من نوع «النيل من هيبة الدولة»، والتي هي على شاكلة تهم كثيرة من قبيل «وهن عزيمة الأمة»، «إضعاف الثقة بالاقتصاد الوطني»، «بث الفرقة بين عناصر الأمة»، «الخيانة»، و«التعامل مع جهات أجنبية» … إلخ، هل يمكن لحامل تلك التهم أن يكون بارداً تماماً دون أن يُجرح؟ الكثير من المعنيين كانوا يضحكون فيما بعد على التهم الموجهّة إليهم ويشعرون وكأنهم في محاكاة ساخرة (باروديا)، ولكن هل يمكن لهم حقاً ألا يُجرحوا؟ قد يضحكون من منطلق الاستهجان الأقصى لهول التهمة، إلا أن هذا الاستهجان بعينه هو الذي يدلنا على جرحٍ ما. لماذا تجرحنا تهم المس بهيبة الدولة والأمة وإثارة النعرات الطائفية؟
ولكنّا نسينا أن نعرّف تعريفاً مبدئياً لغوياً للهيبة، حقاً ما هو تعريف الهيبة؟ نشعر به مفهوماً جمالياً، الطلة مع مزيج من بث الاحترام والسحر، وهناك طبعاً شيءٌ من الرصانة…. وماذا بعد؟ قد يكون مفيداً أن نقارن مُعادلات كلمة «هيبة» في اللغات الثانية، على الأقل تلك التي نعرفها في الفضاء المتوسطي المشابه إلى حدٍّ ما في جذوره البطريركية. لا كلمة معادلة تفي الهيبة العربية حقها: هي المكانة مع القوة مع الكرامة مع الوقار مع فخر، وثمة كذلك عنصر جمالي ما لا يمكن تبينه بدقة؛ ينطبق على الرجال والنساء، ولكن على الرجال أكثر، لتشتمل الهيبة بذلك عنصراً من تمثيلات الذكورة؛ شيء ما يتماهى معه تيم حسن، شيخ الجبل في مسلسل «الهيبة» ذي الثلاثة أجزاء، والذي لقي رواجاً كبيراً، إذ تجري أحداثه في قرية تحمل اسم «الهيبة»، بطله تاجر ومزارع حشيش، يتزعم عصابةً خارجة عن الدولة والقانون، ورغم ذلك سحرَ مشاهدي المسلسل «بهيبته» ووسامته وإنسانيته وطيبة قلبه. يعيش هو والدولة اللبنانية صراعاً على «هيبتهما» التي تنقص كل واحدة منهما الأخرى. إذن في النهاية: الهيبة عنصر جمالي تمثّلي وليس طبيعياً إو إجرائياً، يعاقب القانون السوري على النيل منه، وهو عنصر ذكوري أبوي، المسّ به يُشعر المُدان بعار العقوق.
في الحقيقة إنْ ابتغينا تفكيك جرح «المس بهيبة الدولة» فإنه يكمن هنا بالضبط؛ إحساس العقوق والذنب العميق. التعابير العاطفية والجمالية والعاطفية المستعملة في مقامٍ قانوني غير مقامها تمحي المسافة بين الدولة/الأمة/الوطن والقائد، لتصبح علاقة قربى في غير محلها؛ علاقة سفاح في الواقع. الأفراد المحكومون فيه يُقرّبون بطريقة انتهاكية من جسد «الأب القائد» الذي «منحبّك» دون احترام للمسافة التي تكفلها لغة قانونية باردة غير انطباعية وغير عاطفية. وحين ينتهك المحكوم ضمن تلك العلاقة يشعر بالذنب مثل المغتصب تماماً الذي انتهكت خصوصيته. في الحقيقة طرق التعذيب في السجون السورية لها خصوصية لا تمتلكها أي سجون في العالم، ليست الوحشية هي تلك السمة، فالوحشية وجدت (وربما أكثر) في الكثير من التجارب الإنسانية. ما يميّز التجربة السورية هي العلاقة الحميمة مع جسد المعتقل وتملكه، ولا نقصد بالعلاقة الحميمية الانتهاكات الجنسية وحسب، ولكن الإصرار على ملكية المعتقل وتأديبه وكأنه ابن عاقّ. لا داع بعد ذلك أن نشرح.
كان في انتفاضة الثائرين السوريين عام 2011 محاولة لاستبدال «الهيبة» بـ«الكرامة»، محاولة لإسقاط «هيبة» الدولة في نفوسهم، وقبل ذلك «هيبة» مجتمعاتهم والأفراد المحيطين بهم، فأصابوا هذا النظام بمقتل، وتهاوى أمامهم هذا الصنم العملاق، وكنا على موعد لتغيير اجتماعي وسياسي حقيقي، قبل أن تنحدر الأمور بطريقة غير منضبطة، لنصل إلى ما نحن عليه الآن. واليوم كل ما يقوم به النظام من اعتقالات وترويع وقتل تحت التعذيب في المناطق التي يسيطر عليها، وقصف بربري في المناطق خارج سيطرته، هو محاولة منه لاستعادة «هيبته» كشرطٍ لازم لاستمراره.
*نُشر المقال على موقع أوريان21 هنا.
by هيفاء بيطار | Oct 31, 2019 | Cost of War - EN, Culture - EN, Uncategorized
طوال ثماني سنوات ومنذ بداية الثورة السورية، كان الفيس بوك وغيره من وسائط التواصل الإجتماعي حلاً مثالياً كي لا ينفجر الناس من الغيظ وكي يعبر كل مواطن عن أفكاره ومشاعره وبما أنني اخترت أن أعيش في اللاذقية رغم أن كل أسرتي في باريس لأنني أريد أن أكون ضمير شعبي الحبيب وأشاركه آلامه وآماله، حتى أنني وبكل محبة كنت أستقبل في بيتي في اللاذقية النخبة المثقفة والسياسية في اللاذقية كي نتبادل الحوار ووجهات النظر. لكن كم يؤلمني ويؤسفني أن أحكي كيف تطورت الأمور خلال هذه السنوات الثماني.
بداية لا بد من الإقرار أن كل سوري خاسر سواء كان موالياً للنظام أو معارضاً له، الموت حصد الآلاف من شبان سوريا سواء كانوا من الجيش السوري أو من الفصائل المعارضة. النزوح طال الجميع سواء كانوا موالين للنظام أم معارضين له، الانهيار الاقتصادي المروع أذل الجميع وانهارت الطبقة الوسطى ليصير الفقر هو سمة المجتمع السوري. وكنت أتوقع أو أتأمل أن الجرح العميق الذي يوحد السوريين سوف يزيدهم تآزراً وتعاضداً ومحبة، لكن للأسف (وبشكل عام) العكس هو الذي حصل، فشلة المثقفين (ومعظمهم سُجن أكثر من 10 سنوات أيام الثمانينات) والذين يزيد عددهم عن الخمسة عشرة صاروا يترددون في الاجتماع في بيتي وصار كل واحد منهم يسألني: هل فلان سيحضر؟ فإذا أجبته: أجل سيحضر، يسرع ليقول: إذاً أنا لن أحضر لأنني لا أتفق معه ولا أطيق منطقه في التفكير وفي قراءة ما يحصل على الأرض السورية.
أصبحت النخبة المثقفة السياسية والتي دفع كل واحد منها سنوات طويلة من حياته في السجن لا تطيق بعضها. وكنت أتساءل بسذاجة: كيف يختلفون جوهرياً وكل منهم دفع زهرة شبابه في السجون السورية، بل (لا أبالغ) إذا قلت أنهم صاروا يخونون بعضهم البعض ويتهمون بعضهم البعض بالكذب والانتهازية. حتى اضطررت أن ألغي تلك اللقاءات الغنية بين الأصدقاء والتي كانت في العام الأول ونصف العام الثاني للثورة السورية التي فشلت وانحرفت كلياً عن مسارها في تحقيق الحرية والكرامة. وإذا كانت النخبة المثقفة والسياسية والتي تعيش في الداخل السوري تختلف في رؤياها اختلافاً جذرياً بدل أن تكون قدوة للشعب المتألم وجامعة له، فكيف حال عامة الشعب! للأسف من يتابع مواقع التواصل الإجتماعي الخاص بسوريا يرى هول الشرخ بين السوريين، فأحدهم مثلاً كتب لي موبخاً وبوقاحة إعجابي بزياد الرحباني لأن الموقف السياسي لزياد الرحباني لا يعجبه، وحين أجبته بكل لباقة بأن كل إنسان حر بموقفه السياسي وبأنني أقدر زياد الرحباني وأحب إبداعه بمعزل عن موقفه السياسي اتهمني بالتذبذب وأعلن أنه سيكف عن قراءة كل ما أكتب.
زميلة أخرى تعيش حالياً في إحدى دول اللجوء عنفتني بشراسة لأنني ترحمت على الممثل القدير فاروق الفيشاوي وأنا معجبة بفنه للغاية ولا تعنيني حياته الشخصية، والسيدة إياها اعتبرتني خائنة للشعب السوري لأن فاروق الفيشاوي زار دمشق. وكي تكتمل الصورة فإن من خونني لأنني أحب فن زياد الرحباني ومن خونتني لأنني أحب الممثل المبدع فاروق الفيشاوي، كانا يعيشان في الداخل السوري كالنعجة، لا ينطقان بحرف في انتقاد حتى كومة قمامة في الشارع ! ويتملقان كل مسؤول ويكيلان المديح له ، بل كانا يتجنبانني لأنني أكتب مقالات جريئة في نقد الأخطاء والممارسات الخاطئة في المجتمع السوري ، وقد دفعت ثمن مواقفي من منع السفر إلى استدعائي مراراً إلى الأجهزة الأمنية. ولم يكن أحد يجرؤ أن يدعمني أو يقف إلى جانبي في محنتي، فمن تستدعيه الأجهزة الأمنية يخاف منه أصدقاؤه ويبتعدون عنه كما لو أنه وباء. لكن حين خرج هؤلاء النعاج المنافقون خارج الوطن بدؤوا بالجعير وصار سهلاً عليهم الشتم وليس النقد، حتى أنهم اتهموني بأنني جبانة ويجب أن تكون مقالاتي أكثر جرأة وحدة في انتقاد النظام (النظام فقط وليس الجماعات المتطرفة الإرهابية التي لا يذكرونها أبداً والتي أبدعت في سفك الدم السوري والخطف والذبح) وأزعم أنهم يطالبونني بأن أكتب بجرأة أكبر كي أكون كبش المحرقة وكي يتفرجوا علي وحيدة وعزلاء في مصابي وهم يتلذذون.
ما أسهل أن تدعي الشجاعة والبطولة وأنت خارج سوريا، هؤلاء أشبه بديوك على مزبلة، وقد ابتلي الشعب السوري بقسم ممن يسمون أنفسهم بالمعارضة الخارجية التي ارتهنت لدول عديدة شريكة في سفك الدم السوري وقبضوا ثروات، وكلهم يتفقون على عبارة موحدة بأنهم يريدون أن يضحوا بآخر قطرة من الدم السوري! سبحان الله من قال لهم بأن الشعب السوري يريد أن يموت، الشعب السوري يحب الحياة والفرح ويريد أن يزوج أولاده ويزغرد في أعراسهم وليس في جنازاتهم. وهؤلاء الذين يتهمونني (ويتهمون غيري) بأنني أحب زياد الرحباني وفاروق الفيشاوي (وهم معترضون بشراسة على موقفه السياسي) لا ينبسون ببنت شفة على شلة الأدباء والفنانين الذين زاروا اسرائيل وتباهوا بالتطبيع معها.
أنا أؤمن أن الشعب السوري أعزل تماماً فلا النظام يمثله ولا المعارضة، وهو متروك للفقر والعقوبات الاقتصادية ولرفض العالم له، ومعظم دول اللجوء حالياً تتمنى وتسعى لترحيله وإعادته إلى سوريا التي تشرذمت وتجزأت. المؤسف أن من يكون منطقياً وغير متطرف وصادقاً في حب سوريا والشعب السوري، أي من يكون معتدلاً يُعاقب من قبل النظام الذي يمنعه من السفر ويشحطه إلى فروع الأمن كلما كتب مقالآ جريئاً ينتقد فيه مظاهر الفساد في سوريا، ويكون منبوذاً وخائناً أيضاً بالنسبة لمعارضة الخارج الموظفة لدى دول معينة وتقبض منها الملايين، ولا أنكر أن بعض أطراف معارضة الخارج الحاقدين يتهمونني بالتذبذب وبأنني ضمنياً مع النظام لأنني لست في السجن!! كما لو أن كل سوري كي يثبت وطنيته يجب أن يكون في السجن، وبعضهم يقول لي: لأنك مسيحية يتسامح معك النظام. ولا أعرف ما هذا التسامح!! وقد مُنعت مرتين من السفر وأنا على الحدود وفي إحدى المرات كنت مسافرة إلى البحرين لأشارك في مؤتمر ثقافي وتبدد السفر لأنني عرفت على الحدود أنني ممنوعة من السفر (الله أعلم لماذا). هل يجب أن يُقطع رأسي ورأس كل مثقف وطني ليثبت لهؤلاء المرتزقة أنه وطني ويحب الشعب السوري! بل إن البعض من هؤلاء المرتزقة يعتبرون كل مثقف يعيش في سوريا هو موال للنظام.
كم أحس بالقهر وخيبة الأمل وأنا أرى ما آل إليه وضع معظم السوريين بعد ثماني سنوات من الثورة السورية المُنتهكة، فبدل أن يوحدهم الجرح جعلهم ينفرون من بعضهم (رجاء لا أعمم) والطامة الكبرى أن نخبة المثقفين الذين قضوا سنوات طويلة من حياتهم في السجن دفاعاً عن مبادىء الحرية والكرامة ما عادوا يطيقون بعضهم وكل منهم يخون الآخر بل يعتبره موظفاً عند الأجهزة الأمنية. ويتحدثون عن إعادة الإعمار!! هل الإعمار ببناء حجر فوق حجر. من يرمم الشرخ الفظيع الذي حصل في نفوس السوريين. من يعيد للسوري روعة عبارة أخي في الوطن وشريكي فيه مهما كانت قناعاته سواء أحب زياد الرحباني وفاروق الفيشاوي أم كرههما. لأن بناء الوطن لا يقوم على الحجر بل على البشر. المؤسف أن الأحقاد انتصرت على الحب. وحصل شرخ كبير بين السوريين ألمسه تماماً هنا في باريس.